مقالات رأى

تسع خطوات إلى الأمام

  • 7-11-2016

طباعة
فى تقرير «ممارسة الأعمال Doing Business» الأخير 2017، الذى صدر منذ أيام عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية، جاءت مصر فى المرتبة 122، بعد أن كانت 131 فى تقرير العام الماضى، وباختصار تقدمت مصر تسع مراتب إلى الأمام. ورغم أن ذلك يبدو أمرا لا بأس به، إلا أنه لا ينبغى أن يجعلنا نحتفل، لأن معناه أنه بهذا المعدل ربما نحتاج عشر سنوات حتى نصبح بمثل الحالة الحالية لدولة الإمارات العربية المتحدة، أو دول كثيرة مثلها تقدمت علينا فى مسألة بسيطة، وهى تقدمها من خلال تسهيل ممارسة الأعمال، أى عملية الاستثمار. المسألة ببساطة يمكن وضعها على الوجه التالى: تتقدم الدول عندما تحقق تراكما رأسماليا كبيرا خلال فترات قصيرة، ويتم هذا التراكم من خلال تنمية قدرات الدولة ومواردها البشرية والمادية، وهذه التنمية تحدث من خلال عملية الاستثمار، ويكون الاستثمار ممكنا من خلال «المستثمرين»، أى من خلال البشر الذين يقومون بممارسة الأعمال، أى إدارة الثروة وتحقيق تراكمها.
 
نضع كل ذلك فى مصر، وسوف نجد أن لدينا معضلتين علينا التعامل معهما: الأولى: أن المشروعات القومية الكبرى لن تكتمل فائدتها ما لم تواكبها عمليات استثمار واسعة من القطاع الخاص المصرى، فمشروعات الطرق العظمى لا تكون كذلك، ما لم يَسِرْ عليها بشر، وتَجْرِ من خلالها خدمات، وتُنقَلْ عليها سلع وخدمات، وتُقَمْ على جوانبها مدن وأحياء وحياة ومعيشة. ومشروع المليون ونصف المليون فدان، وما سيأتى بعده، لن يكون ذا فائدة، ما لم نعرف ماذا نزرع، وكيف نستخدم أقل قدر ممكن من المياه، وأن يصاحب الزراعة تصنيع المزروع، وأن يحقق كل ذلك فائضاً يُصَدَّر ويجلب العملات الصعبة. والموانئ والمطارات والسَّحَّارات والأنفاق والجسور بأنواعها المختلفة تكتسب قيمتها من تسهيلها حركة الإنتاج، الذى يأتى من المشروعات الصغرى والمتوسطة والكبرى، وبالطبع يمكننا الحديث طوال الوقت عن المشروعات الصغرى والمتوسطة، ولكننا لن نجعلها مفيدة ويُستفاد منها إلا إذا عرفنا أن المشروعات الكبرى هى التى تُحدث الفارق الكبير فى التقدم.
 
والمعضلة الثانية أن وجودنا فى المكانة 122 يعكس الواقع الحالى لإمكانيات ممارسة الأعمال فى مصر، وهذا الواقع له وجهان، الأول: المعروف بمناخ الاستثمار، بما فيه من حالة العمل وحالة رأس المال وواقع البنية الأساسية، ومعها البنية السياسية وحالة الاستقرار السياسى فى الدولة. والثانى: مجموعة القوانين والقرارات الخاصة بممارسة الأعمال، وهذه فى يد الدولة، التى تستطيع أن تسرع بها، لأنها قرارات سيادية يمكن اتخاذها من قِبَل مَن بيدهم الأمر. هذه الأخيرة تتضمن أمورا متعددة، من أول الحصول على تصريح بدء العمل، حتى إعلان الإفلاس أو خروج المشروع من السوق إذا ثبت عدم قدرته على الإنتاج أو المنافسة. وبين هذا وذاك هناك رحلة طويلة من الإجراءات، تضم الملكية وتسجيلها والحصول على الطاقة أو الكهرباء وتنفيذ العقود وتصاريح البناء والحصول على التمويل ودفع الضرائب، وطائفة أخرى من الإجراءات.
 
تقرير برنامج الأمم المتحدة لممارسة الأعمال يضعنا فى المكانة 122 من 190 دولة شملها التقرير، أى أن هناك 121 دولة سبقتنا فى موضوع يتوقف فقط على الإرادة السياسية للدولة من أجل التقدم، وللأسف فإن مصر تقع فى النصف المتخلف بين دول العالم. وإذا كانت هناك نقطة لبداية الإصلاح، ونقطة للانطلاق من حالتنا الصعبة البائسة، فإنها تلك المتعلقة بإجراءات ممارسة الأعمال التى تفتح الأبواب للمزيد من الاستثمارات فى مصر، وتوسعها، وتسارعها لكى تجعل المشروعات العملاقة الحالية أكثر «اقتصادية» مما هى عليه الآن، فما نحتاجه هو أن ننظر إلى الصفحة 204، وسوف نجد أن استخراج تصاريح البناء فى مصر يستغرق 145 يوما، ويتضمن 17 إجراء، أما الحصول على الكهرباء فيأخذ 54 يوما، وستة إجراءات، وتسجيل الملكية يحتاج 60 يوما، وثمانية إجراءات، وتنفيذ العقود (مصر فى المكانة 162 عالميا) يحتاج 1010 أيام، أما الخروج من السوق (الإفلاس) فيحتاج عامين ونصف العام.
 
هذه مجرد أمثلة لها مزيد من التفاصيل، ولكنها كلها لا تجعل مصر بلدا صديقا للاستثمار، وربما يكون ما جاء فى التقرير ليس كافيا لوصف الحالة المصرية، لأن مَن يقترب منها لابد أنه سوف يصل إلى أقصى درجات الحيرة حينما يجد المصريين يتحدثون طوال الوقت عن موضوع «الشباك» الواحد، ولكنه لأسباب غامضة لا يتحقق. وجاء فى واحد من منشورات الوزارات، التى تطرح أراضى للاستثمارات، أن الوزارة ليست مسؤولة عن استخراج التصاريح من الأجهزة الأمنية وهيئة الآثار والبيئة!، أى أنه لا أحد يأخذ الاستثمار بجدية. ويكفى أن الدولة المصرية ظلت تتحدث مطولاً عن «قانون الاستثمار»، وقيل إنه تم إنجازه وبقى إصدار لائحته التنفيذية، ولكن ثبت بعد ذلك أن هناك قانونا آخر سوف يُعرض قبل نهاية العام على مجلس النواب! وفى وزارة الإسكان يوجد «المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية»، وهو مخطط يثير الخيال عن مصر مختلفة عما نعرفه الآن، ولكن لا أحد سوف يعرف أبدا كيف يمكن تنفيذ ذلك فى ظل الإجراءات والقوانين والممارسات الحالية للأعمال؟. وهناك جهد غير قليل يُبذل الآن لتغيير وجه مصر، ولكن قراءة هذا المقال من أوله تجعلنا نؤكد أن كل ما يجرى سوف يظل قاصرا، ولن يأخذنا لأكثر من المكانة 122، أو ربما أفضل قليلا، ما لم نأخذ موضوع «ممارسة الأعمال» بالجدية التى يستحقها.
 
---------------------
* نقلا عن المصري اليوم، 7-11-2016.
طباعة

تعريف الكاتب