مقالات رأى

الإرهاب يدق الأبواب

طباعة
الإرهاب يضرب في لبنان والعراق ومصر وسوريا، جهات كثيرة تتستر خلف القتل أو تعلن مسؤولياتها بفخر عن قتل المدنيين، وتتبجح بمقولات وشعارات ترفضها كل الشرائع السماوية والقيم الاجتماعية والعقول البشرية، فماذا يعني أن يقدم أحد على تفجير نفسه في سوق شعبي أو شارع يستخدمه الأطفال والنساء وتسكن على ضفافه الأسر، سوى أنه تعرّض لمسح دماغي حجب عنه الحقيقة وأعماه عن مصائر الناس المقتولين أو المجروحين أو المشردين؟ وماذا يعني أن تلجأ مجموعة من المقاتلين فتخطف مجموعة أخرى من غير دينها فتأمرها باتباع دينها وإلا سيكون مصيرها القتل أو الذبح؟ هذا لم يحدث في زمن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي يدّعون أنهم يتبعون سنته . ولا يحرّض القرآن على تلك الأفعال في كل آياته، بل إن القرآن الكريم ينهى عن تكفير من يوحد الله ويصلي له تبارك وتعالى، وكل أدبيات الدين تقول إن الفتنة أشد من القتل، فمن هؤلاء الذين يحاولون تسيّد المشهد في كثير من الدول العربية والإسلامية، ويطلقون شعارات لا تستند إلى أي أسس فالقتل المجاني والذبح على الهوية وتفجير المدنيين لا يمكن أن يكون له أي أسس، وإنما هي ترّهات تنبثق عن جهلة أعماهم حب السيطرة على الناس والتآمر على حياتهم البسيطة وتدمير بيوتهم ومدارسهم، حتى إن المستشفيات لم تنج من إرهابهم وإن قدّموا اعتذارات جوفاء، فماذا ينفع الاعتذار بعد الهجوم على المرضى والأطباء والممرضين وزوار المصابين بصحتهم؟ هي مشاهد قبيحة لا يقوم بها سوى معتوه أو مريض نفسياً أو مجرم مأجور، ذاك الذي يعلم أن ضحاياه سيكونون من الأطفال والنساء والمرضى ورغم ذلك يصر على ارتكاب حماقاته وممارسة أمراضه النفسية والعقلية . 
 
جميع الزمر والألوية والمجموعات التي تدّعي أنها تلتزم الفكر الإسلامي وتسعى إلى إقامة دولة الخلافة وبناء الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، كلها تؤمن بفكر واحد، توجّهها وتمولها جهة واحدة، تسعى إلى خلق الفوضى في الوطن العربي والإسلامي، وإعادته إلى عصور الظلام، وسياستها صارت واضحة وتنطلق من فكرة واحدة وهي: إن كل ما هو موجود على الأرض حالياً كافر وزنديق ونجس، ولا بد من إبادة الصغير والكبير، وحرق الأخضر واليابس، وتدمير دور العبادة لكل الديانات حتى يبنوا على أنقاضها دولتهم أو خلافتهم أو نظامهم الجديد، وهو نظام مقفل لا يمكن أن تكتب له الحياة، لأنه، إن قُدّر له أن يقوم، سيكون قائماً على أرض مبللة ومشبعة بالدماء وأجساد الضحايا الأبرياء، وستلفظهم الإنسانية كما تُلفظ اللقمة المرة من الأحشاء .
إن الفكرة الأخرى الأشد إيلاماً وخيانة هي أن هؤلاء لا يعلمون كما يبدو، أن هناك كياناً اغتصب أرضاً عربية تحتضن مقدسات إسلامية ومسيحية، وقام بتشريد شعب مسلم، ودمّر بيوته وحرق أراضيه ويحاول أن يبيد شعبه، هؤلاء كما يبدو لا يعرفون ماذا تعني الصهيونية والاحتلال الاستيطاني ووجود دولة تطمح أن تكون حدودها من الفرات إلى النيل . هؤلاء لم تهز أبدانهم المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية منذ إنشاء دولتها العنصرية على أرض فلسطين منذ أكثر من خمسة وستين عاماً، رغم أن جماعاتهم وحركاتهم موجودة منذ عشرات السنين، ولم نسمعهم يوماً يتحدثون عن عدو تاريخي ومصيري يجثم على مرمى البصر، ولم يهبّوا لنجدة الصارخات من المسلمات في الأرض المقدسة، وهؤلاء كما يبدو، لم يسمعوا عن الحروب التي خاضتها الدولة الصهيونية ضد العرب على مدى أكثر من أربعين أو خمسين عاماً وقتلت فيها الأسرى، ولا تزال تحضّر لحروب أخرى حتى تبقي العالم العربي في تخلّف دائم، فهل يعتبرون الكيان الصهيوني عدواً أم صديقاً؟ ولماذا لم يعدّوا له ما استطاعوا من رباط الخيل والسلاح والقوة؟ 
 
إن كان هؤلاء يدرون بوجود دولة عدوانية احتلت فلسطين فتلك مصيبة، وإن كانوا لا يدرون فالمصيبة أعظم، وفي الحقيقة أنهم يدرون ولا يدرون، فما من عربي مهما بلغ جهله لا يعرف بوجود كيان صهيوني يحتل فلسطين، أما من لا يدري، فهؤلاء القادمون من خارج الوطن العربي، الذي قد يأتي بهم تنظيم إلى سوريا أو العراق أو مصر أو لبنان ويقول لهم إنهم في فلسطين، ويقاتلون عدو الله وعدوهم، وفي كل الأحوال، فالعتب على عقولهم التي لم تبحث ولم تتعلم أو تعرف عدوها أو تقرأ التاريخ .
أما إن كانوا يعرفون حق المعرفة بحقيقة الكيان الصهيوني، ويقومون بتدمير الدول المحيطة به، ويشغلون جيوشها ورجال أمنها ويقتلونهم ويفجرونهم، فإما أن يكونوا قتلة مرتزقة، وإما أن يكونوا عملاء جندتهم ودربتهم أجهزة الموساد ليعيثوا في الوطن العربي فساداً، ويحطموا أركان الدول والجيوش ويخلقوا أزمة لاجئين ينشغل بها العالم سنوات طويلة قادمة، والدليل على ذلك أنهم يتلقون السلاح والدعم اللوجستي والمال وغيره من دول مساندة للكيان الصهيوني، وبهذا تكون النتيجة واضحة وضوح الشمس .
المنطق لا يتجنّى على أحد، ولا يزايد على أحد، والمنطق والتاريخ والمواقف تقول إن شعاراتهم وأدبياتهم وخططهم تستثني الكيان الصهيوني، بل إن الكيان يستقبلهم في مستشفياته للعلاج ثم يعيدهم إلى أرض المعركة لمواصلة التدمير والقتل . 
إن محاربة أي نظام فاسد لا يمكن أن يكون بالاستعانة بالعدو، أو بمن يساند العدو، أو بتدمير البنية التحتية المدنية والعسكرية، ونظرية التحالف مع الشيطان لا مسوّغ لها هنا، فالشيطان هو الشيطان، في أوقات التحالف وما بعدها، وعليهم ألا يقنعونا أنهم حين يفرغون من الأنظمة التي يدعون أنها فاسدة، سيتوجهون لمحاربة العدو لاستعادة المقدسات، لأنهم في تلك اللحظة سيكونون لقمة سائقة بأيدي أعداء الأمة، الذين سينقضون عليهم انقضاض الذئب على النعجة ليقيموا دولتهم الكبرى من الفرات إلى النيل، وسيبيدونهم إبادة من لا يرحم . 
 
هؤلاء يشتركون مع الصهاينة في أساليب الإرهاب والتخويف والتشريد، من خلال المجازر والمذابح وحرق القرى والمدن، وبالتالي فهما وجهان لعملة واحدة فيما يتعلق بالهدف المنشود .
لا يمكننا التوجه بحديثنا إليهم ومطالبتهم باتباع الحكمة، فلا حكمة تقنعهم، وهم منتشون الآن بأفكارهم وحروبهم وغزواتهم، ومنهم من يشعر بالانتشاء لازدهار تجارته في مجال السلاح والبشر والمخدرات والآثار التي لا تقدّر بثمن، وإنما يمكننا التوجه إلى وسائل الإعلام الداعمة، أن تكف عن احتضان هؤلاء، ووسائل الإعلام الوطنية، أن تكثف من برامجها للتصدي لهؤلاء القتلة الذين يتبرأ الدين منهم، فسلوكهم لا يمت بصلة لا لدين ولا لإيمان ولا لأي شريعة في الوجود، ولا يمكن أن نسميهم ظاهرة لأنهم ليسوا نتاج المجتمعات، هؤلاء تجار دم وأعضاء بشرية وآثار وسلاح، وما خفي كان أعظم .
 
------------------------
* نقلا عن دار الخليج، الإثنين، 6/1/2014.
طباعة

تعريف الكاتب

عبد الله السويجي