مقالات رأى

محددات تعزيز العلاقات بين مصر وأوزبكستان

طباعة

 فى زيارة هى الأولى من نوعها منذ توليه رئاسة جمهورية أوزبكستان، وهى الأولى لرئيس أوزبكى منذ أكثر من ١٥ عاما، جاءت زيارة الرئيس شوكت ميرضيائيف الأولى إلى مصر في 20 فبراير2023؛ إذ مثلت هذه الزيارة خطوة مهمة فى مسيرة العلاقات بين البلدين، حيث تتمتع مصر وأوزبكستان بعلاقات متميزة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية بوجه خاص، فى ضوء ما يمثله الأزهر الشريف من ركيزة أساسية فى الروابط الثقافية والدينية بين البلدين.

وفى ضوء هذه الزيارة المهمة يلقى هذا التحليل الضوء على عدد من المحاور الرئيسية فى مسار تعزيز العلاقات المصرية الأوزبكية:

أولا- مصر وأوزبكستان.. دبلوماسية فاعلة واتفاقات متعددة:

تعود العلاقات المصرية الأوزبكية إلى عام ١٩٩٢ حين تم توقيع البيان المشترك بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهو ما تلته عدة زيارات رئاسية جاء بدايتها مع زيارة الرئيس الأوزبكى السابقإسلام كريموف إلى مصر فى عامى 1992، و2007 ، والتوقيع على اتفاقات لتعزيز العلاقات.

وقد جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى توجه جديد لفتح دائرة جديدة فى دوائر السياسة الخارجية المصرية، وهى الدائرة الآسيوية بوجه عام، والتوجه نحو آسيا الوسطى على وجه الخصوص فى سبتمبر 2018، لتدخل العلاقات مرحلة جديدة من الصداقة والتفاهم، وتمثل نقطة انطلاق حقيقية لتعزيز مسيرة العلاقات بين البلدين.

وتُستكمل هذه المسيرة بزيارة الرئيس شوكت ميرضيائيف للقاهرة، التى استهدفت تعزيز العلاقات على جميع المستويات وتمثل تعزيزا للمسيرة التعاونية بين البلدين، وتعكس الرؤى المتقاربة فيما يتعلق بالرؤية التنموية وإعادة بناء أسس التقدم والتنمية.

أما على المستوى الاقتصادى فهناك ما يزيد على ٥٠ مذكرة تفاهم واتفاقية موقعة بين الجانبين المصرى والأوزبكى، كما وصل حجم التبادل التجارى بين البلدين نحو 50مليون دولار، وهو مبلغ ضخم مقارنة بحجم التبادل فى السنوات الماضية، إلا أن هذه النسبة تظل ضعيفة بالنظر لمسيرة العلاقات التاريخية بين البلدين، ولا ترقى إلى حجم التعاون بين بلدين يتمتع كل منهما بموارد ثمينة وموقع استراتيجى، كل فى منطقته، فأوزبكستان قلب آسيا الوسطى ومصر قلب العالم العربى والإسلامى، خاصة أن مجالات الاستثمار والتعاون بين البلدين واسعة ورحبة؛ فأوزبكستان دولة واعدة تتميز بموارد هائلة خاصة مع إنشاء خطوط سكك الحديد التى يُطلق عليها ممر آسيا الوسطى التى تربط بين ترميز فى أوزبكستان ومدينة بيشاور الباكستانية عبر مزار الشريف وكابول فى أفغانستان. ويمكن أن تنقل ما يصل إلى 20 مليون طن من البضائع سنويا، ما سيسمح لدول آسيا الوسطى الوصول إلى مصر بسرعة وبسهولة عبر الموانئ الباكستانية.

ثانيا – زيارة الرئيس ميرضيائيف.. مخرجات وتفاهمات:

دائما ما تسهم القواسم والرؤى المشتركة بين الدول إلى التقارب، وإيجاد المزيد من مجالات التعاون المشترك، وهو ما يظهر فى حالة مصر وأوزبكستان؛ إذ ترتبط مصر وأوزبكستان بقواسم تاريخية مشتركة من شأنها دفع العلاقات الثنائية، كما ترتبطان أيضا برؤى مشتركة فى عديد الملفات الداخلية والخارجية، فضلا عن بروز الثقافة والاقتصاد كأهم مرتكزاتها، وهو ما يظهر فى السياسات الداخلية المتشابهة بين القيادة السياسية فى كلا البلدين، جاء على رأسها الحد من الفقر والحماية الاجتماعية وتمكين المرأة وتطوير مشروعات البنية التحتية؛ حيث تشترك كل من مصر وأوزبكستان فى وضع استراتيجية الحد من الفقر كجزء من استراتيجية التنمية الأوزبكية للفترة 2022-2026، ورؤية مصر 2030.

وتشترك مصر وأوزبكستان فى عديد القضايا المتشابكة والرؤى المتقاربة التى يأتى على رأسها مكافحة الإرهاب والتغير المناخى وقضايا العالم الإسلامى، فهناك تعاون فى إطار منظمة الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامى ومنظمة شنغهاى للتعاون، ومؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة فى آسيا (CICA)، حيث رحبت أوزبكستان ترحيبا واسعا بانضمام مصر إلى "منظمة شنغهاى للتعاون" بصفة "شريك حوار"، وذلك فىأثناء فترة رئاسة أوزبكستان للمنظمة خلال قمة "منظمة شنغهاى للتعاون" التى عُقدت فى مدينة سمرقند يومى 15 و16 سبتمبر 2022، فضلا عن التنسيق فى المنظمات الدولية والإقليمية الأخرى.

 كما تقوم سياسة مصر وأوزبكستان الخارجية على أساس الالتزام بمبادئ ومواثيق المنظمات الدولية والإقليمية، والعمل على تحقيق أهدافها فى إطار من المشاركة والفاعلية. وتتمثل أهم تلك المبادئ فى مبدأ المساواة فى السيادة، ومنع استخدام القوة أو التهديد بها فى العلاقات الدولية وفض المنازعات بالطرق السلمية، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وكذلك العمل على تنفيذ أهداف الأمم المتحدة، وخاصة حفظ السلم والأمن الدوليين، وتنمية العلاقات الودية بين الشعوب، وتحقيق التعاون الدولى فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية.وهو ما يُظهر رؤية كل من مصر وأوزبكستان المشتركة فى تأييدهما لضرورة حل جميع النزاعات والخلافات بالمفاوضات السياسية والمبادرات السلمية والوساطة فى إطار المعاهدات الدولية وميثاق هيئة الأمم المتحدة، وغيرها من الملفات التى يمكن أن تفتح آفاقا أرحب للعلاقات وهو ما تجلى فى القضايا التى جاءت على رأس أولويات المشاورات بين الرئيسين شوكت ميرضيائيف وعبد الفتاح السيسى، وهى:

- قضايا الأمن الاقتصادى (أمن الطاقة والأمن الغذائى نموذجان)؛إذ يعد قطاع الطاقة المتجددة أحد القطاعات الواعدة للتعاون بين البلدين خاصة فيما تتمتع به مصر من خبرة فى هذا المجال، وهو ما يمكن الاستفادة منه فى إنشاء مشروعات مشتركة بين الجانبين.

- مكافحة التطرف والإرهاب، جاء ملف مكافحة الإرهاب على رأس أولويات الرئيسين المصرى والأوزبكى؛ فقد عبرا عن رؤيتهما المشتركة فيما يتعلق بالأمن والسلم خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى أوزبكستان فى 2018، حيث أكدا من منطلق دعمهما للتعاون الإقليمى والدولى أهمية تطبيق عملية السلام الشامل فى أفغانستان تحت قيادة الشعب الأفغانى، كما أعربا عن ارتياحهما للجهود والمواقف المتطابقة من موضوع استقرار أفغانستان وإعادة إعمارها، وهو ما تكرر خلال زيارة الرئيس شوكت ميرضيائيف إلى القاهرة؛ حيث أكد الرئيسان دعم الأمن والاستقرار فى أفغانستان، وعدم السماح بوجود ملاذات آمنة للإرهابيين والمتطرفين فيها، مؤكدين دعمهماجهود الإغاثة والأعمال الإنسانية فى أفغانستان تفاديا لحدوث أزمة إنسانية.

- قضية سد النهضة، توافَق الجانبان خلال المحادثات على أهمية إيجاد حل لقضية (سد النهضة)، وتشجيع الجانب الإثيوبى على توقيع اتفاقية ملزمة قانونيا بشأن ملء وتشغيل السد، ما يؤكد دعم الجانبين فى القضايا التى تمثل نزاعات دولية وتمثل أولوية لكل منهما.

القضية الفلسطينية، تم الاتفاق على أهمية إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وإيجاد حل سياسى للنزاع الروسى الأوكرانى لما له من تأثيرات فى العالم كله.

الأزمة الأوكرانية، امتد تأثير الأزمة الأوكرانية التى طال أمدها منذ عام على مختلف دول العالم وهو ما دفع الرئيسين إلى تأكيد ضرورة إيجاد حل لهذه الأزمة.

وتم التوقيع أيضا على نحو8 مذكرات تفاهم فى مختلف المجالات، تشمل التعليم، والتجارة، والصناعة، والزراعة، والسياحة، ما يمثل قوة دافعة للتعاون فى تلك المجالات وفتح أسواق جديدة لزيادة معدلات النمو التجارى والسياحى بتعزيز الحركة الوافدة فى ظل ما تمثله الوجهات السياحية فى مصر وأوزبكستان من فرصة ذهبية لتبادل الزيارات والرحلات السياحية بين البلدين، وكان أبرزها:

- مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بجمهورية مصر العربية، ووكالة الترويج الاستثمارى بوزارة الاستثمار والصناعة والتجارة بجمهورية أوزبكستان.

- مشروع خطة العمل المشتركة بين الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بجمهورية مصر العربية، ووكالة الترويج الاستثمارى بوزارة الاستثمار والصناعة والتجارة بجمهورية أوزبكستان "2023-2024".

- مشروع اتفاق للتعاون بين وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بجمهورية مصر العربية، ووكالة وقاية النباتات والحجر الزراعى التابعة لوزارة الزراعة بجمهورية أوزبكستان، فى مجال وقاية النباتات والحجر الزراعى.

- مشروع مذكرة تفاهم للتعاون بين المجلس المصرى للاعتماد والوكالة الأوزبكية للتنظيم الفنى.

- مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بجمهورية مصر العربية، ومركز الحضارة الإسلامية بأوزبكستان التابع لمجلس الوزراء بجمهورية أوزبكستان.

- مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية بجمهورية مصر العربية، وأكاديمية العلوم "معهد أبى الريحان البيرونى للدراسات الشرقية".

- مذكرة تفاهم للتعاون بين وزارة التعاون الدولى بجمهورية مصر العربية، ووزارة الاستثمار والصناعة والتجارة بأوزبكستان، فى مجال تبادل الخبرات.

- مشروع مذكرة تفاهم للتعاون بين وزارة الصحة والسكان بجمهورية مصر العربية، ووزارة الصحة بجمهورية أوزبكستان، فى مجال الصحة.

ثالثا- مصر وأوزبكستان .. فرص واعدة:

غنى عن القول إن الحالتين المصرية والأوزبكية متشابهتان إلى حد كبير؛ حيث يشهد البلدان إصلاحات هيكلية ومؤسسية فى طريقهما نحو جمهورية جديدة بمبادئ جديدة ومشروعات تنموية بارزة من شأنها أن تضع البلدين فى مصاف الدولة المتقدمة، الأمر الذى يستوجب تعزيز العلاقات بين البلدين، فهناك فرص كبيرة من شأنها تعزيز العلاقات من خلال عدد من المجالات على رأسها التعليم والتعاون البرلمانى، إلا أن هذه العلاقات مازالت تحتاج إلى دفعة قوية خاصة فى ظل الإصلاحات التشريعية التى تبنتها أوزبكستان فى الآونة الأخيرة فى مختلف المجالات، والتى قدمت عديد التسهيلات فى شتى القطاعات، وهو ما يمكن تنفيذه من خلال ما يأتى:

- تفعيل الاتفاقات الموقعة بين الجانبين فى مختلف المجالات.

- زيادة حجم التبادل التجارى بين البلدين وتوسيع التعاون الاستثمارى، حيث إن حجم التبادل مازال لا يرتقى إلى مستويات العلاقات التاريخية بين البلدين، من خلال تفعيل منتديات التعاون الثنائية بصفة دورية وتبادل الوفود من رجال الأعمال.

- العمل على تدشين خط طيران مباشر بين القاهرة وطشقند، ما يسهم فى زيادة تدفق الوفود السياحية أو الاستثمارية بين البلدين.

- تعزيز التعاون بين مراكز الفكر والأبحاث فى كلا البلدين.

- تعزيز التعاون التعليمى والثقافى خاصة فى ظل وجود الأزهر الشريف والمؤسسات التعليمية فى أوزبكستان من خلال الأكاديمية الإسلامية الدولية فى أوزبكستان، ومعهد طشقند الإسلامى، وغيرها.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    نورهان أبو الفتوح

    نورهان أبو الفتوح

    مساعد مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية.