تُمثل المرحلة الانتقالية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد وتعيين أحمد الشرع رئيسًا مؤقتًا، فرصةً نحو الإصلاح السياسي في ظل تحدياتٍ جسيمة. حيث يتعين على البلاد أن تجتاز مشهدًا معقدًا من التشرذم السياسي والصعوبات الاقتصادية والمخاطر الأمنية. ويستكشف هذا المقال آفاق سوريا لإعادة الإعمار والاستقرار على المدى الطويل من خلال تقييم الإصلاحات السياسية الأخيرة، واستراتيجيات التعافي الاقتصادي، والجهود المبذولة لتوحيد قطاع الأمن. ويؤكد المقال على أن الحوكمة الشاملة، والإصلاح الموثوق، والتعاون الإقليمي، والمشاركة الدولية المستدامة، ستكون أساسيةً لبناء دولة سورية مستقرة وذات سيادة.
تُمثّل المرحلة الانتقالية في سوريا، عقب سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، منعطفًا حاسمًا في تاريخ البلاد الحديث. فبعد قرابة خمسة عشر عامًا من الصراع والقمع السياسي والكارثة الإنسانية، فتح تعيين أحمد الشرع رئيسًا انتقاليًا نافذةً لتغيير جذري. إلا أن هذه اللحظة من التجديد المُحتمل تُخيّم عليها التعقيدات الهائلة لإعادة بناء دولة مُجزّأة بشدة. فالتحديات السياسية، والاقتصادية، والأمنية متشابكةٌ بعمق، وسيعتمد نجاح المرحلة الانتقالية على قدرة سوريا على بناء مؤسسات شاملة وشرعية، مع منع العودة إلى العنف أو الاستبداد.
على المستوى السياسي، يُشكّل غياب المعارضة المُوحّدة واستمرار التوترات الطائفية عقباتٍ خطيرة أمام التماسك الوطني. وتتباين رؤى الفصائل المُختلفة -من جماعات المعارضة السنية إلى الطوائف الدرزية والأكراد والعلوية- لمستقبل سوريا. وتتفاقم هذه الانقسامات بفعل نفوذ القوى الأجنبية. ويُمثّل الإعلان الدستوري الصادر في مارس 2025 محاولةً لرسم مسار سياسي جديد، إلا أن تساؤلاتٍ جوهريةً لا تزال قائمةً .
اقتصاديًا، تواجه سوريا جهودًا ضخمة لإعادة الإعمار. فقد دمرت سنوات الحرب البنية التحتية الحيوية، ودمرت قطاعات رئيسية، بما في ذلك الزراعة والصناعة، ودفعت الملايين إلى براثن الفقر. انهار الاقتصاد الرسمي، بينما توسع القطاع غير الرسمي بسرعة، مما قوض إيرادات الدولة والاستقرار على المدى الطويل. ستكون المساعدات والاستثمارات الدولية ضرورية للتعافي، ولكن من المرجح أن يظل الدعم الخارجي مشروطًا بالتقدم السياسي والشفافية وآليات العدالة الانتقالية.ربما يظل الأمن الجانب الأكثر هشاشة في سوريا ما بعد الأسد. فوجود الجماعات المسلحة المتنافسة، والنزاعات الإقليمية العالقة، والتدخلات العسكرية الأجنبية لا تزال تُزعزع استقرار البلاد. وقد بدأت جهود دمج مختلف الميليشيات في قوة وطنية موحدة، إلا أن انعدام الثقة المستمر والتنافسات الإقليمية -لا سيما بشأن الحكم الذاتي الكردي والإجراءات الإسرائيلية في الجنوب- تُشكل مخاطر مستمرة.
يستكشف هذا المقالالتحديات الأساسية والفرص المتاحة لعملية الانتقال في سوريا. ويُقيّم التطورات الأخيرة، بما في ذلك الإعلان الدستوري والدبلوماسية الإقليمية الناشئة، مع تحليل الخطوات اللازمة لدعم دولة سورية مستقرة وشاملة وذات سيادة.
أولا-الانتقال السياسي والحوكمة:
1- التحديات الطائفية:
يُمثل الانتقال السياسي في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد، أحد أكثر التحديات حرجًا وتعقيدًا لمستقبل البلاد. وسيتطلب هذا الانتقال تشكيل حكومة جديدة، وإطلاق عمليات سياسية شاملة، وتوحيد الفصائل المسلحة في إطار وطني. وتزداد هذه التحديات تعقيدًا بسبب الانقسامات السياسية والطائفية العميقة، والتأثيرات الخارجية، واحتمال تجدد عدم الاستقرار إذا لم تُصمَّم هياكل الحكم بعناية.كما يُمثل غياب قيادة معارضة موحدة مشكلةً جوهرية. فالفصائل المختلفة - جماعات المعارضة، وزعماء القبائل، وممثلو الأقليات - لديها رؤى متباينة لمستقبل سوريا السياسي. ويتجلى التشرذم الطائفي بوضوح؛حيثتعرض المسلمون السنة (74% منهم قبل الحرب) لاستهداف شديد من قبل النظام. وتعرضت المناطق ذات الأغلبية السنية للقصف والتهجير والهجمات على المساجد، واستفاد المسلمون الشيعة (وهم جزء من مجموعة تضم العلويين والإسماعيليين، ويبلغ عددهم 13%) من الدعم الإيراني، حيث شجعت طهران عمليات التحول إلى المذهب الشيعي وأنشأت مراكز تجنيد حول الأضرحة الرئيسية،وسيطر العلويون على النظام قبل المرحلة الانتقالية، وهم الآن يخشون الانتقام. ويمثلون نسبة كبيرة من الجيش، ويظلون عنصرًا أساسيًا في المصالحة.ويسعى الدروز،نحو(3%)، إلى الحياد، ويقاومون التجنيد الإجباري، ويطالبون أحيانًا بالحكم الذاتي.كما يواجه المسيحيون (الذين تقدر نسبتهم رسميا بنحو 10%، على الرغم من أن بعض التقارير تشير إلى انخفاض حاد إلى 2.5% - 2.8%) الاضطهاد الشديد من نظام الأسد السابق، وهم ممثلون تمثيلا ناقصا.[1]
استغل نظام الأسد هذه الانقسامات للحفاظ على سلطته، مصوّرًا نفسه حاميًا للأقليات، في حين أجّج الاستقطاب الطائفي. وساهم النفوذ الإيراني المتزايد في ترسيخ هذه الانقسامات، بينما استهدفت الجماعات المتطرفة الأقليات أيضًا، مما زاد من صعوبة المصالحة.
2- الإعلان الدستوري لعام 2025 وإرساء أسس الحكم الانتقالي:
يُمثل توقيع الرئيس أحمد الشرع الإعلان الدستوري السوري في مارس 2025 علامة فارقة في مرحلة انتقال ما بعد الصراع في البلاد. وتضمن الإعلان خارطة طريق قانونية نحو الحكم الديمقراطي، وإصلاحات مؤسسية، وضمانات للحقوق المدنية، وإطارًا زمنيًا مدته خمس سنوات لصياغة دستور دائم. إلا أن الوثيقة أثارت جدلًا حول تركيز السلطة التنفيذية، ودور الدين في التشريع، ومدى شمول العملية السياسية للنسيج الاجتماعي السوري المتنوع.
أ- السلطة التنفيذية خلال الفترة الانتقالية: صلاحيات واسعة مع رقابة محدودة:
بموجب هذا الإعلان، يُمنح الرئيس المؤقت صلاحيات واسعة طوال الفترة الانتقالية. تشمل هذه الصلاحيات إعلان حالة الطوارئ وتعيين ثلث أعضاء الهيئة التشريعية الانتقالية. أما الأعضاء المتبقين، فيتم اختيارهم من خلال انتخابات تُجريها لجنة يُعيّنها الرئيس. وبينما يضمن هذا الهيكل درجة من الاستمرارية المؤسسية والتنسيق المركزي، فإنه يثير تساؤلات حول الضوابط والتوازنات، لا سيما في ظل تاريخ سوريا من الهيمنة التنفيذية.كما يُعيّن الرئيس الوزراء، ويُوجّه القوات المسلحة، ويلعب دورًا محوريًا في تشكيل العملية التشريعية. قد يُثير هذا التركيز للسلطة مخاوف بشأن ترسيخ عملية صنع القرار الهرمية بدلًا من تعزيز الحوكمة التشاركية. ويفتقر الإطار الانتقالي إلى آليات واضحة تضمن تقليص السلطة التنفيذية تدريجيًا مع استقرار المؤسسات.
ب- الإصلاح القضائي ودور المحكمة الدستورية:
يلغي الإعلان المحاكم الخاصة ويُنشئ محكمة دستورية عليا جديدة، مما يُشير إلى تعزيز استقلال القضاء. ومع ذلك، يتمتع الرئيس بسلطة حصرية في تعيين أعضائها، دون تدقيق مؤسسي أو إشراف خارجي. ورغم تأكيد الإعلان على حيادية الإجراءات القضائية، فإن غياب عملية تعيين شفافة يُثير مخاوف بشأن استقلال القضاء وقدرته على العمل كضابط فعال للسلطة التنفيذية خلال الفترة الانتقالية.
ج-الشريعة الإسلامية والحريات الدينية: الاستمرارية مع التعديلات:
يُبقي الإعلان الدستوري على أحكام من الدستور السابق تُقرّ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وتشترط أن يكون الرئيس مسلمًا. وفي الوقت نفسه، يضمن الإعلان حرية المعتقد وحماية قوانين الأحوال الشخصية للطوائف الدينية. ومع ذلك، فإن التذرع بالأمن القومي أو النظام العام كأسباب لتقييد الحقوق يُثير غموضًا محتملًا، مما قد يؤثر على التطبيق السليم للحريات.
د- حقوق الأقليات والإدماج السياسي: الوعود مقابل التصورات:
يلتزم الإعلان رسميًا بالمساواة وعدم التمييز. ومع ذلك، أعربت بعض الأقليات عن قلقها بشأن كيفية تطبيق هذه الأحكام عمليًا. وانتقد الممثلون السياسيون الأكراد، على وجه الخصوص، الإطار الانتقالي للحفاظ على الهياكل الاستبدادية في شكل جديد. ووصف مجلس سوريا الديمقراطية الإعلان بأنه غير شامل بما يكفي، وأشار إلى نقص ضمانات الحكم اللامركزي أو تمثيل السلطات الإقليمية. وتؤكد التوترات الطائفية المستمرة والاضطرابات المحلية في عدة أجزاء من البلاد هشاشة الوحدة الوطنية خلال هذه المرحلة.[2]
ثانيا- إعادة البناء الاقتصادي:
1- الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والقطاعات:
ألحقت سنوات الحرب أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية في سوريا، حيث دمرت الطرق، وشبكات الكهرباء، وأنظمة المياه، والمستشفيات، والمدارس، لا سيما في مدن مثل حلب، والرقة، وحمص. وتتراوح تكلفة إعادة الإعمار المقدرة بين 250 و400 مليار دولار، وهو ما يتجاوز بكثير القدرة المالية لسوريا.[3] كما تعطلت القطاعات الاقتصادية الرئيسية، ولا سيما الزراعة، والتصنيع، والخدمات. وقد عانت الزراعة، التي كانت ذات يوم أساسية للأمن الغذائي وتوفير فرص العمل في المناطق الريفية، من تدمير أنظمة الري ونزوح السكان. وتواجه المناطق الصناعية حول دمشق، وحلب، وحمص دمارًا ماديًا وهروبًا لرءوس الأموال.
وفقًا لتقرير "مراقب الاقتصاد السوري، ربيع 2024" الصادر عن البنك الدولي، لا تزال سوريا تعاني من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي والتضخم وتفاقم الفقر. انخفضت قيمة الليرة السورية بنسبة 141% مقابل الدولار الأمريكي في عام 2023، مما أدى إلى تأجيج التضخم وجعل السلع الأساسية باهظة الثمن.[4]كما انخفضت الصادرات من 8.8 مليار دولار في عام 2010 إلى مليار دولار في عام 2023؛ وانخفضت الواردات من 17.5 مليار دولار إلى 3.2 مليار دولار، مما أدى إلى اتساع العجز التجاري.[5]ولا تزال المساعدات الإنسانية غير كافية، حيث تم جمع 2.8 مليار دولار فقط في عام 2023 - أي ثلث الاحتياجات المقدرة فقط.واعتبارًا من عام 2022، يعيش 25% من السوريين في فقر مدقع.[6]
تُعيق أضرار البنية التحتية، وتقلص قاعدة الإيرادات، ومحدودية التمويل الخارجي جهود التعافي. وقد فاقم زلزال عام ٢٠٢٣ من دمار المرافق العامة وشبكات النقل. وانخفض إنتاج النفط السوري من ٣٨٣ ألف برميل يوميًا عام ٢٠١٠ إلى ٩٠ ألف برميل عام ٢٠٢٣، مما حرم الحكومة من مصدر دخل أساسي.[7]
2- مسارات تحقيق الاستقرار الاقتصادي:
إن إنعاش الإنتاج المحلي والتشغيل أمرٌ بالغ الأهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. فقد أدى إغلاق الشركات نتيجةً لانعدام الأمن وندرة الموارد إلى تباطؤ الإنتاجية. ويُعدّ دعم المشاريع متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة، التي كانت تُشكّل في السابق 95% من الشركات السورية و60% من الناتج المحلي الإجمالي، أمرًا بالغ الأهمية.[8] وقد انخفضت مساهمتها الحالية إلى 40%، مع أنها لا تزال تُوظّف 70% من القوى العاملة وتُشكّل سندًا أساسيًا ضد الفقر.[9]
شهد الاقتصاد غير الرسمي نموًا ملحوظًا، حيث سدّ تعاملات السوق السوداء الفجوات التي خلّفها انهيار المؤسسات. وبحلول عام ٢٠٢١، انخفضت قيمة الليرة السورية ٨٢ ضعفًا في السوق السوداء مقارنةً بمستويات ما قبل الحرب.[10] وارتفع التضخم بنسبة ١٤٠٪ من منتصف عام ٢٠١٩ إلى منتصف عام ٢٠٢٠.[11] وقد قوّض هذا التحول القدرة المالية وعقّد تحصيل الضرائب. لذا، فإن إعادة بناء الثقة في المؤسسات الرسمية والأنظمة المالية أمرٌ بالغ الأهمية.
وفقًا لبيانات الحسابات الوطنية للبنك الدولي، شهدت الجمهورية العربية السورية انكماشًا اقتصاديًا حادًا بدءًا من عام 2012، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 26% في كل من عامي 2012 و2013. وعلى الرغم من تباطؤ معدل التراجع في السنوات اللاحقة، إلا أن الاقتصاد ظل غير مستقر، مع تسجيل نمو إيجابي متواضع فقط بين عامي 2018 و2022. وبشكل عام، تعكس البيانات التأثير الاقتصادي المطول للصراع الذي بدأ في عام 2011 .[12]
3- المساعدات والاستثمارات الدولية:
يعتمد التعافي بعد الحرب على الدعم المالي الخارجي، إلا أن الانقسامات الجيوسياسية والتعقيدات القانونية لا تزال تشكل عوائق. فالعقوبات، والنظام المصرفي المتصدّع، والانهيار المؤسسي، كلها عوامل تحد من الوصول إلى رأس المال. ومن المرجح أن يشترط المانحون والمؤسسات الغربية تقديم المساعدات بإصلاحات ديمقراطية، وحقوق الإنسان، وآليات المساءلة.
ويُعد الاستثمار الأجنبي المباشر ضروريًا، إلا أنه مقيد بالغموض القانوني، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف سيادة القانون. كما أن تدمير سجلات الأراضي والنزوح الجماعي يُعقّدان حقوق الملكية، مما يُثني المستثمرين. وفي غياب الوضوح القانوني وآليات فض النزاعات، يظل الاستثمار الأجنبي المباشر واسع النطاق مستبعدًا.
تُعيق العقوبات إعادة الإدماج الاقتصادي بشكل أكبر. وبينما تستهدف العديد من التدابير الجهات الفاعلة التابعة للنظام، لا تزال القيود المالية الأوسع نطاقًا قائمة. ولا يزال احتمال تخفيف العقوبات في ظل حكومة انتقالية غير مؤكد. ومع ذلك، هناك مؤشرات على المرونة. فقد اقترح الاتحاد الأوروبي خارطة طريق مشروطة ومرحلية لتخفيف العقوبات مرتبطة بإنجازات في مجالي الحوكمة وحقوق الإنسان.[13] وتعهدت كندا بتقديم 84 مليون دولار كمساعدات، وفرضت فترة تخفيف عقوبات مدتها ستة أشهر.[14] وأصدرت الولايات المتحدة الترخيص العام رقم 24 (يناير 2025)، الذي يسمح بمعاملات محدودة لدعم الخدمات الإنسانية والعامة مع الحفاظ على العقوبات الأساسية.[15]
في مؤتمر بروكسل التاسع (17 مارس/آذار 2025)، تعهّد المانحون بتقديم 5.8 مليار يورو لدعم عملية الانتقال في سوريا. ساهم الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بنحو 3.4 مليار يورو، مما يؤكد الدور المحوري لأوروبا في تعافي سوريا في ظل ظروف سياسية صارمة.[16]
4- إعادة المشاركة الاقتصادية الإقليمية:
يعتمد تعافي سوريا أيضًا على إعادة اندماجها في الشبكات الاقتصادية الإقليمية. قبل الحرب، حافظت سوريا على علاقات تجارية قوية مع لبنان، والأردن، والعراق، وتركيا. إلا أن الصراع عطّل هذه الطرق، مما أضعف قطاعات الزراعة، والصناعة، والطاقة.
تُظهر الجهود الدبلوماسية الأخيرة اهتمامًا إقليميًا متجددًا بإعادة إعمار سوريا. انتقلت قطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة من العزلة إلى المشاركة. حيث زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دمشق في يناير 2025، ليصبح أول رئيس دولة يلتقي بالرئيس أحمد الشرع.[17]واستضافت المملكة العربية السعودية الرئيس الشرع في الرياض، وناقشا التعاون في مجال الطاقة والتعليم والتكنولوجيا.[18]والتقى وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في دبي خلال القمة العالمية للحكومات.[19]
كما أن إعادة الانخراط الأوروبي جارية. في 3 يناير/كانون الثاني 2025، زار وزيرا الخارجية الفرنسي والألماني دمشق للقاء الشرع، مؤكدين دعمهما للتحول الديمقراطي.[20] وأعادت ألمانيا فتح سفارتها في دمشق في 20 مارس/آذار 2025.[21] تعكس هذه الخطوات تقاربًا بين الاستراتيجيات الإقليمية والأوروبية الهادفة إلى الانخراط العملي والتطبيع التدريجي.
سيكون إحياء طرق التجارة، واستعادة العلاقات الدبلوماسية، وتكوين شراكات إقليمية، محوريًا. إلا أن هذه الجهود تتوقف على التطورات السياسية في سوريا ومصداقية الحكومة الانتقالية.
ثالثا- الأمن والاستقرار:
1- الجماعات المسلحة:
يتسم المشهد الأمني في سوريا بعد سقوط الأسد بالتشرذم والتدخل الأجنبي. ولا تزال جماعات مسلحة متعددة تعمل في جميع أنحاء البلاد، ولكل منها أجندتها الخاصة وداعميها الخارجيين. ومن بين الجهات الفاعلة الرئيسية:
أ- هيئة تحرير الشام: (HTS) فرع سابق لتنظيم القاعدة، لعب دورًا محوريًا في الإطاحة بالأسد. بعد حل الهيئة في 29 يناير 2025. لا تزال الدول الغربية منقسمة بشأن رفع تصنيفها كمنظمة إرهابية، على الرغم من اندماجها في مؤسسات الدولة.
ب- قوات سوريا الديمقراطية: (SDF)تحالف بقيادة كردية، كان مدعومًا سابقًا من الولايات المتحدة، ويرفض الآن الاندماج الكامل في الجيش الوطني. تعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية تهديدًا، وتواصل تنفيذ عملياتها عبر الحدود.
ج-الجيش الوطني السوري:تحالف ميليشيات مدعوم من تركيا يعمل في شمال سوريا، ويشتهر بهيكل قيادته اللامركزي وتكوينه الأيديولوجي المتنوع.
د-الميليشيات الدرزية:تم تعبئتها مؤخرًا في جنوب سوريا، وخاصة حول السويداء، وهي تطالب بالحكم الذاتي المحلي وتقاوم المركزية.
ه- تنظيم الدولة الإسلامية:على الرغم من ضعفه العسكري، لا يزال تنظيم الدولة الإسلامية يعمل كحركة تمرد، مع قيام خلايا نائمة بشن هجمات في المقام الأول في الشمال الشرقي.ورغم هزيمته الإقليمية، لا يزال تنظيم داعش يحتفظ بقدرات عملياتية، لا سيما في المناطق التي تعاني من ضعف الحكم. وقد ازدادت الهجمات على نقاط التفتيش والبنية التحتية. ولا تزال الدعاية المتطرفة تجد جمهورًا لها في مخيمات النازحين والسجون، حيث يُعزز سوء الأوضاع وانعدام الرقابة التطرف.ولا تزال ميليشيات محلية أخرى، وقوات قبلية، وأمراء حرب نشطين، مدفوعين بالخوف من التهميش أو الإقصاء السياسي.[22] وتُنذر مقاومتهم للسلطة المركزية بترسيخ رقعة من مناطق الحكم، مما يُقوّض الوحدة الوطنية.
2- مناطق التوتر والصراع:
كما تُظهر الخريطة التركيبة العرقية لسوريا، مما يساعد في تفسير بعض التوترات الأساسية التي تشكل ديناميكيات الصراع في مناطق مختلفة منها:[23]
أ- شمال سوريا: بؤر توتر طائفية:لا تزال حلب بؤرة توتر متقلبة. في مارس 2025، أشعل كمين موالٍ للأسد اشتباكات عنيفة، أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، بينهم 745 مدنيًا. وتصاعدت التوترات الطائفية، لا سيما بين العلويين الذين يخشون التهميش.[24] وتعثرت جهود نزع السلاح، إذ امتنعت هذه المجتمعات عن تسليم أسلحتها، معتبرةً الحكومة الانتقالية التي يقودها السنة تهديدًا. وقد أدى انعدام الثقة العميق هذا إلى تقويض المصالحة الوطنية، وعرقلة جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.
ب- شمال شرق سوريا: الحكم الذاتي الكردي والضغط التركي:تواصل قوات سوريا الديمقراطية(SDF) حكم شمال شرق سوريا بشكل مستقل. وقد قوبل وقف إطلاق النار أحادي الجانب الذي نفذه حزب العمال الكردستاني في الأول من مارس 2025، والذي تلاه دعوات لنزع سلاح الزعيم المسجون عبد الله أوجلان، بتشكك في أنقرة. وشنت تركيا المزيد من العمليات التي تستهدف ما تعتبره مواقع مرتبطة بحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق.[25] ولا تزال المواقع الاستراتيجية، مثل سد تشرين والمناطق الحدودية، موضع نزاع. ولا يزال وضع السجون التي يحتجز فيها مقاتلو داعش مصدر قلق أمني، مع مخاوف من فرارهم وتجدد التمرد.
ج-جنوب سوريا: التدخل الإسرائيلي والتوترات الإقليمية: في الجنوب، وخاصةً بالقرب من مرتفعات الجولان، عززت إسرائيل وجودها تحت لواء المساعدات الإنسانية.[26] وفي الوقت نفسه، تواصل ضرباتها الموجهة ضد الميليشيات المرتبطة بإيران. وبينما يُصوَّر هذا التدخل على أنه تحقيق للاستقرار، يرى العديد من السوريين أنه شكل من أشكال الاحتلال الناعم. اندلعت احتجاجات في مدن مثل جرمانا، وخاصة بين الدروز، تنديدًا بالإجراءات الإسرائيلية ومؤكدين على الالتزام بالوحدة الوطنية. يثير التدخل الإسرائيلي خطر تصعيد إقليمي أوسع، لا سيما إذا ردّ وكلاء إيران.[27]
وفي ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة الانتقالية عن خطة لدمج الجماعات المتمردة تحت مظلة وزارة الدفاع.[28] استُبعدت قوات سوريا الديمقراطية في البداية، لكنها وقّعت لاحقًا، في 10 مارس 2025، اتفاقيةً رائدة لدمج قواتها وهياكلها الإدارية تدريجيًا في المؤسسات الوطنية. ويشمل ذلك السيطرة المشتركة على البنية التحتية للنفط والغاز. وتعهدت الحكومة في المقابل بالتمثيل السياسي وحقوق الحكم المحلي،[29]وأفادت التقارير أن الحكومة السورية المؤقتة توصلت إلى اتفاق لدمج محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في المؤسسات الوطنية، ومنح سكانها حق الوصول إلى وظائف الخدمة المدنية، ووضع الأمن المحلي تحت سلطة وزارة الداخلية.[30] ورغم أن هذه الاتفاقات لا تزال مؤقتة، إلا أنها تُشير إلى إمكانية وضع ترتيبات حكم لامركزية تُشكل نماذج لمناطق الأقليات الأخرى.
الخاتمة:
لا يزال إنشاء جهاز أمن وطني موحد هدفًا بعيد المنال. ويعتمد نجاح الإصلاح على بناء الثقة بين مختلف الأعراق والطوائف، وتطبيق اتفاقيات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وتأهيل الجيش والشرطة مهنيًا. وسيكون الدعم الدولي، بما في ذلك التدريب الفني وتمويل عمليات التسريح، أمرًا بالغ الأهمية. كما يجب إقناع الجهات الفاعلة الإقليمية بتقليص التدخلات بالوكالة لإفساح المجال لتحقيق الاستقرار.وبدون استراتيجية مستدامة وشاملة، فإن سوريا تخاطر بالانزلاق إلى دورة جديدة من العنف المجزأ، مما يعوق التحول السياسي وإعادة الإعمار.
تقف سوريا عند مفترق طرق. فبينما يُتيح سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية فرصةً للتجديد، تواجه البلاد تحدياتٍ سياسية، واقتصادية، وأمنية، متجذرة. يُحدد الإعلان الدستوري لعام ٢٠٢٥ أجندة إصلاحية طموحة، وسيكون تنفيذها أساسيًا لاستعادة الشرعية والثقة. ولا بد أن تُعزز العملية الانتقالية عمليات سياسية شاملة، وعدالة انتقالية ذات مصداقية، وإطارا انتخابيا شفافا.وفي الوقت نفسه، سيتطلب التعافي الاقتصادي جهود إعادة إعمار منسقة، وإعادة دمج إقليمي، ودعمًا خارجيًا كبيرًا. فبدون وضوح قانوني، ومؤسسات مستقرة، وتأييد سياسي من مختلف المجتمعات، سيتعثر الاستثمار والتعافي. على الصعيد الأمني، ستكون جهود خفض التصعيد، ومبادرات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وبناء هياكل قيادة وطنية موحدة، عوامل حاسمة لمنع التشرذم.
سيستمر انخراط الأطراف الإقليمية الفاعلة -من خلال التنافس والتعاون- في تشكيل مسار سوريا. يجب على دول الخليج وتركيا والقوى الأوروبية تنسيق جهودها وتجنب التنافسات الصفرية. وسيكون التعاون متعدد الأطراف البنّاء ضروريًا لضمان استدامة اندماج سوريا في النظم الإقليمية والعالمية واحترام سيادتها الوطنية.
ستحدد السنوات المقبلة ما إذا كانت سوريا قادرة على الانتقال من الصراع إلى التعايش، ومن التشرذم إلى الوحدة. إن الوعد بعقد سياسي واجتماعي جديد قائم، لكن تحقيقه يتطلب تنازلات، وصمودًا، ورؤية شاملة. بقيادة محلية ملتزمة ودعم دولي حقيقي، قد تحقق سوريا أملها في سلام عادل ودائم.
الهوامش:
[1]United States Department of State • Office of International Religious Freedom. (2023). 2023 Report on International Religious Freedom: Syria. In United States Department of State. https://linksshortcut.com/rqQWb
[4]World Bank. Syria Economic Monitor, Spring 2024 : Conflict, Crises, and the Collapse of Household Welfare (English). Washington, D.C. : World Bank Group. https://linksshortcut.com/TufQb
[8]UNDP. (2023, June 27). Five reasons why MSMEs are important for Syria’s economic recovery and social development. Retrieved February 11, 2025, from https://linksshortcut.com/znNHu
[10]Onder, H. (2021). A DECADE OF WAR IN SYRIA: THE ECONOMIC SIDE A retrospective for the World Bank’s “Syria Analytical Roadmap.” In The World Bank. Retrieved February 11, 2025, https://linksshortcut.com/OnVSA
[15]U.S. Treasury Issues Additional Sanctions Relief for Syrian People. (2025, January 6). U.S. Department of The Treasury. Retrieved March 20, 2025, from https://linksshortcut.com/dNIfh
[16]European Commission. (2025, March 18). The EU mobilises international support for Syria’s transition and the region raising €5.8 billion. ec.europa.eu. https://linksshortcut.com/mnjtU
[25]Turkey says 26 PKK militants were killed in military operations despite peace efforts | AP News. (2025, March 6). AP News. Retrieved March 25, 2025, https://linksshortcut.com/XFeiA