تحليلات - شرق أوسط

دعوة الرئيس التونسى للحوار الوطنى: الفرص والتداعيات

طباعة

للرئيس التونسى قيس سعيد مشروع سياسي بدأت نقطة انطلاقه منذ الإعلان عن التدابير الاستثنائية فى يوليو الماضى، حين علق عمل البرلمان وعزل الحكومة قبل أن يلغى معظم بنود الدستور وبدء الحكم بمراسيم، وصولا إلى تسمية وتشكيل الحكومة الجديدة المعاونة للرئيس كخطوة يأمل الكثير فيها أن تكون بداية للخروج من الأزمة السياسية وإنهاء الحالة الاستثنائية. أعلن بعدها الرئيس التونسى أنه سينظم حوارا وطنيا بشأن تعديل النظام السياسي وتغيير شكل نظام الحكم وقانون الانتخابات. وأضاف سعيد أن الحوار سيشمل مقترحات من الشباب بشأن سقف زمني محدد للاستفتاءات والاستحقاقات الانتخابية. وقد واكب هذا الإعلان طمأنة ما اعتبرهم الرئيس "شركاء تونس" من القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا، بأن تونس سائرة نحو خريطة طريق الديمقراطية الجديدة.

تنطلق المقالة من التفسير المؤسسى للنظم السياسية من حيث النظر إلى أسباب التحول إلى هيمنة النظام الرئاسى (لماذا تتخذ الدول شكلا معينا للحكم من حيث معيار الفصل بين السلطات؟)، ويكون التركيز هنا على التكوين المؤسسي للتمييز بين النظم السياسية كالاهتمام بأشكال الحكم والمؤسسات التي تشارك في السلطة، والنتائج والممارسات المترتبة على أداء المؤسسات السلطوية وقابليتها للتحول. ونظريا أو رسميا تكون السلطة التنفيذية فى النظم الرئاسية أو الظروف الانتقالية موحدة وتتجسد فى الرئيس/الحاكم، فهو الوحيد صاحب السلطة ومركز الثقل فى الدولة. وهذا هو الإطار الذى يحيط بالنظام التونسى بفعل التدابير الرئاسية الراهنة. فإلى أى مدى هذا النمط المؤسسى للتحول نحو النظام الرئاسى يعبر عن حل ومعالجة الاختلالات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في صنع السياسة العامة واتخاذ القرار؟، أم يرسخ حكم الرئيس في إدارة شئون الدولة؟ وكيف سيكون الحوار الوطنى المزمع، الذى أعلن عنه الرئيس قيس سعيد مؤخرا خطوة نحو إنهاء الإجراءات الاستثنائية فى يوليو الماضى وإنجاز مشروعه السياسى؟، وكيف يمكن أن يتطور الموقف الأخير للاتحاد التونسى للشغل الذي يبدو رافضا لفكرة "اللجان الشعبية" التى طرحت كآلية للحوار؟ وهل سيتمكن قيس سعيد من مواصلة نهجه ومشروعه في ظل الرفض من قبل قوى سياسية داخلية والضغوط التي تمارس من الخارج؟. ونحاول الإجابة عن هذه التساؤلات المرتبطة ببعضها بعضا ما بين التطلعات الداخلية والضغوط الخارجية. خاصة أنه مؤخرا تزايدت الزيارات والمشاورات الدبلوماسية الدولية للوقوف على الأزمة الداخلية والبحث في مخارجها.

العامل الخارجى بين المساعدات والضغوط:

تعتبر المساعدات الخارجية واحدة من أكثر الأدوات المهمة فى العلاقات الدولية، وقد زاد حجمها وتعاظم دورها في الوقت الراهن مع تعدد الجهات المانحة. وتعد المساعدات مدخلا للتأثير والضغط السياسى فى الدول الأخرى. وقد تكون دول الجنوب المتلقية للمساعدات مدفوعة من حاجتها إلى موارد أو مقابل شروط سياسية أو اقتصادية محددة([1]).

وإن كنا نجد أن أزمات الأداء الاقتصادي تكاد تصل إلى معدلات متقاربة في كل الأنظمة السياسية، وأن كانت تزيد بنسبة طفيفة في معظم الدول الإفريقية. وبالتالى إن تأثير الضغوط الخارجية تختلف من نظام إلى آخر باختلاف أنواع النظم السياسية حسب مستوى ديمقراطية النظام، ودرجة الهيمنة السياسية لفرض الاستقرار.

إذن، عند التعرض للمشكلات المعقدة أمام طريق دعم الديمقراطية من عدمه عند طريق المساعدات/ أو الضغوط الخارجية. لا بد من النظر بعين الاعتبار إلى درجة المأسسة أو وجود مؤسسات مستقرة وشرعية كما هي الحال بالنسبة لأى نظام ديمقراطى فى الديمقراطيات المستقرة والناشئة، ويتمتع ببعض أو حتى بأغلبية دعم المجتمع، ووجود نموذج للتنمية الاقتصادية، خاصة إذا كانت المنافع منتشرة بشكل كاف لجميع الفئات والأطياف، وكان اللجوء إلى الإكراه من قبل السلطة محدودا، والنظرة إلى التغيير السياسي الجذرى أنه محفوف بالمخاطر([2]).

مضامين دعوة الحوار الوطنى:

فيما تواصلت المطالبات بجدول زمنى للإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسى قيس سعيد منذ يوليو الماضى، وبعد أن عين هذا الشهر حكومة جديدة كشف قيس سعيد فى 21 أكتوبر الحالى عن أنه ينوى تنظيم حوار بشأن تعديل النظام السياسي وقانون الانتخابات. وأوضح سعيد إن الحوار سيشمل مقترحات من الشباب بشأن سقف زمنى محدد، واستبعد القوى السياسية والحزبية المعارضة له خاصة، حركة النهضة.

يعبر مضمون الحوار- كما يراه سعيد- أنه جاء فى إطار تصحيح المسار للمكتسبات الديمقراطية في تونس منذ ثورة 2011 التي أنهت الحكم الشمولي وأطلقت شرارة ما يسمى الربيع العربي، وأن تدخل الرئيس لإنقاذ تونس قد جاء في مواجهة ما اعتبره خطرا داهما، يهدد كيان الدولة التونسية، مطلقا ساعتئذ العديد من الوعود بالإصلاح، وواضعا نصب عينيه هدفا رئيسيا، وفق ما قال مرارا، وهو القضاء على الفساد السياسى والإدارى، الذي رآه يستشري في مؤسسات الدولة. يتزامن ذلك مع سنوات من الركود الاقتصادي، وشلل الحياة السياسية، وتفاقم الوضع الاجتماعى بفعل إغلاق باهظ الثمن في العام الماضي لاحتواء جائحة فيروس كورونا وبطء حملة التطعيم، واحتجاجات في الشوارع([3]).

محددات فاعلية الاستجابة للحوار الوطنى:

هناك عوامل داخلية وخارجية تتوقف عليها فاعلية الاستجابة للحوار الوطنى، تتمثل فى المحددات التالية:

- قيام الحكومة بالتعجيل لإحداث تحسن ملموس ولو طفيف يشعر به المواطن، وأن يدرك أن قرارات الرئيس الاستثنائية تعمل لمصلحة المواطنين. وكما أن قيس سعيد، لا يمكنه الآن التراجع للوراء، فإنه أيضا مطالبًا بإيجاد الحل بدون الأفق المفتوح.

- يحافظ الرئيس على تحالفاته الداخلية وعدم خسارة الاتحاد التونسى للشغل، وهو قوة نقابية وسياسية يحسب حسابها في تونس، إذ بدا أن الاتحاد، يرفض الحوار الوطني، الذي أعلن عنه الرئيس قيس سعيد مؤخرا، بالصيغة التي تم طرحه بها، وطالب الاتحاد بدور للأحزاب في العملية الديمقراطية، رافضا أي حوار مستوحى من فكرة "اللجان الشعبية" أو "الحوار الافتراضى".

بجانب القوى السياسية، وقوى الشارع التونسي، التي ترصد تحركات الرئيس التونسي، وتسعى لمواجهته في الداخل، فإن قيس سعيد يواجه أيضا ضغوطا من الخارج، وتحديدا من قبل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، وهما القوتان اللتان تطالبان بما سمتاه "عودة الديمقراطية"، والمؤسسات الدستورية إلى تونس، وتنتقد عدم وجود خريطة طريق واضحة وجدول زمنى للمستقبل من قبل الرئيس. وكان البرلمان الأوروبي، قد صدَّق في جلسته فى 21 أكتوبر (فى اليوم نفسه الذى أعلن فيه سعيد عن الحوار الوطنى)، على مشروع قرار أعرب فيه عن "القلق العميق من تركيز السلطات بشكل كبير في يد الرئيس قيس سعيّد". ودعا أعضاء البرلمان الأوروبي ضمن القرار إلى "احترام سيادة القانون، والحفاظ على الدستور، والعودة إلى الديمقراطية"، و"استئناف النشاط البرلماني في أسرع وقت ممكن، وبضرورة الإعلان عن خريطة طريق واضحة للعودة إلى العمل الطبيعي للدولة". فيما فرضت لجنة الاعتماد بالكونجرس الأمريكي حزمة من الشروط مقابل الاستمرار في ضخ المساعدات العسكرية سنة 2022، ومن بينها أساسا التدقيق فيما إذا كان للجيش دور في تراجع الديمقراطية في تونس([4]).

ختاما؛يمكن القول إن الحالة التونسية تعبر عن مآلات الاقتصاد فى مواجهة تطلعات السياسة.  فبالفعل مهمة شاقة تلك التي يواجهها الرئيس قيس سعيد ورئيسة حكومته نجلاء بودن، حيث إن الأخطر هو الأزمة الاقتصادية الخانقة، فكيف سيتم مواجهتها؟. وثمة عائق أساسي يضيق على السلطة الحاكمة في تونس هامش التحرك بسبب ضغوط الشركاء إزاء التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد وتعليقه العمل بمعظم مواد الدستور، ومطالبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى بإطلاق حوار وطني مع الشركاء السياسيين ووضع خريطة طريق واضحة للعودة إلى النظام الدستوري والديمقراطية البرلمانية وعرض الإصلاحات السياسية.

ومع تشديد الرئيس قيس سعيد على "سيادة تونس" وعدم الرضوخ إلى الضغوط الخارجية، فإنه لم يتبق عمليا من خيار للسلطة سوى اللجوء إلى الدول العربية الصديقة للاقتراض وهو ما كشف عنه البنك المركزي بوضوح، وقد طرح بقوة داخل مؤسسات الدولة لتأمين الدعم المالي([5]).

بعيداً عن توجهات الـ (مع) أو الـ (ضد) المرتبطة بتقويم تصحيح المسار الديمقراطى في تونس؛ نستطيع القول إنّ المكتسبات السياسية لن تتحقق إلا عن طريق حوار مجتمعى جامع لا إقصائى، يركز على القضايا الرئيسية لا الفرعية، تتوافر له عناصر الأجندة المحددة،  والبرنامج الزمنى، ووضمانات المشاركة الفعالة الجهوية والبلدية والقومية. ولا يخفى أن تونس بحاجة اليوم إلى سياسات وتدخلات عاجلة لمحاربة الفقر، وتمكين الفئات الفقيرة، ومن ثم فإنّ مستقبل الديمقراطية في تونس يرتبط بإعادة صياغة النموذج الديمقراطي. وعليه؛ فإن المواطن التونسى سوف يكون أكثر ارتباطاً بالمسار الديمقراطي إن توافر له نمط معيشي أفضل، وليس مجرد حرية التصويت في صناديق الاقتراع كما تحرص على ذلك القوى الدولية المانحة والضاغطة.

المصادر:

[1]إيمان غالب الحرازى، المساعدات الخارجية بين الأغراض الإنسانية والمصالح الوطنية، مركز الحوكمة وبناء السلام بالتعاون مع مركز التنمية الدولية بجامعة رادبوت هولندا، 23 أغسطس  2018، ص 3، فى الرابط التالى: http://mena-acdp.com

[2]باتريك ه. أونيل، مبادئ علم السياسة المقارنة، ترجمة باسل جبيلي، (دمشق: الفرقد - شرق وغرب،2012)، ص 238.

[3]تونس: قيس سعيّد يعلن أنه سينظم حوارا بشأن تعديل النظام السياسي وقانون الانتخابات، فرانس24، 21 أكتوبر 2021، متاح على الرابط: https://www.france24.com/ar/

[4]تونس: هل ينجح الحوار الوطني بالصيغة التي أعلنها الرئيس؟،BBC Newsعربى، 24 أكتوبر 2021، متاح على الرابط التالى: https://www.bbc.com/arabic/interactivity-58699434

[5]تونس: سعيد بين شِققى رحى "السيادة" والرضوخ للقروض المشروطة، DWعربية، 21 أكتوبر 2021، متاح على الرابط: https://p.dw.com/p/41xgP

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد عبد الهادى شنتير

    محمد عبد الهادى شنتير

    باحث فى العلوم السياسية