مقالات رأى

من مسنين إلى مشردين .. قطار لم يصل إلي محطته النهائية بعد!

طباعة

المشردون بلا مأوى فى مصر قضية من أهم القضايا الاجتماعية لما لها من تأثير سلبى فى الارتقاء بالمجتمع، وهى ظاهرة تنتشر فى المدن أكثر من الريف، ويوجد بمصر ما يقرب من مليونى مشرد بلا مأوى منهم أطفال وكبار سن، ومن هنا سنتناول المشردين من كبار السن، فكيف يتطور الأمر بين مسن يحيا بمنزله بجانب أسرته إلى مشردين بلا مأوى يسكنون الشوارع ويتعرضون للخطر والاستغلال، سواء باستغلال جسدى كتجارة الأعضاء أو استغلال مادى بالتسول أو استغلال باستقطابهم لجماعات إرهابية وتدريبهم. ولكى نتعامل مع هذه الظاهرة يجب أن نعرف أن مشردى الشوارع ينقسمون إلى ثلاثة أنواع وهى:

* مسنون مصابون بأمراض عقليه خرجوا من منازلهم ولم يتمكنوا العودة وأصبح الشارع مأواهم يسافرون دون وعى وتتغير أشكالهم نتيجة السكنى فى الشارع فيصعب لذويهم التعرف عليهم.

* المسنون بلا مأوى نتيجة قسوة الأهل وطردهم للشارع نتيجة النزاع على ميراث أو الاستغلال المادى أو لأنهم أصبحوا طريحى الفراش نتيجة الأمراض وتخلى ذويهم عن رعايتهم الطبية وتأففهم من خدمتهم فكان مصيرهم المحتوم هو الشارع.

* المسنون المتسولون، وهم أخطر نوع فى الشارع المصرى وتخرج منهم الجرائم والإرهاب والبلطجة والسرقة.

وما يجب أن ننوه إليه أن ظاهرة المشردين ليست حديثة. فعندما حكم محمد علي باشا مصر كان أطفال الشوارع والمشردون يتسببون في مشكلة كبيرة للدولة المصرية حيث كان هناك أكثر من ٣٠٠ ألف مشرد في ربوع البلد من الإسكندرية إلى أسوان، فقام محمد علي باشا بتحويل الكارثة إلي نعمة والمحنة إلي منحة؛ بإنشاء معسكرات في الصحراء، بتكليف لسليمان باشا الفرنساوي قائد الجيش المصري حينذاك، وأمر بأن يأتي بأمهر المدربين من فرنسا وأوروبا في شتي المهن والحرف اليدوية ليقوموا بتدريب المشردين لمدة ثلاث سنوات.

وقد خرج لمصر من هذه المعسكرات أعظم الصناع والحرفيين الذين ساهموا في إنشاء النهضة. والطفرة الكبيرة التي حدثت في عصر محمد علي باشا، وهى نهضة صناعية عسكرية إنشائية، فقاموا بمعجزات، وأسسوا أجيالاً من أمهر الصناع الذين ساعدوا في بناء مصر الحديثة، وكان من بين أحد هؤلاء الحرفيين المهرة والد الكاتب المصري الشهير عبد الله النديم.

وتم رصد كثير من الحالات بالشوارع من أهمها وأبرزها منشور علي منصة التواصل الاجتماعي "فيسبوك " وفيه صور لمشرد وصور أخري لبطاقات خاصة عبارة عن بطاقة شخصية والأخرى لكارنيه نقابة المحامين والثالثة كارنيه يحمله وكلاء النيابة. وفي تفاصيل المنشور أن هذا الشخص كان متزوج وعنده بنتان وله أخ مقيم في أمريكا ووالده كان مخرجا في التليفزيون ووالدته طبيبة أسنان مقيمة في القاهرة، ولكن موجود حاليا في الشارع بجوار الجامع علي محطة قطار سيدي بشر ويعاني بعض المشكلات الصحية!.

وهناك منشور آخر علي "فيسبوك" أيضاً كان يحتوي علي صور عدة لمشرد في شوارع الإسكندرية في حالة يرثي لها وبجواره كان يوجد عدد من اللوحات الجميلة التي قام برسمها باحترافية وبالسؤال عنه تبين أنه كان أستاذاً في الفنون الجميلة!

وكان السيد الرئيس قد أصدر توجيهاته بتوفير 113 مليون جنيه من موازنة الدولة من أجل المشردين وذلك حتى عام 2023 وشكلت لجنة من وزارات الصحة والتضامن والتخطيط والمالية والداخلية والهيئة الوطنية للإعلام والرقابة الإدارية من أجل التنسيق لتقديم الرعاية للمشردين.

وأطلقت وزارة التضامن خطا ساخنا للإبلاغ عن حالات المشردين، وهو16439 وتتلقى عليه البلاغات وبعدها يقوم فريق التدخل السريع بالوزارة بفحص البلاغ ونقل الحالة إلى واحدة من دور الرعاية المخصصة للمشردين أو نقله لمستشفى الأمراض النفسية. وهناك العشرات من مؤسسات المجتمع المدني تكاتفت مع الحكومة والوزارات المعنية لتقوم بدورها بين تقديم الاهتمام والرعاية والإيواء.

وقبل عرض أى مقترحات أو قوانين أو مبادرات نود الإشارة إلى ظاهرة المشردين بدول أخرى فيوجد فى ألمانيا 680 ألف شخص تقريبا مشردين بلا مأوى وقالت الولايات المتحدة  إن لديها 564708 مشردين ولا يوجد بلد خالٍ من المشردين باختلاف الأعداد بكل دولة.

ومعظم البلدان تقدم مجموعة من الخدمات للمشردين. فمن الممكن أن يُنظم تقديم الطعام والمأوى والملابس من قبل منظمات مجتمعية بمساعدة المتطوعين عادة، أو من قبل الوزارات المعنية بهذا الشأن. وتُدعَم برامج المساعدة من الحكومة أو الجمعيات الخيرية أو الكنائس أو التبرعات الفردية.

في عام 1998، ذكرت دراسة لكوجل وشوني عن تعداد المشردين في لوس أنجلوس، وكاليفورنيا أن عددًا كبيرًا من المشردين يصعب تقديم المساعدات لهم للتكاليف الباهظة الخاصة برعايتهم.

وقامت بعض الدول بمحاولات للحد من ظاهرة المشردين منها:

· تقدم وزارة الإسكان والتنمية الحضرية في الولايات المتحدة ووزارة شئون المحاربين القدامى برنامج قسائم إسكان تابعا للمادة 8 يُدعى الإسكان المدعوم من قبل رابطة المحاربين القدامى، ويقدم عددًا معينًا من قسائم المساكن المدعومة التابعة إلى المادة رقم 8 إلى المشردين المؤهلين والمحاربين القدامى في الجيش الأمريكي. وقد نجح البرنامج في تقديم مساكن للعديد من المشردين من المحاربين القدامى.

· كما قامت ألمانيا بمبادرة "Housing first"السكن أولا، قالأندري كوركوفياك إننى فخور بالغرفة فهى مجهزة بكل المستلزمات التي كانت تبدو قبل خمس سنوات مستحيلة التحقيق. فحينها كان مدمنا للهيروين ويقبع في غرفة صغيرة داخل السجن. وقد قضى عشر سنوات في الشارع، وفي دور خاصة بالمشردين، وفي السجن. والآن، ومنذ ثلاث سنوات تملك شقة مساحتها 34 مترا مربعا دون نوافذ مغلقة بقضبان ويتوافر عقد إيجار وله مفتاح. والجهة التى جعلت هذا ممكنا منظمه  من مدينة دوسلدورف التي تتبع منذ نحو أربع سنوات أسلوبا في مساعدة المشردين يحمل اسم السكن أولا fifty fiftyوفي دوسلدورفحيثيسهر فريق من ستة موظفين على رعاية المشردين انطلاقا من ربط الاتصال الأول إلى الدخول إلى السكن. "نحن نرافق الناس إلى الشقة"، كما تقول فون ليندرن، وهذا يخلق الثقة، وهذا شرط أساسي لمبادرة "السكن أولا"، وتنص المبادرة على أن "يذهب فريق محترف إلى الشارع ويبحث عن الناس في عين المكان ويقوم برعايتهم". وهذا الفريق المحترف قد يضم موظفا اجتماعيا وطبيبا نفسيا وطبيبا.

وتم تطوير المبادرة في نيويورك وكانت تستهدف مجموعة بشرية معينة من مشردين لديهم أمراض نفسية ومشاكل إدمان. وفي هذه الأثناء يتم تطبيق المبادرة في أشكال مبتكرة، ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية، بل خرجت إلى النور في العديد من البلدان الأوروبية. ففنلندا أعلنتها استراتيجية وطنية وتمكنت كبلد عضو وحيد في الاتحاد الأوروبي من تقليص عدد المشردين.

وبعد أن ذكرنا هنا بعض جهود الحكومة المصرية فى الحد من ظاهرة المشردين والمبادرات الدولية فى هذ الشأن. سنطرح رؤيتنا المتواضعة فى الظاهرة وبعض الحلول القابلة للتنفيذ:

فالمسن الذى أصبح مشردا كما ذكرنا لأنه يوجد نوع من القسوة من ذويه ألقت به فى الشارع نتيجة الفقر المادى وعدم القدرة على الرعاية الطبية والمادية فنقترح أن يستخدم الخط الساخن لوزارة التضامن والمؤسسات الأهلية ليس للبلاغ عن مشرد، بل للبلاغ من ذوى المسن بأنهم غير قادرين على تحمل العبء المادى والصحى. أما عن المسنين الذين يتحولون لمشردين نتيجة الاستغلال المادى والميراث وسلب حقوقهم فأرجو فى قانون المسنين المطروح بمجلس النواب توقيع عقوبة لهذا الفعل وأن يشمل مواد تضمن حقوقهم وبعد فترة سنجد أن هذا النوع من المشردين قد اختفى.

أما المشردون بمرض نفسى فى حالة إبلاغ الخط الساخن، تنشر صورة المسن فى جميع وسائل الإعلام حتى تتمكن أسرهم من التعرف عليهم وإنقاذهم.

أما المتسولون فيجب تكوين فريق من قبل وزارتى الداخلية والتضامن لفحص الحالة واتخاذ الإجراءات القانونية لأن بينهم إرهابيين ومجرمين وبلطجية، وهم قنبلة موقوتة لكن يمكن الاستفادة منهم وإعادة تأهيلهم على طريقه محمد على باشا.

إن المساعدة فى حل هذه الظاهرة واجب على عاتق كل مصرى حتى تظهر مصر فى مظهر حضاري إنساني وتتحول الظاهرة لمكسب للمجتمع.

طباعة

    تعريف الكاتب

    رولا صبحى

    رولا صبحى

    رئيس مؤسسة الملاك للتنمية، ومستشار دعم فني للمؤسسات الأهلية