تقارير - تقارير

ما الذي تريده واشنطن من القمة الأمريكية - الإفريقية؟

طباعة

جاء عقد قمة أمريكية- أفريقية في الرابع من أغسطس الجاري، بمشاركة 50 دولة إفريقية، تحت عنوان "الاستثمار في الجيل القادم"، ليشير إلى القلق الأمريكي من تغلغل القوى الكبرى داخل القارة السمراء، خاصة الصين من جهة، ومن جهة أخرى تطوير السياسة الأمريكية التي تعاني إشكاليات عدة في إفريقيا.

وعلى الرغم من تركيز المسئولين الأمريكيين، وفي مقدمتهم مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشئون الإفريقية ليندا جرينفيلد، على أن القمة – التي تعد الأولى من نوعها- تهدف إلى تطوير القارة وبناء قدرات دولها، ودمجها في الاقتصاد العالمي والنظام الأمني الدولي، فإن هذه الكلمات لم تخف الحرص الأمريكي على استخدام هذه القمة في تحقيق جملة من المصالح الاقتصادية للسيطرة على موارد القارة الهائلة، ومواجهة نمو النفوذ الصيني، حيث تشهد العلاقات بين الدولتين تنافسا محموما على استغلال موارد وإمكانات القارة الإفريقية.

فالصين تمثل الشريك التجاري والمستثمر الأول في إفريقيا، إذ تشير الإحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري بين الصين وقارة إفريقيا حقق قفزات كبرى ليصل إلى مستوى 200 مليار دولار في عام2013، ليتجاوز بذلك حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والقارة بنحو الضعف.كما يشهد عدد من الدول الإفريقية نموا متسارعا لاقتصاداتها، حيث تشير الإحصاءات إلى أن ست دول إفريقية على الأقل تحقق أسرع نمو في العالم، في ظل زيادة استقرار الاقتصاد الكلي، وتحول الاهتمام العالمي نحو الاستثمار في القارة، نتيجة للأزمة المالية والركود في الاقتصادات الغربية.

فرص واعدة

وتطرح القارة الإفريقية فرصا واعدة للاستثمار، خاصة في مجال الطاقة والموارد الطبيعية، حيث تعتمد الولايات المتحدة على القارة في تأمين 17 % من احتياجاتها البترولية. ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 25 % خلال عام 2015، وفي هذا السياق، سعت واشنطن خلال القمة إلى تأكيد أهمية تطوير الشراكة التجارية مع إفريقيا.

وخلال القمة التي استمرت ثلاثة أيام، تناول المشاركون عددا من القضايا حول الاستثمار، والتنمية، والأمن، والزراعة، والكهرباء في إفريقيا، وكذلك قضايا الحكم الرشيد، والحريات. وفي ختام القمة، عقد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مؤتمرا صحفيا، أكد خلاله نجاح القمة في تحقيق تقدم في توسيع نطاق التجارة والاستثمارات في إفريقيا، حيث إنه تم الإعلان عن استثمارات أمريكية بلغت قيمتها 33 مليار دولار تهدف إلى تعزيز التنمية في إفريقيا.

أضف إلى ذلك أربعة مليارات دولار أخرى خصصتها المنظمات غير الحكومية الأمريكية لتعزيز صحة المرأة، والطفل، ومكافحة الإيدز، وتوفير الأمصال والأدوية في إفريقيا ليبلغ مجموع الاستثمارات التي تم رصدها لإفريقيا نحو 37 مليار دولار، هذا فضلا عن  مشروعات الطاقة المزمع عقدها في القارة الإفريقية، والتي ستوفر الكهرباء لنحو 60 مليون منزل ومشروع في إفريقيا. وسيتم طرح مبادرة للأمن الغذائي تسعى إلى انتشال 15 مليون شخص في إفريقيا من الفقر.

وشهدت القمة انطلاق مبادرة أخرى جديدة للتعاون الأمني لمساعدة عدد من الدول الإفريقية في بناء قوات أمنية قوية ومحترفة لتعزيز أمن تلك الدول، وهي كينيا، والنيجر، ومالي، ونيجيريا، وغانا، وتونس، إضافة إلى وضع استثمارات جديدة في مجال حفظ السلام، من خلال تزويد قوات حفظ السلام في الصومال بمعدات جديدة، وتوسيع نطاق مبادرة "شراكة الرد السريع" التي تشمل الآن غانا، والسنغال، وإثيوبيا، ورواندا، وأوغندا، وتنزانيا، ودعوة دول أخرى غير إفريقية للانضمام إلى تلك المبادرة.

دلالات القمة

تشير أعمال القمة الأمريكية- الإفريقية إلى الأهمية البالغة التي أصبحت تتمتع بها القارة الإفريقية على مستوى العالم، خاصة ما يتعلق بالنواحي الاقتصادية والاستثمارات. فالقوى الدولية المختلفة تتنافس على الحصول على موطئ قدم داخل القارة، والوصول إلى مواردها، خاصة في ظل التسهيلات التي تقدمها الدول الإفريقية للشركات الأجنبية، وفي ظل انشغال عدد ليس بالقليل من دول القارة بمواجهة الصراعات والاضطرابات الأمنية، وانتشار الأوبئة والأمراض.

يأتي الحرص الأمريكي على زيادة معدلات استثمار الشركات الأمريكية في إفريقيا في هذا الإطار للحيلولة دون استئثار قوى دولية بعينها بالاستثمار والنفوذ في القارة السمراء، خاصة الصين.فقد شهدت العلاقات الأمريكية- الإفريقية منذ انتهاء الحرب الباردة تحولات عدة، فقد انتابتها فترات من التهميش الأمريكي لقضايا القارة، وفترات أخرى من الاهتمام بإدماج القارة في إطار الحرب الأمريكية على الإرهاب، ومحاولات إقامة قواعد عسكرية، واستغلال أراضى القارة في مواجهة الجماعات الإرهابية المهددة للمصالح الأمريكية.

وخلال السنوات الأخيرة، بدأت الولايات المتحدة تعتمد في تحقيق أهدافها في إفريقيا على الوسائل غير المباشرة للتدخل، والتعاون مع بعض القوى الدولية الأخرى لتحقيق هذه الاستراتيجية مثل فرنسا، وهو ما بدا في أزمات شمال مالي في غرب إفريقيا.

ومع زيادة إنتاج النفط الإفريقي، حرصت الولايات المتحدة على الدفع بشركاتها للاستثمار في التنقيب واستخراج النفط في القارة، خاصة في ظل المميزات التي يتمتع بها النفط الإفريقي دون غيره. إلا أن تصاعد التهديدات، خاصة من قبل الجماعات الإرهابية في المناطق التي  تضم الأهداف والمصالح الأمريكية، وتحديدا في غرب إفريقيا، قد زاد من تحفيز الولايات المتحدة للبحث عن وسائل جديدة للترابط مع الدول الإفريقية، وتنمية العلاقات معها، وتسهيل دور الشركات الأمريكية التي يتركز معظم نشاطها على مجالات الطاقة والمعادن.

وعلى الجانب الآخر، يبدو أن الدول الإفريقية حاولت هي الأخرى استثمار التقارب الأمريكي في تحقيق بعض الأهداف. فعلى سبيل المثال، حرص ممثلو الدول الإفريقية المشاركون في القمة على تأكيد أهمية تجديد الاتفاقية  المعروفة باسم النمو الإفريقي والفرص " أجوا "، والذي سينتهي العمل بها في عام 2015، حيث أسهمت هذه الاتفاقية منذ إنشائها عام 2000 في ارتفاع واردات الولايات المتحدة من إفريقيا، إذ زاد حجم التبادل التجاري بين الدول الموقعة على الاتفاقية وواشنطن من 6,7 مليار دولار إلى 24 مليار دولار.

وفي عام 2013، استوردت الولايات المتحدة سلعا قيمتها 3,39 مليار من إفريقيا لتمثل 7,1% من إجمالي الواردات الأمريكية، كما بلغت قيمة الصادرات إلى إفريقيا  24 مليار دولار لتمثل 5,1% من إجمالي الصادرات الأمريكية.إلا أن الولايات المتحدة في سعيها لجذب الدول الإفريقية للاهتمام بتوفير بيئة سياسية وأمنية مناسبة للاستثمارات الأمريكية، يبقى التساؤل الذي يطرح نفسه: هل ستسمح السياسات الأمريكية بإقامة شراكة حقيقية مع الدول الإفريقية، تستفيد من خلالها شعوب هذه الدول من الاستثمارات الأمريكية، دون أن يتم الإضرار بمصالحها في سبيل تحقيق الأهداف الأمريكية؟، وهل الفساد المنتشر في الكثير من دول القارة، والذي تناولته القمة، بحسبانه "آفة" لابد من القضاء عليها، لم تستفد منه الشركات الأمريكية في السابق لتيسير أعمالها داخل دول القارة؟.

حتى مبادئ التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة استخدمتها الولايات المتحدة على نحو غير متساو في بعض القضايا، ووفقا لما تمليه عليها مصالحها، فكثيرا ما دعمت الإدارات الأمريكية المختلفة أنظمة ديكتاتورية في إفريقيا . ويبدو إن إدارة أوباما لا تبتعد كثيرا عن غيرها من الإدارات الأمريكية في إعلاء المصالح على حساب المبادئ، واستخدام شعارات التحول الديمقراطي، والحكم الرشيد مع بعض الأنظمة دون غيرها. ويبقى الأمل معقودا على الدول الإفريقية ذاتها، وما تستوعبه من الهجمة الخارجية الكبيرة على مواردها، والتي قد لا تراعى مصالح وأهداف الدول الإفريقية نفسها، بل قد تتسبب في الإضرار بالبيئة، أو بالسكان، أو تهدد الاستقرار في هذه الدول. فالدفع بالتنمية الاقتصادية لابد أن يأتي من داخل الدول الإفريقية، حيث تعي هذه الدول إمكاناتها، وحاجاتها، كما تعرف جيدا موقعها من الاستثمارات الدولية، وأهمية مواردها في الإطار العالمي.
 

طباعة

تعريف الكاتب

د. أميرة محمد عبد الحليم

د. أميرة محمد عبد الحليم

باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية