مقالات رأى

معطيات واتجاهات نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية 2024

طباعة

اجتازت البلاد أهم استحقاقاتها الدستورية، عقب عملية انتخابية معقدة تطلبت حراكا من نوع خاص، ربما وطنيا أكثر منه سياسيا ودستوريا؛ حيث اقتضت هذه العملية مجموعة من الإجراءات الدقيقة جدا والحساسة، أضف أيضا تزامنها وجملة من التحدياتوالتغيرات الإقليمية، ما أضفى تعقيدا جديدا للمشهد، غير أن التعاون الواضح بين معظم أجهزة ومؤسسات الدولة سواء الرسمية وغير الرسمية، مع الإدراك الملحوظ لدى المواطن، والأهم توافر الإرادة السياسية، جميعها عوامل أسهمت فى تخطى مصر المشهد والخروج بمجموعة من المكتسبات الوطنية والسياسية.

معطيات المشهد:

كشفت نتائج الانتخابات الرئاسية عن عدة من المعطيات، لا سيما فى الأرقام التى صدرت عبر بيانات الهيئة الوطنية للانتخابات، وفى مقدمتها فوز المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسى وحصوله على أكثر من 39 مليونا و702 ألف و451 صوتا، وبنسبة بلغت %89,6من إجمالى المشاركين فى عملية التصويت. وبحسب الهيئة نفسها فإن عدد المسجلين فى قاعدة بيانات الناخبين بلغ 67 مليونا و32 ألفا و438 مواطنا، أدلى منهم نحو 44 مليونا و777 ألفا و668 ناخبا بصوته فى صناديق الاقتراع، بنسبة مشاركة بلغت 66.8%، كما بلغ أيضا عدد الأصوات الصحيحة 44 مليونا و288 ألفا و361 صوتا بنسبة 98.9% من إجمالى الحاضرين. وبحسب بيان الهيئة أيضا، سجلت الأصوات الباطلة 489 ألفا و307 أصوات بنسبة 1.1% من إجمالى الحاضرين.

تظل لغة الأرقام البارزة فى تحليل الموقف، فيعقب الرئيس عبد الفتاح السيسى فى عدد الأصوات التى حصل عليها، المرشح الرئاسى حازم عمر الذى حصل على مليون و986 ألفا و352 صوتا، أى بنسبة تقترب من 4.5%، ويعد الرئيس الحالى لحزب الشعب الجمهورى، وعضو بمجلس الشيوخ بالتعيين.

وعن صاحب التاريخ الحزبى المستقل، فجاء فريد زهران رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى فى المرتبة الثالثة، حيث حصل على مليون و776 ألفا و952 صوتا بنسبة 4%، وهو المرشح نفسه الذى توقعنا تصدره المرتبة التالية للفائز مباشرة، لكن حصد المرتبة الثالثة، ليأتى بعده المرشح عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد فى المركز الرابع بـ 822 ألفا و606 أصوات، بنسبة بلغت 1.9%.

اتجاهات قانونية:

فى ضوء الأرقام المعلنة واتجاهاتها، وبحسب قانون الانتخابات الرئاسية، وتحديدا المادة 143 التى تنص على أن "ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام السرى المباشر، وذلك بالأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة، وينظم القانون إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية"، يتمكن المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسى من حسم السباق، وعبر حصوله على أغلبية الأصوات، بنسبة 89,6% من إجمالى المشاركين فى عملية التصويت، وعليه يحضرنا أيضا المادة 140 التى تنص على أن "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين، وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يومًا على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوما على الأقل. ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أى منصب حزبى طوال مدة الرئاسة" والمادة 141 التى تنص على أن "يشترط فيمن يترشح رئيسًا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين مصريين، وألا يكون قد حمل أو أى من والديه أو زوجه جنسية دولة أخرى، وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وأن يكون قد أدى الخدمة العسكرية، أو أعفى منها قانونا، وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن أربعين سنة ميلادية، ويحدد القانون شروط الترشح الأخرى"، والأهم المادة 142 وفيها "يشترط لقبول الترشح لرئاسة الجمهورية أن يزكى المترشح عشرون عضوًا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى خمس عشرة محافظة على الأقل وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها. وفى جميع الأحوال لا يجوز تأييد أكثر من مترشح، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون"، كما أيضا فى المادة 144 وفيها "يشترط أن يؤدى رئيس الجمهورية قبل أن يتولى مهام منصبه أمام مجلس النواب اليمين الآتية: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه". ويكون أداء اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا فى حالة عدم وجود مجلس النواب، وهى المادة المقرر إعمالها خلال أيام، وعقب حصول أحد المرشحين على أغلبية الأصوات، وجميعها نصوص تم إعمالها منذ انطلاق المشهد الانتخابى، وتحركه فى نفس الأطر القانونية، وهو ما أكسب نفس هذه العملية الانتخابية مصداقيتها، واعتبارها ضمن أبرز مرتكزات المعايير الديمقراطية، سواء فى انطلاقها، أو فى سياقاتها.

اتجاهات سياسية:

 تتجاور المؤشرات، مع معطيات المشهد الانتخابى ككل، ومن ثم تبرز عدة من الاتجاهات السياسية المهمة جدا، والكفيلة بإيضاح المشهد وقراءته على نحو يسهم فى تحديد المستهدفات القادمة، وبما لا يفهم بمعزل عن التحديات الحاضرة:  كما أوضحنا مرارا وجوب تمتع الرئيس القادم بتلازم مفهومى الشرعية والمشروعية، وبالتطبيق على النتائج والمعطيات، تمكن الرئيس "عبد الفتاح السيسى" دون بقية المرشحين، من اجتياز اختبار الشرعية، وعبر سريان المشهد الانتخابى منذ انطلاقه فى إطاريه السياسى والقانونى، سواء من حيت استقلالية الهيئات المتابعة للعملية الانتخابية وفى المقدمة الهيئة الوطنية للانتخابات واستقلالها المادى والفنى وأيضا التقنى، أو من حيث الاستناد إلى قوانين الانتخابات الرئاسية، كما تم إيضاحه أعلاه، أما اجتياز المشروعية، فإن الرئيس السيسى وهو الفائز بالمنصب السيادى الأهم بالبلاد، يدرك تماما المفهوم الأهم وأبعاده فى حصوله على رضا المواطن التمام، وإن حصل على بعض من معايير هذه المشروعية، عبر حصوله على أكثر من 39 مليونا 702 ألف و451 صوتا، لكن تأتى أهمية السياسات التى قدمت وتخدم تنمية هذا المواطن وعلى كافة المستويات. 

-  تحرك المشهد المصرى برمته من حالة الحراك الوطنى إلى حالة من الحراك السياسى، بمعنى أن العملية الانتخابية كانت قد شهدت حالة من الحراك الوطنى، دفعت كل مؤسسات الدولة سواء الرسمية وعلى المستويين التنفيذى والتشريعى، أو غير الرسمية عبر دوائر الأحزاب والنقابات أيضا المؤسسات الروحية، إلى التعبئة والحشد الوطنى من أجل المشاركة فى هذا الاستحقاق الدستورى والوطنى، ومن ثم تحولت التوجهات الوطنية إلى سياسية، إلى انتقاء مرشح بعينه والتصويت له، ومن ثم الإعلان عن الرئيس الجديد للبلاد، ومنه تبرز الاقتناعات السياسية تجاه مرشح بعينه.

- هيكلة الحياة الحزبية التى من المقرر لكوادرها أن تصطف إما فى السياق السياسى العام، أو فى إطار المعارضة للنظام السياسى الجديد، فعقب أعوام من السيولة الحزبية، تمكنت الأحزاب من إعادة توفيق أوضاعها سواء على المستوى الداخلى وعبر مجموعة من السياسات الهيكلية والتنظيمية، أو على المستوى الخارجى وعبر حالة مكثفة من الحراك الحزبى، وهو ما برز فى الانتعاشة السياسية التى أضفتها على المشهد السياسى المصرى، وعبر الدفع بمرشحيها، والتعويل عليها فى تصدير كوادرها السياسية إلى المشهد.

دلالات الخطاب السياسى الجديد:

لا شك فى أن الخطابات تؤدى دورا قويا فى الكشف عن اتجاهات الإدارات وتوجهاتها، لا سيما حينما تكون هذه الخطابات صادرة من الرؤساء وخلال التجمعات الرسمية؛ حيث تتمكن من تحديد ورسم مسارات العلاقات وتحديد طبيعتها ، وعرف فوكو (1929 ـ 1984) الخطاب، كونه يعنى الميدان العام لمجموع المنطوقات، وأحيانا أخرى مجموعة متميزة من المنطوقات، وأحيانا ثالثة ممارسة لها قواعدها، تدل دلالة وصف على عدد معين من المنطوقات وتشير إليها.

كما يعرفه فى موضع آخر بقوله: الخطاب مجموعة من المنطوقات بوصفها تنتمى إلى ذات التشكيلة الخطابية، فهو ليس وحدة بلاغية أو صورية قابلة لأن تتكرر إلى ما لا نهاية، يمكن الوقوف على ظهورها واستعمالها خلال التاريخ، بل عبارة عن عدد محصور من المنطوقات التى تستطيع تحديد شروط وجودها.

ولا شك فى أن الخطاب بشكل عام، لا يكمن فى مجرد الخطبة أو مجموعة العبارات المنمقة والمعدة سلفا، عبر مجموعة من المؤسسات والإدارات، لكنه يمثل السياسة العامة للإدارة أو النظام الحاكم سواء تجاه شعبه، أو حتى علاقاته مع الدول والأقاليم.

الخطاب السياسى تحديدا للرؤساء، يمكن استخراجه - ليس فقط فى مجرد الخطبة أو الحديث الإعلامى للرئيس- من سياساته وتحركاته، ومن ثم معرفة وتحديد انعكاسات هذه السياسات، فاستمرارا لمعطيات المشهد يأتى الخطاب المهم للرئيس الجديد، وبالقياس على خطاب الرئيس السيسى فقد حمل عدة من الدلالات السياسية، أيضا توقيته عقب إعلان فوز الرئيس فى الانتخابات الرئيسية، حمل جدية معتادة مع امتنان من قبل رئيس البلاد، لمن وثقوا به ومنحوه أصواتهم.

وإن اتجهنا إلى الجانب التحليلى إلى هذا الخطاب المهم، فأبرز مجموعة من التحديات وضعها الرئيس ضمن أولوياته وربما أجندته القادمة، وفى مقدمتها التحدى الإقليمى والحرب الدائرة على قطاع غزة، أيضا لم يتجاهل الرئيس التحديات التقليدية التى يواجهها الداخل المصرى، واضعا إياها فى الحسبان، وهنا فإن الرئيس السيسي الذى وضع فى حسبانه جملة هذه التحديات، لا شك يمسك جيدا بأدوات إدارة الموقف، سواء عبر البناء على ما تم، أو استحداث سياسات جديدة من شأنها وضع النهاية لهذه التحديات ولو بنسب تصل بالمواطن إلى الحد المعقول من الاستجابة لمطالبه المقدرة من قبل القيادة السياسية، كما أن الرئيس السيسي أيضا قد تمرس فى مواجهة هذه التحديات والتعاطى معها، منذ تقلده مقاليد الأمور فى 2014.

تعهد الرئيس السيسى أيضا بعدة أمور على المستويين السياسى والاقتصادى، فى المقدمة إرساء المرتكزات الديمقراطية فى ضوء الأعراف القانونية والدستورية، أيضا مواكبة معايير الحداثة والتقدم، والأهم توفير الحياة الكريمة للمواطن، مع امتلاك القدرات العسكرية التسليحية الكفيلة بحفظ أمن البلاد، وجميعها تعهدات تأتى فى سياق الجمهورية الجديدة ومقتضياتها.

طباعة

    تعريف الكاتب

    إيرينى سعيد

    إيرينى سعيد

    صحفية وكاتبة مصرية - ماجستير العلوم السياسية