مقالات رأى

القانون الدولى المفترى عليه!

طباعة

لَقد تعالت فِي الفتْرة الأخيرة أصواتُ نَادَت بِإنْهَاء العمل بِالْقانون اَلدوْلِي والادِّعاء بِأَنه قَانُون لا فَائِدة مِن وُجوده، وَذلِك بَعْد أَحدَاث 7 أُكتُوبَر الماضي وما تلاها فى الأراضى الفلسطينية. وَلذَلِك وجب عليْنَا كمتخصِّصين فِي القانون اَلدوْلِي تَوضِيح بَعْض اَلأُمور حَتَّى يَكُون القارئ على دِراية كَامِلة بِكافَّة اَلأُمور:

* إِنَّ القانون اَلدوْلِي هُو مَجمُوعة مِن القواعد القانونيَّة اَلتِي تمَّ الاتِّفاق عليْهَا بِالتَّراضي بَيْن الدُّول ، سَوَاء بِشَكل صريح أو ضِمْنِي . وَيهدِف القانون اَلدوْلِي اَلْعام إِلى تَنظِيم العلاقات بَيْن الدُّول وَتحدِيد حُقوقِهَا وواجباتهَا على المسْتوى اَلدوْلِي . لَيْس هذَا القانون حديثًا بل مرَّ بِتطوُّرات عَدِيدَة على مرِّ اَلعُصور . 

* إنَّ القانون اَلدوْلِي لَه فُرُوع عَدِيدَة تَنبَثِق مِنْه وَهِي ( القانون اَلدوْلِي الجنائيُّ – والْقانون اَلدوْلِي البيئيُّ – والْقانون اَلدوْلِي لِلْبحَّار والْأنْهار – والْقانون اَلدوْلِي الجوِّيِّ – والْقانون اَلدوْلِي الإنْسانيِّ – والْقانون اَلدوْلِي الاقْتصاديِّ – وقَانُون المنظَّمات الدَّوْليَّة – والْقانون اَلدوْلِي الدِّبْلوماسيِّ والْقنْصليِّ والْقانون اَلدوْلِي اَلْخاص بِالْجنْسيَّة ) .

* يَعتَقِد اَلكثِير مِن النَّاس أنَّ القانون اَلدوْلِي هُو مُجرَّد ثَقافَة عَامَّة ، وَأنَّه لَيْس قَانُونا مُلْزِما كَفرُوع القوانين الدَّاخليَّة ، وَعلَى الرَّغْم أنَّ تِلْك النَّظْرة بَعِيدَة عن الواقع ، بِسَبب تِلْك النَّظْرة التَّقْليديَّة السَّائدة لَدى كثير مِن الحقوقيِّين المتأثِّرين بِتلْك الرُّؤْية التَّقْليديَّة .

* إِنَّ القانون اَلدوْلِي هُو قَانُون وَاسِع وله مُؤسسَات ومحاكم دَولِية وَكذَلِك هُنَاك مَلايِين الموظَّفين الدَّوْليِّين الَّذين يعْملون فِي المنظَّمات الدَّوْليَّة وفروعهَا . بل إِنَّ القانون اَلدوْلِي يُمثِّل أَكبَر فُرُوع القانون ، واتَّفق تمامًا مع رأى بَعْض الباحثين فِي مَجَال القانون اَلدوْلِي أَنَّه لَو وَضْع القانون اَلدوْلِي فِي كِفَّة وَبَقيَّة فُرُوع القوانين فِي كِفَّة أُخرَى لَرجَّحتْ كِفَّة القانون اَلدوْلِي ، بِسَبب مَا نشْهده ونعيشه اليوْم وخلال الأعْوام الماضية .  وَعلَى سبيل المثَال أنَّ مَبادِئ القانون اَلدوْلِي هِي اَلتِي تُنظِّم مَلايِين رِحْلَات الطَّائرات يوْميًّا وَكذَلِك أنَّ حَركَة الملايين مِن اللَّاجئين حَوْل العالم يَحكُمهم القانون اَلدوْلِي ، كَذلِك البتْرول ومشْتقَّاته اَلتِي تسير بِه جميع المرْكبات وَكذَلِك أيْضًا الكهْرباء اَلتِي تُضيء بِهَا منازلنَا والْملابس اَلتِي نلْبسهَا والطَّعام اَلذِي نَأكُله إِنَّما تُنظَّم حركته عَبْر العالم وفْق القانون اَلدوْلِي .

كَذلِك يَحكُم القانون اَلدوْلِي الآلَاف مِن السِّفارات والْقنْصليَّات والْمفاوضات والْمنظَّمات اَلتِي لَا يُمْكِن أن تُوجَد أو تُدَار دُون وُجُود ذَلِك القانون .

* كمَا أنَّ القانون اَلدوْلِي لِلْبحَّار يُنظِّم جميع اَلحُدود البحْريَّة بَيْن الدُّول وَكذَلِك تَوزِيع ثرواتهَا ، وحركَات السُّفن فِي البحَار تُنَظمهَا قَواعِد القانون اَلدوْلِي لِلْبحَّار ، كمَا أنَّ القانون اَلدوْلِي جَعْل لِلدَّوْلة الحبيسة اَلتِي لَا تَطل حُدودهَا على بحار جَعْل لَها حُدُودا بَحرِية أيْضًا .

* وليْس ذَلِك فقط بل إِنَّ هُنَاك القانون اَلدوْلِي لِحقوق الإنْسان والْقانون اَلدوْلِي الجنائيِّ، وقانون التَّحْكيم اَلدوْلِي، وجرائم القرْصنة البحْريَّة، والصَّفقات التِّجاريَّة الإلكْترونيَّة، واتِّفاقيَّات تَسلِيم المجْرمين الهاربين ، وَكذَلِك المباريات الرِّياضيَّة العالميَّة ، والْقانون اَلدوْلِي البيئيُّ، والْقانون اَلدوْلِي لِلْفضَاء اَلذِي يُنظِّم رِحْلَات الفضَاء والاسْتكْشاف الفضائيِّ ، كُلُّ هذَا يَعمَل تَحْت مِظَلة القانون اَلدوْلِي .

* وَفِيمَا يَخُص الشَّأْن الفلسْطينيُّ ، فكيْف لَنَا أن نَسمَع أنَّ هُنَاك أَشخَاصًا يُنادون بِإلْغَاء القانون اَلدوْلِي وَهُم فِي الوقْتِ ذاته يُنادون بِضرورة الاعْتراف بِالدَّوْلة الفلسْطينيَّة وكيْف يُمْكِن الاعْتراف بِالدَّوْلة الفلسْطينيَّة دُون القانون اَلدوْلِي ؟ أليْستْ مُعاهدات أُوسْلو وَغيرِها كَانَت السَّبب فِي إقرار اَلحُكم الذَّاتيِّ لِلفلسْطينيين وَكذَلِك اِنسِحاب إِسْرائيل مِن اَلضفَة الغرْبيَّة وقطاع غَزَّة .

* كَذلِك أيْضًا كَيْف يُمْكِن القوْل إنَّ الاحْتلال الإسْرائيليَّ غَيْر شَرعِي دُون وُجُود القانون اَلدوْلِي ؟ وَكذَلِك مَوقِف الأسْرى الفلسْطينيِّين كَيْف يَكُون لَهُم حُقُوق دُون القانون اَلدوْلِي ؟

* ألم تَقُم مَحْكَمة العدْل الدَّوْليَّة بِإصْدَار قَرارِها بِعَدم شَرعِية الجدَار الفاصل ، فهل يُمْكِن لَهَا أن تَقُوم بِذَلك دُون القانون اَلدوْلِي ؟

* إِنَّ الحقيقة الكامنة والْواضحة وُضُوح الشَّمْس أنَّ مُجْتمعنَا العرَبيَّ غَيْر ظَاهِر بِالصُّورة الكاملة فِي مَجَال القانون اَلدوْلِي بِالشَّكْل المطْلوب ، كمَا أنَّ هُنَاك نَوْعا مِن الأفْكار التَّقْليديَّة فِي مُجْتمعنَا العرَبيِّ اَلذِي يَنظُر إِلى القانون اَلدوْلِي بِأَنه غَيْر فَاعِل ، وَغيَّر ذُي جَدوَى ، إُمًّا لِاقْتناعهم أَنَّه مُجرَّد مَبادِئ عَامَّة ، أو بِسَبب أنَّ هُنَاك مُخالفات فِي مُخْتَلِف دُوَل العالم .

* وَعلَى سبيل المثَال كاحْتلال إِسْرائيل لِفلسْطين، أو اِحتِلال الولايات المتحدة  لِلْعرَاق ، وَغَيرهَا ، فَهذِه كُلهَا أَمثِلة على مُخَالفَة القانون اَلدوْلِي ، وبالتَّالي لَيسَت مُشْكِلة القانون اَلدوْلِي ذَاتِه ، على العكْس أنَّ مِثْل هَذِه التَّصرُّفات المخالفة تجْعلنَا نِصْفهَا بِالْمخالفات القانونيَّة وبالتَّالي نُسلِّط الضَّوْء عليْهَا فِي الصِّحافة الدَّوْليَّة والْكتابات الصَّحفيَّة والْأكاديميَّة ، وبالتَّالي كُلُّ هذَا سَوْف يَعتَبِر أَدَاة ضبط لِتغيُّرهَا، كل ذلك فى ظل  وُجُود القانون اَلدوْلِي .

* إِنَّ عدم اِكتِراث دَولَة مُعَينَة بِمبادئ القانون اَلدوْلِي وَفرُوعه يجْعلهَا دَولَة مَارِقة فِي نظر دُوَل العالم، وبالتَّالي سَوْف تُوَاجِه تِلْك الدَّوْلة اَلعُزلة الدَّوْليَّة وَهُو مَا سَوْف يُؤثِّر عليْهَا بِالسَّلْب على اِقْتصادهَا ويهدِّد وُجودهَا أيْضًا .

* وَإِنمَا نَقُول إِنَّ المشْكلة فِي النَّتائج اَلتِي تَحدُث مِن مُمارسات الدُّول وليْس فِي القانون اَلدوْلِي . وَهذِه المشْكلة لَيْست فِي القانون اَلدوْلِي فقط بل إِنَّها أيْضًا فِي القانون الدَّاخليِّ لِلْبلْدان كُلهَا ، فَعلَى سبيل المثَال بطء المحاكمات لَا يَعنِي عدم وُجُود تَشرِيع يُنظِّم إِجْراءات التَّقاضي ، وَكذَلِك أيْضًا وُجُود الرشْوة والْفساد والْواسطة لَا تَعنِي عدم وُجُود تشْريعات مُكَافحَة الفسَاد ، وَكذَلِك سَيْر المرْكبات فِي عَكْس الاتِّجاه لا يَعنِي عدم وُجُود قَانُون يُنظِّم اَلمُرور .

* وبالتَّالي مِمَّا سبق على اَلجمِيع أن يَعِي مَا يَنطِق بِه لِسانه فكيْف يُمْكِن أن يُطَالِب بِعَدم الاعْتداد بِالْقانون اَلدوْلِي وَهُو فِي الوقْتِ ذاته يُسَافِر لِلْبلْدان الأخرى وَيقُوم بِالاسْتثْمارات وَهِي تَحكُمها جميعَا مِظَلة القانون اَلدوْلِي .

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. محمد حامد الغنام

    د. محمد حامد الغنام

    دكتوراه فى القانون الدولى- كلية الحقوق جامعة مدينة السادات