تحليلات - مصر

دبلوماسية التحول إلي مركز إقليمي للطاقة (٢) منتدى دول غاز شرق المتوسط والأهمية الاستراتيجية لمصر

طباعة

تناولنا فى التحليل السابق محاور التحول المصري لمركز إقليمي للطاقة، خاصة المحور الأول وهو العلاقات الدولية ما بعد عام ٢٠١٤ وترسيم الحدود وأيضًا المحور الثاني، وهو الاهتمام بصناعة الغاز الطبيعي والاكتشافات الضخمة فى مياه مصر فى شرق البحر المتوسط ومساعي الدولة المصري إحكام قبضتها علي ثرواتها فى شرق المتوسط، ومن هنا سنتناول كيفية تحقيق ذلك الهدف والحديث عن منتدي شرق المتوسط.

منتدى غاز شرق المتوسط والقوة الناعمة المصرية الجديدة فى المنطقة:

مما لا شك فيه أن إنشاء منظمة حكومية في مجال الطاقة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط منح لهذه المنطقة زخمًا كبيرًا على المستوى العالمي، وذلك لأن كل دولة تمتلك مندوبًا دائمًا لها في هذه المنظمة، مما يعني أن المشاورات الدورية أصبحت آلية رئيسية للتقريب بين وجهات النظر المختلفة، وذلك بهدف وضع حد للنزاعات القائمة بين الدول الأعضاء، ويُعد هدف تنسيق الجهود داخل المنظمة الهدف الرئيسي الذي تم إنشاء هذه المنظمة من أجله، خاصة أن نزاعًا بحريًا قد نشأ بين الدول المطلة على شرق المتوسط بشأن ترسيم الحدود البحرية خلال السنوات القليلة الماضية، ومن هنا كانت هناك حاجة ملحة لجهة أو منظمة تستطيع جمع جميع الأطراف على طاولة واحدة من أجل عقد المفاوضات بهدف تقريب وجهات النظر.

لا يزال الصراع على غاز المتوسط نقطة محورية للغاية في العلاقة بين الدول الواقعة شرق المتوسط، ولذلك بادرت الدولة المصرية بطرح فكرة إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، وذلك من خلال القمة الثلاثية، والتي أقيمت في جزيرة كريت في أكتوبر من عام ٢٠١۸، وذلك بين زعماء مصر وقبرص واليونان، والفكرة لقيت استحسانًا كبيرًا وواسع النطاق من معظم دول المنطقة سواء من المنتجين أو المستهلكين للغاز الطبيعي أو دول العبور، وتم بالفعل تأسيس المنتدى، وفى أقل من ٢٠ شهرًا، تم الانتهاء من التوقيع الرسمي لميثاق المنتدى من قبل الدول السبع المؤسسة في سبتمبر من عام ٢٠٢٠، ودخول الميثاق حيز النفاذ، وذلك في مارس ٢٠٢١، والذي بمقتضاه أصبح المنتدى منظمة دولية حكومية في منطقة شرق المتوسط، مقرها القاهرة. ويُمثل منتدى غاز شرق المتوسط فرصة ثمنية للدول المتوسطية بهدف تحقيق تعاون أكبر يعود بالنفع عليها، خصوصًا مع وجود احتياطات كبيرة من الغاز في هذا الإقليم، التي تقدر بنحو أكثر من ١٢٢ تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.

القاهرة في قلب شرق المتوسط ومحور دورانه:

يحتوي شرق البحر المتوسط، على كميات هائلة وضخمة من الغاز الطبيعي، وقد ظهرت العديد من الاكتشافات في مجال الغاز، وكان أهمها اكتشاف حقل ظهر المصري، والذي عمل على قلب موازين الطاقة والغاز في شرق المتوسط، حيث يمثل الاكتشاف رصيدًا استراتيجيًا واقتصاديًا بالغ الأهمية، سواء لتغطية حاجة الدولة في مجال الطاقة، أو لجهة الارتقاء بأنظمتها الاقتصادية، وتحولها إلى دول مصدرة للغاز الطبيعي والبترول في المستقبل، وعملت الدولة المصرية على تعزيز دورها التاريخي والفعال وقيادتها للتفاعلات في منطقة شرق المتوسط، من خلال عدد من المسارات والتحركات المختلفة بهدف الحفاظ على مصالحها وتعزيز نفوذها في شرق المتوسط، خاصة بعدما أصبحت المنطقة جزءًا من أمن مصر القومي، وعملت مصر على إحياء العلاقات التاريخية مع اليونان وقبرص، وبدأت بالعمل على طرح فكرة منتدى غاز شرق المتوسط، والذى أوشك على إتمام عامه الرابع في شهر يناير المقبل، وهو الهيئة التى تأسست في يناير ٢٠١۹ بمشاركة سبع دول، بعد شهر من إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي، ويقع مقره الرئيسي في القاهرة، وتضمن إعلان القاهرة لإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط التأكيد على أنه في وسع أي من دول شرق البحر المتوسط المنتجة أو المستهلكة للغاز، أو دول العبور ممن يتفقون مع المنتدى في المصالح والأهداف، الانضمام إلى المنتدى لاحقاً، وذلك بعد استيفاء إجراءات العضوية اللازمة.

الهدف من تأسيسه:

يهدف المنتدى إلى إنشاء سوق غاز إقليمية في منطقة شرق المتوسط، وتحسين العلاقات التجارية وتأمين العرض والطلب بين الدول الأعضاء، والعمل علي تسريع الاستفادة من الاحتياطيات الحالية والمستقبلية من الغاز الطبيعي بالدول الأعضاء، بالتزامن مع وجود اكتشافات ضخمة من الغاز الطبيعي بمنطقة شرق المتوسط، وتضمن إعلان القاهرة لإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط التأكيد على أنه في وسع أي من دول شرق البحر المتوسط المنتجة أو المستهلكة للغاز الطبيعي، أو دول العبور ممن يتفقون مع المنتدى في المصالح والأهداف، الانضمام إلى المنتدى، وذلك بعد استيفاء إجراءات العضوية اللازمة لذلك، وجاء تأسيس المنتدى،  كإحدى أهم ثمار آلية التعاون الثلاثي بين الدولة المصرية واليونان وقبرص والتي انطلقت في عام ٢٠١٤ وأسهمت ۹ قمم فى توطيد العلاقات التاريخية بين الدول الثلاث وتعزيز  التعاون الاقتصادي والسياسي علي نطاق واسع، خاصة فى مجال الطاقة والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى العديد من القضايا الإقليمية وبما يخدم مصالح الدول الثلاث والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

من تكريت البداية وتعريف المنتدى:

بادرت الدولة المصرية بطرح فكرة إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، وذلك من خلال القمة الثلاثية والتي أقيمت في جزيرة كريت في أكتوبر من عام ٢٠١۸ بين زعماء مصر وقبرص واليونان، والفكرة لاقت استحسانًا كبيرًا وواسع النطاق من معظم دول المنطقة، سواء من المنتجين أو المستهلكين للغاز الطبيعي أو دول العبور. ونظرًا لما تتميز به منطقة شرق المتوسط من أهمية استراتيجية كبرى سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي ولما تتميز به من غِـنى في مواردها الطبيعية وعلى رأسها النفط والغاز الطبيعي، ولذلك اتفقت الـ ٧ دول متوسطية وذلك فى يناير من عام٢٠١۹ على إعلان إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF)، ومقره العاصمة المصرية القاهرة، وذلك كنتيجة للاكتشافات الغازية الضخمة فى الحقول البحرية بشرق البحر المتوسط، والتي كان لها التأثير الهائل على تطور الطاقة والتنمية الاقتصادية للمنطقة، فالتوسع فى الاكتشافات الجديدة والاستغلال الأمثل لها له أثر كبير على أمن الطاقة، كما بدأت المحادثات الرسمية حول هيكل المنتدى، وعرض اقتراحات الدول المؤسسة على الاجتماع الوزاري الذى عقد في أبريل عام٢٠١۹، وفي سبتمبر عام عام ٢٠٢٠ شهدت القاهرة توقيع الدول المؤسسة لمنتدى غاز شرق المتوسط على الميثاق الخاص بالمنتدى، وبمقتضاه أصبح منظمة دولية حكومية فى منطقة المتوسط تسهم فى تطوير التعاون فى مجال الغاز الطبيعي ويحقق الاستغلال الأمثل لموارده، وشارك فى مراسم التوقيع عبر تقنية الفيديوكونفرانس وزراء البترول والطاقة بمصر وقبرص، واليونان، وإيطاليا، والأردن، وإسرائيل، بالإضافة إلى مستشار وزير الطاقة الأمريكي ومدير إدارة الطاقة بالاتحاد الأوروبي بصفة مراقب.

أهداف منتدى غاز المتوسط

ووفقًا للبيان التأسيسي لمنتدى غاز شرق المتوسط هناك ٦ أهداف يحققها المنتدى، هي كالتالي:

-   احترام حقوق الأعضاء بالمنتدى فيما يخص مواردهم من الغاز الطبيعي والتعاون على إدارة عملية تطوير مستدامة وفعالة وواعية بيئيا، مع استخدام والحفاظ على موارد الغاز الطبيعي لمصلحة شعوبهم.

-   التعاون وخلق حوار منظم ومنهجي فيما يتعلق بموضوعات الغاز الطبيعي، وعمل برنامج من أجل صياغة السياسات الإقليمية بهذا الشأن، ويركز المنتدى على التعاون الحكومي وتحديد الاستراتيجيات المشتركة بناء على النظرة المستقبلية المشتركة لموارد المنطقة.

-   دعم جهود البلاد المنتجة و/أو البلاد ذات احتياطي غاز بالمنطقة من أجل التعجيل باستثمار الاحتياطي الحالي والمستقبلي، من خلال تبني التعاون فيما بينها ومع دول العبور والدول المستهلكة بالمنطقة، وإيجاد طرق لاستغلال البنية التحتية الموجودة وتطوير مزيد من خيارات البنية التحتية لاستيعاب الاكتشافات المستقبلية بحسب الحاجة.

-  مساعدة الدول المستهلكة على تأمين احتياجاتها والاشتراك مع دول العبور من أجل إتاحة شراكة مستدامة بين الأطراف الأساسية بصناعة الغاز.

-  دعم تشكيل سوق غاز إقليمي يفيد الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب وتحسين تطوير الموارد وتحسين تكلفة البنية التحتية والتسعير التنافسي وتحسين العلاقات التجارية.

-   المساهمة في تبادل الحوار من أجل الوصول لأعلى كفاءة للغاز بالمنطقة مما سيؤدي لتطوير سوق غاز إقليمية وربما مركز للتجارة.

منتدى شرق المتوسط الملاذ الآمن لأوروبا:

في ظل الأزمة الروسية-الأوكرانية أصبحت القارة الأوروبية تحتاج إلى حل استراتيجي وسريع فيما يتعلق بقضية إيجاد بديل وإمدادات آمنة ودائمة للغاز الطبيعي، ولذلك فإن جميع الأنظار تتجه إلى غاز شرق المتوسط والذي يعتبر منذ سنوات طويلة أمل دول القارة الأوروبية بهدف حل أزمة اعتمادها الدائم على الغاز الروسي، لأنه بلغة الحسابات سيكون بمنزلة البديل الطبيعي والأقل تكلفة، ولكن كانت العقبة المستمرة فى هذه القضية مسالة نقله، وفي ظل التطورات الأخيرة التي فرضت على الاتحاد الأوروبي ضرورة إيجاد تصور نهائي لآلية نقل غاز شرق المتوسط للقارة الأوروبية، حيث إنه في السنوات الأخيرة، اكتشفت الدول المطلة على شرق المتوسط، خاصة مصر وإسرائيل واليونان وقبرص كميات ضخمة من الغاز الطبيعي وتسعى تلك الدول إلى تصديره إلى أوروبا. وفي عام ٢٠١٠، قدَّرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية احتمال وجود ما يقرب من نحو أكثر من١٢٢تريليون متر مكعب من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط، بالإضافة إلى ما يقارب من حوالي١٠٧ مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج، وهي الكمية التي تكفي لتلبية حاجة السوق الأوروبية لمدة نحو٣٠ عاماً، وشكلت تلك الاكتشافات الضخمة من الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط أهمية كبيرة للدول الأوروبية وذلك لتلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي في السنوات القادمة بسبب حجمها الكبير وقربها الجغرافي، بالإضافة إلى أن بعض الدول الأوروبية تسعى منذ فترة طويلة إلى تنويع موردي الغاز الطبيعي إليها وذلك لتقليل اعتمادها الكبير على الغاز الروسي. من جهة أخرى، تحقق هذه الاكتشافات أيضًا مصالح اقتصادية كبيرة ومكاسب تجارية مباشرة لعدد كبير من الدول الأوروبية، حيث توجد دولتان لهما علاقة مباشرة باستغلال هذه الاكتشافات الضخمة، وهما اليونان وقبرص، كما أن هناك دولتين لهما مصالح اقتصادية عملاقة  في اكتشافات الغاز الطبيعي بالمنطقة، هما فرنسا وإيطاليا بسبب الاستثمارات الضخمة لشركتي توتال وإيني.

النظرة الأوروبية لمنتدى غاز شرق المتوسط كبديل استراتيجي:

يعزز منتدى غاز شرق المتوسط دور الدول المنتجة للغاز الطبيعي في شرق المتوسط، لتكون مورداً رئيسياً لدول الاتحاد الأوروبي في مجال الغاز، حيث يسمح المنتدى بوجود تنسيق وتعاون بين مصر (إحدى دول المنتدى) والدول الكبرى المنتجة للغاز الطبيعي في المنطقة لزيادة معدلات إنتاج الغاز، وإعادة تسييله وتصديره لأوروبا ضمن بدائل الغاز الروسي للقارة الأوروبية، لاسيما مع وجود وحدتي إسالة الغاز الطبيعي في مدينتي دمياط وإدكو، حيث تستعد مصر لاستقبال الغاز من الخارج، وذلك لإعادة تصديره من جديد في شكل غاز مسال، في ظل تزايد الطموح المصري للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة بمنطقة شرق المتوسط.

في هذا الإطار، اتفقت اليونان ومصر، على توسيع نطاق تعاونهما في إمدادات الغاز الطبيعي المسال ودراسة إمكانية بناء خط لأنابيب الغاز بين البلدين تحت سطح البحر،وأيضًا وقعت مصر وقبرص اتفاقاً في مايو ٢٠١٨ لمد خط أنابيب من حقل أفروديت القبرصي، والذي تقدر احتياطاته بين 3.6 تريليون و٦ تريليونات قدم مكعبة تقريبًا، وذلك بهدف تسيلها في مصر وإعادة تصديرها إلى الدول الأوروبية، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من إنشاء الخط بحلول عام ٢٠٢٥، وهو الوقت الذي تم وضعه للانتهاء من خطة تطوير وتنمية إنتاج حقل أفروديت القبرصي، وفي هذا الإطار، يتطلع الاتحاد الأوروبي إلي منتدى غاز شرق المتوسط الذي تلعب فيه القاهرة دوراً محورياً، لاسيما مع تبنيها مشاريع ضخمة بإسالة وتصدير مخزونها الهائل من الغاز المكتشف حديثًا فى حقولها بمياه البحر المتوسط.

تزايد أهمية مصر كمقر إقليمي لتسييل وتصدير الغاز لأوروبا:

تأتي الدولة المصرية ضمن الحلول والبدائل الأوروبية المناسبة لتنويع بدائل إمدادات الغاز الروسي وتعويضه فى حالق نقص الإمدادات أو توقفها، وفي ظل الارتفاعات المستمرة فى أسواق الغاز الطبيعي عالميًا. ونظراً لأن مصر هي الدولة الوحيدة فى منطقة شرق المتوسط التي تمتلك محطات لتسييل الغاز في شرق المتوسط مع تمتعها بوجود بني تحتية قوية، بالإضافة إلي أنه يمكن زيادة قدرة استيعاب هاتين المحطتين، وأيضًا من الممكن تحويل غاز شرق المتوسط إلى مصر عبر أنابيب صغيرة نسبيًا ثم يتم بيعه كغاز مُسال(LNG)إلى  القارة الأوروبية بواسطة السفن، هذا كله بالإضافة إلى أن أكبر الحقول المكتشفة في شرق المتوسط موجودة في المياه المصرية وهو حقل ظهر، علاوة على إمكانية زيادة حصيلة تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى القارة الأوروبية على المدى القريب، وذلك بسبب الدور الذي تلعبه القاهرة ضمن منتدى غاز شرق المتوسط، والاستفادة من خطوط الأنابيب المزمع تدشينها لاحقاً بين مصر من جهة، واليونان وقبرص من جهة أخرى لزيادة كميات الغاز المصدرة للقارة الأوروبية.

الاتفاق الثلاثي.. لتعزيز صادرات الغاز لأوروبا:

وقعت مصر وإسرائيل والمفوضية الأوروبية الأربعاء الماضي، مذكرة تفاهم لإمداد القارة الأوروبية بالغاز وذلك عبر محطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط (لما تتمتع به الدولة المصرية من بنية تحتية قوية في صناعة الغاز الطبيعي)، وتسعى أوروبا لسد جزء من احتياجاتها من الغاز عبر إمدادات الغاز من شرق المتوسط ضمن خطة لتعويض جزء من واردات الغاز الروسي، ووقع على المذكرة كلا من المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية، وكارين الحرار وزيرة الطاقة الإسرائيلية، وكادري سيمسون مفوضة الطاقة والمناخ بالاتحاد الأوروبي وبحضور أورسولا فونديرلاين رئيس المفوضية الأوروبية على هامش الاجتماع الوزاري السابع لمنتدى غاز شرق المتوسط ، وقالت لاين إنها لحظات خاصة واتفاق تاريخي بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن مذكرة التفاهم فرصة لأمن الطاقة والتعاون الإقليمي والتحول إلى الطاقة النظيفة، وأشارت إلي إن الاتحاد الأوروبي والمكون من ٢٧ دولة هو أكبر وأهم عميل لروسيا في إمدادات الطاقة، ولكن الحرب حفًزت التكتل على ضرورة التحول بعيدًا عن مصادر الوقود الأحفوري الروسي وبما يشمل ضرورة تعزيز واردات الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط.

أهمية تحول مصر لقاعدة إمداد للقارة الأوروبية:

يُمثل تحول مصر تحديداً إلى قاعدة لإمداد القارة الأوروبية باحتياجاتها من الغاز الطبيعي أمراً مهمًا وحيويًا للطرفين، حيث إن هذا الأمر يعطي للدول الأوروبية قدراً كبيرًا من الاستقلالية في مواجهة موردي طاقة لهم طبيعة وظروف جيوسياسية خاصة، ويمنح للدولة المصرية والدول المنتجة المحيطة بها فرص تعظيم صادراتها من الغاز الطبيعي لدول الاتحاد الأوروبي. في هذا الإطار، تبذل مصر جهوداً ومساعي كبيرة لتعظيم قدرات البنية التحتية للطاقة على مستوى الدولة المصرية بأكملها، وذلك بهدف تداول ونقل وتصدير الربط مع الدول الأخرى ودول الجوار، وهو ما يأتي في إطار تصور مصر في أن تكون مُصدراً رئيسياً للطاقة الكهربائية من موارد جديدة ومتجددة للعديد من دول الجوار.

منتدى دول غاز شرق المتوسط والأهمية الاستراتيجية لمصر:

-  يُعد اختيار مصر كمركز للمنتدى دليلاً دامغا على قوتها وتأثيرها فى المنطقة، والاعتراف بأنها محور الإقليم و تملك العديد من الإمكانيات الهائلة والضخمة، ومن خطوط ربط بالدول الإقليمية، وشبكة ضخمة داخلية تربط الشمال بالجنوب وشرق البلاد بغربها، وبالإضافة إلى أنها الدولة الوحيدة بين الدول الأعضاء التى تملك بنية تحتية قوية، حيث تضم وحدتين لإسالة الغاز (مصنعي إدكو ودمياط) وبطاقة استيعابية تصل إلي نحو 4.1 مليون طن سنويًا من الغاز بكل وحدة، أى بمعدل 1.35 مليون قدم مكعبة يوميًا، وهى أيضاً الدولة الوحيدة بين الأعضاء التى تملك ممرًا ملاحيًا عالميًا يصل بين قارات العالم قناة السويس.

-   يُشكل منتدى غاز شرق المتوسط إحدى أدوات تحول مصر لمصدر إقليمي للطاقة في المنطقة، حيث تمتلك الدولة المصرية جميع القدرات لتنفيذ هذا المشروع الحيوي، فمصر لديها إمكانات هائلة تؤهلها لهذا الأمر، ويساعد المنتدى الذي دعت مصر إلى تشكيله، على تعزيز ثقلها السياسي الإقليمي والدولي، خاصة في ظل الترحيب الأوروبي،وسيحقق المنتدى أهدافاً سياسية اقتصادية مهمة لمصر مستقبلًا، وخاصة أن العديد من المنظمات الدولية القوية مثل أوبك وأوابك وغيرها بدأت بمبادرات شبيهة.

-  استطاعت القاهرة تقديم نفسها بشكل سياسي واقتصادي، من خلال التنسيق الذي تم بين مصر والدول الأخرى في منطقة شرق المتوسط، ومن المتوقع أن تسارع دول خارج المنتدى إلى الانضمام إليه في المستقبل القريب، ومع الأخذ فى الحسبان أن هذا التكتل لن يسمح لأي دولة بالتنقيب عن الغاز الطبيعي دون التوقيع على اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع باقي الدول المطلة على البحر المتوسط.

- تجميع تكتل من منتجي الغاز والمستهلكين للدول المطلة على المتوسط له هدف مباشر، ولكن هدفًا أعمق، وهو أن تكون مصر مركزًا إقليميًا للطاقة في المنطقة، وتحويل الغاز إلى مسال وإعادة تصديره، فضلًا عن إقامة مشروعات تحويلية أخرى، بما يحمل قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد المصري.

-   كما أن اختيار القاهرة مقرًا للمنظمة يرجع لخبرة مصر في قطاع الغاز والبنى التحتية الجيدة، فضلا عن كونها الدولة الأكبر في المنطقة في اكتشافات وإنتاج الغاز الطبيعي، ولأنها المحطة الوحيدة في منطقة البحر المتوسط التي يمكنها استقبال الغاز من جيرانها، ثم إسالته وإعادة تصديره، إن دعم الاتحاد الأوربي للمنظمة الوليدة، خاصة في الجانب المالي والفني والهيكلي سيدعم أركان التنظيم الإقليمي الوليد بشكل كبير، لاسيما في المراحل الأولي من تدشينه، فضلا عن الدعم السياسي الذي يأتي في المقام الأول بالنظر لأهمية الاتحاد الأوربي كتنظيم دولي إقليمي فاعل في سياسات المنطقة وتجلت أهمية الأدوار التي يمكن أن تلعبها الاتحاد الأوربي من خلال التأثير السياسي الأمني والاقتصادي في الآونة الأخيرة التي شهدت المماحكة التركية التي وصلت لدرجة التهديدات العسكرية للدول الأعضاء في الاتحاد مثل قبرص واليونان وفرنسا في منطقة شرق البحر المتوسط.

- من الواضح أن مصر لم تتبوأ مركز دولة المقر للمنظمة الإقليمية الوليدة وحسب، بل صارت منذ سنوات قليلة الدولة الكبرى في المنطقة في مجال الاكتشافات الغازية الضخمة وتوازت هذه الاكتشافات مع إنشاء مصر لأضخم المرافق، فضلا عن التسهيلات الفنية والتكنولوجية في مجال إسالة الغاز الطبيعي، مما بعث الثقة والطمأنينة لدى باقي الدول الأعضاء في المنظمة كي تكون مصر دولة المقر لذلك التنظيم الوليد. في المقابل، نجد أن إيطاليا واليونان، بالنظر لموقعهما الجغرافي المتوسط، لديهما طموحات مختلفة عن الطموحات المصرية، حيث تسعي البلدان لأن تصبحا عقدة المواصلات ومركز العبور للغاز القادم من مصادره المختلفة في شرق البحر المتوسط إلى الدول الأوروبية.

النظرة الدولية حول دور مصر كلاعب إقليمي لتداول الغاز:

- أكدت وكالة بلومبرج أن الصادرات المصرية من الغاز المسال ستنتعش بفضل إعادة تشغيل محطة دمياط لإسالة الغاز، والتي ستساعد مصر في أن تصبح مركزًا للتصدير إلى أوروبا، بينما أكدت مجلة الإيكونيميست أن مصر تعد واحدة من أهم المصدرين العالميين القلائل للغاز المسال الذين زاد حجم مبيعاتهم خلال عام ٢٠٢١، وأشارت وكالة ستاندرد آند بورز إلى أن إعادة تشغيل مصنع دمياط أعطى منفذًا إضافيًا لتصدير الغاز المصري، حيث تتطلع الدولة المصرية إلى تحقيق أكبر استفادة من فائض الغاز الذي تحقق خلال الفترة الماضية بفضل اكتشافات الغاز الأخيرة.

- وأيضًا اعتبرت مؤسسة المونيتور أن استئناف تشغيل محطة إسالة الغاز بدمياط لأول مرة منذ ۸ سنوات بالإضافة إلى صادرات محطة إسالة الغاز بإدكو خطوة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز، حيث يتم استهداف قارتي آسيا وأوروبا.

- وذكرت وكالة رويترزأن عمليات النمو السريع والمتزايد في إمدادات الغاز الطبيعي مدعومًا باكتشاف أكبر حقل في البحر المتوسط(ظُهر) أدى إلى تحويل مصر من مستورد إلى مصدر للغاز الطبيعي، لافتة إلى أنها تأمل بأن تصبح مصر حلقة وصل لتجارة الطاقة بين الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، وأبرز معهد الشرق الأوسط، بأن مصر حاليًا تعد المصدر العربي الأسرع نموًا للغاز المسال، بل وستصبح لاعبًا رئيسيًا ومنافسًا بارزًا في السوق العالمية للغاز المسال.

- ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة، فإن مصر تعتبر ثاني أكبر مساهم في نمو صادرات الغاز المسال على مستوى العالم، بالفترة من يناير إلى أغسطس ٢٠٢١، كما حققت مصر زيادة في صادرات الغاز المسال مع عودة مصنع دمياط للعمل، وبدورها أشارت وكالة فيتش إلى أن مصر عادت إلى وضع المصدر في عام ٢٠١٩، بعد أن كانت مستوردًا للغاز المسال، متوقعة أن يكون عام ٢٠٢٢ عام الذروة لإنتاج الغاز الطبيعي في مصر، بالإضافة إلى توقع منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أن تعزز مصر من صادرات الغاز المسال، في ضوء إعادة تشغيل محطة الإسالة في دمياط بعد توقف دام لأكثر من ۸ سنوات، ولفتت المنظمة أيضًا إلى أن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال عالميًا، ساهم بقوة في إعادة تصدير الغاز المصري من محطة إدكو، حيث نجحت في تصدير عدة شحنات للسوق الأوروبية والآسيوي مستفيدة من ظروف السوق المواتية.

المؤتمر الأوروبي للغاز الطبيعي  (فيينا مارس ٢٠٢٢( خلال المؤتمر الأوروبي للغاز والذي تم عقده في فيينا بين ٢١-٢٣ مارس الماضي، ناقش الباحث تشارلز إليناس في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي العديد من التساؤلات التي تخص مدى قدرة دول منطقة شرق المتوسط على مساعدة القارة العجوز في أزمتها المزمنة، وإمكانيات استغلال الفرص المتاحة أمامها وتذليل العقبات التي تواجهها، ليصل إلى أن الطريقة الأمثل لتعزيز صادرات الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط إلى القارة العجوز هي استغلال الغاز المسال المصري، وتعزيز استخدام محطات التسييل الموجودة في مصر بأقصى قدرات ممكنة.

مجمل القول، إن منتدى غاز شرق المتوسط أعاد مفهوم أمن الطاقة العالمي، حيث أصبح الآن منظمة عالمية ودولية وبمعايير قوية وخلال فترة قصيرة شهد تطوراً ملموسًا وكبيراً، وأصبح منصة دولية مهمة لأنشطة الغاز إقليميًا بما تضمن التعاون الإقليمي والعالمي الناجح بهدف مواجهة التقلبات والتخفيف من حدة التوترات السياسية بالمنطقة واستقطابه الاهتمام العالمي، ويُشكل خطوة مهمة للدولة المصرية على طريق تعزيز دورها الدبلوماسي في سوق الطاقة العالم، وفي الأخير لم يخفِ أصحاب مشروع الفوضى الخلاقة تخطيطهم لرسم خريطة شرق أوسط جديد، فإذا بالرئيس السيسي يعيد صياغة الخريطة ليقدم شرق أوسط مختلفا عن ذلك الذي عرفه العالم قبل٦٠ عامًا ويعيد ترسيم حدوده، وأصبح الغاز الطبيعي المصري ثروة قومية للمصريين، ونوراً للعالم، وملاذاً آمنا للقارة العجوز، عندما وضعت مصر أهدافها فى عام ٢٠١٤ وهو أن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة كان ولابد من وضع خطة إصلاح ونمو اقتصادي فى الدولة المصرية، الأمر الذى سيتم تناوله فيما هو قادم على موقع وبوابة السياسة الدولية الغراء.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د . أحمد سلطان

    د . أحمد سلطان

    مهندس استشارى- رئيس لجنة الطاقة بنقابة مهندسين القاهرة