مقالات رأى

واقع الاقتصاد العالمي بين رَحَى الحرب الأوكرانية

طباعة

يبدو للعيان اشتعال فتيل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، بعد إعلان روسيا انفصال وإضافة دولتين جديتين على الخريطة السياسية للعالم، ويأتى ذلك بعدما كاد الاقتصاد الأوكراني أن يتنفس الصعداء بعد الغزو الروسي عام 2014. فخلال السبع أعوام المنصرمة تضاعفت الاحتياطات النقدية الدولية لأوكرانيا بأكثر من ثلاث مرات ليسجل بنهاية 2021 ما يقارب 30 مليار دولار مقابل سبع مليارات عام 2014، مما نتج عنه خفضًا للعجز فى الميزانية العمومية إلى مستويات غير مسبوقة.

وعلى عكس ما تأثر به الاقتصاد العالمي جراء تفشي جاحة كوفيد-19 وما تبعها من إجراءات، فيمثل عام 2021 لأوكرانيا عامًا موفقًا لتعكس المؤشرات الاقتصادية انتعاشًا فى قطاع الاستثمارات لديها لتسجل نموًا فى الناتج المحلي ما يقارب 6%، لتأتي تلك الأرقام بعكس توقعات صندوق النقد الدولي IMF، والتي لم تتجاوز الأربعه بالمئة.

وعن مكانة "كييف" اقتصاديًا ومكانتها ضمن مكونات الاقتصاد العالمي فهى تعتبر مركزاً صناعيّاً مهما ومؤثرًا في قارة أوروبافيحتل القطاع الزراعي المرتبة الثانية فى أولويات اقتصاد أوكرانيا، وعبر قراءة صفحات التاريخ التي تؤكد على تلك الأهمية لهذا القطاع وذلك عبر وصف أوكرانيا سابقًا بـ "سلة غذاء الاتحاد السوفيتي"، أما عن العصر الحديث وإلى وقتنا هذا توصف بأنها "سلة خبز أوروبا".

ويمكن إرجاع ذلك لعدة أمور، أهمها قدرة هذه الدولة على توفير وضمان الأمن الغذائي لقارة أوروبا، بل وغيرها من الدول، حيث تعد أوكرانيا مسئولة عن 10% من حجم صادرات القمح عالميًا وذلك لتميزها دون غيرها بطبيعة أراضيها شديدة الخصوبة محتلة بأكثر من 70% من مجمل مساحتها البالغة نحو 600 ألف كيلو متر مربع. وتعد أوركرانيا وروسيا وكازاخستان ورومانيا الدول المصدرة الرئيسية للقمح عبر شحن تلك الحبوب عبر موانئ البحر الأسود، لتحتل أوكرانيا المركز الثالث لأكبر مصادر الذرة في العالم والرابع للقمح، وذلك وفقًا لتقديرات مجلس الحبوب الدولي International Grains Council، لتتربع روسيا على قمة مصدري القمح عالميًا.

وعلى الجانب الآخر وتأكيدًا على صدى ذلك ففي ظل اندلاع الأزمة تراجعت الأسهم الروسية وتعافي الروبل من أدني مستوياته له في تعاملات الثلاثاء 22 فبراير، وذلك نتيجة رد فعل المستثمرين على قرار روسيا بإصدار أوامر للتحرك العسكري لشرق أوكرانيا. وقد سجل مؤشر بورصة موسكو MOEX خسائر فادحة بعد أن فقد أكثر من 10% خلال تعاملات جلسة الاثنين، مما رفع تلك الخسائر إلى نحو 20% منذ بداية العام الجاري.

ووفقًا لما أشار إليه محللي مؤشر  J.P Morganتعقيبًا على الأزمة المرتقبة، من احتمالية وجود المزيد من العقبات متمثلة في عدة انخفاضات على المدى القريب في سوق الأسهم الروسية، ونتيجة لهذا فقد تحرك بنك Wall Streetنحو خفض تصنيف الأسهم الروسية من "زيادة الوزن"، لتصبح وفق تصنيف البنك " محايدة".

وعلى ما يبدو أن الاقتصاد العالمي على موعد مع ركود ذى وطأة شديدة أصبح وشيكًا، مما قد يشكل معه احتمالية وقوع دوامة قطبية للاقتصاد والأرباح ليدمر معه الطلب وربما يدفع بعض تلك الاقتصادات إلى ركود تام والتأثير على مخزونات السلع الغذائية والطاقة والتى تعدان الأكثر عرضة للخطر، بالإضافة إلى توقع حدوث خسائر صادمة قد تصيب أسواق الأسهم والبنوك واختلال سلاسل الإمداد.

فنتيجة للأزمة الراهنة، فقد قفزت العقود الأجلة للخام الأمريكي بنسبة 1.8 لتتجاوز 91 دولاراً للبرميل، كما قفز خام برنت المعيار العالمي إلى مستوى قرب من حاجز الـ 100 دولار للبرميل الواحد، وفقًا  لما تحتله روسيا من مكانة بين منتجي النفط في العالم، حيث تشير البيانات إلى إنتاج روسيا وحدها نحو أكثر من  9 ملايين برميل في اليوم الواحد خلال العام المنصرم، لتحتل بذلك المرتبة الأولي لتأتي بعدها الولايات المتحدة الأمريكية ليماثل ما حققته من إنتاج ما تنتجه كندا والعراق مجتمعين.

وتلوح فى الأفق الآثار السلبية العالمية ببوادر الحرب القادمة فى تعطل التدفقات النفطية الروسية للعالم لتتخطي أسعار النفط حاجز 120 دولاراً للبرميل الواحد، وفقًا للتحذيرات التى أطلقها بنك J.P Morgan. وتزداد التخوفات وفق وتيرة الحرب المنتظرة بوقف تدفق الغاز الروسي إلى دول أوروبا، حيث يبلغ إجمالي ما  يستورده الأوروبيون نحو 550 مليار متر مكعب، منهم 200 مليار متر من روسيا فقط، حيث تعد مصدراً رئيسا من مصادر الغاز الطبيعي، ومن المؤكد أن صدى هذا الصراع اقتصاديًا لن يكون محسوسًا على شعوب القارة الأوروبية فحسب، وإنما سوف يستشعر به الملايين من البشر حول العالم، ومن ثم الدخول في بوتقة العواقب الاقتصادية الوخيمة، نظراً لترابط الاقتصاد العالمي بشكل أو آخر بالأسواق العالمية .

ويمكن استشعار ذلك جليًا في إرتفاع تكلفة المعيشة فى معظم دول العالم وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الدول النامية أيضًا بعد ارتفاعها فعليًا فى الوقت الراهن بسبب موجات التضخم العالي وأزمة الطاقة، فسوف تتأثر تلك الدول التى يعتمد ميزانها التجاري على الواردات من تلك الدول، مما سوف يؤثر بشكل ملحوظ على زعزعة المحافظ الاستثمارية للدخول بعد ذلك إلى نفق تباطؤ التعافي الاقتصادي، ليكون العالم وسكانه بعدها على موعد مع دوامة اقتصادية، عالقين فيها في ظل صراع وأزمة عالميين بدأت ترتسم ملامحها بالسلب على الأسواق العالمية وكافة أنشطة الاقتصاد العالمى.

وفي ظل هذا الصراع، هل تتأثر مصر بتداعيات الأزمة؟ ففي ظل ارتفاع أسعار البترول عالميًا بتصاعد تلك الحرب الوشيكة، وفى ظل دعم موازنة الدولة المصرية للمحروقات، خاصة المواد البترولية منها فسوف يشكل هذا عامل من عوامل الضغط الكبير على مسألة ارتفاع الأسعار محليًا، وكذلك مراجعة مسألة الدعم الموجه لهذا القطاع، نظرًا لعدم قدرة الموازنة على مواجهة هذه الزيادة نتيجة هذا الاضطراب.

أما فيما يتعلق بسلاسل الغذاء، وبمدى تأثر مصر من اضطراب مناطق رئيسية تعتمد عليها لاستيراد القمح لتوفير الخبز المدعم، ففي ظل محدودية الإنتاج المحلي ونقص الموارد المائية، فسوف تكون الحرب، التي بدت تدق أبوابها سببا رئيسيا فى زيادة فاتورة القمح لأكثر من مليار دولار، والذي سوف يزيد معه من تضخم أسعار الغذاء في وقت تشكل القدرة على تحمل التكاليف مسأله صعبة ليست على مصر وحسب، بل في جميع أنحاء العالم، مما سوف يحتم على الدولة المصرية التفكير جليًا في طرح البديل لتلك الدول وبأسعار مناسبة، والذي سوف يكون له الآثاى الكبرى في مسألة تحريك دعم الخبز إذا ما جرت الحرب على هذا الوجه.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. عمرو يوسف

    د. عمرو يوسف

    قسم الاقتصاد بأكاديمية الإسكندرية للإدارة والمحاسبة، زميل الجمعية المصرية للمالية العامة والضرائب