المشهد المأسوي في سورية والعراق وتفاقم التخريب والتهجير وانسداد الأفق السياسي، تستدعي في ما تستدعي السؤال عن الموقف الحقيقي لكل من إيران وتركيا من البلدين العربيَّين المحاذييْن لهما. صحيح أن تركيا واضحة في دعمها المعارضة السورية السياسية ثم العسكرية وهي تكرر دعوتها المبكرة الى اعتزال الرئيس بشار الأسد أو عزله، لكن كلام الحكومة التركية يبدو قليلاً في الشهور الأخيرة، خصوصاً في التفريق بين المعتدلين والمتطرفين في المعارضة المسلحة، ذلك التفريق الذي اعتمده المجتمع الدولي ويعتمده حالياً «الائتلاف» المعارض، وقد اكتفى وزير الخارجية أحمد داود أوغلو أخيراً بإعلان دعم غير محدود للتركمان السوريين في رسالة وطنية إلى الداخل التركي وإثنية الى الخارج السوري والعراقي، ويتحاشى أوغلو الملف الساخن المتعلق بوصول الجهاديين المتطرفين من أنحاء العالم إلى سورية عبر المطارات التركية، ذلك أن عيني أنقرة تركّزان في سورية على المناطق التي اقتطعها أكراد الشمال باعتبارها مشكلة أمن قومي لتركيا.

 

أما إيران فتدعو إلى وفاق واستقرار في سورية، ولكن، على قاعدة أن دمشق حلقة أساسية في جبهة الممانعة الممتدة من طهران إلى جنوب لبنان، وتظهر الترجمة الإيرانية للوفاق السوري في دعم نظام الأسد بالمال والسلاح والرجال من طهران (خبراء عسكريون) ومن لبنان والعراق («حزب الله» اللبناني وجماعات شيعية عراقية مسلحة).

 

هكذا طهران وأنقرة تتحاربان بطريقة غير مباشرة في سورية فيما صداقتهما تتعزز وحدودهما المشتركة تغص بالتبادل التجاري، فضلاً عن الزيارات المتبادلة بين القيادات، وأبرزها زيارة أردوغان طهران «بيته الثاني»، بحسب تعبيره، وقد سمع من خامنئي مدحاً للعلاقة الحالية بين البلدين باعتبارها «الأفضل منذ مئتي سنة». ويرحب أنصار الحُكمين في أنقرة وطهران بالعلاقة الحميمة بين البلدين، على رغم أن تركيا تسوّق لقواعد حزبها الحاكم نضالها الإسلامي في سورية وتضحيتها بمصالح اقتصادية أضرّ بها انقطاع تصدير البضائع التركية إلى العمق العربي الخليجي. وبدورها تسوّق القيادة في طهران دعمها نظام الأسد باعتباره دفاعاً مشروعاً عن الامتداد الإيراني الحيوي إلى شاطئ المتوسط وحدود إسرائيل.

 

مسألة مبدأ في مكان ومسألة مصالح في مكان آخر، فيما تزداد قسوة أردوغان على معارضيه، ولا يكف خامنئي عن اضطهاد الإصلاحيين متجاوزاً اليد الناعمة لحسن روحاني.

 

العراق وسورية بَلَدان عربيّان، مَنْ يذكر؟ لعبتان لإيران وتركيا مع مباركة أميركية وروسية عند الحاجة، فيما يتم عزل البلدين عن بيئتهما الطبيعية بطريقة ممنهجة وبالاستناد إلى تظهير التفكك الاجتماعي إلى أديان وطوائف وإثنيات.

 

صديق تركي لأحمد داود أوغلو يعيش في لندن، سأله مرة عن سرّ العلاقة الحسنة مع طهران. لم يكن الجواب سياسياً إذ قال أوغلو إن البلدين تحكمهما نخبة إسلامية، وفي انتظار وصول الإسلاميين إلى حكم بلادهم في أنحاء العالم سيكون الخلاف الأول والأخير مع طهران حول من سيكون الخليفة، وسوف يكون تركياً بالطبع ويجدد أمجاد العثمانيين.

 

-------------------------

* نقلا عن الحياة اللندنية، الأربعاء، 14/5/2014