مقالات رأى

الانتخابات التركية: فوز باهت ومؤشرات مهمة

طباعة
تشير النتائج الانتخابية البلدية التركية (30-31 مارس/آذر) الماضي إلى حجم التراجع الذي ناله حزب "العدالة والتنمية" الحاكم منذ أكثر من عقد من الزمن، مقابل التقدم الذي أحرزته قوى المعارضة البرلمانية الأخرى . وإن حافظ الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية) على مرتبته الأولى، فإنه فقد الأغلبية المطلقة في العديد من المدن التركية، وتقدمه على معارضيه بصعوبة (وشكوك حول نتائجها) وخاصة في العاصمة أنقرة .
 
وفي الوقت الذي تظهر فيه هذه النتائج، حجم التراجع الانتخابي للحزب الحاكم، وتالياً آثاره حزبياً وجماهيرياً، فإنها تؤشر إلى الصعوبات الانتخابية الرئاسية التركية في شهر أغسطس/آب، كذلك البرلمانية المقررة مطلع العام المقبل (2015) .
وإن كان المراقبون يتوقعون خسارة كبيرة لحزب العدالة والتنمية "الإخواني"، فإن النتائج أظهرت تراجع شعبية هذا الحزب، وفقدانه الأغلبية في العديد من المدن، والتقارب الكبير للنسب الانتخابية في عدد آخر منها، وبضمنها العاصمة أنقرة (تعد 5 ملايين نسمة) . ورغم استخدام حزب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ماكينة الدولة الإعلامية، وغيرها من الوسائل المؤثرة انتخابياً، فإن هذه النتائج تشير إلى حجم الصعوبات التي سيواجهها الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة . إضافة إلى التقديرات المتعددة، وفق مصادر المعارضة، وحزب العدالة والتنمية نفسه، حول الاحتمال الكبير لفقدانه الأغلبية البرلمانية مطلع العام المقبل .
 
وهذا ما تؤكده الأوضاع التركية القائمة، والموروثة عن نتائج انتخابية سابقة، منذ تصدر حزب أردوغان غيره من الأحزاب برلمانياً ورئاسياً أيضاً (انتخابات عام ،2002 ،2007 2011) وخلافاً للنتائج الانتخابية السابقة، فإن حزب أردوغان يواجه العديد من الإشكاليات الحزبية والانتخابية أيضاً، وفي الصدارة منها مواقف حكومته من جهة، والتباينات في مواقف رموزه القيادية الأخرى من جهة ثانية . وليس آخرها فضائح الفساد المقدرة بمئة مليار دولار التي شارك فيها العديد من الوزراء وأبنائهم، وبضمنهم الابن البكر لرئيس الوزراء الحالي بلال، وتبعاتها . كذلك الحالة الاقتصادية - الاجتماعية التي تعانيها تركيا منذ سنوات، والتي عكست نفسها على الحملة الانتخابية البلدية ونتائجها أيضاً . ولا نتجاهل هنا "التباينات" المعلنة في مواقف زعماء الحزب الحاكم بين "أردوغان والرئيس التركي عبدالله غول، ونائب رئيس الحكومة بولنت أرنيتش" . والتي تؤكد بمجموعها حجم الصعوبات التي يعانيها حزب العدالة والتنمية والتباينات في صفوف قيادته الأولى التي أنشأت هذا الحزب، حول كيفية معالجة الأوضاع التركية الداخلية أولاً، وشبكة العلاقات الإقليمية والدولية ثانياً .
 
وإذ تبقي نتائج الانتخابات البلدية حزب العدالة والتنمية في المرتبة الأولى، فإنها تظهر في الوقت نفسه تقدم حزب الشعب الجمهوري المعارض بزعامة كمال أوغلو، وخاصة في العاصمة أنقرة، حيث تفوق مرشح الحزب الحاكم بفارق 1 في المئة من أصوات الناخبين، تليه الحركة القومية التي حلت ثالثاً، والأحزاب البرلمانية الكردية (حزب السلام والديمقراطية، حزب الشعوب الديمقراطي)، التي حلت رابعاً .
 
ومقارنة مع آخر انتخابات برلمانية، فإن حزب العدالة والتنمية سجل تراجعاً كبيراً، رغم عدم خسارة موقعه كحزب أول في البلاد . إلا أن هذه النتائج تؤشر إلى العديد من الحقائق ومنها:
 
* فشل حكومة أردوغان، وتالياً حزب العدالة والتنمية الحاكم، في حل أزمة البلاد الاقتصادية، التي تشهد تدهوراً حاداً، مقارنة بالأعوام السابقة، التي حصد بفضلها أردوغان الأغلبية البرلمانية والبلدية وتالياً الرئاسة .
 
* استمرار الأزمة الاجتماعية - السياسية في تركيا، رغم تراجع حكومة أردوغان الاضطراري على إحداث تغييرات في ساحة "تقسيم" وحديقة غيزي في اسطنبول وانعكاساتها على الحالة العامة التركية .
 
* عدم إنجاز المصالحة الداخلية التركية، وخاصة مع حزب العمال الكردستاني بسبب تراجع الحكومة التركية عن تعهداتها حول سبل حل هذه الأزمة المستمرة منذ أكثر من ربع قرن، وتباين مواقف الأحزاب البرلمانية التركية وغيرها تجاه هذا الحل .
 
* فشل حكومة أردوغان في إنجاز "تصفير المشاكل" التركية وبخاصة مع جيرانها، التي اعتمدها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، إلى اتساع هذه الإشكاليات مع دول الجوار التركي، وانعكاساتها على الأوضاع الداخلية التركية .
 
* التراجع الواضح في إمكانية نيل تركيا عضوية الاتحاد الأوروبي، والتوجهات الأوروبية المقررة، إلى التعاطي مع تركيا، كبلد خاص في علاقاته مع أوروبا، على حساب أوهام هذه العضوية تركياً .
 
* توتر العلاقة بين حكومة أردوغان، وأغلبية الدول العربية، رغم المواقف "النظرية" حول تأييد أنقرة للمواقف العربية، وخاصة في صراعها مع "إسرائيل"، والموقف من القضية المركزية فلسطين .
 
* سقوط أنظمة حركة الإخوان المسلمين، والمتناغمة وإلى حد كبير مع توجهات حزب "العدالة والتنمية"، وانعكاساته المؤثرة في هذه الحركة أولاً، وعلى العلاقة مع الدول العربية الرافضة للأخونة .
 
ولهذا ينظر باهتمام إلى النتائج الانتخابية البلدية، التي تعد مؤشراً مهماً للانتخابات الرئاسية المقبلة في أغسطس/آب، وإلى الانتخابات البرلمانية في بلد يجمع في تعاطيه بين السلطتين الرئاسية والبرلمانية، ويواجه راهناً، وعلى المدى القريب، العديد من عناصر فشل سياساته السابقة وإن بدأت نتائجها أولياً في انتخابات مارس/آذار البلدية، فإنه من المتوقع أن تشهد حراكاً شعبياً وحزبياً حاداً حولها، في مرحلة التحفيز للانتخابات المقبلة الرئاسية والبرلمانية على حد سواء .
 
----------------------
* نقلا عن دار الخليج، الثلاثاء، 8/4/2014.
طباعة

تعريف الكاتب

د. محمد البطل