مقالات رأى

القاهرة - واشنطن.. علاقات فى مئويتها

طباعة

مائة عام من العلاقات الراسخة بين مصر والولايات المتحدة، وربما استخدام مصطلح "الاستراتيجية" أصبح تقليديا، ولم يعد مجديا لوصف هذه النوعية من الدبلوماسيات القوية والمتزنة بين بلدين لهما من الثقل والريادة على المستويين الإقليمى والدولى، ما مكنهما من استمرارية ودعم بل توطيد هذه العلاقات.

ولعل العلاقات بين الجانبين تأثرت بالأنظمة المتعاقبة وتوجهاتها المختلفة، ذلك مع مجموعة من الثوابت أبرزها الدور القيادى للبلدين إن كان لواشنطن على المستوى الدولى، أو القاهرة على المستوى الإقليمى، وهو ما خلق مساحة مشتركة من التفاهم والسعى المشترك من أجل تخطى وتجاوز الفجوات، لكن ظلت الدبلوماسيات بين البلدين عرضة للتغيير، فالمتابع لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، بإمكانه ملاحظة، مجموعة من الثوابت والمتغيرات، تحكمها وتؤثر فيها، أبرزها الإدارة الأمريكية، التى تختلف توجهاتها باختلاف خلفيتها والحزب القادمة منه سواء ديمقراطى يؤمن بمفاهيم متعلقة بالحقوق والحريات، أو جمهورى محافظ يؤمن بأمريكا وقوميتها، أضف أيضا التشكيل الجديد للكونجرس، لاسيما عقب سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، وتصدر الجمهوريين لمجلس النواب، واحتمالية التغيير المنتظر فى السياسات الأمريكية الخارجية.

وثمة عدة أبعاد تشكل الإطار للعلاقات فيما بين البلدين، أهمها الأبعاد السياسية والاقتصادية وأيضا العسكرية، إلى جانب مجموعة من المرتكزات، أبرزها، تحقيق مصالح البلدين وأهدافهما، مع تأمين مصالح الحلفاء، والأهم احتياج الولايات المتحدة لصد الجماعات المتطرفة والمقبلة من الشرق، فواشنطن تدرك جيدا قيمة القاهرة كحليف استراتيجى، إلى جانب إلمامها بريادة وزعامة مصر على المستويين الإقليمى والدولى، سواء تصدر المشهد إدارة جمهورية أو ديمقراطية.

كما تدرك الدولتان ضرورات التشاور فيما بينهما، من منطلق محورية القضايا والأزمات المتصدرة التى تتطلب تعاونهما وتنسيقهما، كما أن الرؤى المشتركة بينهما، مع تبنى المواقف الإيجابية، جميعها عوامل أسهمت فى توطيد علاقاتهما واستراتيجيتها، أيضا كانت هذه العلاقات ولا تزال متأثرة بالعديد من الأقطاب والقوى الدولية، وفى المقدمة روسيا، والصين، والاتحاد الأوروبى.

ولا شك فى أن مصر سعت متفردة ومن خلال دبلوماسيتها المعهودة، إلى خلق حالة من التوازن فى علاقاتها مع القوى المختلفة، مع الوضع فى الحسبان المصالح والأهداف الاستراتيجية، التى لن تتحقق إلا فى إطار من التفاهم والتواصل مع هذه القوى، والأهم مراعاة سيادتها ومصالحها أيضا.

ولا يفوتنا فى هذا الصدد تسليط الضوء على السياسة الخارجية كمحدد رئيسى للعلاقات الدولية؛ حيث تؤدى السياسة الخارجية دورا مهما ومؤثرا فى العلاقات بين البلدين، إن لم يكن العلاقات الدولية بشكل عام والتعاون فيما بين الدول، غير أن العلاقات فيما بين الدول تعد الأكثر شمولية وعمومية من مجرد السياسات الخارجية، كونها تشمل معظم الأنشطة والممارسات التى تحققها الدول وتهدف إليها فيما بينها من أجل تحقيق مصالحها وأهدافها، لتشمل السياسة الخارجية مجموعة التوجهات والقناعات التى تتمتع بها الإدارات ونظم الحكم المتعاقبة من أجل مد هذه العلاقات وتحقيق أطر التعاون والتنسيق بين دولتها والدول المختلفة.

وتتأثر السياسات الخارجية بالسياسات الداخلية ومدى استقرار النظم، لكنها تختلف عن السياسات الداخلية كونها صادرة من الجهات الرفيعة بالدولة وموجهة إلى الخارج من أجل تحقيق المصالح القومية للبلاد، فى الوقت نفسه هى غير ملزمة، فكل دولة تكيف سياساتها الخارجية وتتكيف معها حسبما ترى، وطبقا لتوجهاتها وقناعاتها، وإن كانت ثمة مجموعة من التشريعات والقوانين بل المعاهدات الدولية تحكم السياسات المتنوعة للدول.

ولعل التغييرات المؤثرة فى السياسة الداخلية، كالتشابكات الاجتماعية والهيكلية المؤسسية، إلى جانب خلفيات القادة وصناع القرار، تعد فى مقدمة القناعات الموجهة للسياسات الخارجية، وآليات عملها وتحركاتها.

والسياسة الخارجية الأمريكية تحديدا لها طابع خاص، كما تحكمها عدة محددات أهمها المصالح القومية إلى جانب القيم الأمريكية المتعارف عليها، والأهم تأكيد الدور الريادى للدولة الإمبريالية، ذلك بالإضافة إلى البيئة الخارجية والدولية المحيطة وما تشهده من صراعات وانقسامات، أيضا أطر تعاون وتنسيق مختلف بين الإقليم والدول المتجاورة.

وإن كانت الولايات المتحدة يعرف عنها، كونها دولة المؤسسات، وأن صناعة القرار الخارجى أو الداخلى، هى نتيجة لقناعات هذه المؤسسات مجتمعة، إلا أنها شأنها شأن أى دولة حاضرة على الساحة الدولية أو الإقليمية، سرعان ما تتغير سياساتها الخارجية بتغير الإدارة أو نظام الحكم، فما يحكم سياستها الخارجية من قناعات وتوجهات إبان الحكم الديمقراطى، يختلف عما يحكمها إبان العهد الجمهورى، من ثم فإن العلاقات فيما بينها وبين الدول عرضة للتغيير وعدم الاستقرار، وهو ما ظهر جليا وأثر بشكل ملحوظ على علاقاتها مع مصر، إلا أنها لا تزال تتمتع بحالتها الاسترتيجية.

طباعة

    تعريف الكاتب

    إيرينى سعيد

    إيرينى سعيد

    صحفية وكاتبة مصرية - ماجستير العلوم السياسية