مقالات رأى

الإدارة الاستراتيجية للموارد البشرية وتحقيق الأمن القومى ورؤية 2030

طباعة

إن نجاح المنظمة مهما يكن نوعها أو حجمها، ومهما تكن طبيعة نشاطها إنما يعتمد أساسا على فاعلية العنصر البشري ومستوى أدائه للأعمال التي يقوم بها، كما يعتمد أيضا على طبيعة العلاقات الإنسانية السائدة بين الأفراد داخل المنظمة، كما أن التقدم الاقتصادي والاجتماعي لا يقوم على مجرد استيراد التقنيات الحديثة وتوفير رءوس الأموال وزيادة في القوى العاملة، بل يحتاج إلى فكر إداري وتنظيمي يحسن إدارة الموارد البشرية واستثمار الأموال والتخطيط الاستراتيجي السليم. فالإدارة تعتبر مورداً اقتصادياً من العوامل الرئيسية التي تسهم في عمليات التنمية. وكما أن الاقتصادات النامية بحاجة إلى توفير رأس المال للاستثمار والإنتاج، فإنها تحتاج إلى إدارة جيدة لرأس المال البشري واستغلال الموارد الإدارية من خلال تطوير عمليات التخطيط والتوجيه والتنظيم والرقابة بغية تحقيق الأهداف التنظيمية. وتختص إدارة الموارد البشرية بأعمال تخطيط القوى العاملة واختيار الأفراد المناسبين للعمل، كما تبحث عن أكثر الطرق فعالية لاستثمار مجهوداتهم، بحيث تحقق أفضل النتائج، كما تعمل على تدريبهم لتنمية قدراتهم وتحفزهم لتضمن استمرار تقدمهم وارتفاع كفاءتهم، وهي من أهم مقومات الإدارة الحديثة. فضلا عن ذلك، فإنها تسعى إلى تقوية علاقات التعاون بينهم، وتسعى إدارة الموارد البشرية عن طريق المهام التي تمارسها إلى تحقيق أهداف المنظمة من خلال تطبيق مداخل حديثة ومعاصرة "كالمدخل الاستراتيجي"، وهى تمثل عصرنة المؤسسات، ومن بينها المؤسسات الاقتصادية العمومية، وهي سياسة جديدة اتبعتها الدولة المصرية خاصة في الفترة الحالية.

إن التغيرات الکبرى التي شهدها النظام الدولي في العقدين الأول والثانى من القرن الواحد والعشرين، أکدت أن هناك تراجعا في تطبيق التنمية السياسية، الأمر الذي کان له  تداعيات علي منظومة عمل التنمية المستدامة، مما يتطلب التصدي من أجل استمرارية المنظومة، ومن ثم نسعى لإيجاد سياسات بديلة تتسم بالمرونة لتحديث دور نظرية التنمية السياسية فى إطار تفعيل استراتيجية الأمن القومى التنموي لتلبية متطلبات رؤية 2030"، الأمر الذي مثَّل خطوة نحو تأسيس إطار نظري جديد للتنمية البشرية والسياسية في ظل توجهات الدولة الجديدة وتحقيق رؤية 2030، تحت مسمي "الادارة الاستراتيجية للموارد البشرية ودورها في سوق العمل وتحقيق الأمن القومى"؛ فلقد جاءت عملية التحديث بمنزلة تغيير وظيفي لدور وزارة القوى العاملة المصرية في ضوء نظرية التنمية السياسية والجمهورية الجديدة القائمة علي تحقيق الحکم الرشيد (الحوكمة ومقاومة الفساد) في التعيينات وسد فجوات ومتطلبات سوق العمل المصرى، وتحقيق آمال وطموحات الشعب المصرى المدعومة بالقيادة الحالية، من منظور تنموي وظيفي قائم علي ان التنمية البشرية والوعى السياسي هي المعركة الحقيقية والأداة الرئيسية للأمن القومى والتنموي لاستکمال منظومة التنمية المستدامة الخاصة بالدول عند صياغة المخططات التنموية العالمية.

تكمن أهمية مفهوم الإدارة الاستراتيجية بشكلٍ عام، وما يحققه هذا المفهوم للمنظمات، خاصة مؤسسات القوى العاملة في التعامل مع الموارد البشرية بطريقة تعزز الكفاءة والفاعلية. كما تكمن فى أهمية الموارد البشرية التي أصبحت في العصر الحديث تفوق أهمية مختلف الموارد الأخرى؛ نظرًا لما يتطلبه واقع الأعمال من رأس مال فكري في ظلّ التحديات الآنية، لاسيما ما يرتبط منها بالأمن القومي. ويُضاف إلى ذلك أهمية الدور المنوط به منظمات القطاع العام لتقديم خدمات منافسة من حيث النوعية والجودة؛ لتلبي توقعات المستفيدين.

لذا، تكمن أهمية تطبيق مفهوم الإدارة الاستراتيجية للموارد البشرية وربطها بالتنمية والمحافظة على الأمن القومي كانت إدارة الموارد البشرية. وخلال عقودٍ مضت كانت تمارس وظائفها في بيئة مستقرة، ذات تغيرات بطيئة، يُضاف إلى ذلك بساطة المشكلات الإدارية التي تتعامل معها المنظمات، وما تتطلبه من قوى عاملة ذات مؤهلات محددة. ولكن مع حلول القرن الحادي والعشرين، باتت منظمات الأعمال تواجه تحدياتٍ عديدة، كالعولمة، والتقنية، والكوارث الطبيعية، والتغيرات المناخية، وما يصحبها من ارتفاع مستويات التلوث والتغير المناخي واستنزاف الموارد الطبيعية والمادية، ويضاف إلى ذلك ارتفاع توقعات المستفيدين من خدمات هذه المنظمات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والتنوع الثقافي للقوى العاملة. كل هذا جعل لا مناص أمام المنظمات من الاهتمام بالاستثمار الجيد فيما تملكه من موارد وقدرات ملموسة وغير ملموسة؛ لتستطيع التعامل مع ملامح هذه البيئة الجديدة، بما يكفل لها تحقيق أهدافها بكفاءة وفاعلية. كما أن الدول مع التقدم التقني بحاجة إلى المحافظة على أركان أمنها الوطني في ظل إدارة رشيدة للموارد البشرية؛ ولأن تلك الموارد البشرية أهم ما تملكه الدول؛ لذا كان لابد من إدارة هذا المورد بالأساليب الإدارية الحديثة، التي تجعل منه فاعلًا تجاه مسار أهداف هذه المنظمات والمحافظة على أمنها القومي. ويشير بعض الباحثين إلى أن هناك قصورًا لدى المنظمات في دمج استراتيجيات الموارد البشرية مع استراتيجية المنظمة ككل؛ ولذلك تعدّ الإدارة الاستراتيجية للموارد البشرية عنصرًا بالغ الأهمية في نجاح المنظمات عند دمجها مع استراتيجية المنظمة.

وعلى الرغم من كون مؤسسات وزارة القوى العامة أحد أهم الأشكال التنظيمية التي تلجأ إليها الدولة لممارسة نشاط يغلب عليه الطابع الاقتصادي، بعيداً عن سيطرة الأساليب الإدارية التقليدية السائدة في سائر أجهزة الحكومة، ولهذا تمنحها الدولة شخصية اعتبارية واستقلالاً إدارياً إلا أن إسهاماتها بفاعلية في تحقيق أهداف خطط التنمية في مصر مازال دون المأمول بسبب معضلة اختلال التوازن بين الرقابة والاستقلالية التي تعاني منها المؤسسات العامة التي أنشئت على نمط أثبت نجاحه بالغرب وتم استيراده دون مراعاة لظروف البيئة المحلية، والناتجة عن عدم توفر أهم ركائزها، وهي وجود الطبيعة التجارية، الأمر الذي تفتقده معظم مؤسساتنا العامة ذات الطابع الخدمي. حيث إن مؤسسات وزارة القوى العامة في مصر منوط  بها دور فاعل في المشاركة في الخطط التنموية الوطنية؛ نظرًا لما تقدّمه من خدمات حيوية ترتبط بالنشاط الاقتصادي والأمن القومي للدولة.

 لذا يمكن القول إنه يجب على هذه المؤسسات قبل غيرها من منظمات القطاع العام الاهتمام بتطبيق الإدارة الاستراتيجية لمواردها البشرية؛ حتى يتسنى لها تحقيق الميزة التنافسية.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    عمرو دغيدى

    عمرو دغيدى

    باحث فى شئون الأمن القومى