مقالات رأى

الحرية... اتجاهان أم اتجاه واحد؟!

طباعة

 بعفوية.. بقصد.. دون قصد.. يخلط الكثيرون بين مفهومى الحرية والديمقراطية ويتم التعامل معهما كمترادفين، فالديمقراطية فى المعنى الشائع، هى حكم الشعب بالشعب.. بينما الحرية هى غياب القيود التى تمنع الإنسان من التصرف كما يشاء، لكن دون الإضرار بحقوق الآخرين المماثلة، شرط مهم لابد أن ننتبه له ونفكر فيه جيدا، دون الإضرار بحقوق الآخرين، فالحرية فلسفة وطريقة حياة ونظرة للكون، وليست اتجاها واحدا أستخدمه وقتما أشاء وأمنعه فى أول فرصة تتاح لى وأمنع الجميع من ممارسة حرياتهم.
الحرية شىء، والديمقراطية شىء آخر، وللأسف فإن من يزعمون بيننا أنهم دعاة الحرية والديمقراطية، لا يؤمنون بالحرية، بل يسعون لها فقط ليمارسوا منها منع الآخرين من ممارسة حريتهم، يفرضون الضوابط والحدود كما يشاءون، فنعود إلى المربع الأول ونستمر فى حلقة مفرغة.
ما حدث مؤخرا فى شرم الشيخ على هامش مؤتمر المناخ نموذج شديد الوضوح للحالة التى أتكلم عنها، تتشدق منى سيف وجماعتها بالحرية والديمقراطية طوال الوقت لكنها لا تريدها لغيرها، لا تسمح بها لأحد، تطرد برلمانيا شابا هو النائب عن تنسيقية شباب الأحزاب عمرو درويش من القاعة وتمنعه من إبداء رأيه لأنه مخالف لما تزعمه، يفضح كذب ما تدعيه.
أترفع لافتة أنا فقط حرة، فى القول والتقول والادعاء واستدعاء حكايات وهمية وليس لأحد الحق فى النقاش  أو إبداء وجهة نظر مغايرة، فورا ستمنع حريته وتتهمه بكل الموبقات، لن تسمح حتى لأحد أن يلقى سؤالا، هذا ما فعلته مع الناشطة الحقوقية نهاد أبوالقمصان التى لم تفعل شيئا سوى السؤال، لكنه سؤال ليس على الهوى: هل حرض علاء عبدالفتاح على قتل أسر الضباط وأطفالهم ونشر ذلك على حسابه فى تويتر؟ كان هذا السؤال الذى لا تريد منى سيف أن يسأله أحد، ولن ترد عليه ولن تجد أحدا ممن نظموا لها المؤتمر الصحفى يرد، تمنع رفع أى لافتة لم تأخذ موافقتها ولم تعطها جواز المرور كى تُرفع فى حضورها، بإشارة يهجم من دربتهم أو دربوها على اللافتات ويمزقونها، فهنا لا صوت إلا صوتنا، لا رأى إلا رأينا، لا حرية إلا حريتنا!
مفارقة غريبة غير مفهومة وغير مبررة، نعم أنادى بالحرية، لكن أنادى بها لنفسى فقط، ليس لغيرى الحق فى استخدامها، من يخالفنى الرأى فلن يكون حرا، هذا هو مفهومى عن الحرية، وسأجد من يصفقون لى ويدعمون موقفى الرافض لحرية الآخرين، فهم أيضا "مثلى" لا يريدون الحرية لأحد غيرهم، "مثلى" يحتكرون الحقيقة والعلم ببواطن وظواهر الأمور  وحدهم هم القادرون على الاتصال والتواصل مع العالم، يعرضون خدماتهم وقدرتهم على التأثير دون أن يفكروا للحظة واحدة، وما الثمن؟! لا يفكرون للحظة واحدة هل هذا العالم مؤمن  فعلا بالحرية والديمقراطية.
أعلم أن هذا حديث ملىء بالألغام، لكنه أيضا كاشف للكثير من المغالطات، أولى هذه المغالطات هو نموذج الديمقراطية الغربى الذى يتشدق به كل من يرفع راية لا حرية إلا حريتى.
هل يجب علىَّ هنا أن أذكر بما قاله الرئيس الأمريكى "بوش الابن" قبل أسابيع قليلة من إصداره أمرا بغزو العراق عام 2003، "إنه بمجرد الإطاحة بصدام حسين، فسيصبح العراق "منارة للديمقراطية فى الشرق الأوسط"، ها نحن نرى الديمقراطية ومناراتها فى العراق 2022.. ما رأيكم فى هذه الديمقراطية والمنارة التى يجب أن نحتذى بها ونتعلم منها جميعا؟! هل علينا أن نتجاهل ونتناسى فشل الاستنساخ القسرى لـ"الديمقراطية" فى العراق، ونتائجه المفزعة التى أدت  إلى التكاثر والانتشار لتنظيم "الدولة الإسلامية".
هل أشير إلى المقولة  الغربية المتكررة: ‭" ‬الانتفاضات‭ ‬السياسية،‭ ‬وانهيار‭ ‬الحكومات‭ ‬والأخطاء‭ ‬القاتلة‭ ‬فى‭ ‬الحكم،‭ ‬هى‭ ‬ظواهر‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالدول‭ ‬غير‭ ‬المستقرة‭ ‬والنظم‭ ‬السياسية‭ ‬المتخلفة‭."
لو طبقنا هذا المعيار على ما حدث فى لندن والاستقالة المهينة‭ ‬لرئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطانية‭" ‬تراس" ‭ ‬بعد‭ ‬45‭ ‬يوما‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬توليها‭ ‬السلطة‭ ‬فهل نكون منصفين أم نتهم بالجهل؟! لو قلنا إن ما حدث‭ ‬تجسيد‭ ‬للفشل‭ ‬الذريع‭ ‬لأكبر‭ ‬وأقدم ديمقراطية ‬وإنها أصبحت‭ ‬غارقة‭ ‬فى‭ ‬أزماتها‭ ‬وتبدو‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تدمر‭ ‬نفسها‭، هل نكون منصفين؟!
‭ ‬ويقول‭ ‬المحلل‭ ‬الأمريكى‭ :‬إن‭ ‬الفوضى‭ ‬فى‭ ‬لندن‭ ‬وواشنطن‭ ‬لها‭ ‬تداعيات‭ ‬خطيرة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬فى‭ ‬بريطانيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬له‭ ‬تأثيرات‭ ‬حاسمة‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬الغربى‭ ‬كله‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬الأسس‭ ‬التى‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬النظم‭ ‬الغربية‭ ‬تتحطم. ‬
هل يجب علىَّ هنا أن أشير إلى ملهاة الحكم الحالى فى الولايات المتحدة، النظر إلى الجنس البشرى تراتبيا، واعتماد خطاب عنصرى قوامه ليس فقط كراهية الأجانب بل أيضا تزايد عمليات قتل الأمريكيين السود على مرأى ومسمع من الجميع، ويتكرر الأمر نفسه فى فرنسا مع شعار فرنسا للفرنسيين اطردوا العرب، وإيطاليا وبريطانيا التى تخوض أزمات متكررة.
هل يجب علىَّ هنا أن أذكر بالموجة الكاذبة المضللة للديمقراطية الغربية بعد اندلاع "الخراب العربى" المسمى كذبا الربيع العربى، هل أذكر بالكوارث التى أفرزتها الدعوات الترويجية لـ "التحول الديمقراطى" التى  جلبت كوارث خطيرة لدول المنطقة، فالإطاحة بمعمر القذافى وفرض عملية "الديمقراطية" قسرا فى ليبيا، أدت إلى انقسام ليبيا والاضطراب المستمر فيها؛ وأدى التدخل السافر فى سوريا واليمن، إلى تشريد شعوبهما وإبعادهما عن السعادة، لقد أثبتت الوقائع أن النموذج الديمقراطى الذى تم استنساخه قسرا لن يقع إلا فى "الفخ الديمقراطى" فى نهاية المطاف، فإما تشهد هذه الدول الفوضى الاجتماعية مثل الاستقطاب بين الأغنياء والفقراء والفساد المنتشر، والمعاناة من الاضطرابات وتتعرض شعوبها للمعاناة.
دعنا من محاولات الاستنساخ الفاشلة لمفهوم الديمقراطية، وتعالوا ننتقل للحديث عن انهيار وانحصار الديمقراطية الغربية والنموذج الأمريكى وهذا ليس حديثا مرسلا بل هو حقائق، وهناك عدة كتب ونظريات جديدة عن هذا الانهيار وأسبابه ونتائجه القريبة والبعيدة، وببعض المجهود والبحث والقراءة ستجد ما أحدثك عنه متاحا، اقرأ كوِّن وجهة نظرك، فاسمح لى هنا لن أقدم لك رؤية معلبة سابقة التجهيز.
 نعود إلى شرم الشيخ، ما حدث فى المؤتمر كاشف عن مفاهيمنا المغلوطة عن دعاة الحية والديمقراطية، فهم أول من سيحرمونك من حقوقك كاملة لمجرد أنك أردت إن تقول رأيك، أن تمارس حريتك فى التعبير عن موقفك.
ألم أقل لكم إن الحرية يمكن أن تكون نعمة عظيمة للمجتمعات التى تستخدمها كسلاح تدافع فيه عن حقوقها الأساسية، ويمكن كذلك أن تكون "ملهاة"، أو تضليلا حين تكون "توجيهية" و"تضليلية"، وأيضا "انتقائية" نمنحها  بحسب رغباتنا ومصالحنا.

طباعة

    تعريف الكاتب

    رشدى الدقن

    رشدى الدقن

    مدير تحرير روزاليوسف