مقالات رأى

تجليات الوادى المقدس

طباعة

فى تلك البقعة المميزة من أرض مصر، والتى ناجى فيها الله موسى النبى، يجتمع عشاق المغامرة عند منتصف الليل، وتبدأ الرحلة باللقاء تحت سفح الجبل. عليك ألا تكون وحيدًا، انضم لإحدى مجموعات راغبي تسلق الجبال لتبدأ المغامرة، ولتكن مطمئنًا فسيكون معك دليلك الخاص؛ فممنوع صعود الجبال دونه. هو من بدو سيناء والأكثر إلمامًا بتلك المنطقة الوعرة؛ كن أيضًا مستعدًا للمفاجآت فشرح المرشد لمعالم تلك المنطقة التاريخية والأثرية سيصيبك بالذهول، ولإضفاء جو من التمييز والغموض سيطلق المرشد اسم لمجموعتك لينادي به عليكم خلال رحلة الصعود والهبوط حتى لا يضل أحدًا الطريق .. وهنا التقط أنفاسك ولنبدأ المغامرة على وعد باللقاء على قمة الجبل في انتظار لحظة شروق الشمس بأشعتها الذهبية، وهي تغمر سلاسل الجبال بنورها.

أنت الآن تحت سفح جبل موسى الذى يتيح لك رؤية أروع منظر طبيعي بين قمم الجبال التي تتلون بألوان مختلفة، وجواره جبل سانت كاترين أعلى قمة فى مصر بلونه الأخضر وتكسوه بلورات الثلج البيضاء. مدينة سانت كاترين بأسرها تتحول إلى اللون الأبيض النقى فى الشتاء، استمتع بتصوير المناظر الطبيعية الخلابة قبل أن  تبدأ رحلة النزول التي غالبًا ما تكون أسهل، وخلالها يمكنك مشاهدة منازل البدو في أحضان الجبال، وأشهره قبيلة الجبالية.

وقبيل المغادرة سيصطحبك المرشد للتجوال في أقدم دير في العالم هو دير "سانت كاترين"، وهو يوحى بقلاع القرون الوسطى، سمي الدير باسم القديسة كاترين التي هربت من الإسكندرية خوفًا من اضطهاد الإمبراطور الروماني لها لاعتناقها المسيحية، وعاشت تتعبد في هذه المنطقة التي سميت باسمها. وإن كنت من محبى القراءة، ستجد ثانى أهم مكتبة فى العالم بعد مكتبة الفاتيكان، تضم آلاف المخطوطات الأثرية باللغات اليونانية والسريانية والعربية. وقد تتفاجأ عندما ترى نسخة من وثيقة "العهدة المحمدية"، التي تعهد فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بحماية ساكني الدير في كل زمان عندما لجأ إليه المطارنة والرهبان طلبًا للحماية، فما كان من النبي الأكرم إلا أن تعهد بذلك ملزمًا المسلمين بحماية الدير إلى يوم الدين.ويعتبر هذا الدير الوحيد في العالم الذي يحتضن بين أرجائه مسجد، وهو مسجد "الحاكم بأمر الله".

أما الآن، فقد حان موعد العودة وانتهاء رحلتنا القصيرة، استرخ قليلا قبل التجوال فى المدنية لشراء المنتجات البدوية التذكارية، ولا تنسى التجوال بين البيوت فهى كنز معمارى ولوحة فنية بديعة تتلاحم فيها البيوت بالحدائق بإطلالة بيزنطية من القرن الرابع الميلادى. علاوة على ذلك، هناك تناغم واضح بين الطبيعة والمبانى الروحانية التى تتميز بها المنطقة، أعدك أنك ستكرر هذه الرحلة كلما استطعت،حيث الطبيعة الخلابة التي شهدت أحداثا تاريخية دينية جعلتها أرضا مباركة.

لذلك، دعنى أحدثك عن خطة اهتمام الدولة بعمل تنمية شاملة لمنطقة سانت كاترين، من خلال مشروع "التجلى الأعظم"، وإنشاء "مزار روحانى" على الجبال المحيطة بالوادى المقدس لتعظيم الاستفادة من مقومات المدينة السياحية ووضعها فى مكانتها اللائقة التى تستحقها هذه البقعة الطاهرة المقدسة من أرض مصر.

يتضمن مشروع التجلى الأعظم حماية صحراء سانت كاترين، والتنوع البيولوجى، وعمل بنك جينات للفصائل النادرة والتراث الثقافى للبدو وإدراجه فى مخططات التنمية والإدارة، وهناك برنامج واضح للحفاظ على المنطقة كتراث معمارى. ومن الجانب الاجتماعى، فإن المشروع يتضمن تحويل التراث الثقافى والطبيعى ليؤدى وظيفة فى حياة المجتمع المحيط، وتشجيع المجتمع باستثمار موارد فى التراث، ومشاركة القيادات المحلية والأهالى فى كل مراحل المشروع، وسيتم الضخ بمشروعات عملاقة وإعادة تشغيل مطار سانت كاترين، ليسع 600 راكب في الساعة، وإنشاء منتجعات وفنادق تتماشى مع البيئة الموجودة لسانت كاترين، وافتتاح مستشفى على أعلى مستوى، وممشى سياحي، وطريق جديد يربط بين سانت كاترين، والطور، وشرم الشيخ، وغيرها.

لذلك، وبالرغم من جمال سانت كاترين الخلاب إلا أنه من المهم جدًا أن نبدأ فى وضع حملة تسويقية كبرى لسانت كاترين بشكلها الجديد بوضع خطة تجمع بين السياحة الشاطئية والدينية والمغامرة. نحن فى انتظار هذا الحدث الجلل فى شهر أبريل المقبل، وإلى ذلك الحين علينا فقط الانتظار والمشاهدة فى صمت، فكما يقولون الصمت فى حضرة الجمال جمال.

طباعة

    تعريف الكاتب

    جاكلين جرجس

    جاكلين جرجس

    مدير المركز الثقافى القبطى بجمعية جامعة المحبة