من المجلة - مكتبة السياسة الدولية

عام رابع :| إخفاقات التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي

طباعة
مع دخول الربيع العربي عامه الرابع، والذي يواكبه إخفاقات عديدة من دول الربيع العربي في إحداث تحول ديمقراطي جدي، وتراجع بعض من الأنظمة العربية عن خطوات في سبيل بناء نظام ديمقراطي يؤسس لدولة القانون والمؤسسات، وإخفاق جماعة الإخوان المسلمين‮ -‬أقوي قوي تيار الإسلام السياسي‮- ‬وخروجهم من المعادلة المصرية بعد الثلاثين من يونيو من العام الماضي، والذي كان له تداعيات متعاظمة علي أنصارها ومؤيديها في العالم العربي ‮-‬خرجت كتابات عربية وغربية خلال الأشهر الماضية من العامين الماضي والجاري تقيم حالة الربيع العربي،‮ ‬لا سيما مع دخوله العام الرابع، متسائلة‮: ‬هل لبت الأنظمة السياسية الجديدة في دوله طموح وآمال مواطنيهم الثائرين؟، وهل نجحت الخطوات الاحترازية التي تنبتها بعض دول المنطقة تجنبا لفوران الشارع العربي الثائر؟‮.‬
 
في كتابه المعنون‮ "‬الصحوة العربية الثانية والمعركة من أجل التعددية‮"‬،‮ ‬يعرض الدبلوماسي والأكاديمي الأردني مروان المعشر تعثرات وصعوبات تمر بها دول الربيع العربي، لكنه في الوقت ذاته يرفض إصدار أحكام مسبقة حول نجاح أو إخفاق التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي، قائلا إن الخبرة التاريخية تظهر أن مسار التحول الديمقراطي يستغرق سنوات وعقودا ليتحقق‮. ‬ويرصد الكاتب في هذا الشأن عددا من الاضطرابات الأمنية والسياسية،‮ ‬والتدهور الاقتصادي الذي شهده عدد من دول الربيع العربي،‮ ‬عقب الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية التي أسقطت عددا من الأنظمة الحاكمة في مصر‮ (‬لمرتين‮)‬، وتونس، واليمن، وليبيا‮.‬
 
ويتحدث المعشر في كتابه عن إخفاق النخب التي ظهرت علي السطح بعد موجة الربيع العربي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي أخفقت في تلبية احتياجات الشارع الثائر،‮ ‬وتحقيق الاستقرار المفقود‮. ‬وذكر المعشر في كتابه أن‮ "‬الصحوة العربية الثانية‮" ‬تتحقق ببناء عالم عربي،‮ ‬قوامه التعددية والتسامح، وهي عملية‮ -‬من وجهة نظر الكاتب‮- ‬شاقة وطويلة‮.‬
 
ويري المعشر أن ما شهده العالم العربي منذ بدايات عام‮ ‬2011‮ ‬يعد الصحوة العربية الثانية‮.‬ فالصحوة العربية الأولي بدأت‮ -‬من وجهة نظر الكاتب‮- ‬مع ثورة النخب العربية خلال القرن التاسع عشر علي الإمبراطورية العثمانية‮. ‬ولكن تقييم الكاتب للصحوة العربية الأولي سلبي،‮ ‬حيث إنها أخفقت في الارتقاء إلي تطلعات الشعوب ليتم استبدال ظلم محلي جسدته الأنظمة العسكرية وهيمنة الحزب الواحد بظلم الاستعمار، فكان أن‮ ‬غرقت البلدان العربية في عقود من الفشل السياسي،‮ ‬وإهدار الإمكانات الاقتصادية، وما صاحب ذلك من فشل مزمن في حل القضية الفلسطينية‮.‬
 
وعن صعود التيار الإسلامي علي الساحة السياسية العربية،‮ ‬وتنامي دوره بعد عام‮ ‬2011،‮ ‬يقول المعشر في كتابه إنه كان طبيعيا لكونه القوي الوحيدة المنظمة خلال الفترة التي سبقت الربيع العربي، لكنه يري أن هذا الصعود صاحبه إخفاقات للتيار الإسلامي لتحقيق تطلعات المواطن الثائر،‮ ‬والذي عول علي التيار الإسلامي لتحقيق طموحه وآماله في دولة يحكمها القانون، وتحقيق التنمية الاقتصادية التي تتساقط ثمارها عليه بعد سنوات من الاستبداد السياسي،‮ ‬والتدهور الاقتصادي خلال حكم الحزب الواحد،‮ ‬والأنظمة الاستبدادية والعلمانية‮. ‬لكن التيار الإسلامي،‮ ‬وفي مقدمته جماعة الإخوان المسلمين،‮ ‬أخفق في تحقيق تلك الآمال والطموح المتنامية عقب الثورات العربية، وأضحي المواطن لا يقيم أداء الإسلاميين والعلمانيين أيضا علي أساس أيديولوجي، بل وفق الإنجاز علي أرض الواقع،‮ ‬وإيجاد حلول ملموسة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الدول العربية،‮ ‬والتي كانت السبب الرئيسي لنزول المواطنين إلي الشارع لإسقاط الأنظمة التي أخفقت في إيجاد حل لتلك الأزمات المزمنة، وهو ما ترجمه الثوار في ميدان التحرير في رفعهم شعار‮ "‬عيش، حرية، عدالة اجتماعية‮" ‬كشعار لثورة الخامس والعشرين من يناير‮ ‬‭.‬2011‮ ‬ولذا،‮ ‬يري الأكاديمي والدبلوماسي الأردني أن الأمل في ظل إخفاقات النخب العربية،‮ ‬سواء الإسلامية منها أو العلمانية،‮ ‬في ترجمة مطالب الثورة علي أرض الواقع،‮ ‬وتحقيق التحول الديمقراطي الذي ضحي من أجله خيرة شباب الدول العربية بدمائهم ‮-‬والذي يتعثر لممارسات السلطة التي تحكم في الدول العربية عقب ثورات عام‮ ‬2011‮- ‬معقود علي جيل الشباب العربي الذي أطلق شرارة الثورات في بداياتها‮.‬
 
وتتلخص فكرة الكتاب في أنه إذا كانت الصحوة العربية الأولي قد أخفقت في تأسيس نظام تعددي يضمن لها النجاح والاستمرار، فإن نجاح الصحوة العربية الثانية مرهون بتلافي أخطاء الصحوة العربية الأولي، وتبني الصحوة العربية الثانية تحقيق قيم كونية،‮ ‬ممثلة في الديمقراطية،‮ ‬والتعددية،‮ ‬وحقوق الإنسان‮.‬
 
وعن معوقات التحول الديمقراطي في أحد بلدان الربيع،‮ ‬يأتي كتاب عالم الاجتماع الليبي الدكتور مصطفي عمر التير،‮ ‬المعنون بـ‮ "‬أسئلة الحداثة والانتقال الديمقراطي في ليبيا‮ .. ‬المهمة الصعبة‮"‬،‮ ‬الصادر خلال العام الماضي‮. ‬وقد أرجع الكاتب هذه الأسئلة إلي الافتقار للقيم الديمقراطية ومبادئها، وهو‮ ‬غياب كرسه نظام معمر القذافي ونخبته علي نحو يصعب الفكاك منه بسهولة‮.‬
 
وفي هذا السياق،‮ ‬اهتم الدكتور يوسف الصواني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طرابلس،‮ ‬في كتابه الذي حمل عنوان‮ "‬اتجاهات الرأي العام العربي نحو الديمقراطية‮"‬،‮ ‬الصادر هذا العام،‮ ‬برؤية المواطنين العرب لقضية الديمقراطية لقياس مدي التحولات في الرأي العام العربي حيال قضية الديمقراطية‮. ‬وقد توصل الكاتب إلي أن مواطني دول الربيع العربي لديهم قدرة علي تقديم تعريف للديمقراطية‮ ‬يستند إلي ثلاثة مرتكزات رئيسية هي‮: ‬حرية التعبير والرأي،‮ ‬والحريات السياسية والمدنية،‮ ‬وتطبيق مبدأ المواطنة‮. ‬ويخلص الكاتب من خلال نتائج الاستطلاعات التي اعتمد عليها في كتابه إلي أن الانفصال بين الحاكم والمحكوم في الدول العربية كان السبب الرئيسي لاندلاع الثورات العربية بداية عام‮ ‬2011،‮ ‬حيث أدي هذا الانفصال إلي فقدان الصلة بين المواطن العربي والنظم الحاكمة ومؤسساته، وهو الأمر الذي دفعه إلي الثورة علي تلك الأنظمة السلطوية والديكتاتورية لإعادة صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم علي أساس عقد اجتماعي جديد يحكم العلاقة بين طرفي المعادلة السياسية في العالم العربي‮.‬
 
وفي كتابه المعنون‮ "‬الربيع العربي‮ .. ‬منعطف أم سراب‮" ‬يقدم سامي عون، المتخصص في الشئون العربية،‮ ‬تقييما لموجة الربيع العربي، وتصحيح الصورة الغربية عن المنطقة والمواطن العربي‮. ‬ويتحدث الكاتب عن أنه لم تتحقق الديمقراطية التي كانت المفجر لثورات الربيع العربي‮.‬ ويرجع هذا الإخفاق في إحدي صوره إلي تيار الإسلام السياسي الذي قفز علي السلطة،‮ ‬وهدف إلي تبني أجندة تحقق مصالحه ولا تتوافق مع القيم والمبادئ الديمقراطية، والتي رتبت‮ -‬حسبما يشير الكاتب‮- ‬حالة كارثية بكل المقاييس،‮ ‬حيث سادت ثقافة إقصاء الآخر، والتعدي علي حقوق الأقليات، واشتعال نيران الحرب الأهلية في بعض دول المنطقة،‮ ‬وعلي رأسها سوريا،‮ ‬لتخلف خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر الصراع السوري‮ ‬140‮ ‬ألف قتيل،‮ ‬حسب الكتاب،‮ ‬فضلا عن ملايين اللاجئين من الأطفال والنساء خارج الأراضي السورية،‮ ‬والانتشار في دول الجوار،‮ ‬مخلفة آثارا أمنية تنال دول الجوار لسوريا‮. ‬ويتحدث عن إخفاقات نظم ما بعد الثورات في دول الربيع العربي في تحقيق الوعود التي تم إطلاقها بعد نجاح الثورات في الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية‮.‬
طباعة

    تعريف الكاتب

    عمرو عبد العاطي

    عمرو عبد العاطي

    باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية