من المجلة - مكتبة السياسة الدولية

‮"‬داعش‮" ‬والإرهاب المحلي يتصدران مؤلفات الربع الأول من عام‮ ‬2016

طباعة
تصدرت قضية الإرهاب إصدارات دور النشر الأمريكية خلال الربع الأول من العام الجاري‮ (‬2016‮) ‬مع تزايد قوة التنظيمات الإرهابية، وتنفيذها عمليات داخل عدد متزايد من الدول، مخلفة عشرات،‮ ‬بل مئات من القتلي‮. ‬فقد شهدت فرنسا هجومين إرهابيين،‮ ‬أولهما في بداية عام‮ ‬2015‮ ‬مع استهداف مجلة شارلي إبدو، وثانيهما في الثالث عشر من نوفمبر من العام نفسه في مناطق متفرقة بالعاصمة الفرنسية‮ (‬باريس‮).‬ ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود حربا ضد الإرهاب بمنأي عن الهجمات الإرهابية، حيث شهدت في الثاني من ديسمبر علمية إرهابية في مدينة سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، والهجمات الإرهابية التي تعرضت لها تونس،‮ ‬ولبنان،‮ ‬ونيجيريا،‮ ‬وتركيا خلال العام الماضي‮. ‬فرغم التكلفة المالية والبشرية التي تتكبدها الدول في محاربة الإرهاب المحلي والعالمي،‮ ‬فإن العلميات الإرهابية لم تختف،‮ ‬ولكنها في تزايد‮.‬
 
وتكشف العمليات الإرهابية،‮ ‬التي تعرضت لها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية خلال العام الماضي‮ (‬2015‮)‬،‮ ‬عن أن منفذي العلميات الإرهابية كانوا من مواطني الدولة ذاتها، ويتبنون فكر التنظيمات الإرهابية،‮ ‬لكنهم لا ينتمون إلي تنظيمات إرهابية عابرة للحدود‮.‬ وهو الأمر الذي يكشف عن تحول في الظاهرة الإرهابية من النموذج الهيراركي إلي‮ "‬جهاديين‮" ‬متفرقين‮.‬ وهذا تحول رصده بيتر بيرجن في كتابه‮ "‬الولايات المتحدة الجهادية‮: ‬تحقيق حول الإرهابيين المحليين بأمريكاUnited States of Jihad: Investigating America's Homegrown Terrorists‮"‬ الذي يتناول ظاهرة المتطرفين الإسلاميين المحليين بالتركيز على الولايات المتحدة الأمريكية التي شهدت منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر‮ ‬2001‮ ‬هجمات إرهابية،‮ ‬نفذها مواطنون أمريكيون‮.‬
 
وعن أسباب انخراط مواطنين أمريكيين في عمليات إرهابية،‮ ‬أشار الكاتب إلي اختلاف تلك الدوافع بين من لديهم مشاكل نفسية وشخصية، ومن يكره الممارسات والسياسات الأمريكية‮ ‬غير الأخلاقية،‮ ‬التي تتعارض مع القيم والمبادئ التي تنادي بها الولايات المتحدة عالميا، ومن يرتبط بالفعل فكريا بالتنظيمات الإرهابية،‮ ‬في وقت يجد فيه صعوبة في الانصهار في المجتمع الأمريكي بقيمه وممارساته‮. ‬ويتحدث عن أنه ليست هناك قواسم مشتركة بينهم،‮ ‬مما أوجد صعوبة في تحديدهم،‮ ‬أو التنبؤ بهجماتهم الإرهابية‮. ‬ويتضمن الكتاب أمثلة كثيرة لأمريكيين انخرطوا في عمليات إرهابية،‮ ‬أو انضموا إلي تنظيمات إرهابية عالمية، مشيرا إلي أن هذه النوعية الجديدة من الإرهابيين تفرض تحديات عديدة لإنفاذ القانون أكثر من الجهاديين النمطيين الذين يعملون في نموذج هيراركي ذي قيادة‮.‬
 
ويرجع المؤلف تنامي ظاهرة الإرهابيين المحليين الذين يعملون بلا قيادة إلي التطور الذي شهدته التكنولوجيا الرقمية وانتشارها‮. ‬فهناك جيل جديد من‮ "‬الجهاديين‮" ‬يتحدثون اللغة الإنجليزية،‮ ‬ويستخدمون الإنترنت بدهاء شديد‮. ‬ويؤكد المؤلف ذلك التطور بالإشارة إلي أن المواقع الإلكترونية الجهادية زادت لأكثر من‮ ‬4‮ ‬آلاف موقع في عام‮ ‬2004،‮ ‬بعد أن كانت‮ ‬12‮ ‬موقعا في‮ ‬‭.‬1990‮ ‬ويشير إلي نجاح تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز قوته الافتراضية، والترهيب،‮ ‬والتجنيد‮.‬
 
ويخلص بيرجن، الذي يعد من أبرز الخبراء الأمريكيين في قضايا الإرهاب، في مؤلفه إلي أن التهديد الإرهابي الذي يأتي من داخل الدولة أضحي أكثر خطورة من التهديدات الإرهابية للتنظيمات الإرهابية العالمية، لاسيما مع الثورة التكنولوجية التي استفادت منها التنظيمات الإرهابية على الأصعدة كافة، والتي قوضت كثيرا من الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الإرهاب، وهو الأمر الذي يتطلب تغييرا في تلك الاستراتيجيات الوطنية لمواكبة التطور في تكتيكات التنظيمات الإرهابية، وسبل التجنيد التي لم تكن معهودة من قبل‮.‬
 
ومع نجاح تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬في نشر الفزع والرعب عالميا،‮ ‬رغم الضربات التي ينفذها التحالف الدولي،‮ ‬بقيادة الولايات المتحدة،‮ ‬ضد معاقله في العراق وسوريا،‮ ‬يصدر شهريا عن كبرى دور النشر الغربية كتاب أو أكثر عن هذا التنظيم‮.‬ وتتصدر تلك الكتب التي تناقش الأسس الفكرية للتنظيم،‮ ‬ونشأته،‮ ‬وسبل تجنيده،‮ ‬ومخصصاته المالية أقسام عروض الكتب في الصحافة والمجالات الغربية بصورة منتظمة‮.‬
 

تقديم-داخلي-داخلي
ومن أهم الكتب التي صدرت خلال الربع الأول من العام الجاري عن تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬كتاب الصحفي سامي مبيض المعنون‮ "‬تحت الراية السوداء‮: ‬حول حدود الجهاد الجديد‮ ‬Under the Black Flag: At the Frontier of the New Jihad‮"‬ الذي يقدم صورة عن التشدد الإسلامي المتنامي في سوريا والعراق،‮ ‬من خلال التركيز على تنظيم‮ "‬داعش‮". ‬فيتناول الخلفية التاريخية للتنظيم، وأهدافه المستقبلية،‮ ‬التي تدور حول فكرة تأسيس دولة دينية تحكمها قوانين الشريعة الإسلامية،‮ ‬ويتزعمها الخليفة، كما كان الأمر في الأيام الأولي للإسلام‮. ‬ويشير إلي أن التنظيم يتبني نفس أفكار كبار قادة‮ "‬الجهاديين‮"‬،‮ ‬أمثال أسامة بن لادن،‮ ‬وأبي مصعب الزرقاوي،‮ ‬لتأسيس دولة الخلافة الإسلامية، حيث إن تأسيس الخلافة الإسلامية هو هدف الإسلاميين‮ "‬الجهاديين‮" ‬من جيل لآخر‮.‬
 
ويؤكد المؤلف أن التنظيم لم ينشأ بين عشية وضحاها، لذلك لا يمكن القضاء عليه في لمح البصر، وأن السبب في نشأة هذا التنظيم هي أوضاع دول المنطقة المعقدة‮. ‬وهنا،‮ ‬يعرض المؤلف لبعض التحليلات التي تتهم النظام السوري بإطلاق سراح‮ "‬الجهاديين‮" ‬من سجون دمشق، والأتراك بتسهيل أنشطة الجهاديين عبر الحدود‮. ‬ولكن المؤلف يرى أن معظم المحللين يتجاهلون أن الأوضاع في العراق وسوريا وفرت ملاذا آمنا لتنظيم‮ "‬داعش‮" ‬لنشر أفكاره، بالإضافة إلي وجود أشخاص يميلون للاستماع لأفكاره،‮ ‬والقتال معه‮. ‬ويضيف أنه نظرا للظروف التي كان يعانيها سكان تلك المناطق، فإنهم لم يكافحوا ضد انتشار تنظيم‮ "‬داعش‮"‬، بل انضم العديد منهم إلي صفوف التنظيم، مما ساعده على السيطرة على مساحات شاسعة في سوريا والعراق بسهولة‮.‬
 
ويرجع الكاتب انضمام مجندين جدد لصفوف‮ "‬داعش‮" ‬إلي انهيار المجتمعات التي كانت تئويهم وتخليها عنهم،‮ ‬مما جعلهم ينزلقون إلي براثن الفقر والجهل، وليس بسبب عنصري المال والسيف فحسب، كما يعتقد البعض‮. ‬ويعرض الكتاب لإسهامات حزب البعث في نشأة التنظيم‮.‬
 
ولا يتوقع المؤلف أن يتم القضاء على تنظيم‮ "‬داعش‮" ‬في المدي القصير لتوافر مقومات الدولة لديه، كالجيش،‮ ‬والمخابرات،‮ ‬والمناهج المدرسية،‮ ‬والنشيد الوطني،‮ ‬بالإضافة إلي أموال النفط، مشيرا إلي عدم فعالية الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضده‮. ‬ويرى أن الحل الوحيد للقضاء على التنظيم يتمثل في انقلاب بعض القادة العراقيين الموالين للبغدادي عليه،‮ ‬وإزاحته‮.‬
 
وعلى الرغم من اختفاء نشاط تنظيم‮ "‬القاعدة‮" ‬مقابل تنامي الاهتمام الإعلامي الغربي بالعلميات الإرهابية التي ينفذها تنظيم‮ "‬داعش‮"‬، كان الأول محل بحث ودراسة في كتاب جديد بعنوان‮ "‬حق امتياز القاعدة‮: ‬تمدد تنظيم القاعدة وعواقبه‮ ‬The Al-Qaeda Franchise: The Expansion of Al-Qaeda and Its Consequences‮". ‬يناقش مؤلف الكتاب‮ "‬باراك مندلسون‮"‬، المتخصص في شئون الشرق الأوسط والحركات الجهادية، الاستراتيجية التوسعية للتنظيم‮. ‬ويطرح الكتاب تساؤلا رئيسيا،‮ ‬مفاده لماذا شكل تنظيم القاعدة فروعا له في بعض المناطق دون‮ ‬غيرها؟‮.‬
 
وفي إطار الإجابة على التساؤل المركزي للكتاب،‮ ‬خلص المؤلف إلي أن سعي التنظيم لإنشاء فروع له بمنطقة الشرق الأوسط،‮ ‬وإفريقيا،‮ ‬وجنوب آسيا لم يكن نتاجا حتميا لأيديولوجيته واستراتيجيته،‮ ‬بل كان أحد الأساليب التي اعتمد عليها التنظيم لإثبات وجود المنظمة الأم،‮ ‬واستمرار مسيرتها الإرهابية،‮ ‬بعد الحرب الشاملة التي شنتها الولايات المتحدة،‮ ‬بالتعاون مع حلفائها،‮ ‬على التنظيم،‮ ‬بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، مما ساعدها تدريجيا على بقاء أخبارها في وسائل الإعلام وعناوين الصحف الرئيسية‮.‬
 
فعلى عكس الاتجاه السائد في عدد من الكتابات الغربية،‮ ‬وهو أن توسع التنظيم وتدشين فروع له في مناطق عدة بعيدة عن مناطق تمركزه الرئيسية يعد دليلا على قوة التنظيم،‮ ‬يرى المؤلف أن الاستراتيجية التوسعية للتنظيم ليست دليلا على قوته،‮ ‬ولكنها كانت نتيجة التراجع الحاد الذي شهده التنظيم عقب هجمات‮ ‬11‮ ‬سبتمبر‮ ‬‭.‬2001‮ ‬ويضيف أن تلك الاستراتيجية عكست تصاعد التحديات التي يواجهها التنظيم نتيجة الأخطاء الاستراتيجية السابقة التي ارتكبها، وغطرسة قادته،‮ ‬بالإضافة إلي تضاؤل قدراته‮. ‬ويصف المؤلف استراتيجية‮ "‬القاعدة‮" ‬التوسعية بـ‮ "‬الغامضة‮"‬، لعدم وجود أي أسباب معلنة لاتباعها‮. ‬وعن عواقب تلك الاستراتيجية التوسعية،‮ ‬أشار الكاتب إلي أنها قوضت أحد الإنجازات الرئيسية للتنظيم، وهو إنشاء كيان عابر للحدود الوطنية على أساس ديني،‮ ‬وليس على أساس قومي‮.‬
 
-------------------------
 
(*) تقديم مكتبة السياسة الدولية، العدد 204، إبريل 2016
طباعة

    تعريف الكاتب

    عمرو عبد العاطي

    عمرو عبد العاطي

    باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية