مقالات رأى

القمة الثلاثية..الدلالات والمسارات المستقبلية

طباعة

عقدت  القمة الثلاثية في القاهرة، اليوم الخميس، بين الأردن وفلسطين ومصر رغبة من القيادة المصرية في إعادة ترتيب الإجراءات العربية والتمهيد لإعادة تقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية مجددا والاستثمار في المشهد السياسي الحالي إقليميا ودوليا، وهو ما يفسر وبقوة حالة الزخم الكبير بالتطورات الفلسطينية الراهنة وتحرك الرئيس السيسي شخصيا إضافة للجهد الكبير لجهاز المخابرات المصرية في التعامل مع تطورات الأوضاع في قطاع غزة والعمل علي التوصل إلي حالة تهدئة طويلة الأجل بما يسمح ببناء إجراءات الثقة بين الأطراف المختلفة وفي ظل استمرار الحكومة الإسرائيلية الحالية برغم التوقع غير الصحيح بعدم استمرارها، حيث تحظي حكومة "بينيت - لابيد" بدعم أمريكي لافت برز عقب لقاء الرئيس بايدن مع بينيت في واشنطن.  يأتي إذن انعقاد القمة الثلاثية في توقيت بالغ الأهمية وإيمانا مصريا أردنيا فلسطينيا بأهمية الإجماع على خطة تحرك مشتركة عربية، إيماناً من القيادة المصرية بأهمية الأدوار التي يقوم بها كل من الأردن والسلطة الفلسطينية حيث تأتي هذه القمة قبيل انطلاق اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الدورية التي ستبدأ الشهر الجاري وقد أجرى الرئيس أبو مازن أخيراً مجموعة من الاتصالات مع القادة العرب، إضافة إلى القمة التي جمعته بالعاهل الأردني في عمّان، والتي أكد فيها أهمية هذه القمة لـ توحيد الرؤية للتعامل مع التحركات السياسية والإقليمية والدولية من أجل الدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط، وتجسيد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية. كما أن القمة الثلاثية تأتي في إطار التنسيق المصري الأردني لإحراز تقدم في ملف السلام، خصوصا في ظل التنسيق الحاصل مع الجانب الأميركي في هذا الملف، والعمل على الدفع لتحقيق مصالحة فلسطينية، بالتوازي مع إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى  التفاوض مجددا، وذلك يأتي استثمارا للاتصالات التي تجريها القاهرة مع مختلف الأطراف لتحقيق تقدم ملموس، يحقق تطلعات الفلسطينيين جميعا وبهدف كسر حالة الجمود الراهن منذ سنوات في المفاوضات التي تعثرت نتيجة التعنت الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي في الإدارة الأمريكية السابقة.

 واقعيا، تقوم مصر وقيادتها الكبيرة بجهود متعددة على عدد من المسارات في الملف الفلسطيني-الإسرائيلي بما فيها تثبيت التهدئة في قطاع غزة، ومسعى إبرام صفقة لتبادل الأسرى، إضافة إلى جهود استئناف المفاوضات السياسية الفلسطينية-الإسرائيلية، ودفع الإدارة الأميركية على الوفاء بوعودها بالحفاظ على حل الدولتين، من خلال خطوات عملية تضع حداً للسياسة الاستيطانية العنصرية التي تتواصل في جميع الأراضي الفلسطينية، خاصة في القدس، والعمل على فتح مسار سياسي يفضي إلى إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحق العودة للاجئين.  بالتالي، فإن مصر تقود المنطقة من خلال دور كبير بمشاركة الإدارة الأمريكية الجديدة وأهم دور تلعبه القاهرة منذ فترة هو نزع فتيل الانفجار بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومحاولة القفز علي  التعقيد الراهن الذي يكتنف كافة الملفات ذات العلاقة بالصراع بما فيها ملفات قطاع غزة وملف تهيئة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لمسار تفاوضي. وتهدف القمة في الأساس لعودة التأكيد علي خيار حل  الدولتين، والعمل على تعزيز ذلك من خلال خطوات عملية تضع حدا للسياسة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، والعمل على فتح مسار سياسي يفضي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وحسم الوضع النهائي للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية وحق الوصاية الهاشمية التي يتولاها ويحميها الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، وفقا للاتفاق الثلاثي الموقع بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والأردن، تجدر الإشارة إلي أن الدول الثلاث - مصر والأردن وفلسطين - لديها علاقات مباشرة مع  إسرائيل، كما أن القمة بحثت  القيام بجهد ثلاثي مع الجانب الإسرائيلي لحماية حل الدولتين من الانهيار جراء الاستيطان الإسرائيلي المتواصل بلا توقف. كما أن الأطراف الثلاثة تتمتع بعلاقات مع الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن، وستعمل القمة على التوجه لهذه الإدارة بصوت واحد، بالإضافة إلى إمكانية لعب جهد عربي جماعي لمصلحة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني مع اقتراب انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 والواضح من متابعة المشهد الفلسطيني أن القيادة الفلسطينية تتحرك على المستوى الدولي من أجل الضغط لعقد مؤتمر دولي للسلام برعاية اللجنة الرباعية وأطراف أخرى عربية وإقليمية. إذن، تكتسب القمة الثلاثية أهمية خاصةً ونحن على أبواب القمة العربية المقبلة في الجزائر، وكذلك اجتماعات دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيشارك في هذه الدورة الرئيس الفلسطيني والقادة العرب . 

في هذا السياق، ستكون هناك مبادرة عربية  لتشجيع الولايات المتحدة الأمريكية لعقد مؤتمر دولي من أجل القضية الفلسطينية، وتحريك عملية السلام المتوقفة منذ عام 2014.

الخلاصة: من الواضح إذن أن الهدف الأساسى من القمة الثلاثية هو التباحث حول القمة القادمة بين قادة مصر والأردن وفلسطين مع نفتالي بينيت (برغم النفي الإسرائيلي بعدم وجود مخطط لذلك)، برعاية أمريكية، للدفع باتجاه مسار تفاوضي في المرحلة التالية، يكون فيها دور كبير لمصر والأردن كشركاء إقليميين استراتيجيين. كما سيظل الهدف المصري الرئيسيّ من مجمل التحركات الراهنة والمقبلة إعادة تقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية مجددا، والقفز علي مسارات الفشل الراهن، وبناء روية أكثر واقعية وفعالية.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. طارق فهمي

    د. طارق فهمي

    أستاذ العلوم السياسية، رئيس وحدة الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط.