من المجلة - مكتبة السياسة الدولية

أمريكا والثورة المصرية‮: ‬معضلة السياسة الأمريكية‮.. ‬وأزمة فهمنا لها

طباعة
أضيف إلي المكتبة العربية كتاب جديد يستحق القراءة، تحت عنوان‮ "‬أمريكا والثورة المصرية، من‮ ‬25‮ ‬يناير إلي ما بعد‮ ‬5‮ ‬يوليو‮ ..‬ شهادة من واشنطن‮" ‬للكاتب محمد المنشاوي، الذي يعد واحدا من ألمع الصحفيين الشباب، فهو صحفي جاد وموضوعي‮. ‬وعلي عكس الكثير من الصحفيين المصريين الذين يقيمون في واشنطن لسنوات،‮ ‬دون أن يتمكنوا من فهم تعقيدات العملية السياسية في أمريكا، فإن كتابات المنشاوي تكشف عن أنه مراقب جاد بذل جهدا حقيقيا حتي صار ملما بالمحاور الرئيسية للعمل السياسي في واشنطن‮.‬
 
أهمية الكتاب‮:‬
 
يستحق الكتاب القراءة، لأنه يمثل بالفعل‮ "‬شهادة‮" ‬كما قال عنوانه،‮ ‬فهو يحتوي علي الكثير من التفاصيل بخصوص وقائع حدثت في الفترة التي حددها لنفسه،‮ ‬وكان الكاتب شاهدا عليها، سواء كان فيها حاضرا لجلسات استماع في الكونجرس،‮ ‬أو لندوات مهمة عقدت في العاصمة الأمريكية، أو لمؤتمرات صحفية أدلي فيها مسئولون أمريكيون بتصريحات مهمة، أو حتي مطلعا علي صحف ومجلات أمريكية‮.‬
 
والكتاب يصل لمجموعة من النتائج التي تصبح مهمة حين تأتي من‮ "‬شاهد‮" ‬علي الأحداث،‮ ‬وهي النتائج نفسها التي توصلت لها أبحاث أكاديمية‮. ‬ورغم أن المنشاوي صحفي له أدوات تختلف بالضرورة عن أدوات البحث الأكاديمي، فإن وصوله للنتائج نفسها التي وصل إليها البحث الأكاديمي يعزز من مصداقية الاثنتين،‮ ‬ويضع عبئا علي من يرفض نتائجهما،‮ ‬ويكون عليه أن يقدم هو الدليل علي صحة مقولاته‮.‬
 
صدمة أمريكية من ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير‮:‬
 
تمر مصر اليوم بأزمة فكرية عصيبة لا أظن أنها مرت بمثلها علي الأقل في تاريخها المعاصر‮. ‬فقد صرنا إزاء انهيار واضح للعقل والمنطق الصحيح للأشياء، حتي بتنا نسمع مقولات لا يمكن للمنطق العقلي السليم قبولها،‮ ‬ولكن الناس صاروا يصدقونها من كثرة تكرارها‮.‬
 
من هذه المقولات مثلا إن ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير كانت مؤامرة أمريكية،‮ ‬وهو ما أثبت كتاب المنشاوي، مثلما أثبتت دراسات أكاديمية، أنها مقولة زائفة‮. ‬ويشرح المنشاوي بالتفصيل ما جري،‮ ‬خلال أيام الثورة الثمانية عشر،‮ ‬يوما بيوم ما جري علي الجانب الأمريكي، ومدي الارتباك الذي كانت فيه إدارة أوباما التي فوجئت تماما بالثورة‮. ‬فقال الكاتب‮ -‬ضمن ما قال‮- ‬إن واشنطن‮ "‬لم‮ ‬يكن لها تأثير يذكر طوال الثمانية عشر يوما‮". ‬وأضاف أن واشنطن طالبت نظام مبارك‮ "‬بكل شيء إلا ما طالب به جموع المصريين،‮ ‬وهو إسقاط النظام‮".‬
 
والحقيقة، فإن مقولة إن‮ "‬ثورة يناير مؤامرة أمريكية‮"‬ ليست منطقية علي الإطلاق‮. ‬فالذي يريد أن يتحدث عن دور للولايات المتحدة الأمريكية لابد أن يبني ذلك علي منطق ما‮. ‬فما مصلحة الولايات المتحدة في الإطاحة بحليف قوي كمبارك لم تكن لديها مشكلة معه فيما يتعلق برعاية مصالحها؟ ثم إن الولايات المتحدة، كما قالت هيلاري كلينتون في كتابها الجديد‮ "‬خيارات صعبة‮"‬، كانت منذ نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قلقة بشأن خلافة مبارك، وكانت تخشي أن يؤدي انهيار نظامه إلي وصول الإخوان المسلمين للسلطة في مصر،‮ ‬وكان الجدل الدائر في واشنطن يتعلق بمدي صلاحية جمال مبارك لحكم مصر‮.‬
 
وفضلا عن كل ذلك، فإن تاريخ الولايات المتحدة ليس تاريخ دولة تؤجج أو تؤيد ثورات شعبية علي الإطلاق،‮ ‬وإنما سجلها التاريخي يشهد بأنها تؤيد وأد تلك الثورات،‮ ‬وتنصيب نظم حكم ديكتاتورية‮. ‬فقد دعمت ديكتاتوريات شتي حول العالم،‮ ‬لأنها تخدم مصالحها،‮ ‬حتي لو كان ذلك علي حساب شعوبها،‮ ‬وهي تفضل التعامل مع الديكتاتوريات،‮ ‬لأنها تعلم جيدا أن الديمقراطية سوف تعني أن تطالب الشعوب بإرادة مستقلة،‮ ‬وبوقف التبعية للولايات المتحدة‮. ‬ثم إنه من الأسهل كثيرا التعامل مع شخص واحد في الديكتاتورية بدلا من مؤسسات عدة في الدول الديمقراطية‮. ‬وتاريخ الولايات المتحدة حافل بدعم وصول ديكتاتوريات للحكم،‮ ‬فهي التي دعمت الانقلاب علي حكومة محمد مصدق في إيران في1953،‮ ‬ووصول الشاه، وعلي حكومة الليندي في تشيلي‮ ‬1973،‮ ‬ووصول بينوشيه للحكم، ودعمت الانقلاب الفاشل علي هوجو تشافيز في‮ ‬2002،‮ ‬ثم دعمت الانقلاب علي زيلايا في هندوراس‮ ‬2009،‮ ‬وهي التي كانت وراء عملية الإطاحة بيانكوفيتش في أوكرانيا في‮ ‬2013،‮ ‬والتي لم تكن ثورة من الأساس‮.‬
 
أوهام‮ ‬غرام واشنطن بالإخوان‮:‬
 
وقد وصل المنشاوي في كتابه إلي نتيجة أخري بشأن مقولة ثانية سماها المنشاوي‮ "‬أوهام‮ ‬غرام واشنطن بالإخوان‮". ‬وقد نجح،‮ ‬من خلال تفاصيل مختلفة في ثنايا الكتاب،‮ ‬في أن يثبت فساد تلك المقولة، عبر توثيق طبيعة علاقة واشنطن، سواء الكونجرس أو المؤسسة التنفيذية، بالإخوان المسلمين حين كانوا في السلطة‮. ‬وخرج من ذلك بنتيجة مؤداها أن تلك كانت علاقة مماثلة لعلاقة واشنطن بمبارك،‮ ‬أو بعلاقتها من بعده بالمجلس العسكري بلا فارق كبير بين الحالات الثلاث، أي هي علاقة عملية بمن هو في السلطة في مصر،‮ ‬أيا من كان‮.‬
 
غير أن هناك جانبا مهما فيما يتعلق بالداخل الأمريكي نفسه،‮ ‬أظن أن إلقاء الضوء عليه كان بإمكانه أن يفند الكثير من ذلك‮ "‬الوهم‮" ‬الموجود لدي البعض في مصر بشأن علاقة أمريكا بالإخوان‮. ‬فالكثيرون في مصر ينقلون عن صحف ورموز أمريكية معروفة تقول بوضوح إن هناك علاقة مباشرة بين إدارة أوباما والإخوان‮. ‬وهناك أعضاء في الكونجرس يتهمون أوباما،‮ ‬بل ووزارة الخارجية الأمريكية،‮ ‬بأنها مخترقة تماما من جانب الإخوان المسلمين‮. ‬لكن هؤلاء المصريين الذين ينقلون عن هؤلاء لا يفهمون أمريكا للأسف، وينقلون نقلا حرفيا عن صحف أو أشخاص،‮ ‬دون أن يعرفوا من هم،‮ ‬ولا لماذا يقولون ما يقولون،‮ ‬وهم بذلك يخدمون للأسف ألد أعداء هذا الوطن من صهاينة،‮ ‬وعنصريين،‮ ‬ومعادين للعرب والمسلمين‮.‬
 
اليمن الأمريكي والعداء للإسلام‮:‬
 
فليس سرا أن الولايات المتحدة الأمريكية مجتمع فيه‮  -‬مثله مثل‮ ‬غيره‮- ‬متشددون ومتطرفون وعنصريون‮. ‬والحقيقة أننا في مقولة‮ "‬أمريكا تدعم الإخوان‮" ‬لا ننقل فقط عن الأكثر تطرفا في أمريكا،‮ ‬وإنما ننقل عن ألد أعدائنا،‮ ‬ونخدم مصالحهم،‮ ‬ونحقق أهدافهم‮. ‬ولا يمكن فهم ذلك إلا بفهم الصراع السياسي الدائر داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها اليوم،‮ ‬خصوصا منذ تولي أوباما الرئاسة،‮ ‬والتحول الحادث داخل حزب خصومه الجمهوريين‮. ‬فالحزب الجمهوري صار أكثر تطرفا من أي وقت مضي‮. ‬وتلك ليست مقولة من عندي،‮ ‬وإنما هي مسألة أجمع عليها أساتذة العلوم السياسية الأمريكيون المتخصصون،‮ ‬والمراقبون الأمريكيون الجادون،‮ ‬بمن فيهم بعض المحافظين‮.‬
 
فلا شك في أن الحزب الجمهوري‮ (‬حزب اليمين‮) ‬يزداد اندفاعا مزيدا نحو اليمين منذ تسعينيات القرن العشرين،‮ ‬وهو الأمر الذي كان يزداد بشكل مطرد،‮ ‬حتي إن التيار الوسطي في الحزب صار يطلق عليه اسم‮ "‬الكائنات المنقرضة‮". ‬فقد فاز بوب دول بترشيح الحزب لمنصب الرئاسة في‮ ‬1996،‮ ‬بعد معركة مريرة،‮ ‬لأنه كان أكثر اعتدالا من قواعد الحزب‮. ‬وقد انتعش الحزب في سنوات حكم جورج دبليو بوش الأولي بسبب سياسات بوش المتطرفة،‮ ‬سواء الخارجية أو الداخلية،‮ ‬التي لاقت استحسانا لدي قاعدة الحزب من اليمين الديني،‮ ‬وباقي قوي الحزب المتطرفة،‮ ‬لكن بوش‮ ‬غادر منصبه،‮ ‬بينما الحزب محطم‮. ‬فبعد سلسلة من الفضائح الأخلاقية المتتالية لرموزه، فقد تيار اليمين الديني نفوذه القوي،‮ ‬وتراجعت قدراته علي حسم الانتخابات،‮ ‬وصار الحزب محملا بإرث بوش الابن الثقيل،‮ ‬فقد ترك البلاد في أحوال اقتصادية بالغة السوء،‮ ‬بعد أن تسلمها من‮ "‬بيل كلينتون‮" ‬تحمل فائضا في الميزانية، وتركها متورطة في حربين في الخارج لم تكن قد حسمت أيا منهما‮. ‬وانتهي الحزب عام‮ ‬2008‮ ‬إلي مقاعد الأقلية في الكونجرس بمجلسيه‮ (‬النواب والشيوخ‮)‬،‮ ‬وخسر منصب الرئاسة بفوز أوباما‮.‬
 
وقد أسعد الانحسار في نفوذ التيار الديني داخل الحزب الجمهوري،‮ ‬لأول مرة منذ أربعة عقود بسبب الفضائح المتكررة لذلك التيار في نهاية عهد بوش، كثيرا تيار اليمين الاقتصادي في الحزب الذي لم يكن يختلف مع تيار اليمين الديني في الكثير من القضايا الاجتماعية مثل الإجهاض،‮ ‬أو الصلوات في المدارس،‮ ‬وإنما كان حانقا علي اليمين الديني الذي كان يبتزه حين كان هو القادر علي تحقيق الفوز للحزب‮. ‬وبفوز أوباما،‮ ‬قرر الجمهوريون في الكونجرس رفض التعاون مع الرئيس بالمطلق،‮ ‬ورفض كل الحلول الوسط معه بهدف إفشاله من أجل العودة لمقاعد الأغلبية‮. ‬وفي الوقت ذاته،‮ ‬كان أحد أجنحة تيار اليمين الاقتصادي له طابع شعبوي،‮ ‬وظل لعقود يرفع شعار‮ "‬حفل الشاي‮(❊)" ‬علي مستوي الولايات في وجه الحكومة الفيدرالية،‮ ‬رافضا فرض الضرائب عموما،‮ ‬وعلي الشركات الكبري خصوصا‮. ‬وقد خرجت هذه المرة حركة‮ "‬حفل الشاي‮" ‬كحركة عامة في فبراير‮ ‬2009،‮ ‬أي بعد تولي أوباما الرئاسة بشهر واحد،‮ ‬ودون أن يكون قد فعل شيئا في الواقع للاعتراض عليه‮. ‬وقد تزامن ذلك مع بداية هيمنة مجموعة من الممولين والنشطاء الأكثر تطرفا علي الحزب عموما،‮ ‬والذين راحوا يعلنون صراحة أنهم‮ "‬يطهرون‮" ‬الحزب من التيار المعتدل فيه‮. ‬وقد همشوا بالفعل الكثيرين ممن كانوا من أصحاب النفوذ الأقوياء مثل جروفر نوركويست، لأنه يدعم الأقليات،‮ ‬خاصة المسلمين، وهزموا في الانتخابات إريك كانتور،‮ ‬زعيم الأغلبية في مجلس النواب لأنه جرؤ وقِبل التفاوض مع أوباما‮. ‬وأصبح ضمن قوي الحزب رموز معروفة بعدائها السافر للإسلام والمسلمين مع‮ ‬غيرهم من الأقليات‮. ‬وقد نجح أولئك المتطرفون في أن يكون لهم أعضاء في الكونجرس،‮ ‬ولكن الحزب الذي صار طاردا للمرأة والأقليات لم يعد قادرا علي المنافسة في الخمسين ولاية معا،‮ ‬فخسر الرئاسة العامة مرتين متتاليتين‮.‬
 
وبانتخاب أوباما رئيسا، أذكت تيارات علي الهامش معركتها الأساسية مع أوباما شخصيا، ووجدت لنفسها مساحة لدي الإعلام المحافظ من فوكس نيوز،‮ ‬للراديو،‮ ‬والإنترنت‮. ‬ومعركة هؤلاء كانت إما عنصرية عند بعض البيض، الذين لم يقبلوا أبدا برئيس أسود،‮ ‬وإما معركة قطاع لم يرض أبدا برئيس كان للإسلام وجود في خلفيته‮. ‬وقد شن هذان القطاعان حملة شرسة ضد أوباما مليئة بالأكاذيب والأساطير،‮ ‬بدءا من أنه ليس أمريكيا،‮ ‬وأنه مسلم،‮ ‬وشيوعي،‮ ‬واشتراكي،‮ ‬ونازي،‮ ‬وصولا لأنه سيتحول لديكتاتور،‮ ‬وسيعلن الخلافة الإسلامية في أمريكا‮. ‬وقد تلاقت أفكار الفريقين مع أجندة المنظمات الأكثر تنظيما في عدائها للإسلام والمسلمين، وبعضها له علاقات صهيونية وثيقة،‮ ‬وبعضها الآخر عنصري لا علاقة له بعالمينا العربي والإسلامي،‮ ‬وإنما معركته مع المسلمين في أمريكا‮. ‬والعداء هنا موجه لكل المنظمات الإسلامية،‮ ‬وهم يطلقون عليها لفظ الإخوان المسلمين بشكل فضفاض،‮ ‬سواء كانت لها علاقة بالإخوان فعلا،‮ ‬أم لا، حتي بعد أن أثبت القضاء الأمريكي أن الكثير منها لا علاقة له بالإخوان،‮ ‬ولا حماس بالمناسبة‮. ‬وفي هذا الإطار،‮ ‬اتهمت إدارة أوباما بأنها مخترقة من الإخوان، وتحددت أسماء بعينها في الخارجية،‮ ‬كان منها هوما عابدين‮.‬
 
فقد أرسلت ميشيل باكمان،‮ ‬عضو مجلس النواب عن الحزب الجمهوري خطابا إلي جهات تحقيق وجهات أمنية، ووقعته مع أربعة نواب جمهوريين آخرين، تطلب فيه التحقيق فيما إذا‮ "‬كانت سياسات وزارة الخارجية وأنشطتها قد تأثرت بدور بعض الأفراد والمؤسسات ذات العلاقة بالإخوان المسلمين أم لا‮"‬، وذكر الخطاب بالاسم‮ "‬هوما عابدين‮"‬،‮ ‬مساعدة هيلاري كلينتون المسلمة، زاعما أن‮ "‬أباها،‮ ‬ووالدتها،‮ ‬وأخاها لهم ارتباط برموز من جماعة الإخوان المسلمين،‮ ‬أو منظمات تابعة لها‮". ‬ولم تذكر الاتهامات طبعا أن عابدين متزوجة من عضو الكونجرس‮ ‬السابق،‮ ‬أنتوني وينر، اليهودي، المناصر بقوة لإسرائيل‮.‬
 
لكن خطاب باكمان وزملائها لاقي إدانة واسعة من الديمقراطيين،‮ ‬بل ومن رموز جمهورية نافذة،‮ ‬منها جون ماكين،‮ ‬المرشح السابق للرئاسة، والسيناتور ليندزي جرام،‮ ‬صاحب الباع الطويل في قضايا الدفاع والأمن القومي، والسيناتور مارك روبيو،‮ ‬أحد المرشحين المحتملين للرئاسة في‮ ‬‭.‬2016
 
وقد اعتمد خطاب أعضاء الكونجرس علي تقرير أعده‮ "‬مركز السياسة الأمنية‮" ‬بعنوان‮ "‬الإخوان المسلمون في أمريكا‮"‬،‮ ‬والمركز يديره فرانك جافني، الذي يعمل مستشارا لنائبة الكونجرس،‮ ‬ميشيل باكمان‮. ‬وجافني هذا صهيوني،‮ ‬وعنصري متعصب،‮ ‬معروف بعدائه للعرب والمسلمين بشهادة رموز اليمين الأمريكي نفسه‮. ‬فقد تم مثلا منع جافني من حضور مؤتمرات إحدي أهم منظمات اليمين الأمريكي،‮ ‬لأنه اتهم المنظمة بأنها واجهة للإخوان المسلمين، لمجرد أن أحد زعمائها مسلم،‮ ‬والآخر متزوج من فلسطينية،‮ ‬وكان أحد مؤسسي مركز معروف بكونه إحدي قلاع المحافظين الجدد،‮ ‬يسمي‮ "‬المعهد اليهودي لشئون الأمن القومي‮"‬،‮ ‬ثم أنشأ لاحقا مركز‮ "‬السياسة الأمنية‮" ‬الذي صدر عنه التقرير المتطرف المذكور سابقا‮. ‬وقد أصدر منذ عامين تقريرا يسمي‮ "‬الشريعة‮: ‬تهديد لأمريكا‮"‬، رأي أن الشريعة العدو الأول لأمريكا، واتهم كل المنظمات الإسلامية في أمريكا بأنها مجرد طابور خامس،‮ ‬وواجهة للإخوان، كما اتهم الأمريكيين المسلمين الملتزمين بالشريعة بأنهم يسعون لفرضها علي أمريكا‮.‬
 
وصناعة العداء للعرب والمسلمين صارت شبكة متكاملة لها ممولوها،‮ ‬و"خبراؤها وإعلامها‮". ‬ومن هؤلاء‮ "‬الخبراء‮"‬،‮ ‬إلي جانب جافني، هناك دانيال بايبس، عدو الحقوق الفلسطينية، الذي يشجع طلاب الجامعات علي كتابة التقارير ضد أساتذتهم‮ "‬المنتقدين لإسرائيل‮"‬،‮ "‬والمناصرين للإرهاب‮"‬، وستيفن أمرسون الذي يري الإسلام في جوهره دينا عدوانيا، وأية محاولة أمريكية رسمية لرأب الصدع مع العالمين العربي والإسلامي تحالفا مع الراديكالية والعنف‮. ‬وتروج هذه الشبكة لأكاذيب عدة،‮ ‬منها أن منظمات المسلمين الأمريكيين مجرد واجهة لجماعة الإخوان التي تلتزم بالشريعة، التي هي‮ "‬التهديد الوجودي الأول لأمريكا‮". ‬بل إن كل منظمة خارج أمريكا تحترم الشريعة تعد‮ "‬مؤيدة للإخوان المسلمين ومصالحهم‮". ‬فخطاب ميشيل باكمان إلي الكونجرس ضد هوما عابدين وآخرين وصف منظمة التعاون الإسلامي‮ (‬المؤتمر الإسلامي سابقا‮) ‬بأنها‮ "‬مثلها مثل الإخوان المسلمين عازمة علي فرض الشريعة علي العالم‮".‬
 
ترتبط ميشيل باكمان، عضو مجلس النواب، بعلاقات وثيقة بالدوائر المعادية للإسلام والمسلمين‮. ‬وهذا التوصيف ليس من عندي،‮ ‬وإنما استخدمته في‮ ‬2012‮ ‬أكثر من‮ ‬42‮ ‬منظمة حقوقية،‮ ‬واجتماعية،‮ ‬ودينية،‮ ‬فضلا عن عدد من الكنائس، في خطاب الإدانة الذي وقعته احتجاجا علي طلب قدمه النائبان‮ (‬ميشيل باكمان،‮ ‬ولوي جومرت‮) ‬لمؤسسات الدولة،‮ ‬يدعو لفتح تحقيقات موسعة مع عدد من المسلمين والمنظمات الإسلامية بأمريكا بزعم ارتباطهم بالإخوان المسلمين،‮ ‬وسعيهم لاختراق المؤسسة التنفيذية والكونجرس‮. ‬ولم تكن الإدانة التي وجهتها تلك المنظمات للنائبين هي وحدها التي تصدت لهما، فقد أصدر‮ ‬87‮ ‬نائبا بمجلس النواب بيان إدانة تمت قراءته بجلسة المجلس،‮ ‬وضمه للمضبطة‮. ‬وتصدت قيادات الحزب الجمهوري لما وصفته‮ "‬بالمكارثية الجديدة‮" ‬التي مارسها بعض نواب حزبهم‮. ‬وباكمان تصل في ممارستها للإسلاموفوبيا إلي حدود تدعو لضحك كالبكا، فقد دعت ذات مرة لوقف تقديم الفلافل للأطفال في المدارس،‮ ‬لأن أكل الفلافل من شأنه التعرف علي الثقافة،‮ ‬وتلك بمنزلة‮ "‬الخطوة الأولي‮" ‬نحو الإرهاب‮. ‬وقد زارت ميشيل باكمان مصر مرتين خلال عامي‮ ‬2013‮ ‬و2014،‮ ‬وأعلن في أمريكا عن مجموعة اسمها‮ "‬أصدقاء مصر في واشنطن‮"‬،‮ ‬كانت هي أحدهم، وهي الآن تتبني وعدد من الأعضاء الجمهوريين المتطرفين مشروع قرار بإعلان الإخوان المسلمين جماعة إرهابية‮.‬
 
لكن لأننا أمة لا تقرأ، فإننا نتصفح الإنترنت، فنجد من يقول ما يؤكد ما نريد أن نصدقه، فنكرر ما يقول، دون أن نعرف من هو،‮ ‬ولا ما هي أجندته،‮ ‬ولا لمصلحة من يعمل‮.‬
 
بيانات الكتاب‮:‬
 
محمد المنشاوي،‮"‬أمريكا والثورة المصرية، من‮ ‬25‮ ‬يناير إلي ما بعد‮ ‬3‮ ‬يوليو‮ ..‬ ‮ ‬شهادة من واشنطن‮"‬،‮ ‬القاهرة‮: ‬دار الشروق،‮ ‬2014
 
‮(❊) ‬حفل الشاي فكرة قديمة قدم التجربة الأمريكية ذاتها،‮ ‬وتعود للوجود البريطاني‮. ‬فتقول القصة الأمريكية إن بريطانيا فرضت ضريبة علي الشاي في المستعمرات الأمريكية،‮ ‬بينما لم تكن هذه المستعمرات ممثلة في البرلمان البريطاني،‮ ‬فانتفضت المستعمرات تحت شعار‮ "‬لا ضرائب دون تمثيل سياسي‮"‬،‮ ‬وألقوا بالشاي من علي السفن التي أتت به في البحر في ميناء بوسطن،‮ ‬فيما عرف‮ "‬بحفل الشاي‮" ‬الذي كان بداية الثورة الأمريكية علي بريطانيا‮.‬
 
تعليق المؤلف‮:‬
 
بداية،‮ ‬أتفق مع ما خلصت إليه الدكتورة منار الشوربجي في تعليقها علي الكتاب من‮ ‬غياب الفهم لدي كثير من الكتاب والباحثين المصريين‮ -‬الذين يكتبون عن الولايات المتحدة وسياساتها تجاه قضايا المنطقة، وفي مقدمتها الموقف الأمريكي من التطورات المصرية منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير إلي يومنا هذا‮- ‬لديناميكيات عملية صنع القرار الأمريكي، وتفاصيل الحياة السياسية الأمريكية، والاكتفاء بالتعامل مع نهايات عملية صنع القرار فقط‮. ‬ويرتبط ذلك تحديدا بعدم وجود جيل شاب من الباحثين المتخصصين والمتفرغين للدراسة،‮ ‬وبحث الشأن الأمريكي الداخلي والخارجي‮.‬
 
وفي الوقت الذي تدرك فيه الولايات المتحدة أنها تواجه مستقبلا مختلفا في علاقاتها بمصر، ُتثار تساؤلات عدة حول ضرورة بحث النظام المصري الجديد عن طريقة جديدة لإدارة علاقاته بالولايات المتحدة، خاصة مع ارتباك كبير داخل الدوائر الرسمية المصرية فيما يتعلق بكيفية إدارة العلاقات مع الخارج،‮ ‬وبالتحديد مع الإدارة الأمريكية‮. ‬ولا يبشر استمرار القيادة المصرية الجديدة في الاعتماد علي أدوات التعامل التقليدية نفسها مع الجانب الأمريكي بأي جديد في تفهمهم لجديد العلاقات المصرية‮ - ‬الأمريكية‮.‬
 
ويمثل استمرار‮ ‬غياب وجود مراكز دراسات متخصصة في الشئون الأمريكية بمصر ظاهرة‮ ‬غامضة لا يمكن فهمها، كون ذلك يمثل فجوة خطيرة لا تصب في خدمة المصالح المصرية المباشرة‮. ‬فيعد‮ ‬غياب وجود نخبة شابة من الباحثين المصريين، تنحصر مهمتهم الأساسية في التخصص فقط في الشئون الأمريكية، فراغا استراتيجيا خطيرا تدفع مصر ثمنه كل يوم، في حين تزخر الأوساط الأكاديمية والبحثية الأمريكية بمن يطلق عليهم خبراء وباحثون في الشئون العربية، يتمتعون بنفوذ كبير في تشكيل السياسات الأمريكية،‮ ‬بما يدرسونه ويقدمونه في صورة تقارير أو بدائل لسياسات تتعلق بالتعامل مع قضايا المنطقة لصانعي القرار الأمريكي، كما أنهم يسهمون في تشكيل فهم الشعب الأمريكي لقضايا المنطقة،‮ ‬وفي القلب منها المصرية،‮ ‬من خلال ظهورهم المتكرر في وسائل الإعلام الأمريكية‮.‬
 
لذا،‮ ‬أنصح بضرورة أن تكون هناك مراكز أبحاث وتفكير مصرية متخصصة،‮ ‬تضم عشرات الباحثين والمتخصصين في الشئون الأمريكية من المتفرغين، يمكن تجميعهم من جهات عديدة من الجامعات والمعاهد العربية،‮ ‬أو من بين آلاف العرب ممن تلقوا تعليمهم في الخارج والولايات المتحدة‮. ‬ويتفرغ‮ ‬هؤلاء الباحثون،‮ ‬بعد أن يتم تقسيمهم،‮ ‬للتخصص في عدد معين من الولايات الأمريكية الخمسين، ودراسة موضوعات أمريكية محددة،‮ ‬مثل‮: ‬الأديان، والسينما، والأقليات، والإعلام، والتكنولوجيا، والكونجرس‮ ... ‬إلخ‮.‬
 
وينتظم هؤلاء الباحثون في عملهم البحثي بصفة يومية مستقرة ودائمة، ويحتكون بالولايات التي سيتخصصون فيها‮ (‬نعم يجب أن يكون هناك متخصصون في ولاية كاليفورنيا،‮ ‬أو ولاية أوكلاهوما‮!)‬، ويتواصلون مع جامعاتها، ويتعرفون علي وسائل الإعلام بها، وبأهم شركاتها،‮ ‬ومؤسساتها،‮ ‬وسياسييها‮. ‬وتتيح مراكز الدراسات الأمريكية المقترحة لباحثيها فرص السفر والمشاركة في برامج دراسات في جامعات تلك الولايات،‮ ‬ومراكزها البحثية‮.‬
 
هناك فرضية يؤمن بها كثير من السياسيين والكتاب،‮ ‬بل نفر ليس بالقليل من المصريين،‮ ‬بأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت وراء ثورة يناير،‮ ‬وهي المخططة لها، وأن لها دورا في اختيار من يحكم مصر، ولكنها فرضية خاطئة‮.‬ فالولايات المتحدة لم تساعد أو تشارك في ترجيح كفة فريق،‮ ‬أو مرشح محدد، والحقيقة هي أنها لا تستطيع ذلك،‮ ‬إن أرادت‮. ‬إلا أنه يجب ألا يفهم من ذلك انعدام التأثير الأمريكي في الأحداث داخل مصر منذ‮ ‬12‮ ‬فبراير‮ ‬2011،‮ ‬وحتي يومنا هذا‮. ‬نعم كانت،‮ ‬ولا تزال،‮ ‬العملية السياسية المصرية نتاجا لتوازنات،‮ ‬وتحالفات،‮ ‬ومفاوضات،‮ ‬ومنافسات بين القوي السياسية المصرية، وليس لواشنطن دخل بها‮. ‬إلا أن حالة ضعف الدولة في مصر بصفة عامة، إضافة لانخفاض درجة ثقة القوي السياسية المصرية بذاتها، جعلا للعامل الخارجي،‮ ‬والأمريكي علي وجه الخصوص،‮ ‬تأثيرا محدودا في سير بعض الأحداث،‮ ‬وليس في نتائجها.إلا أن تأثير هذا العامل، وإن كان محدودا، لم يكن ممكنا لولا توافر شرط عدم فهم القوي السياسية المصرية لطبيعة،‮ ‬وتعقيدات،‮ ‬وديناميكيات صنع القرار الأمريكي، فضلا عن مبالغتها الواسعة في القدرات الأمريكية‮.‬
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منار الشوربجي

    د. منار الشوربجي

    أستاذ مساعد العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة