من المجلة - مكتبة السياسة الدولية

قضيتان مركزيتان‮:‬|الثورات العربية والقوة الأمريكية تتقدمان أجندة النشر عام‮ ‬2012

طباعة

مع مرور أكثر من عام على الثورتين التونسية والمصرية،‮ ‬اللتين أسقطتا نظامين سلطويين ديكتاتوريين، نظام‮ "‬بن علي‮" ‬في الأولي،‮ ‬و"مبارك‮" ‬في الثانية، ونجاح الثورة الليبية في إنهاء حكم العقيد‮ "‬معمر القذافي‮"‬، والتوصل لتسوية لإنهاء الأزمة السياسية في اليمن، واستمرار الثورة في سوريا‮ -‬إلى يومنا هذا‮- ‬مع ارتفاع عدد القتلي من المتظاهرين السوريين، وعدم نجاح الثورة،‮ ‬وانتقالها لدول كانت مرشحة لأن تشهد ثورات شعبية كالجزائر والمغرب،‮ ‬رغم أن أوضاعهما السياسية، والأمنية، والاقتصادية،‮ ‬والاجتماعية لا تختلف كثيرا عن الدول التي شهدت ثورات أطاحت بأنظمتها السياسية، وعدم انتقالها‮ -‬أيضا‮- ‬للدول النفطية الملكية، اهتمت دور النشر الغربية بالأساس والعربية بنشر كتب خلال الأشهر الأولى من العام الجاري،‮ ‬تتنوع موضوعاتها بين توصيف أحداث الثورات العربية، وأخري تقدم تحليلا لأسباب اندلاعها، وتقديم رؤية إلى أن تتجه منطقة الشرق الأوسط بعد‮ "‬الربيع العربي‮".‬

الاتجاهات الرئيسية للكتب

خلال الأشهر الثلاثة من العام الجاري،‮ ‬نشرت كبريات دور النشر الغربية والأمريكية خاصة والعربية كتبا عن الثورات العربية،‮ ‬مع مرور عام على اندلاعها‮. ‬وقد انقسمت تلك الكتب لثلاثة اتجاهات رئيسية، هي على النحو التالي‮:‬

أولا‮- ‬مذكرات لمشاركين في صناعة الثورات العربية بالتخطيط والتنفيذ‮. ‬ففي الأول من يناير من العام الجاري،‮ ‬نشرت في الولايات المتحدة الأمريكية مذكرات‮ "‬وائل‮ ‬غنيم‮"‬، مهندس الكمبيوتر الثلاثيني الذي يعده البعض مهندس ثورة الخامس والعشرين من يناير‮ ‬‭.‬2011‮ ‬فهو المؤسس لصفحة‮ "‬كلنا خالد سعيد‮" ‬على موقع التواصل الاجتماعي‮ "‬الفيسبوك‮" ‬في صيف‮ ‬2010،‮ ‬والتي تعد الباكورة التمهيدية لقيام ثورة حقيقية على القهر والظلم اللذين سادا في فترة ما قبل ثورة يناير‮. ‬وقد ترجم الكتاب إلى اللغة العربية،‮ ‬ونشر مواكبا للاحتفالات بالعام الأول على ثورة الخامس والعشرين من يناير‮.‬

يعرض الكتاب البدايات الحتمية للثورة المصرية من تزايد القبضة الأمنية،‮ ‬وتعسف رجال الأمن في التعامل مع المواطنين، وديكتاتورية وسلطوية نظام مبارك، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين‮.

وقد يختلف قارئ الكتاب على البداية الحقيقية للثورة المصرية، ولكن الكتاب يقدم رؤية ومعلومات‮ ‬غير معلومة للكثيرين حول التخطيط والإعداد للثورة المصرية‮. ‬ويخرج القارئ بقناعة بأنه لم يكن هناك تخطيط مسبق وخطة معدة لثورة مصرية، ولكنها كانت نتاج اجتهادات ومحاولات،‮ ‬لها جذور منذ فترة طويلة،‮ ‬اجتمعت كلها مع عوامل أخرى على إنجاح أن تكون هناك ثورة في الخامس والعشرين من يناير، وأن تنجح في إسقاط نظام‮ "‬مبارك‮" ‬في ثمانية عشر يوما‮.‬

ثانيا‮- ‬مذكرات لمتابعين ومشاركين في مليونيات ميدان التحرير‮.‬ فمع بداية العام الجاري،‮ ‬وقرب موعد الخامس والعشرين من يناير،‮ ‬وبدايات الاحتفال بعام على نجاح الثورة المصرية، ظهرت مجموعة من تلك الكتب باللغتين العربية والإنجليزية‮. ‬وقد قدم مؤلفوها رؤيتهم لتطورات الأحداث منذ بداية المظاهرات في الخامس والعشرين من يناير‮ ‬2011،‮ ‬وتطورات الأوضاع في كافة ميادين مصر الرئيسية،‮ ‬وبالأساس ميدان التحرير،‮ ‬خلال تلك المرحلة،‮ ‬إلى خطاب نائب الرئيس‮ السابق "‬عمر سليمان‮"‬،‮ ‬الذي يعلن فيه تنحي‮ "‬مبارك‮"‬،‮ ‬وسقوط نظامه في الحادي عشر من فبراير‮ ‬‭.‬2011‮ ‬بجانب مذكرات لشخصيات كانت قريبة من النظام المصري و"مبارك‮" ‬وأسرته،‮ ‬كانت شاهدة على تصرفات النظام ورؤيته لتطورات الثورة المصرية‮.‬ وقد قدمت تلك المذكرات معلومات ومشاهد‮ ‬غائبة عن كثير من القراء والمشاركين في ميلونيات الثورة المصرية‮.‬

ثالثا‮- ‬كتب تقدم تحليلا للثورات العربية بعد مرور عام عليها،‮ ‬وتسعي من خلال فصولها لبحث الأسباب السياسية، والاقتصادية، والأمنية والاجتماعية لانتفاضات الشعوب العربية ضد أنظمتها الحاكمة التي كانت قابضة على مقاليد ومؤسسات الدولة العربية لعقود طويلة،‮ ‬معتمدة في ذلك على ممارسة القهر والقمع لسنوات طويلة، واستشراف مستقبل الدولة العربية وسياساتها،‮ ‬مع تصاعد نفوذ الحركات الإسلامية في المشهد السياسي العربي‮.‬

ترى تلك الكتابات أن منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولات دراماتيكية لا يمكن إنكارها،‮ ‬لكنها ترى أن التحول المفصلي في تاريخ منطقة الشرق الأوسط،‮ ‬بعد موجة الثورات العربية يتمثل في تنامي قوة التيارات الإسلامية وأحزابها في المشهد السياسي العربي‮.  ‬دفع ذلك كثيرا من الكتابات الغربية لإثارة تساؤل رئيسي،‮ ‬مفاده‮: ‬هل يمكن للقوي الإسلامية وأحزابها السياسية الصاعدة سياسيا استنساخ نموذج حزب‮ "‬العدالة والتنمية‮" ‬التركي في البلدان العربية؟.

وقد أجمعت معظم الكتابات الغربية على صعوبة استنساخ نموذج حزب‮ "‬العدالة والتنمية‮" ‬التركي في البلدان العربية،‮ ‬لصعوبة معالجة القوي الإسلامية الصاعدة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة عربيا، وعدم النضج السياسي للأحزاب الإسلامية التي تمكنها من تحقيق الأهداف الثورية التي ولدت مع الثورات العربية،‮ ‬وارتفع سقفها مع نجاح الثورات في الإطاحة بأربعة أنظمة ديكتاتورية‮ (‬نظام‮ "‬مبارك‮" ‬في مصر، و"بن علي‮" ‬في تونس، و"معمر القذافي‮" ‬في ليبيا، و"علي عبد الله‮" ‬صالح في اليمن‮)‬،‮ ‬ناهيك عن التدخلات الخارجية،‮ ‬لاسيما الأمريكية المعارضة للصعود الإسلامي في المنطقة‮.

ولذا،‮ ‬تسعى الولايات المتحدة لاتباع سياسات من شأنها احتواء القوي الإسلامية الصاعدة، وأي تغيرات في سياسات الدول العربية التي شهدت ثورات خلال العام الماضي‮. ‬وأخيرا،‮ ‬فقد أدي تزايد قوة الإسلاميين على الساحة السياسية العربية لصعود جيل معارض للقوى الإسلامية وسياساتها،‮ ‬سواء داخل عدد من تلك الحركات الإسلامية،‮ ‬أو من القوى المدنية الليبرالية والعلمانية‮.‬

المخاوف من الصعود الإسلامي

ترجمت المخاوف الغربية من الصعود الإسلامي،‮ ‬واحتمالات تأثيره في السياسات العربية تجاه القوي الغربية،‮ ‬وعلى رأسها الولايات المتحدة،‮ ‬في اهتمام أجندة المؤتمرات الدولية والإقليمية التي عقدت خلال الأشهر الثلاثة الماضية من العام الجاري بالثورات العربية‮. ‬

ففي مؤتمر ميونخ الثامن والأربعين للأمن العالمي،‮ ‬الذي جاء بعنوان‮ "‬بناء الأمن العالمي في القرن الحادي والعشرين‮"‬،‮ ‬في الفترة من الثالث إلى الخامس من فبراير من العام الجاري، وكذا المنتدي الثاني والأربعين للاقتصاد العالمي،‮ ‬الذي جاء تحت عنوان‮ "‬التحول الكبير والبحث عن نماذج جديدة‮"‬،‮ ‬في الفترة من الخامس والعشرين من يناير إلى التاسع والعشرين من الشهر ذاته،‮ ‬ناقش المشاركون الغربيون،‮ ‬بحضور عديد من المسئولين العرب والنشطاء وقيادات الثورة في البلدان العربية،‮ ‬مدي تأثير صعود القوي الإسلامية في السياسات العربية تجاه القوي الغربية، واستشراف مستقبل الدول العربية وسياساتها،‮ ‬مع وصول القوي الإسلامية إلى سدة الحكم في عديد من الأنظمة العربية‮.‬وقد عبرت المناقشات عن المخاوف الغربية من الصعود الإسلامي والتحولات التي تشهدها المنطقة‮.‬

من جانبها،‮ ‬اهتمت إسرائيل بمدي تهديد الصعود الإسلامي في المنطقة أمنها القومي ووجودها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط،‮ ‬ليتحدث عديد من المحللين والكتاب الإسرائيليين ونظرائهم الغربيين عن‮ "‬الخريف العربي‮".‬ وقد تجلي هذا في مؤتمر هرتزليا الثاني عشر،‮ ‬الذي جاء تحت عنوان‮ " ‬في عين العاصفة‮: ‬إسرائيل والشرق الأوسط‮"‬،‮ ‬والمؤتمر السنوي لمنظمة‮ "‬إيباك‮"‬، إحدي أكبر جماعات الضغط الموالية لإسرائيل وسياساتها في الولايات المتحدة الأمريكية‮.

وقد عبرت كلمات المسئولين الإسرائيليين السياسيين والأمنيين في المؤتمرين عن مدي القلق الإسرائيلي من الصعود الإسلامي،‮ ‬والتغيرات التي تشهدها المنطقة على أمن وبقاء إسرائيل، وهو الأمر الذي دفع المسئولين الأمريكيين إلى تقديم التطمينات إلى إسرائيل بأن أمنها لا ينفصل عن الأمن القومي والمصالح الأمريكية عامة،‮ ‬وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط‮.‬

ومع الاهتمام الغربي بالثورات العربية،‮ ‬ومستقبل السياسات العربية بعد الثورات،‮ ‬كان هناك اهتمام بمستقبل القوة الأمريكية ومكانة الولايات المتحدة عالميا،‮ ‬في ظل نظام دولي متغير،‮ ‬على خلفية صعود قوي دولية جديدة منافسة للولايات المتحدة على الصعيد الدولي، وهو اهتمام انعكس في صدور ثلاثة كتب خلال الأشهر الثلاثة الأولي من العام الجاري،‮ ‬تناقش مستقبل القوة الأمريكية،‮ ‬والقيادة الأمريكية للنظام الدولي‮.‬

الكتاب الأول لـ"روبرت كاجان‮" ‬تحت عنوان‮ "‬العالم الذي صنعته أميركا‮"‬، والذي يتحدث فيه عن أنه لا بديل لوجود الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي وكقائدة له، وأنه إذا انهارت القوة الأمريكية،‮ ‬فإن النظام الدولي سوف ينهار،‮ ‬وأن النظام الليبرالي لن يستطيع البقاء دون القيادة الأمريكية‮. ‬ويدعو الكتاب الثاني لمستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق،‮ "‬زبينجيو بريجنسكي‮"‬،‮ ‬والمعنون‮ "‬رؤية استراتيجية‮: ‬أمريكا وأزمة القوة العالمية‮"‬،‮ ‬إلى ضرورة مراجعة الرؤية الاستراتيجية الأمريكية،‮ ‬على خلفية بحثه أسباب تراجع القوة الأمريكية إقليميا ودوليا،‮ ‬في ضوء التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها،‮ ‬والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي منذ منتصف عام‮ ‬2008،‮ ‬وغياب الرؤية الواضحة لمستقبل الولايات المتحدة‮. ‬

ويشير الكتاب الثالث لـ"تشارلز كوبشان‮"‬،‮ ‬والذي حمل عنوان‮ "‬ليس عالم أحد‮: ‬الغرب، صعود الباقي، تحول عالمي قادم‮"‬،‮ ‬إلى أن العالم يتجه نحو المزيد من التنوع،‮ ‬بحيث لن ينتمي إلى أحد،‮ ‬وأنه لن يعكس عالما متعدد الأقطاب فحسب، ولكنه يعكس تنوعا في القيم والمفاهيم، والتي ستبقي بدون مركز ثقل‮ ‬يهيمن عليها،‮ ‬ويكون الواصي على ترويجها وحمايتها‮.‬

(*) تقديم لقسم الكتب والمؤتمرات في مجلة السياسة الدولية ، العدد 188 ، إبريل 2012

طباعة

تعريف الكاتب

عمرو عبد العاطي

عمرو عبد العاطي

باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية