من المجلة - تقارير

رؤية نقدية لإدارة أزمة سد إثيوبيا

طباعة
قامت إثيوبيا،‮ ‬خلال سنوات قليلة،‮ ‬بمضاعفة السعة التخزينية لسد‮ "‬بوردر‮"‬،‮ ‬أو الحدود،‮ ‬إلي خمسة أضعاف‮(‬74‭.‬5‮ ‬مليار متر3 ) تحت مسمي سد النهضة، بعد أن مر المشروع بأكثر من مسمي آخر مثل‮ "‬المشروع إكس‮"‬،‮ ‬و"سد الألفية‮"‬،‮ ‬ثم استقر الأمر على مسمي النهضة‮. ‬وفي كل مرة،‮ ‬كانت السعة التخزينية للسد ترتفع من‮ ‬14‮ ‬مليار متر مكعب إلي‮ ‬45‮ ‬مليارا، ثم‮ ‬63‮ ‬مليارا، إلي أن استقر الأمر علي السعة الأخيرة‮ (‬74‮ ‬مليارا‮)‬،  دون أن يكون هناك أي مبرر فني أو اقتصادي لهذه التوسعة الهائلة في حجم السد‮.‬
 
وكان اللافت للانتباه أن الحكومة الإثيوبية،‮ ‬بقيادة ميليس زيناوي،‮ ‬أحاطت هذا الأمر بتكتم شديد، إلي أن تم وضع حجر الأساس للسد في‮ ‬2‮ ‬أبريل‮ ‬2011، أي بعد ثورة يناير بشهرين اثنين فقط‮.‬ وكان من الواضح أن هذا قد تم بقصد،‮ ‬وبتخطيط واع،‮ ‬يهدف إلي السعي لاستغلال حالة الارتباك الداخلي،‮ ‬وحالة السيولة السياسية التي تمر بها مصر، لكي تستطيع إثيوبيا تمرير هذا المشروع، لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية بالأساس،‮ ‬قبل أن تكون أهدافا تنموية‮.‬
 
والشاهد علي ذلك يتضح في التكليف الذي كان قد أصدره رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل،‮ ‬زيناوي، لشركة ساليني الإيطالية بالأمر المباشر،‮ ‬وبطريقة تسليم المفتاح، والذي كان يتلخص في سطر واحد فقط،  هو‮  ‬أنشاء سد ضخم وعظيم‮ ‬"Huge And Great DAM"‮.‬ كما كان من اللافت للنظر أيضا أن حجر الأساس قد تم وضعه،‮ ‬قبل أن تكتمل الدراسات الضرورية لمنشأة ضخمة بهذا الحجم، حيث أثبت تقرير اللجنة الثلاثية الدولية‮ -‬ والتي كانت إثيوبيا طرفا فيها ووقعت تقريرها النهائي الذي صدر في مايو 2013، أي بعد وضع حجر الأساس بأكثر من عامين‮ -‬ أن الدراسات الخاصة بالسد‮ ‬غير مكتملة،‮ ‬ولا يمكن الاعتداد بها، خاصة الدراسات المتعلقة بالتأثيرات الناجمة عن السد في الدولتين الواقعتين أسفل المجري،‮ ‬وهما السودان ومصر، وأن هناك دراسات أخري بالغة الأهمية، ولا يمكن إنشاء مثل هذا السد بدونها،‮ ‬وهي الدراسات الخاصة بالتأثيرات البيئية‮ ‬غير المتوافرة من الأصل‮.‬
 
نخلص من ذلك إلي أن حكومة ميليس زيناوي كانت تسعي بكل الطرق للدخول في سباق مع الزمن لإنجاز السد، قبل أن تلتقط مصر أنفاسها، أو تستعيد نفسها وقدراتها، أو تسعي لمواجهة الأخطار والتداعيات المترتبة علي اكتمال هذا السد بمواصفاته الحالية،‮ ‬وتحولها إلي أمر واقع‮.‬
 
وفي سبيل ذلك،‮ ‬اتبعت إثيوبيا سياسة طويلة الأمد تقوم علي الخداع والمناورة من أجل شراء الوقت، وتحويل السد إلي أمر واقع عبر أساليب عديدة، فأخفت أي معلومات عن السد، متجاهلة بشكل كامل مبدأ الإخطار المسبق لمثل هذه المشروعات الضخمة، بحجة أن مصر ينبغي أن توقع أولا اتفاقية عنتيبي‮ (‬الإطار القانوني لمبادرة حوض النيل المشتركة‮)‬،‮ ‬والتي رفضت مصر توقيعها لأسباب عدة تتمحور حول عدم توفير الاتفاقية أي حماية للحقوق والمصالح المائية المصرية‮. ‬وفي مرحلة تالية،‮ ‬لم تقبل إثيوبيا بتكوين اللجنة الثلاثية الدولية إلا علي سبيل المناورة، حيث كان ميليس زيناوي قد أعلن عن تشكيل هذه اللجنة خلال زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية إلي أديس أبابا في نهاية أبريل‮ ‬2011‮ ‬بهدف طمأنة مصر علي أن هذا السد لا يضر بمصالحها المائية،‮ ‬كما جري الإعلان في ذلك الوقت‮.‬
 
وفي إطار الإعداد لتشكيل هذه اللجنة وتحديد صلاحياتها، اشترطت إثيوبيا أن يتم النص في قرار التشكيل علي أن السد تحت الإنشاء، وأن تكون التوصيات‮ ‬غير ملزمة من الناحية القانونية‮. ‬وقد تكونت اللجنة من عشرة خبراء، ستة منهم من الدول الثلاث‮ - ‬مصر،‮ ‬والسودان،‮ ‬وإثيوبيا‮ - ‬بواقع خبيرين من كل دولة، بالإضافة إلي أربعة خبراء دوليين يتم اختيارهم بموافقة الدول الثلاث‮. ‬غير أن إثيوبيا‮  ‬ماطلت في إجراءات وبدء عمل اللجنة التي لم يتم تكوينها فعليا إلا في أبريل‮ ‬2012،‮ ‬أي بعد وضع حجر الأساس بسنة كاملة‮.‬ ثم تعمد الجانب الإثيوبي المماطلة في أيضا في مواعيد الاجتماعات، وفي تقديم الدراسات والتقارير الضرورية لإنجاز العمل، فلم تستطع اللجنة تقديم تقريرها إلا في مايو‮ ‬2013، أي بعد أربعة عشر شهرا من تشكيلها، وليس بعد ستة أشهر،‮ ‬كما كان متفقا عليه كمدة عمل للجنة‮.‬
 
منذ ذلك الوقت،‮ ‬والأزمة تدور في كيفية تطبيق توصيات هذه اللجنة الخاصة باستكمال الدراسات، حيث عقدت ثلاث جولات للتفاوض في الخرطوم،‮ ‬كان آخرها في يناير‮ ‬2014،‮ ‬وقد باءت جميعها بالفشل، بسبب إصرار الجانب الإثيوبي علي أن يتم تكوين لجنة من خبراء محليين من الدول الثلاث‮: ‬مصر،‮ ‬وإثيوبيا،‮ ‬والسودان، مع عدم وجود مرجعية واضحة أو ملزمة لحسم الخلاف أو إلزامية النتائج، مع رفض إثيوبيا المطلق لوقف أعمال البناء،‮ ‬إلي أن يتم استكمال الدراسات،‮ ‬أو الانتهاء منها‮.‬
 
وهكذا،‮ ‬يتضح أن إثيوبيا قد نجحت في اختراع مسار لمحادثات ولقاءات عقيمة لا علاقة لها من الأصل بالمخاوف والتهديدات التي تتعرض لها الحقوق والمصالح المائية المصرية، والتي تنصرف إلي السعة التخزينية الهائلة للسد، وعدم وجود أي اتفاق علي السياسية التشغيلية للسد، ولا علي كيفية تصرف إثيوبيا في المياه المحتجزة خلف بحيرة السد، مع التجاهل التام لكل القواعد والمعايير الدولية، وكذلك الاتفاقيات السابقة،‮ ‬بما فيها اتفاقية‮ ‬1902‮ ‬التي تم توقيعها في وقت كانت فيه إثيوبيا مستقلة، بينما كانت مصر والسودان محتلتين من قبل بريطانيا‮. ‬يعني ذلك‮ ‬ الأمر أن إثيوبيا تسعي في واقع الأمر إلي تكريس واقع جديد،‮ ‬يقوم في الأساس علي نظرية السيادة المطلقة علي الموارد، وأن من حقها التصرف في مياه النيل الأزرق بشكل منفرد،‮ ‬وكما تشاء، في تطبيق عملي للمفهوم الذي كانت إثيوبيا قد طرحته في سبتمبر‮ ‬1957،‮ ‬حيث وزعت الحكومة الإثيوبية علي البعثات الدبلوماسية في القاهرة مذكرة، قالت فيها إنها تؤكد وتحتفظ الآن وفي المستقبل بحقها في اتخاذ كل الإجراءات المتعلقة بمواردها المائية، وعلي الأخص الموارد التي تزود النيل بكامل مياهه تقريبا‮. ‬وبعد أن أشارت إلي المباحثات التي كانت تدور آنذاك بين مصر والسودان بخصوص اتفاقية‮ ‬1959،‮ ‬التي تم توقيعها لاحقا، ذهبت الحكومة الإثيوبية إلي القول إن كمية المياه المتاحة للآخرين يجب أن تتوقف علي مدي حاجة إثيوبيا،‮ ‬وهي المالك الأصلي للمياه لمقابلة احتياجات سكانها واقتصادها‮.‬ ثم خلصت إلي أنه بعد استيفاء احتياجاتها الوطنية، فإن إثيوبيا ستسهم من خلال مواردها الطبيعية في رفاه سكان جاراتها الشقيقة علي ضفاف النيل‮.‬
 
وهنا،‮ ‬يبرز السؤال‮: ‬إذا كانت الاستراتيجية الإثيوبية في الخداع،‮ ‬والمناورة،‮ ‬وكسب الوقت واضحة إلي هذا الحد، وإذا كانت إثيوبيا تحرز نقاطا لمصلحتها طوال الوقت، عبر الإيحاء للعالم بأن هناك حالة تعاون وتفاوض من قبل إثيوبيا، وأن البناء يجري بشفافية كاملة،‮ ‬عبر تقديم الدراسات المتاحة،‮ ‬والسعي لاستكمال الدراسات الناقصة، وأن المفاوضين من الدول الثلاث يترددون علي عواصمها في اجتماعات متكررة للتباحث،‮ ‬وفي مسعي مشترك للوصول إلي تفاهمات‮ - ‬فما هي مصلحة مصر في القبول بهذا المسار الذي لا تحصد منه سوي تقديم التنازل تلو الآخر،‮ ‬وتجميد حركتها الدبلوماسية،‮ ‬والسياسية،‮ ‬والقانونية في مواجهة هذا الخطر الذي يتهددها،‮ ‬بل وماهية المصلحة في التصريحات المتكررة التي تصب في مصلحة الاستراتيجية الإثيوبية بالإعلانات المتكررة عن نجاحات لم تتحقق،‮ ‬واتفاقات لم تتم،‮ ‬وإلزام وهمي؟‮.‬
 
الموقف المصري‮:‬
 
لا تقف مصر ضد أي مشروع تنموي في حوض النيل، بل تسعي إلي تقديم يد العون والمساعدة، شريطة ألا يحدث ذلك ضررا بمصر التي تعتمد علي‮ ‬95 ٪‮ ‬تقريبا من مواردها المائية علي نهر النيل، والتي دخلت بالفعل إلي حيز الفقر المائي، ولا تمتلك ترف تعريض حق شعبها في الحياة للخطر‮.‬
 
وفيما يتعلق بأزمة سد النهضة،‮ ‬مر الموقف المصري بثلاث مراحل أساسية، المرحلة الأولي كانت أثناء المرحلة الانتقالية الأولي التي كان يديرها المجلس العسكري الانتقالي، والتي كانت مصر مشغولة فيها بمحاولة بناء نظامها السياسي الجديد، واتسمت بمجموعة هائلة من التفاعلات الداخلية التي كانت تشغل وتعوق مصر عن الالتفات الجدي إلي أي أمور أخري‮.‬ وفي هذه المرحلة،‮ ‬تم قبول تشكيل اللجنة الثلاثية، من أجل أن يكون لدي مصر المعلومات الأساسية عن السد، بالشكل الذي قد يتيح لها تقدير الموقف،‮ ‬وحجم الأضرار،‮ ‬وكيفية التعامل مع الأزمة‮.‬ وفي المرحلة الثانية التي تولي فيها محمد مرسي رئاسة الجمهورية، تعامل الإخوان مع أزمة السد بطريقة تتسم بالارتباك والتخبط، حيث بدأ عهد الإخوان بمحاولة التهوين الشديد من الأزمة،‮ ‬ومن أضرار السد‮.‬ وكانت تصريحات الدكتور محمد بهاء الدين،‮ ‬وزير الري في حكومة هشام قنديل، تتمحور حول أننا لا نستطيع الجزم برأي أو موقف حول ما إذا كان السد يشكل ضررا أو خطرا علي الأمن المائي المصري، إلا حين تنتهي اللجنة الثلاثية من تقديم تقريرها، رغم أنه كان علي اطلاع كامل أولا بأول بمجريات الموقف،‮ ‬والعمل،‮ ‬واتجاهات تقرير اللجنة بحكم منصبه،‮ ‬وإشرافه المباشر علي عمل وأداء العضوين المصريين في اللجنة‮.‬ كما كان قد تم تشكيل لجنة فنية وطنية تابعة لوزارة الري ضمت عددا من الكفاءات والخبرات المصرية، لتقدم تقاريرها ودراساتها التي أثبتت وجود الضرر‮.‬ وحين تم تحويل مجري النهر في‮ ‬28‮ ‬مايو‮ ‬2013،‮ ‬عقب زيارة محمد مرسي لأديس أبابا مباشرة، في لفتة حملت الاستخفاف الشديد به، استشعر الرأي العام المصري، ومعظم شرائح النخبة بتنوعاتها المختلفة،  وجود خطر هائل يتهدد مصر، وأن السلطة الإخوانية،‮ ‬بحكم التكوين الأيديولوجي،‮ ‬لا تعطي هذا الأمر ما يستحقه من اهتمام أو أولوية، فانتشر القلق والتساؤل، إلي الدرجة التي استشعر معها الإخوان أن هذا الأمر سيشكل ضغطا هائلا علي أوضاعهم السياسية، فانقلب موقف الرئيس المعزول محمد مرسي بشكل كامل، وجري عقد الاجتماع التشاوري مع بعض حلفائه السياسيين، والذي تم بثه علي الهواء مباشرة، دون أن يتم إخطار الحاضرين بأن الاجتماع منقول علي الهواء‮.‬
 
حمل هذا الاجتماع إساءات وتجاوزات بالغة تجاه القارة الإفريقية ككل، وأساء إلي مصر،‮ ‬وتاريخها،‮ ‬ومكانتها،‮ ‬ودورها‮. ‬ووظفته إثيوبيا بطبيعة الحال في خدمة مخططها الرامي إلي كسب الوقت، فقامت بترجمة الحوارات التي دارت فيه،‮ ‬ووزعتها علي نطاق واسع، وزعمت أن هذا يعد دليلا علي وقوف مصر ضد تنمية إثيوبيا،‮ ‬وأنه بمنزلة تهديد بالعدوان، في مسعي واضح لحرف القضية عن مجراها الأساسي، الأمر الذي ترك آثاره السلبية علي فشل جولات التفاوض الثلاث السابقة في الخرطوم من نوفمبر‮ ‬2013‮ ‬إلي يناير‮ ‬2014، حيث استخدمته إثيوبيا كذريعة إضافية للتشبث بمواقفها‮.‬
 
أما المرحلة الثالثة والأخيرة،‮ ‬فقد بدأت بعد انتخاب عبدالفتاح السيسي رئيسا لمصر بأغلبية كاسحة، فبدأ في وضع استراتيجية جديدة، تسعي بالأساس إلي الحفاظ علي الإطار التعاوني،‮ ‬والبحث عن الحلول الوسط، علي قاعدة لا ضرر ولا ضرار‮.‬ وإذا كان هذا المسعي المصري هو النهج المعتمد طوال الوقت، فإن السيسي قدمه بطريقة عملية تتسم بسرعة الحركة، بهدف كسر حالة الجمود التي اعترت تناول الأزمة،‮ ‬ووصولها إلي طريق مسدود، بطريقة تزعم فيها إثيوبيا أنها كانت حريصة علي التفاوض،‮ ‬وإثبات أنها لا تلحق الضرر بمصر، في حين أن مصر هي الطرف الذي يهدد بالتدخل في الداخل الإثيوبي،‮ ‬وتأليب المكونات الداخلية الإثيوبية علي بعضها بعضا، وأن مصر راغبة في استمرار هيمنتها علي مياه النيل،‮ ‬وتقف عائقا أمام جهود إثيوبيا في التنمية،‮ ‬وتوليد الطاقة لمصلحة تحديث وتقدم إثيوبيا‮.‬
 
وقد نتج عن ذلك التوصل إلي‮ "‬إعلان مالابو‮" ‬علي هامش القمة الإفريقية المنعقدة في‮ ‬غينيا الاستوائية في أواخر يونيو‮ ‬2014‮.‬
 
إعلان مالابو‮:‬
 
عقب لقاء مطول بين الرئيس المصري،‮ ‬عبدالفتاح السيسي،‮ ‬ورئيس الوزراء الإثيوبي،‮ ‬هايلي مريم ديسالين، صدر هذا الإعلان في‮ ‬28‮ ‬يونيو‮ ‬2014‮ ‬علي هيئة بيان مشترك، ونص علي أن الطرفين قد قررا‮  ‬تشكيل لجنة عليا تحت إشرافهما المباشر لتناول كل جوانب العلاقات الثنائية والإقليمية في المجالات السياسية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬والاجتماعية،‮ ‬والأمنية‮. ‬كما أكد الطرفان محورية نهر النيل كمورد أساسي لحياة الشعب المصري ووجوده،‮ ‬وكذلك إدراكهما لاحتياجات الشعب الإثيوبي التنموية‮.‬ وفيما يتعلق باستخداماتهما المائية،‮ ‬فقد تم النص علي عدد من المبادئ‮:‬
 
1- ‬احترام مبادئ الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة،‮ ‬وتجنب الإضرار ببعضهم البعض‮.‬
 
2- ‬أولوية إقامة مشروعات إقليمية لتنمية الموارد المالية لسد الطلب المتزايد علي المياه،‮ ‬ومواجهة نقص المياه‮.‬
 
3‮‬- احترام مبادئ القانون الدولي‮.‬
 
4- ‬الاستئناف الفوري لعمل اللجنة الثلاثية حول سد النهضة بهدف تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية،‮ ‬واحترام نتائج الدراسات المزمع إجراؤها خلال مختلف مراحل مشروع السد‮.‬
 
5- ‬التزام الحكومة الإثيوبية بتجنب أي ضرر محتمل من سد النهضة علي استخدامات مصر من المياه‮.‬
 
6- ‬التزام الحكومة المصرية بالحوار البناء مع إثيوبيا،‮ ‬والذي يأخذ احتياجاتها التنموية،‮ ‬وتطلعات شعب إثيوبيا في الحسبان‮.‬
 
7- ‬التزام الدولتين بالعمل في إطار اللجنة الثلاثية بحسن النية،‮ ‬وفي إطار التوافق‮.‬
 
تنبع الأهمية الرئيسية لهذا البيان المشترك من أنه أعاد الأزمة إلي حيز التفاوض،‮ ‬والبحث عن التفاهمات المشتركة،‮ ‬بعد أن كادت تنزلق إلي الصراع، بحيث يتحقق لإثيوبيا ما تريده من تنمية، وفي الوقت نفسه ترفع أو تخفف من الأضرار المترتبة علي مصر إلي الحد الذي يمكن قبوله أو التعايش معه، وتحافظ علي التعاون لمصلحة شعوب حوض النيل‮.‬
 
وقد نظر إلي البيان بحسبانه متوازنا،‮ ‬لأن صياغته تحقق التوازن بين رؤي كل من مصر وإثيوبيا الدولتين،‮ ‬وكذلك الأوضاع السياسية الداخلية والخارجية لكل منهما‮. ‬بالنسبة لإثيوبيا،‮ ‬فقد نص البيان علي أن الحوار والتعاون هما السبيل الوحيد لحل أي مشاكل بين الدولتين، وعلي احترام حق إثيوبيا وشعبها في التنمية، وعلي العودة إلي اللجنة الثلاثية التي تصر عليها إثيوبيا لاستكمال الحوار حول سد النهضة‮. ‬أما بالنسبة لمصر،‮ ‬فهناك نص علي الإقرار بمحورية وأهمية نهر النيل لحياة المصريين، وبعدم الإضرار باستخدامات مصر المائية، وعلي سيادة مبادئ القانون الدولي التي هي في مجملها لمصلحة موقف مصر من سد النهضة، والعمل علي التعاون في تنفيذ المشاريع الإقليمية لزيادة إيراد النهر لمصلحة شعوب المنطقة،‮ ‬ومصر بصفة خاصة،‮ ‬لما تعانيه من ندرة مائية‮.‬
 
وبالرغم من ذلك،‮ ‬فإن هناك بعض التحفظات بالنسبة للموقف المصري، حيث لا تعترف إثيوبيا ولا تقر بالحصة المصرية الحالية‮ (‬55‭.‬5‮ ‬مليار م3‮)‬، إذ إنها ليست طرفا في اتفاقية‮ ‬1959‮ ‬بين مصر والسودان التي أقرت هذه الحصص، ولذلك تم استعمال كلمة استخدامات مائية بدلا منها في بند عدم الإضرار‮. ‬إلا أنه كان من اللافت أيضا عدم الإشارة إلي‮ (‬كميات الاستخدامات المائية الحالية‮). ‬كما أن اللجنة الثلاثية التي أشار البيان إليها كانت قد فشلت في التعامل مع أزمة سد النهضة في وقت سابق، حيث يظل السؤال مطروحا عن فائدة الاستمرار في مناقشات ودراسات،‮ ‬في حين يستمر العمل في بناء السد علي قدم وساق‮.‬
 
اجتماع الخرطوم أغسطس‮ ‬2014‮:‬
 
بعد مشاورات عدة،‮ ‬جري التوافق علي استئناف مفاوضات سد النهضة في العاصمة السودانية،‮ ‬الخرطوم‮.‬ وأكد الدكتور حسام مغازي،‮ ‬وزير الموارد المائية والري‮ (‬جريدة الأخبار المصرية، 16‮ ‬يوليو‮ ‬2014‮) ‬أن أديس أبابا وافقت علي عقد الاجتماع الثلاثي في إطار محددات البيان المشترك الذي صدر بعد لقاء الرئيس السيسي وهالي ميريام ديسالين،‮ ‬رئيس وزراء‮  ‬إثيوبيا، الذي يعد حجر أساس جديدا للتحرك،‮ ‬ووضع جدول زمني محدد للانتهاء من المفاوضات،‮ ‬وآليات تنفيذ التوصيات النهائية للخروج من الأزمة الحالية‮. ‬وأشارت مصادر بوزارة الري إلي أنه كان من المقرر عقد الاجتماع في الأسبوع الثالث من شهر أغسطس، إلا أن هناك مقترحا إثيوبيا يتم بحثه بعقده في الأسبوع الرابع،  بما يعني إلغاء الاجتماع التحضيري الذي دعت مصر لعقده في القاهرة،‮ ‬خلال شهر يوليو،‮ ‬بهدف التحضير لاستئناف‮  ‬المفاوضات الثلاثية، وأنه سيتم استكمال المفاوضات الفنية بين الدول‮  ‬الثلاث،‮ ‬طبقا لما انتهت إليه الاجتماعات السابقة التي عقدت بالخرطوم‮. ‬وفي نهاية المطاف،‮ ‬وافقت إثيوبيا علي عقد اجتماع في الخرطوم يومي‮ ‬25‮ ‬و26‮ ‬أغسطس‮ ‬2014‮.‬
 
وبالرغم من التصريحات الإثيوبية المتحفظة علي أجندة الاجتماع، حيث صرح فقيه أحمد،‮ ‬مدير الأنهار العابرة في وزارة المياه والطاقة الإثيوبية، في منتصف يوليو‮ ‬2014‮ (‬الأخبار،‮ ‬16‮ ‬يوليو‮ ‬2014‮) ‬بأن المفاوضات ستبدأ من حيث انتهت الجولات السابقة،‮ ‬والتي توصلت إلي تشكيل لجنة من الدول الثلاث،‮ ‬مهمتها دراسة مقترحين أساسيين هما‮ "‬الهيدرولوجيا، والآثار البيئية،‮ ‬والاجتماعية،‮ ‬والاقتصادية للسد‮"‬، وأن اللجنة يمكنها إشراك مستشارين وخبراء في دراسة هذه المقترحات‮. ‬جاءت تصريحات وزير الري المصري حسام مغازي‮ (‬جريدة الوطن،‮ ‬13‮ ‬أغسطس‮ ‬2014‮) ‬لتؤكد أن اجتماعات الخرطوم ستشهد طرح رؤي وأفكار جديدة لأول مرة، ستغير مسار الخلاف بين مصر وإثيوبيا،‮ ‬ومن بينها مقترح بإنشاء سد أصغر ينتج الكمية نفسها من الكهرباء التي ينتجها السد الحالي، فضلا عن إقامة كيان اقتصادي قوي بمشاركة السودان، وجذب استثمارات للإقليم تدفعه إلي التنمية،‮ ‬والقضاء علي الفقر‮. ‬وأوضح الوزير أن مصر ستطرح عددا من الأمور المهمة علي الوفد الإثيوبي، أهمها درجة سلامة السد، وحجمه،‮ ‬وسعته التخزينية، فضلا عن ضرورة استكمال أعمال اللجنة الثلاثية الفنية لتقييم آثار السد‮. ‬وأشار إلي أن الرئيس عبدالفتاح السيسي اطلع علي التفاصيل النهائية بالملف، ووجه إلي ضرورة التوصل إلي حلول خلال الاجتماع،‮ ‬وفق جدول زمني محدد،‮ ‬مع مراعاة تطلعات الشعب الإثيوبي في التنمية‮.‬
 
وبعد أن عقد الاجتماع،‮ ‬تبخرت كل هذه الأفكار والرؤي الجديدة، حيث أسفر الإعلان عن التوصل إلي إقرار مصر،‮ ‬والسودان،‮ ‬وإثيوبيا خريطة طريق لتنفيذ توصيات اللجنة الدولية لتقييم سد النهضة الإثيوبي، يبدأ تنفيذها في الأسبوع الأول من سبتمبر المقبل، وتنتهي في مارس‮ ‬‭.‬2015
 
وطبقا لهذه الخريطة،‮ ‬فمن المقرر أن تنشأ لجنة ثلاثية تحمل اسم‮ "‬اللجنة الوطنية للدول الثلاث‮"‬، وتبدأ في العمل في سبتمبر‮ ‬2014،‮ ‬علي أن تنتهي من عملها خلال ستة أشهر،‮ ‬أي في مارس‮ ‬2015‮. ‬وتتكون هذه اللجنة من أربعة أعضاء من كل دولة،‮ ‬وتقوم بالإشراف علي‮  ‬الدراسات الفنية الخاصة بسد النهضة، التي حددتها توصيات اللجنة الدولية لتقييم سد النهضة مايو‮ ‬2013،‮ ‬وتم حصرها خلال اجتماعات الخرطوم في دراستين‮. ‬الدراسة الأولي هيدرولوجية عن تأثير سد النهضة في إيراد النهر لكل من السودان ومصر،‮ ‬وأثر السد علي توليد الكهرباء من السدود السودانية،‮ ‬ومن السد العالي‮. ‬أما الدراسة الأخيرة،‮ ‬فهي عن الآثار البيئية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬والاجتماعية لسد النهضة علي الدول الثلاث‮: ‬إثيوبيا،‮ ‬ومصر،‮ ‬والسودان‮. ‬وتم الاتفاق علي آليات حسم الخلافات التي قد تظهر بين الدول الثلاث، من خلال الاستعانة بخبراء دوليين،‮ ‬سيتم تسميتهم بالاتفاق بين الدول الثلاث‮.‬ كما نص البيان علي اختيار مكتب استشاري عالمي لإجراء الدراسات الفنية‮. ‬وفي البيان الختامي،‮ ‬لم ترد أي إشارة إلي أن هذه الدراسات ملزمة‮.‬
 
استمرار المراوغة الإثيوبية‮:‬
 
وبالرغم من هذه النتائج التي أفرغت إعلان مالابو من مضمونه، ولم تنظر إليه ككل متكامل، وصبت في تكريس الاتجاه الإثيوبي في حصر اللقاءات والاجتماعات في دراسات تستغرق الزمن،‮ ‬وتدور في حلقات مفرغة إلي أن يكتمل البناء،‮ ‬ويصبح أمرا واقعا، فقد صدرت تصريحات متواترة من الدكتور حسام مغازي في كل وسائل الإعلام المصرية، يبشر فيها المصريين بأنه قد تم حل أكثر من‮ ‬85 ٪‮ ‬من المشكلة،‮ ‬و"بأننا قد حصلنا علي أكثر مما توقعنا‮"‬،‮ ‬وأن هناك اتفاقا ملزما للدول الثلاث،‮ ‬وأن هذه النتائج الملزمة سوف تتصدر قبل اكتمال بناء المرحلة الأولي من سد النهضة بسعة تخزينية‮ ‬214‮ ‬مليار متر مكعب، وأن هذا المستوي من البناء لا يشكل ضررا لمصر، معبرا بذلك عن عدم الممانعة في الاستمرار في بناء السد،‮ ‬ومقدما التبريرات لمصلحة الموقف الإثيوبي‮.‬
 
وقد أثار ذلك التساؤلات عن الهدف من هذه التصريحات، وهل هي لمخاطبة الرأي العام المصري،‮ ‬وتهدئة حالة القلق، أم أنها تعبر عن عدم إلمام بالاستراتيجية التفاوضية الإثيوبية، مع سعي مفرط لإبراز حسن النية بشكل مفرط،‮ ‬لاسيما أنه لا يوجد أي موقف أو التزام إثيوبي يفسر جملة عدم الإضرار بمصر بأنها تعني عدم نقصان قطرة مياه واحدة من حصة مصر،‮ ‬كما ظل يردد السيد وزير الري‮.‬
 
كما ظهرت أسئلة أخري حول الاتفاق علي آلية لإجراء الدراستين، منها هل هذا يعني أن إثيوبيا سوف تقبل بتغيير تصميمات السد أو أبعاده، إذا ثبت أن هناك ضررا علي مصر،‮ ‬أم أن إثيوبيا سوف تقول إن هذا أمر طبيعي،‮ ‬في ظل مبدأ الاستخدام العادل الذي أكده الوزير الإثيوبي في اجتماعات الخرطوم؟،‮ ‬كما أنه ليس هناك اتفاق من الأصل بين مصر وإثيوبيا حول مفهوم‮ "‬الضرر‮"‬، حيث إن مصر تري أن أي نقصان في حصتها‮ (‬55‭.‬5‮ ‬مليار‮) ‬يمثل ضررا، في حين أن إثيوبيا تري أن هذا يمثل هيمنة لا يمكن السماح باستمرارها من جانب دولة واحدة،‮ ‬هي مصر،‮ ‬وأن معايير الاستخدام العادل تقول إن ما تحصل عليه مصر يجب أن يقل ويتراجع‮ (‬البعض يصل بها إلي‮ ‬40‮ ‬مليار متر مكعب‮).‬
 
وقد تبين،‮ ‬في وقت لاحق،‮ ‬أن نتائج هذه الدراسات‮ ‬غير ملزمة، حيث أعلن وزير المياه والطاقة الإثيوبي،‮ ‬اليماهو تيجنو،‮  ‬في أحد البرامج التليفزيونية المصرية، التي أجرت جوارا مع وزراء المياه والري لمصر،‮ ‬وإثيوبيا،‮ ‬والسودان‮ - ‬علي هامش اجتماعاتهم في القاهرة في منتصف أكتوبر‮ ‬2014‮ -‬ أن نتائج الدراسات التي يتم إجراؤها‮ ‬غير ملزمة، وإن كانت‮  ‬تحظي بالاحترام‮ ‬"Respected"،‮ ‬وأن هذه الدراسات لا تعني إيقاف البناء في السد،‮ ‬وإنما هي مهمة بعد ذلك لملء السد،‮ ‬وتشغيله في المستقبل‮.‬ وأضاف أن المبادئ الاساسية لإثيوبيا هي الاستخدام المنصف والعادل، وألا نسبب ضررا ملحوظا للدول أسفل مجري النهر‮. ‬وأيد وزير المياه السوداني وجهة نظر الوزير الإثيوبي،‮ ‬وشرحها بالقول إن رأي الاستشاري ليس ملزما،‮ ‬وليس حكما قضائيا دوليا نافذا، وإن الاحترام يعني أنه يحال إلي الدول بسيادتها القانونية،‮ ‬لكي تمارس الالتزام به‮.‬
 
ودون حاجة إلي تأمل أو كثير عناء، يمكن القول إن نتائج هذه الدراسات لن تشكل أي فارق مع إثيوبيا التي سوف تمضي طبقا لما تراه بشكل منفرد‮. ‬فإذا أثبتت الدراسات الضرر، فان الرد الإثيوبي جاهز ومعلن من الآن، وهو أن هذا الضرر‮ ‬غير ملحوظ أو‮ ‬غير مؤثر، وأنه يندرج في إطار مبدأ الاستخدام العادل والمنصف، وبالتالي سوف تستمر الخطة الإثيوبية كما هي بدون أدني تغيير‮.‬ بل إن البناء سيكون قد تم إنجازه، وإثيوبيا في أبهي صورة، حيث أوضحت للعالم أنها كانت شفافة،‮ ‬ولم تدخر جهدا،‮ ‬وتفاوضت في الخرطوم،‮ ‬والقاهرة،‮ ‬وأديس أبابا، وأن مصر تريد فقط الاستمرار في الهيمنة علي النيل، وأن هذا العهد قد ولي،‮ ‬كما تقول تصريحاتهم المختلفة‮.‬
 
ويضاف إلي ما سبق أن الاجتماعات الخاصة باستكمال الدراستين اللتين تم الاتفاق عليهما تعاني التعثر والخلافات حول التفاصيل، حيث مضت ثلاثة أشهر دون أن تتمكن اللجنة الوطنية المكلفة من اختيار المكتب الفني العالمي الذي سيقوم بإجراء الدراسات‮. ‬وهكذا،‮ ‬يدور الموقف المصري في الدائرة نفسها من جديد‮.‬
طباعة

    تعريف الكاتب

    هانيء رسلان

    هانيء رسلان

    مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية