تحليلات - شرق أوسط

تيار اﻹسلام السياسي وسباق الاستحقاقات الانتخابية الليبية المرتقبة

طباعة


تترقب الأوساط الليبية إجراء الاستحقاقات الانتخابية بنهاية العام الجاري في 24 ديسمبر المقبل، في وقت تتصاعد فيه التهديدات والتحديات على كافة اﻷصعدة بما يهدد مصير تلك الانتخابات، خاصة في ظل تفاقم حالة الاستقطاب والانقسام بين مكونات المشهد الليبي وتياراته وفصائله المتناحرة على السلطة، ومن بينها تيار اﻹسلام السياسي، وذلك دون إغفال خصوصية الحالة الليبية وخصوصية التفاعل بين التيارات السياسية بها، وخصوصية ما يتمايز به تيار اﻹسلام السياسي الليبي بالمقارنة بنظائره في دول الجوار.

من ناحية أخرى، يشهد تيار اﻹسلام السياسي في المنطقة العربية، وفي المغرب العربي، على وجه الخصوص، انحسارًا فى الفترة الأخيرة، فضلاً عما يشهده تنظيم اﻹخوان من انشقاقات مؤخرًا، اﻷمر الذي قد يُلقي بظلاله على الانتخابات الليبية المرتقبة، إذ تمثل تلك الانتخابات فرصة سانحة كي يستعيد تيار اﻹسلام السياسي رونقه وقوته عبر إيجاد مؤطى قدم له يُعيده من جديد لسُدة الحكم بالمنطقة عبر البوابة الليبية؛ بما يوقف حالة الانحسار والتراجع التي يشهدها ذلك التيار على مدار السنوات الماضية حتى داخل ليبيا.

من ثم، يسعى هذا المقال إلى دراسة تحركات تيار اﻹسلام السياسي داخل ليبيا قبيل انعقاد الانتخابات، وتسليط الضوء على تداعيات تلك التحركات على مصير إجراء الانتخابات، ومحاولة ذلك التيار تأمين حظوظ هيمنته على السلطة خلال العهد الجديد، في ضوء ما تشهده ليبيا من تفاعلات من قبل الأطراف الداخلية، وكذلك اﻷطراف الخارجية المنخرطة في المشهد.

أولاً - نظرة على واقع تيار الإسلام السياسي بإقليم الشرق الأوسط:

شهد تيار الإسلام السياسي العديد من الهزات، خلال السنوات الأخيرة، وتسببت في إزاحته عن سُدة الحكم التي قد بلغها في العديد من دول المنطقة بعد الربيع العربي، وبصفة خاصة التنظيم الإرهابى الذي شهد تراجعًا وانحسارًا لأسباب شتى، مثلما هو الحال في دول الجوار الليبي: مصر وتونس والمغرب، الأمر الذي انعكس بالسلب على قوة التنظيم وفعاليته وتأثيره على مجريات الأحداث. ففي مصر، أُزيح التنظيم الإرهابى عن الحكم بعد تراجع شرعيته وتصاعد الأصوات المطالبة برحيله في 30 يونيو 2013. وفي تونس، دخلت البلاد في حالة جمود سياسي أدت برئيس الجمهورية "قيس سعيد" لاتخاذ إجراءات بالاستجابة للمطالب الشعبية في 25 يوليو 2021، تضمنت تجميد البرلمان ذي الأغلبية من حركة النهضة -المنتمية للتنظيم الإرهابى- وذلك بالتوازي مع ما تعرضت له الحركة من تصدعات بفعل تصاعد الخلاف الداخلي مع زعيم الحركة "راشد الغنوشي". أما في المغرب، فقد مُني حزب العدالة والتنمية بهزيمة ساحقة بالانتخابات النيابية خلال العام الجاري كتصويت عقابي ضد سياسات الحزب الحاكم وفشله في التعاطي مع العديد من التحديات، فقد جاء متراجعًا للمرتبة الثامنة.
هذا بالإضافة إلى ما تعرض له التنظيم الدولي الإرهابى من انشقاقات مؤخرًا، وذلك بفعل تأجج الخلافات بين جبهتي الأمين العام السابق للتنظيم "محمود حسين"، ونائب المرشد العام والقائم بأعماله "إبراهيم منير" المقيم بلندن، وقد تأججت مؤخرًا بينهما حرب تصريحات بفعل التصارع على السيطرة على التنظيم، وهو ما يعكس تصاعد الخلافات والانشقاقات بين صفوف التنظيم في الآونة الأخيرة، الأمر تجلى في تبادل الاتهامات وتصاعد الملاحقات، ومحاولة الخصوم إزاحة بعضهم بعضا.
وعلى الصعيد الليبي، فقد شهد التنظيم انشقاقًا أيضًا، حيث تبلور تيار يقوده المفتي المعزول من البرلمان "صادق الغرياني" ويتمركز بمصراتة وله صلات بالتنظيم الدولي جبهة حسين بتركيا، ويتسم بمواقفه التصادمية المتطرفة، والتيار الثاني يقوده حزب العدالة والبناء بقيادة "محمد صوان" ويتمركز بطرابلس والزاوية وفروع التنظيم الدولي في لندن، ولديه خلافات مع التيار الأول.

ثانيًا - جذور تيار الإسلام السياسي الليبي وخبرة الممارسة السياسية بالمجال العام:

منذ الاستقلال وتأسيس الدولة الليبية الحديثة، لم تشهد ليبيا خبرة المجال العام الذي يُفسح المجال لتفاعل الفواعل السياسية المختلفة في إطار التسابق على السلطة في إطار سلمي ومشروع تحت مظلة القانون، إذ حُظرت الأحزاب منذ العهد الملكي مرورًا بالعهد الجماهيري، ولم يكن من سبيل لتأسيس كيانات تمارس مظاهر الحياة السياسية بشكل مشروع، وهو الأمر الذي انعكس على خبرة كافة التيارات السياسية، ومنها تيار الإسلام السياسي لدرجة أكسبته قدرًا من الخصوصية بالمقارنة بنظائره بدول الجوار.
ومن ناحية أخرى، أدت السياسات الأمنية خلال عهد القذافي لتقويض آفاق العمل السياسي وأنشطة المعارضة التي كادت تقتصر على الحراك الطلابي في السنوات الأولى من عهد الجماهيرية، بالإضافة للمعارضة بالخارج، والتي كانت هدفًا للأجهزة الاستخباراتية، الأمر الذي أثر على أنماط تكوين وتفاعل التيارات السياسية بعضها بعضا، وتفاعلها مع النظام الجماهيري، بل امتد ذلك التأثير لما بعد سقوط النظام في 2011 عبر تنامي ممارسات العنف المسلح للتعبير عن الإرادة السياسية في ظل غياب الأطر السلمية للتفاعل السياسي الناجم عن إرث الجماهيرية.

وبالعودة إلى نشأة تيار الإخوان في ليبيا، فإنها ترجع إلى الأربعينيات من القرن الماضي، بعدما فر العديد من عناصر التيار من مصر إلى الأراضي الليبية عقب اغتيال رئيس الحكومة "النقراشي"، وقد وفر الملك الإدريسي الحماية لهم بفعل توجهاته الدينية الصوفية، وبدأ التنظيم في التوطن والانتشار بربوع ليبيا، خاصة أنهم لم يكونوا مصنفين كحزب سياسي كي يشملهم قرار حظر الأحزاب، بل كانوا يُعدوا أهل دعوة دينية. وما لبث أن باركوا ثورة القذافي وتماهوا معها وانخرطوا بمؤسسات الدولة، إلى أن بدأت الثورة الجماهيرية تسلك مسارها الثقافي، والذي أدى إلى حل الجماعة ومنعها من العمل داخل ليبيا، وتحولت للعمل بالخارج عبر جمعية الدعوة الإسلامية، وفي الثمانينيات حاول تيار الإخوان العودة لمعترك الحياة السياسية، من خلال المسار الطلابي والأكاديمي الجامعي، والذي كان يمثل التيار السياسي الوحيد بالداخل.

إلا أنه مع عودة المقاتلين من حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، شكَّل هؤلاء المقاتلون تيارًا إسلاميًا ذي توجهات عنيفة ومتطرفة، في ظل تنامي التيارات الجهادية المثيلة في دول الجوار، خاصة مصر التي شهدت اغتيال الرئيس "السادات"، واستمر هذا الاتجاه حتى بلغ مداه بتأسيس الجماعة الليبية المقاتلة في التسعينيات، وبدأت قوات الأمن في ملاحقة تلك العناصر إلا أن الجماعة حافظت قدر الإمكان على تماسكها، وبلغ الأمر حد أن هددت الجماعة سلامة "القذافي" شخصيًا، وضعفت الجماعة نسبيًا بعد النصف الثاني من التسعينيات، وحاولت إعادة إحياء ذاتها بالخارج في اسطنبول، من خلال أميرها الجديد "عبد الحكيم بلحاج"، إلا أن ملاحقة "القذافي" لهم استمرت، وألقي القبض على العديد من عناصرها القيادية بالخارج، وتم تسليمهم للسلطات الليبية في العقد الأول من القرن الحالي، وداخل السجون حرصت الجماعة على إجراء المزيد من المراجعات لتوجهاتها كي تبدأ عهدًا جديدًا مع العقيد. وفي غضون ذلك، فُتح أفق جديد لتيار الإسلام السياسي للتعاطي مع نظام القذافي عبر المبادرة الإصلاحية التي قدمها نجله "سيف الإسلام" في 2005، والتي تحمل اسم "ليبيا الغد"، والتي أيدها القذافي على مضض، وما لبث أن تنصل التيار من نجل القذافي ومبادرته بعد الإطاحة بوالده. ومنذ ذلك الحين، وحتى اندلاع الاحتجاجات في 2011، عمل تيار الإسلام السياسي على استغلال الإعلام الفضائي والإنترنت لكسب المزيد من التأييد الشعبي وممارسة المعارضة بعيدًا عن سطوة القبضة الأمنية، رغم أنها لم تكن تحظى بالتأييد والتعاطف الشعبي الجارف. كما تجدر الإشارة إلى أن الجماعة الليبية المقاتلة تعد من أقل الجماعات الإسلامية في اعتناق التوجهات الراديكالية العنيفة بالمقارنة بنظائرها بدول الجوار.

مجمل القول، لم تكن تيارات الإسلام السياسي لتؤلف حزبًا أو تنظيمًا مؤسسيًا، كما لم تمارس السلطة وتنضج تنظيميًا ومؤسسيًا وسياسيًا مثلما هو حال نظيرتها في دول الجوار، وذلك بفعل انسداد أفق القنوات السياسية المشروعة للمشاركة والانخراط في الشأن العام خلال العهد الجماهيري، وهو ما أثر على خبرة ذلك التيار وما سواه بعد اندلاع احتجاجات 2011، إذ أسهم في ترسيخ انتهاج العنف المسلح وتعريض البلاد لأزمات الشرعية.

إلا أن ذلك يأخذنا إلى ضرورة التمييز بين التيارات الإسلامية المختلفة التي وجدت في ليبيا خلال العهد الجماهيري وما أعقبه، فقد انخرط  تنظيم الإخوان في السباق على السلطة بعد إزاحة القذافي، وذلك من خلال العمل الحزبي عبر حزب العدالة والبناء الذي استحوذ على الأغلبية بالمؤتمر الوطني العام. يأتي ذلك في ظل انقسام التيارات الإسلامية إلى فريقين أحدهما ينبذ العنف وينخرط بالعمل السياسي بعد الانشقاق عن الجماعة الليبية المقاتلة، مثل أحزاب الوطن والأصالة والأمة، لكن بفعل تشددها لم تلق تأييدًا واسعًا، أما الفريق الآخر، فقد آثر القتال وفرض إرادته بالقوة، وهو ما تجلى في الكتائب والألوية السلفية التي كانت ظهيرًا عسكريًا لبعض القوى، مثل كتيبة شهداء أبو سليم وغيرها، بالإضافة لمجالس الشورى المسلحة، مثل مجلس شورى ثوار بني غازي، فيما تنامى دور الجماعات الإرهابية والتنظيمات الجهادية التي استغلت حالة الفراغ والانهيار الأمني وانتشار السلاح، مثل جماعة أنصار الشريعة، وتنظيم الدولة الإسلامية، وتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى العناصر السلفية المدخلية والتي كانت موالية لقوات "حفتر" خلال عملية الكرامة.

ومن ثم يمكن القول إن كل التيارات الإسلامية ليست سواء في توجهاتها ومرجعيتها ومدى ميلها للعنف المسلح والتشدد، فضلاً عن التفاوت في درجة النضج التنظيمي والمؤسسي بما يحد من فعالية البعض منها وتأثيرها على مجريات المشهد الليبي، مع الوضع في الاعتبار أن العديد من الفصائل المجتمعية والقبلية لا تؤيد التوجهات الإسلامية غير المعتدلة.

ومن ناحية أخرى، أسهم تيار الإسلام السياسي بفصائله المختلفة وأذرعها العسكرية المسلحة في تعميق حالة الاستقطاب المسلح التي جرَّت البلاد للانقسام عبر مواجهة عسكرية مباشرة عقب الصراع على الشرعية إثر الخلاف بشأن المؤتمر الوطني العام وتداول السلطة بينه وبين البرلمان المنتخب في 2014(البرلمان الحالي). وقد شهدت الانتخابات تراجع شعبية التيار الإسلامي بالمقارنة بما كان عليه الحال فى انتخابات 2012، كما برزت قوات فجر ليبيا غربًا، والتي تضم العديد من الميليشيات، وكانت بمثابة الذراع العسكري، للمؤتمر الوطني العام. فيما انطلقت عملية الكرامة قبل ذلك من أجل التصدي للتهديدات التي تمارسها الجماعات المتطرفة شرقي البلاد، وحصلت على الشرعية من قبل البرلمان المنتخب، وهو ما عزز حالة الانقسام والاستقطاب والتنازع المسلح بشأن الشرعية بين شرق البلاد وغربها، وهي الحالة التي امتدت حتى اندلاع معركة طرابلس في 2019، والتي انتهت في 2020 لتبدأ بعدها جهود حلحلة الأزمة، ووقف إطلاق النار، وإنهاء الاستقطاب والانقسام عبر حكومة الوحدة الوطنية في 2021.

كما نشير في هذا الصدد إلى جذور الخلاف بين تيار الإسلام السياسي، وعلى رأسه تنظيم الإخوان ورئيس المُفوضية العُليا للانتخابات "عماد السائح" إثر نتائج انتخابات عام 2014، وما شهدته من تراجع مدوٍ لتيار الإسلام السياسي، وبلغ الأمر حينها حد اعتقاله على يد قوات عملية فجر ليبيا الموالية للتيار ذاته. وخلال عمل البرلمان، صُنف الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي في عام 2019، مما عمق حالة العداء والخصومة بين الطرفين والممتدة حتى تلك اللحظة.

ثالثًا- أهم ملامح المشهد السياسي الليبي قبيل الاستحقاق الانتخابي:

تشهد الساحة الليبية حالة من الجمود السياسي في ظل تصاعد الاستقطاب بين كافة الأطراف قبيل انطلاق السباق الانتخابي، وسط تبادل الاتهامات بشأن محاولات عرقلة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر نهاية العام الجاري، جنبًا إلى جنب مع الاتهامات بالانحياز والمحسوبية وتغليب الصالح الخاص على العام.إذ تصاعد الخلافات بين مكونات السلطة الانتقالية وبعضها بعضا، وبينها وبين الكيانات السياسية الأخرى، مثل مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، شأن السجال الدائر بينهما بخصوص الأطر القانونية للانتخابات -والتي سنتطرق إليها فيما بعد- فضلاً عن الخلاف المتأجج بين الحكومة ومجلس النواب والذي أفضى لسحب الثقة من الحكومة لتصبح حكومة تسيير أعمال، بينما اتهمت الحكومة البرلمان بعرقلة تمرير الميزانية، كما تصاعدت حدة الانقسامات على أسس جغرافية داخل حكومة الوحدة الوطنية بما يهدد مكتسبات المسار السياسي، شأن الأزمة بين رئيس الحكومة ونائبه الممثل لإقليم برقة بعد الاتهامات للحكومة بالانحياز ضد الإقليم الشرقي، فضلاً عن الصراع المتفاقم بين رئيس الحكومة والمشير "حفتر فقد اشترط "الدبيبة" للقاء "حفتر" أن يعترف الأخير به وزيرًا للدفاع، يأتي ذلك في ظل احتدام التنازع حول العديد من الاختصاصات والصلاحيات وتضارب القرارات وعدم وضوح ماهية العلاقة بين مكونات السلطة الانتقالية والتي لا يتسع المجال لذكرها.

ومن ناحية أخرى، لا يزال المشهد الأمني والعسكري مليء بالتحديات برغم الجهود الحثيثة التي تبذلها اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) بالتنسيق مع القوى الدولية والإقليمية من أجل إنهاء الفوضى الأمنية بالبلاد، وإنجاز ملف إعادة توحيد المؤسسة العسكرية، وإعادة فتح الطريق الساحلي، وحسم ملف المقاتلين الأجانب والمرتزقة الذي يرتبط بإرادة الأطراف الخارجية والمجتمع الدولي وليس إرادة السلطة الليبية وحدها، إلا أن وجود تلك القوات جنبًا إلى جنب مع انتشار السلاح في أيدي الميليشيات لا يزال يمثل تحديًا يقوض سيادة السلطة الانتقالية، ويهدد إجراء الانتخابات، فلا تزال الاشتباكات المسلحة تقع بين تلك العناصر حتى داخل العاصمة طرابلس. هذا بالإضافة للعثرات التي تواجه ملف إعادة توحيد المؤسسة العسكرية، ويأتي على رأسها تنازع كافة الأطراف بشأن حقيبة وزارة الدفاع، فضلاً عن استمرارية التدخلات الخارجية، وغياب التنسيق بين كافة الأطراف من أجل حل الأزمة وإنهاء الصراع بالوكالة سعيًا وراء المصالح والأطماع بالأراضي الليبية لأسباب ودوافع شتى. وعلى الرغم من حالة الزخم الدولي الظاهري، إلا أن الصراع الليبي يرتبط بالعديد من الحسابات والترتيبات الدولية والإقليمية الأخرى بين القوى الأجنبية المنخرطة به، وهو ما يجعل حسم العديد من الإشكاليات في الملف الليبي متعثرة.

هذا بالإضافة لما شهدته الساحة الليبية من تلويح بتأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر من خلال مختلف الأطراف المنخرطة بالسباق على السلطة حتى داخل صفوف ومكونات الحكومة الانتقالية ذاتها، كما هو الحال للمجلس الرئاسي ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية. ومن جانبها، تُجري المفوضية العليا للانتخابات استعداداتها على قدم وساق من أجل إنجاز الاستحقاق الانتخابي في موعده المحدد، فيما تتضارب الآراء بشأن تلك الاستعدادات وفعاليتها وشرعيتها، ويأتي ذلك وفى إثر الخلافات السياسية السابق الإشارة لها، والتي تجلت في تأجج الخلاف بشأن إقرار القواعد القانونية الناظمة للانتخابات البرلمانية والرئاسية.وقد أُعلن عن فتح باب الترشح رسميًا في 7 نوفمبر الجاري، بعد الاتفاق على تلك القواعد المتعلقة بتنظيم الانتخابات بين البرلمان والمفوضية العليا للانتخابات. وفي الآونة الأخيرة، يتم تداول العديد من الأخبار بشأن اعتزام العديد من الشخصيات خوض هذا السباق الرئاسي بعد فتح باب الترشح رسميًا، وسبق أن باركت البعثة الأممية إصدار القواعد القانونية التي أقرها البرلمان الليبي بشأن الانتخابات، وهو الموقف الذي تبنته العديد من الأطراف الخارجية أملاً في دفع مسار العملية السياسية للأمام.

رابعًا- أبرز الممارسات والتحركات من قبل الإسلام السياسي في خضم السباق الانتخابي:

يستعد تيار الإسلام السياسي لخوض السباق الانتخابي من أجل تأمين حظوظ هيمنته على السلطة ولتقليص التراجع الذي يتعرض له بالداخل والخارج، وتأتي تلك الاستعدادات والتحركات في ظل احتدام السباق وتزايد حالة الانقسام والاستقطاب قبيل الانتخابات، بما ينذر بإمكانية تجدد النزاع مرة أخرى، فضلاً عما تشهده الساحة الليبية من تحركات ديناميكية بين مختلف الأطراف في إطار ما يعرف بإرساء قواعد اللعبة الانتخابية وتحالفاتها.

في هذا الصدد، نشير إلى أبرز التحركات التي ينتهجها أنصار هذا التيار في ذلك السباق على السلطة، حيث حرص التيار على إعادة التموضع وتجديد دمائه -دون خروج عن الثوابت والروافد الفكرية للجماعة-، من خلال إعادة تقديم ذاته في الأوساط الليبية بهيئة جديدة تتواكب مع متطلبات المرحلة، وقد حدث ذلك من خلال تغيير اسم تنظيم الإخوان الليبي إلى جماعة الإحياء والتجديد بعدما كانت تحمل اسم العدالة والبناء، كما عقد التنظيم العديد من الندوات وورش العمل لخدمة الأغراض الانتخابية، وللتأكيد على إيمانه بالمشاركة في خلق مجتمع مدني لا يضيق بالتنوع والاختلاف ويرسخ قيم التعاون والهوية المشتركة للأمة الليبية.

فى السياق ذاته، دشن تيار الإسلام السياسي حزبًا جديدًا يسمى الحزب الديمقراطي ليحل محل حزب العدالة والبناء في مسماه السابق بقيادة "الصوان"، وذلك بعدما تراجعت شعبية الحزب خلال الاستحقاق الانتخابي البرلماني الأخير، وكذلك خلال الانتخابات المحلية. وفى أثناء إشهار الحزب الديمقراطي، أكد "الصوان" أن حزبه سيشارك في الانتخابات البرلمانية في إطار الإيمان بأهمية المشاركة في إعادة بناء الدولة وتحقيق المصالحة الوطنية، بالإضافة إلى أن لدى الحزب مرشح سيخوض السباق الرئاسي، ويرى الحزب أن الانتخابات هي المخرج الوحيد للبلاد من أزمتها، من خلال تجاوز عهد الفوضى والانقسام وهشاشة الشرعية، إذ من شأن الانتخابات أن تؤدي لتجديد الشرعية ولإعطاء الأجسام المنتخبة، سواء كان الرئيس أو البرلمان المقبل، قوة مستمدة من الشعب.

ومن ناحية أخرى، يمثل المجلس الأعلى للدولة الظهير السياسي الأقوى لتيار الإسلام السياسي في معادلة السلطة الانتقالية، وهو أحد الكيانات المستحدثة عبر اتفاق الصخيرات لعام 2015، وقد أبقى المسار السياسي المنبثق عن ملتقى الحوار السياسي على بعض مهامه الاستشارية خلال المرحلة الانتقالية، الأمر الذي زاد المشهد صعوبة وتعقيدًا في ظل عدم وضوح ماهية وحدود هذا الدور ونطاق تداخله مع الكيانات الأخرى، وعلى رأسها البرلمان المنتخب. وقد تجلى ذلك في السجال المتعلق بإقرار القاعدة الدستورية الناظمة للانتخابات البرلمانية والرئاسية وما تنطوي عليه من تبادل للاتهامات بمحاولة عرقلة إجراء الاستحقاق الانتخابي في أجله المقرر.
إذ يتهم المجلس الأعلى للدولة البرلمان بالتحرك الأحادي لصياغة وإقرار القواعد الدستورية دون تنسيق وتشاور معه بالمخالفة للأطر الحاكمة للمرحلة الانتقالية، كما واجهت المفوضية العليا للانتخابات اتهامات تتعلق بالانحياز لمصلحة البرلمان وبعض المرشحين الرئاسيين المحتملين المستفيدين من القاعدة الدستورية في صيغتها الحالية، خاصة المادة 12 من القانون، والمتعلقة بالسماح لشاغلي المناصب الحالية خوض السباق الانتخابي شريطة أن يكونوا خارج المنصب قبل 3 أشهر من خوض السباق، على أن يحق لهم العودة للمنصب حال خسارتهم الانتخابات، وهي المادة التي تواجه اتهامات بأنها مفُصلة لمصلحة بعض المرشحين على حساب إقصاء بعض المرشحين الآخرين، بالإضافة للجدل بشأن حق العسكريين في الترشح. وبلغ الأمر حد التشكيك في شرعية البرلمان ذاته رغم أنه منتخب.

وتجدر الإشارة إلى أن ثمة خلاف ضمني بين البرلمان المنتخب والمجلس الأعلى للدولة ذي الأغلبية الإسلامية، وذلك لأن الانتخابات التي أتت بالبرلمان الحالي في 2014 قد شهدت انحسار شرعية تيار الإسلام السياسي وشعبيته بالأوساط الليبية، وهو ما دللت عليه نتائج الانتخابات، حيث لم يحصد تيار الإخوان سوى 10% من المقاعد بالمجلس، بعدما استحوذ على الأغلبية في المؤتمر الوطني العام الذي تشكل عام 2012، وهو ما أدى لتعميق أزمة الانقسام والشرعية كما سبقت الإشارة.
كما تعثرت جلسات المحادثات الرامية للتنسيق وتقريب وجهات النظر بين المجلسين في الآونة الأخيرة ولم تصل سوى لطريق مسدود، وهو ما أدى للبرلمان أن يمضي في طريقه من أجل إتمام مهامه دون التفات لمحاولات العرقلة، ومرر القاعدة الدستورية للانتخابات البرلمانية بعد شهر من إقرار تلك المتعلقة بالانتخابات الرئاسية. ومن جانبه، هدد المجلس الأعلى للدولة باللجوء للسلطة القضائية من أجل الطعن على القاعدتين الدستوريتين اللتين أقرهما البرلمان والمفوضية العليا للانتخابات دون تنسيق معه.

ومن ناحية أخرى، ترددت في الآونة الأخيرة أطروحات تشير لوجود محاولات للتأثير على المجلس الرئاسي للدخول في هذا السجال من أجل تجنيب البلاد الدخول في أزمة قد تهدد إجراء الانتخابات، وذلك من خلال محاولة "المنفي" إقناع بعض الشخصيات الجدلية بعدم خوض السباق الانتخابي الرئاسي المقبل،كما تم تداول مبادرة من عضو المجلس الرئاسي "عبد الله اللافي"، والتي تهدف لفتح قنوات للتواصل بين المجلس الرئاسي والبرلمان والمجلس الأعلى للدولة للوصول إلى توافق بخصوص القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، وهو ما يقتضي تأجيل الاستحقاق الانتخابي إلى الربيع المقبل، إلا أن المبادرة لقيت رفضًا وتراجع عنها مقدمها، وتنصل منها المجلس الرئاسي الذي أكد على تمسكه بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد سلفًا، مؤكدًا أنها مبادرة فردية وليست مؤسسية.

خامسًا- التداعيات والسيناريوهات المحتملة لتلك المتغيرات على مسار الانتخابات:

مع اقتراب أجل الاستحقاق الانتخابي، ومع إعلان المفوضية العُليا للانتخابات فتح باب الترشح رسميًا، تزايدت التهديدات التي قد تحول دون إجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده المقرر، خاصة في ظل استمرارية الفوضى الأمنية وانتشار السلاح وتنامي نفوذ الميليشيات المسلحة التي تعد ظهيرًا عسكريًا للعديد من الفصائل السياسية المتناحرة، خاصة بالجانب الغربي. وسبق أن اقترح رئيس المجلس الأعلى للدولة إجراء الانتخابات البرلمانية مع إرجاء إجراء الانتخابات الرئاسية لحين إتمام الاستفتاء على الدستور؛ لأن إجراء الانتخابات الرئاسية في الفترة الحالية لن يؤدي للاستقرار.

وفي خضم احتدام الخلاف حول القواعد الدستورية والقانونية المنظمة للانتخابات بين مجلسي النواب والأعلى للدولة بالرغم من المباركة الدولية والإقليمية والأممية لصدور القوانين، فقد تصاعدت الأصوات المشككة في شرعية الانتخابات وقبول نتائجها حال ترشح بعض المرشحين مثل "سيف الإسلام القذافي" والمشير "حفتر"، والتلويح بعدم قبول الاعتراف بأي منهما وصاحب تلك الدعوات تلويحًا باستخدام القوة المسلحة من قبل الميليشيات، وكذلك من قبل عملية بركان الغضب التي هددت بإغراق الصناديق غربي البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن عملية بركان الغضب تُعد امتدادًا للظهير العسكري الموالي لتيار الإسلام السياسي بمدن الغرب الليبي، وبلغ الأمر حد أن صرح المشري بأن "حفتر لن يحكم ليبيا أبدا، ولو على جثث الآلاف وعشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف"، ووجهت بعض القيادات اتهامات للمُفوضية بالخيانة العظمى لو قبلت طلب حفتر الترشح للانتخابات.

هذا بالإضافة إلى تصريحات رئيس المجلس الأعلى للدولة "خالد المشري" عقب فتح باب الترشح بالانتخابات، إذ لوح باللجوء للقوة وتطبيق سياسة الأمر الواقع، مع إشراك مجلس الأمن الدولي في الأزمة السياسية بالبلاد عبر إحالة مذكرة له، كما دعا لإطلاق احتجاجات واعتصامات أمام مقر المفوضية ومحاصرتها، فضلاً عن مطالبته بمقاطعة الناخبين والمرشحين للانتخابات رفضًا لترشح من أسماهم بـ "المجرمين" مشبهًا السماح لهم بخوض السباق بالنازية في ألمانيا، كما طالب مفوضية الانتخابات أن تلتزم بالحيادية، وأن تكون قرارتها وفق الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، وجاء ذلك في إطار عقد مؤتمر بأحد فنادق طرابلس، شارك فيه عدد من أعضاء مجلسي النواب والدولة، وعمداء البلديات والنقابات وروابط الشهداء والمفقودين والمهجرين، و59 ممثلاً عن الاتحادات المهنية في طرابلس وبعض الأعيان والحكماء وقادة المحاور وبحضور عدد من السفراء المعتمدين؛ لاستمالة القيادات المحلية والعمالية لصف التيار الإسلامي وموقفه.وقد أصدر المجلس الأعلى للدولة بيانًا للتأكيد فيه على موقفه الرافض للقوانين الانتخابية وليس لإجراء الانتخابات في موعدها، مع تحميل المفوضية العليا للانتخابات والبرلمان العواقب الخطيرة الناجمة عن موقفهما من التمسك بتلك القوانين، والتي يراها المجلس -حسب بيانه- مناوئة لاستعادة الثقة والوحدة ومعززة للاستقطاب بين الليبيين. وهو المعنى ذاته الذي ذهب إليه البيان الصادر عن أمراء عملية بركان الغضب الرافض أيضًا للقوانين الانتخابية باعتبارها صادرة بشكل أحادي دون توافق سياسي، الأمر الذى يعني رفض إجراء الانتخابات ذاتها، بل رفضًا للمشروع الديكتاتوري الناجم عنها في مثل هذا السياق.

وقد انخرط رئيس الحكومة "عبد الحميد الدبيبة" في ذلك السجال مؤخرًا إثر تنامي الخلاف حول أحقيته في الترشح وما استتبعه من دخول في بعض المساومات والترتيبات الانتخابية مع أطراف المشهد السياسي في ظل اتفاق المواقف بشأن الأطر القانونية والدستورية المتعلقة بالانتخابات وبلغ الأمر حد الحديث عن توقيع وثيقة من عدد أعضاء البرلمان المطالبين بتعديل القوانين الانتخابية وخاصة المادة 12 من قانون الانتخابات الرئاسية، وهو ما دحضه أعضاء البرلمان، ناهيك عن الأطراف الخارجية الداعمة لتيار الإسلام السياسي وأنصاره بالمشهد الليبي على مختلف الأصعدة خاصة على الصعيد العسكري، ونشير في هذا الصدد إلى توجه رئيس المجلس الأعلى للدولة إلى زيارة خارجية للتباحث والتنسيق بشأن الوضع السياسي الراهن والتطورات الأخيرة، وذلك لتعزيز موقفه بالداخل بعد ساعات من تصريحاته المحرضة ضد إجراء الاستحقاق الانتخابي وفقًا للقواعد التي أقُرت مؤخرًا.

من ناحية أخرى، تتزايد المحاولات الرامية نحو الزج بالقضاء والنيابة العامة في معترك الصراع السياسي المتأجج بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة بخصوص القواعد الدستورية والقانونية المنظمة للانتخابات، وهي المحاولات التي يصر عليها رئيس المجلس الأعلى للدولة والعديد من القيادات بتيار الإسلام السياسي لعرقلة إجراء الانتخابات بقواعدها الحالية.

ومن شأن انسداد الأفق السياسي وتزايد حدة الاستقطاب والمزايدات وتقلص حدة الثقة، وإصدار البيانات التي تنطوي على تحريض ضد الأطراف الأخرى أن قد يجر البلاد للعودة للمربع الأول، بحيث تتحول الانتخابات إلى سباق للاقتتال والتكالب بين التيارات السياسية المختلفة وخاصة تلك الرافضة لإجراء الانتخابات بقواعدها الحالية مثلما هو الحال لموقف العديد من فصائل تيار الإسلام السياسي، بل قد يؤدي لتجدد الاقتتال وإثارة نعرات الفُرقة والانقسام لو فُوتت تلك الفرصة التاريخية السانحة لاستعادة الوحدة وبدء عهد الاستقرار تحت مظلة سلطة منتخبة تستمد شرعيتها من الصندوق الانتخابي لا من خلال قوة السلاح.

كما تُزيد الخروقات المحتملة من فرص التأثير سلبًا على سلمية الانتخابات ونزاهتها وتقبل نتائجها وتيسير عملية التداول السلمي للسلطة دونما عرقلة، وذلك بفعل التخوف من ردود أفعال التيارات التي تخشى زوال سلطتها السياسية والعسكرية إذا تصدُّر المشهد عناصر من خارج التيار الإسلامي، إذ إنه بإجراء الانتخابات سيُزال تمامًا المجلس الأعلى من الدولة من مشهد السلطة، وسيتهدد نفوذ كافة العناصر السياسية والعسكرية الموالية له، وهو ما قد يدفع ذلك التيار للتمسك بأي فرصة لتأجيل الانتخابات أو إلغائها، فضلاً عن تزايد المخاوف بشأن أن يتم توظيف بعض الجماعات المسلحة من قبل المرشحين الخاسرين بعد إعلان النتائج أو ممن تم إقصاؤهم من خوض السباق بفعل عدم انطباق شروط اللوائح القانونية عليهم، أو قد تتحرك تلك التنظيمات المسلحة لإفساد المشهد الانتخابي بأكمله انتقامًا لهزيمة ظهيرها السياسي الذي تدعمه، خاصة أن بعض التقديرات تُشير إلى أن عملية بركان الغضب تتلكأ عن إخراج المرتزقة السوريين بالغرب إلى ما بعد إجراء الانتخابات. وليس النموذج العراقي ببعيد بعدما آلت إليه الأمور بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، وهو أمر يُخشى تكراره في ظل الخطاب التحريضي المتأجج في الآونة الأخيرة.

هذا بالإضافة إلى خشية تيار الإسلام السياسي من أن تؤتي نتائج الانتخابات بالمزيد من الانحسار لنفوذهم عبر هزيمة جديدة في ليبيا، تعزز انهزامهم على الصعيد الإقليمي، الأمر الذي يدفع ذلك التيار للعمل على محورين من أجل الاستعداد لكافة السيناريوهات الممكنة، وذلك عبر العمل على محورين، يشير الأول إلى العمل على عرقلة إجراء الانتخابات باللجوء للحلول السياسية والقانونية، بل العسكرية المسلحة إذا تطلب الأمر، مع العمل على التغلغل في مؤسسات الدولة للسيطرة على كامل مفاصلها، خاصة المناصب السيادية، كبديل آمن إذا ما أجريت الانتخابات في موعدها، أما المحور الآخر، فيتعلق بحشد الأصوات الانتخابية وتقديم مرشحين موالين للتيار لخوض السباق الانتخابي البرلماني وكذلك السباق الرئاسي مثلما هو الحال لوزير الداخلية السابق "فتحي باشاغا" الذي يعتزم رسميًا الترشح لخوض الانتخابات ذات الصبغة التاريخية، إذ إنه للمرة الأولى في التاريخ سينتخب الليبيون رئيسهم.

ختاما، يتضح مما سبق أن الانتخابات الليبية المقبلة تمثل فرصة وتهديدًا لمستقبل تيار الإسلام السياسي سواء داخل ليبيا أو على الصعيد الإقليمي، فهي تمثل فرصة للتيار لاستعادة مكانته وتمديد نفوذه من جديد، كما أنها قد تتسبب في المزيد من انحسار وتقهقر التيار على كافة الأصعدة، خاصة في ظل تراجع التيار داخل ليبيا، وفي ظل الضعف والأزمات التي يواجهها، الأمر الذي يجعل التيار يتحرك على مسارين بالتوازي، سواء من أجل الاستعداد لخوض السباق، أو عرقلته والتهديد باستخدام القوة والقتال للحيلولة دون ترشح بعض العناصر المنافسة لشعبية التيار الإسلامي. وهذا الصراع الأزلي بين تيار الإسلام السياسي والتيارات الأخرى ينطوي على خلاف حول نمط الدولة المنشودة وأسسها وهويتها على كافة الأصعدة، وعلى مرتكزات تأسيس الشرعية وممارسة السلطة، وهو الصراع الذي جر البلاد من قبل لأزمة الانقسام وتنازع الشرعية في عام 2014 وما بعدها.

وفي ظل انسداد الأفق السياسي وتزايد حالة الاستقطاب والتهديد بعودة الاقتتال وتجدد النزاع المسلح بين القوى المتنافسة، تظل الانتخابات هي الحل الوحيد للخروج من تلك الأزمة عبر تأسيس سلطة جديدة تستمد شرعيتها القانونية من الشعب عبر عملية انتخابات حرة نزيهة، تُطوى معها صفحة الانقسام والفوضى والحروب، لكن ذلك يستلزم وجود إرادة سياسية تنحي كافة الخلافات مع وجود المزيد من الضمانات والمزيد من الرقابة المجتمعية والدولية لضمان نزاهة الانتخابات وضمان احترام نتائجها دون تلاعب أو إفساد، سواء بالمال أو بالقوة أو بالسلاح، مع تشديد العقوبات ضد المعرقلين ومهددي إجراء الاستحقاق الانتخابي؛ أملاً في بلوغ الاستقرار وتأسيس عهد جديد تبدأ معه ليبيا مرحلة بناء دولة مؤسسات، يسودها حكم القانون، وإعلاء المصالح العامة والالتفاف حول الهوية الوطنية الجامعة لشتات كل الفصائل والتيارات دون أي حسابات أخرى.

طباعة

    تعريف الكاتب

    آية بدر

    آية بدر

    باحثة ماجستير علوم سياسية- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة