تقارير

علم العلاقات الدولية فى القرن الحادى والعشرين..رؤى مصرية-روسية

طباعة

عند الحديث عن علم العلاقات الدولية فى القرن الحادى والعشرين قد يتبادر إلى الذهن العديد من التساؤلات حول مراحل تطور هذا الحقل من العلوم السياسية وتشابكاته، فضلًا عن أبرز النظريات المفسرة له، وهو تساؤل منطقى للغاية،  إلا أن التساؤل الأهم الذى قد يطرأ على أذهان الدارسين للعلوم السياسية بصورة عامة والعلاقات الدولية بصورة خاصة هو إلى أى مدى لعب المفكرون من دول العالم المختلفة خارج الغرب دورًا فى تشكيل نظريات هذا العلم والتأصيل له، خاصة وأن أغلب نظرياته هى نظريات غربية، أو كما يصفه البعض بأن العلوم السياسية وبالتحديد العلاقات الدولية باعتبارها فرعا من العلوم السياسية قد نشأ غربيًا بالأساس، وربما ما دفعنى للكتابة وإثارة هذا التساؤل المهم هو ورشة عمل نظمها مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية بالتعاون مع بريماكوف للتعاون الدولى بروسيا، والمؤسسة المصرية- الروسية للثقافة والعلوم، واستضافها البيت الروسى جاءت تحت بعنوان: "علم العلاقات الدولية فى القرن الحادى والعشرين: رؤى مصرية-روسية". وهنا أود أن أشارك القارئ بعض ما تضمنته من أفكار ومناقشات جديرة بالتسجيل، منها:

أولا-علم العلاقات الدولية لم يصبح علمًا مستقلًا قائمًا بذاته يهتم بدراسة التفاعلات بين الفواعل المختلفة فى الساحة الدولية وديناميكيات تعاونها أو صراعها إلا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت تتبلور ملامح هذا العلم ومقولاته ونظرياته المتعددة، فى محاولة لفهم الظواهر الدولية المختلفة وإلقاء الضوء على أسبابها والعوامل المحددة التى تسهم فى تطورها.

ثانيا- علم العلاقات الدولية برغم حداثته إلا أنه قد تشابك مع علوم أخرى أُخضعت موضوعاته وظواهره للدراسة والبحث من خلال مناهجها ونظرياتها، مثل علم السياسة، وعلم التاريخ، وعلم الاجتماع، وعلم الاقتصاد، إلى أن تمكن علم العلاقات الدولية من أن يخط مسارًا مستقلًا بنظرياته التى حاولت كل منها أن تقدم تفسيرًا للأحداث والظواهر الدولية، فكان لدينا النظرية الواقعية، والليبرالية، والبنائية، والماركسية، والوظيفية..وغيرها.

ثالثا-أهمية علم العلاقات الدولية بتشابكاته وتداخلاته مع العلوم الأخرى تكمن فى مساعدة صانعى القرارات ومتخذيها على فهم تشابكات التفاعلات الجارية على الساحة الدولية، وفهم تعقيدات القضايا العالمية، مثل تغير المناخ، والإرهاب، والأوبئة، والأزمات الاقتصادية، بل الأهم من ذلك يقدم لنا مقاربات لتعزيز التعاون بين الدول والجهات الفاعلة من غير الدول فى مواجهة التحديات العالمية ورفع مستوى الاستجابة لها وتحقيق نتائج أفضل للتعامل معها.

رابعا-علم العلاقات الدولية ظل -وعلى مدى فترة طويلة- خاضعًا لمركزية أوروبية -أمريكية ضيقة الأفق، ويرجع ذلك إلى أن تاريخ نشأة هذا العلم، حيث تشكل كحقل معرفى من خلال الممارسة الفعلية للعلاقات الدولية قبل الحرب العالمية الأولى، كان أوروبيًا وأمريكيًا، وهو ما يفسر مركزيتها الأوروبية والأمريكية حتى أصبحت العلاقات الدولية تتحدث عن اهتمامات ووجهات نظر الغرب، بل أصبحت دراسة أقاليم العالم المختلفة تأتى طبقًا لأولويات الدول الكبرى وحسب نظرتهم إلى هذه الأقاليم، وليس طبقًا لما يحدث فعلاً على أرض الواقع بالنسبة إلى هذه الأقاليم، سواء كان الحديث عن آسيا، أو أمريكا اللاتينية، أو إفريقيا.

خامسا-على مدار العقود الثلاثة الماضية، تعالت الأصوات المنتقدة للطابع المركزى الغربى لهذا العلم من قبل العديد من الباحثين والمتخصصين، ولعل من أبرز المحاولات التى تجلت فى هذا المضمار كتاب "تشكيل العلاقات الدولية العالمية: أصول حقل العلاقات الدولية وتطوره فى ذكراه المئوية" ومؤلفه "أميتاف أشاريا وبارى بوزان" وهما من أساتذة العلوم السياسية .

سادسا- إن هناك إسهامات نظرية من جانب مفكرين مصريين فى علم العلاقات الدولية، أبرزها مدرسة المنظور الحضارى فى العلاقات الدولية، وهى مدرسة فكرية مصرية أسسها الأستاذ الدكتور حامد ربيع، منذ ستينيات القرن الماضي، بينما أسس الأستاذ الدكتور أحمد يوسف أحمد فكرة القوميات فى العلاقات الدولية، فضلًا عن طرح الدكتور سمعان بطرس لجدلية العلاقة بين القوة والقانون. وعلى الصعيد الروسى سنجد مفكرين أمثال ألكسندر دوجين صاحب النظرية السياسية الرابعة.

سابعا-يمر المجتمع الدولى حاليا بمرحلة جديدة، حيث يتشكل عالم متعدد الأطراف مما يتطلب من دول الجنوب العالمى وضع رؤية جديدة لهذا العالم، خاصة إن رؤية نظام عالمى متعدد الأطراف تتطلب وجود نظريات خاصة لمواكبة هذه التغيرات وتفسيرها بعيدًا عن مصطلح عالم متعدد الأقطاب التى تحمل فى طياتها توجهات نحو الصراع والصدام.

ثامنا-ثمة أهمية ملحة وضرورة واجبة أن يكون لمراكز البحوث والدراسات المتخصصة فى العلوم السياسية بصفة عامة والعلاقات الدولية على وجه الخصوص طرح تفسيرات غير غربية لفهم التحولات الدولية المعاصرة وخرائطها، ودراسة طبيعة أدوار ومواقع وسياسات القوى الكبرى والإقليمية فى إطار هذه التحولات، وما يرتبط بها من أزمات وصراعات دولية، وتحليل أهم التحولات السياسية وأنماط التفاعلات بين القوى الدولية المتصارعة على قمة النظام الدولى خلال الربع الأول من القرن الحادى والعشرين، ومدى تأثير كل هذه التفاعلات على المسارات المستقبلية للنظام الدولى خلال المرحلة القادمة.

ختاما: يمكننا القول إن الملاحظات السابق سردها ومناقشتها تمثل حلقة أولى فى سلسلة طويلة أمام الباحثيين والمتخصصين للتعمق فى دراسة التطورات الراهنة فى الساحة الدولية بتفاعلاتها المعقدة والمتشابكة.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد الديهى

    محمد الديهى

    نائب مدير مركز الحوار لقطاع البحوث والدراسات