مقالات رأى

إرهاب سبتمبر... وتغيير الاستراتيجية الأميركية

  • 5-9-2011

طباعة

جوزيف إس. ناي

هل كان الحادي عشر من سبتمبر نقطة فاصلة في التاريخ؟ من المبكر جداً الإجابة على هذا السؤال. فدروس الحرب العالمية الأولى على سبيل المثال بدت في عام 1939(عندما بدأت الحرب العالمية الثانية) مختلفة جد الاختلاف عما كانت عليه بعد مرور عقد واحد على تاريخ انتهاء تلك الحرب في 1918.

وكما قلت في كتابي"مستقبل القوة" إن واحداً من أكبر تحولات القوة في هذا القرن قد تمثل في زيادة قوة ونفوذ اللاعبين غير الدوليين(اللاعبون دون مستوى الدولة)، وأن هجمات الحادي عشر من سبتمبر في حد ذاتها، كانت بياناً عملياً دراماتيكيا لهذا الاتجاه طويل الأمد".

ففي عام 2001، أدى هجوم من قبل لاعبين غير دوليين إلى مقتل عدد من الأميركيين يفوق عدد الذين قتلوا في هجوم نفذته دولة أجنبية، هي اليابان ضد ميناء بيرل هاربر عام 1941.

مع ذلك تلزم الإشارة إلى أن تلك "الخصخصة للحرب" كانت قائمة قبل الحادي عشر من سبتمبر، بل إن بعض التقارير الحكومية الأميركية الصادرة في تسعينيات القرن الماضي حذرت من أن هذا الأمر قادم لا محالة.

تعتمد التأثيرات بعيدة الأمد للحادي عشر من سبتمبر، على الكيفية التي سيتخذها رد فعل الولايات المتحدة، والدروس التي ستتعلمها. ففي الأمد القصير - المتمثل في العقد الماضي - تعلمت الولايات المتحدة أن تأخذ أي تهديد جديد بجدية، وقامت بناء على ذلك بتحسين إجراءاتها الأمنية على النحو الذي جعلها قادرة على الحيلولة دون تكرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

كل ذلك جيد بالطبع، ولكن هناك سؤالاً أكبر عن الإرهاب. فمع أن المحللين يفترضون أن النصر يذهب دائماً إلى الطرف الذي يمتلك قدراً أكبر من المقدرة أو القوة السياسية، إلا أن النجاح في عصر تقنية المعلومات يذهب إلى الطرف الذي يمتلك رواية أفضل.

فالرويات المتنافسة تحظى بأهمية كبرى في نطاق هذا العصر. والإرهاب في حقيقته عبارة عن رواية، ودراما سياسية في آن. فعلى رغم أن اللاعب الأصغر لا يستطيع أن يتنافس مع اللاعب الأكبر في القوة العسكرية، فإنه بالتأكيد قادر على استخدام أعمال العنف، في رسم وتحديد الأجندة العالمية، وبناء روايات تؤثر على القوة الناعمة لهدفه.

علاوة على ذلك، يمكن للاعب الأصغر استدراج اللاعب الأكبر لإلحاق الأذى بنفسه، تماماً مثلما يحدث في لعبة الـ"جيو جيتسو"، وما قام به بن لادن ونجح فيه. فمن خلال استثمار أقل القليل، حصل بن لادن على تأثيرات ضخمة - وإنْ كان قد حصل على مساعدة في سياق ذلك من دون شك.

وقد وفرت أزمة الحادي عشر من سبتمبر، فرصة لجورج بوش كي يعبر عن رواية، ورؤية جديدة للسياسة الخارجية لبلده. كان بوش ينظر إلى نفسه كرجل "تحويلي"، أي رجل لديه القدرة على تحويل الأمور، وتغيير مسار الأحداث و"هدم الترتيب القائم للأمور" على حد تعبير"بوب وودورد". وكان هذا هو تحديداً مفتاح الذهاب للعراق، حيث يصعب تخيل حدوث حرب العراق من دون 9/11.

إلا أن استراتيجية بوش في العراق، ونتيجة لعدم فهمه للسياق السياسي والثقافي الأوسع نطاقاً الخاص بهذا البلد، جعلت الأمور أسوأ - على نحو ما هو معروف. وكان من التداعيات التي نشأت عن ذلك، استنزاف الميزانية الأميركية بسبب إنفاق تريليونات الدولارات على الحرب هناك، مما أدى في نهاية المطاف إلى العجز الحالي الكبير في الميزانية الأميركية في الوقت الراهن. ومن الآثار الأخرى لتداعيات تلك الحرب أن بن لادن وجد فرصة سانحة أمامه، لتدمير القوة الصلبة، والقوة الناعمة للولايات المتحدة.

غير أن الأكلاف الحقيقية للحادي عشر من سبتمبر، من وجهة نظري، هي الأكلاف الناتجة عن ضياع الفرص السانحة. فخلال العقد الأول من هذا القرن نقل الاقتصاد العالمي مركز ثقله نحو آسيا (وهو تحول القوة الآخر العظيم الذي وصفته في كتابي)، في نفس الوقت تقريباً كانت الولايات المتحدة مستغرقة تماماً في "حرب الاختيار" الخطأ الآخر في الشرق الأوسط.

إن الدرس الذي يمكن الخروج به من أحداث الحادي عشر من سبتمبر هو أن القوة العسكرية الصلبة ضرورية للتعامل مع الحالات الصلبة مثل حالة بن لادن، ولكن هذه القوة(العسكرية)، يجب أن تكون محكمة التوجيه أي أن تُراعى العناية القصوى في توجيها نحو هدفها الصحيح. والقوة الناعمة التي تعتمد على الجذب من خلال الأفكار والشرعية، لا تقل أهمية عن القوة الصلبة في كسب عقول وقلوب المسلمين المنتمين إلى التيار الرئيسي الذين يحب تنظيم "القاعدة" والتنظيمات والحركات الأخرى المقلدة له تجنيد أفرادهم الجدد منه.

من حسن الحظ، أن الاستراتيجية الأميركية فيما بعد الحادي عشر من سبتمبر، قد بدأت بالتغير. والإجابة على السؤال الطويل الأمد عن التاريخ، سوف تنحصر في الحديث عما إذا كنا ناجحين في صياغة استراتيجية للموازنة بين القوة الصلبة والقوة الناعمة في مواجهة الإرهاب، وتجنب التورط في الحروب البرية التي تقود للاحتلال، والتركيز على صيانة قوة ومتانة الاقتصاد الأميركي.

وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يعني أن الحادي عشر من سبتمبر قد يبدو، باعتباره نقطة تحول حاسمة في تاريخ الولايات المتحدة والعالم، أقل جاذبية في ذكراه العشرين مما هو عليه الآن أو مما كان عليه من قبل.

(*) نقلا عن صحيفة الاتحاد الاماراتية
 

طباعة