تحليلات - وطن عربي

دلالات الانتخابات التشريعية الكويتية وإعادة إنتاج المشهد السياسي

طباعة

شهدت دولة الكويت في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي انعقاد انتخابات مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، عقب حل البرلمان السابق في أغسطس الماضي، وقد أسفرت الانتخابات الجديدة عن تغيرات في البرلمان الكويتي بما نسبته 54%، حيث لم ينجح سوى 24 نائباً من البرلمان السابق فيما خسر بقية النواب، منهم وزراء في الحكومة السابقة، فيما حصلت القوى المحسوبة على المعارضة الكويتية على المقاعد الـ 26 الأخرى من المجلس، الأمر الذي دفع بعض التقديرات إلى القول إن البرلمان الكويتي بتشكيلته الجديدة سوف يُعيد إنتاج التجاذبات والخلافات مع الحكومة، بما يعكس احتمالية استمرار حالة الاستقطاب السياسي في البلاد.

دلالات مهمة:

أسفرت نتائج الانتخابات الكويتية الجديدة عن نتائج مهمة، ارتبطت بشكل رئيسي بصعود المعارضة بمختلف أطيافها، ما يُنذر باستمرار حالة الاستقطاب السياسي داخل الكويت. ويمكن تناول أبرز الدلالات التي عكستها نتائج الانتخابات التشريعية الكويتية على النحو التالي:

1- شهد البرلمان الكويتي بهيئته الجديدة تغييراً بما نسبته 54% عن البرلمان السابق، حيث لم ينجح سوى 24 نائباً من البرلمان السابق في الحفاظ على مقاعدهم، فيما خسر بقية أعضاء البرلمان السابق، من بينهم ثلاثة وزراء هم وزير الإعلام والثقافة السابق حمد روح الدين الكندري، ووزير الدولة لشئون مجلس الأمة السابق محمد عبيد الراجحي، ووزير الدولة لشئون الإسكان والتطوير العمراني السابق مبارك العرو. وقد كان معظم النواب الخاسرين من الاتجاهات الداعمة للحكومة، ما يعكس وجود حالة استياء على أداء الحكومة السابقة بقيادة  الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وأن التصويت كان عقابياً ضد هذه الدوائر المحسوبة على الحكومة السابقة.

2- حصدت القوى المعارضة الكويتية أكثر من نصف مقاعد مجلس الأمة الكويتي (26 مقعداً)، وهي القوى التي يعبر عنها حركات "العمل الشعبي" (حشد)، و"المنبر الديمقراطي الكويتي"، والحركة الدستورية  الإسلامية "حدس"، و"التجمع الإسلامي السلفي" و"تجمع ثوابت الأمة" السلفي، فضلاً عن ممثلي الاتجاه الشيعي بالكويت والمستقلين، ويبدو أن صعود الاتجاه المعارض الكويتي جاء كتعبير عن حالة السخط تجاه سوء أداء الحكومة السابقة، فضلاً عن ارتباطه برفع الاتجاهات المعارضة على مختلف مشاربها لخطابات التغيير والإصلاح، والتركيز على البعد الوطني وقضايا المواطن والداخل الكويتي في الدعاية الانتخابية. وقد لقى هذا الخطاب رواجاً في الكويت، خصوصاً عقب خطاب أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح في 22 يونيو 2022، والذي دعا فيه بمختلف القوى الوطنية إلى المشاركة في تصحيح المشهد السياسي للبلاد.

3- حافظ التيار الإسلامي في الكويت بشقيه الإخواني والسلفي على تمثيله في مجلس الأمة، بعد حصده لـ 10 مقاعد، 3 منها للحركة  الدستورية الإسلامية "حدس"، و 5 مقاعد للتيار السلفي، ومقعدان لشخصيتين مقربتين من التيار الإسلامي الكويتي وهما فلاح ضاحي وعبد الله فهاد، وذلك على الرغم من الهجوم الشديد الذي تعرضت له التيارات الإسلامية الكويتية قبيل الانتخابات عقب إصدار الوثيقة التي عُرفت بـ "وثيقة القيم"، والتي تضمنت العديد من البنود المتشددة والمتطرفة التي تسعى هذه التيارات لتنفيذها في الكويت.

وقد أثارت الوثيقة جدلاً كبيراً في الكويت في ضوء وصف العديد من الدوائر الكويتية لهذه الوثيقة بـ "وثيقة قندهار"، في إشارة إلى تقاطعها مع أجندة وسياسات حركة طالبان الأفغانية. وقد حرص إسلاميو الكويت على توزيع هذه الوثيقة بشكل واسع في الكويت، بما في ذلك على المترشحين الإسلاميين لمجلس النواب، وإلزامهم بتطبيق بنودها، فيما يبدو أنه توجه يتجاوز البعد الأخلاقي، ويرتبط بشكل رئيسي بالمعركة الانتخابية والسياسية، خصوصاً أنها استهدفت بشكل واضح الاتجاهات المحافظة في الكويت، ولعبت على وتر المشاعر الدينية، فيما لم تطرق إلى أي قضايا متعلقة بمسائل مواجهة الفساد، أو تعزيز منظومة الحكم الرشيد بالكويت، فضلاً عن ملفات السياسة الخارجية.

4- حصد التيار الشيعي ممثلاً في "تجمع العدالة والسلام"، و"التآلف الإسلامي الوطني" وبعض المستقلين، على 9 مقاعد في البرلمان الكويتي الجديد، بزيادة قدرها 3 مقاعد عن البرلمان المنحل. وقد أثار هذا الصعود تخوفات بعض الدوائر السياسية في ضوء ما يعبر عنه من تنامي حضور الاعتبارات القبلية والمذهبية في عملية التصويت، وما قد يحمله هذا التوجه من تأثيرات فى العمل السياسي وفق الأجندة الوطنية الكويتية.

5- مثل الحضور النسائي أحد مواضع الخلل الرئيسية التي كانت تعتري البرلمان المنحل، حيث خلى هذا البرلمان من أي تمثيل نسائي، لكن الانتخابات الأخيرة شهدت فوز شخصيتين نسائيتين هما: عالية الخالدي، والوزيرة السابقة جنان رمضان. كما شهدت الانتخابات الأخيرة مشاركة 22 امرأة كويتية في السباق الانتخابي، وهي مؤشرات عبرت بشكل نسبي عن عودة العنصر النسائي إلى المشهد السياسي الكويتي، لكن هذه العودة لا تنفي وجود قصور تشريعي في هذا الجانب، إذ لا يوجد تشريعات تدخل في إطار التمييز الإيجابي للمرأة أو تخصص لها "كوتة" داخل البرلمان، على الرغم من الزخم الذي اكتسبه هذا الملف منذ إقرار حقوق المرأة السياسية عام 2005.

مستقبل المشهد السياسي في الكويت:

عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الكويتية، صدر أمر أميري مطلع الشهر الحالي بإعادة تعيين الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح رئيساً للوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة الكويتية الجديدة، لكن الوزراء الذين تم اختيارهم في الحكومة الجديدة تقدموا في السابع من أكتوبر الحالى باستقالتهم، في ضوء تصاعد الرفض الشعبي والنيابي للأسماء التي تم ترشيحها للوزارة، ويمكن القول إننا أمام عدد من السيناريوهات المحتملة للمشهد السياسي الكويتي في المرحلة المقبلة، وذلك على النحو التالي:

1- مع تحقيق المعارضة الكويتية لانتصار مريح في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وكذا فوز رئيس مجلس الأمة السابق المعارض أحمد السعدون (87 عاماً)، بأعلى نسبة أصوات على مستوى البلاد، بما يُعطيه الصلاحية لتولي رئاسة مجلس الأمة الكويتي، يبدو أننا سنكون أمام برلمان يغلب عليه الطابع المعارض، ما يعني ترجيح عودة التجاذبات السياسية الكبيرة بين البرلمان والسلطة التنفيذية، الأمر الذي قد يعرقل إنجاز العديد من الاستحقاقات المهمة، سواءً على مستوى تشكيل الحكومة الجديدة، أو على مستوى إنجاز حزمة من المشروعات التنموية التي تحتاج إليها البلاد في ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعانيها.

2- أحد السيناريوهات المطروحة بالنسبة للمرحلة المقبلة في الكويت تتمثل في استجابة السلطة التنفيذية وولاية العهد لاشتراطات المعارضة الكويتية فيما يتعلق بملف تشكيل الحكومة، وهي الاستجابة التي قد تنعكس على علاقات الطرفين في المرحلة المقبلة، في ضوء السعي المشترك للتعامل مع التحديات التنموية والاقتصادية والتشريعية التي تواجهها البلاد، بما يضمن إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وسوق العمل، وخلق علاقة أكثر ديناميكية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في مواجهة التحديات المحيطة بالبلاد.

ختاما، يمكن القول إن البرلمان الكويتي الجديد وإن كان قد شهد العديد من التغيرات على مستوى تركيبته الداخلية، في ضوء صعود المعارضة، وبعض الاتجاهات الإسلاموية والشيعية، إلا أنه لا يمكن الجزم بأن هذا التغيير سيحمل انعكاسات إيجابية على مسار العملية السياسية بالكويت في ضوء ترجيح استمرار حالة الاستقطاب السياسي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد فوزى

    محمد فوزى

    باحث فى العلوم السياسية