مقالات رأى

حول الأزمة الأوكرانية..مقترحات للحل

طباعة

قبل أيام كتبت مقالا عنوانه: "ما مدى تأثير القمم الحالية على الأزمة الأوكرانية؟" نشر بصحيفة برافدا، حول قمة ألاسكا بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والأمريكى دونالد ترامب، وقمة واشنطن بين الرئيس الأمريكى ورؤساء مجموعة من الدول الأوروبية (أوكرانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وألمانيا، وفنلندا + رئيسة المفوضية الأوروبية)، وقد كان من سوالف الأقضية أن سولت لى نفسى أن أقدم بين يدى مقالى ذاك مقترحا لحلول جديدة يمكن أن ينشأ عنها تقحم واختراق للأزمة.

والذى جرت به المقادير، من غير تخطيط منى أو نية خبيئة فى ذهنى، أن يبلغ الصدى الذى أحدثه المقال إلى موسكو، وأن يدور دورته فى أروقة الكريملن، فسولت لى نفسى أن أحمل القلم مرة أخرى وأكتب فى بيان تلكم الحلول التى حملها مقالى ذاك بصيغة أكثر توسعا واسترسالا.

أثبتت الأحداث أن إيجاد حل للصراع الروسى-الأوكرانى وصيغة تحفظ ماء وجه الأطراف الأربعة، يكاد يكون ضربا من المستحيل، خاصة وفق المقاربات والأساليب المتبعة إلى الآن، والتى هى فى أصل وضعها نتاج عقل الثعلب هنرى كيسنجر، ورفضت فى حينها، وجميع ما ألقى من حلول هى تدور حول كلام كيسنجر، فهو الذى أعلن ابتداء عن حل التنازل لروسيا عن الأراضى مقابل انضمام باقى أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسى، وقد تلقف كثيرون هذا الحل ساعتها بضرب من الحنق ونوع من الغضب، ثم مع مرور الأيام عليه وتقادم العهد به، بدأت تظهر تحسينات على مقترح كيسنجر، حتى وصل إلى صيغة تشبه حلف شمال أطلسى مصغر.

فالحل نفسه والمقترح ذاته هو الذى يدور عليه الأمر منذ ثلاث سنوات، ولم يقدم جديدا، ولهذا فإنه جدير وحقيق بنا إعنات الذهن وإعمال الفكر بحثا عن حلول أخرى، فإذا صلحت تلكم الحلول والمقترحات المبتدعة فهذا ما نريده ويصبو الجميع إليه، وقضى الأمر الذى فيه تستفتيان، وإن لم تصلح فلن نخسر شيئا.

الحل الأول- لحفظ ماء الوجه:

 يقتضى أن تحتفظ روسيا بالأراضى والمقاطعات الأربع، مقابل مبلغ مادى يتم الاتفاق عليه مع الجانب الأوكرانى تعويضا له، وهو مثل عملية بيع الأراضى بين الدول، وقد سبق لهذا أن حدث عبر التاريخ، وإليك بعض الأمثلة:

-            دونكريك، اشترتها فرنسا من إنجلترا سنة 1662.

-            لويزيانا، والتى اشترتها الولايات المتحدة من فرنسا، سنة 1803.

-            ساحل الذهب الدانماركى، اشترتها المملكة المتحدة من الدانمارك، سنة 1850.

-            سان بارتيلمى، واشترتها فرنسا من السويد، سنة 1878.

أو أن يتم الأمر ابتداء على سبيل الاستئجار لمدة طويلة، وخلال فترة الاستئجار يتم نقل الملكية وبيع تلكم الأراضى وفق مبلغ يتم الاتفاق عليه، وعملية استئجار الأراضى بين الدول هى أمر معمول، فقد أجرت السودان جزيرة سواكن إلى تركيا لمدة 99 سنة، وتنازلت سريلانكا عن ميناء هامبانتوتا لصالح الصين لمدة 99 سنة، ويمكن أن يتضمن الاتفاق حرية التنقل لسكان أوكرانيا إلى تلكم المقاطعات الأربع، مع الإعفاءات الجمركية عن الضرائب، كما يمكن أن تكون المناطق الأربع تحت الحكم الذاتى تحت السيادة الروسية.

وهذا الأمر يمكن أن يحفظ ماء وجه جميع الأطراف بما فيه الطرف الأوروبى، فلا تظهر أوروبا أنها خسرت وخضعت للروس، ولا تفقد روسيا هيبتها كما أن تخليها عن الأراضى يهدد وجودها وينبيء عن حدوث تسلملى شعبى، وتحافظ أوكرانيا على كرامتها، ويقترب ترامب من الحصول على جائزة نوبل للسلام، وأما الولايات المتحدة فقد قضت وطرها بتوقيعها اتفاق المعادن ودفع الأوروبيين على رفع دفوعاتهم الخاصة بحلف شمال الأطلسى إلى 5 فى المئة من الناتج المحلى.

الحل الثانى- للتنمية الاقتصادية:

 كذلك الشراكات الاقتصادية يمكن أن تكون ضمانا للجانبين، حيث يفتح المجال أمام تعاون اقتصادى تساهم فيه روسيا بشكل كبير فى تنمية أوكرانيا، ولما لا تكون أوكرانيا جزء من الاتحاد الاقتصادى الأوراسى، وأن تكون أوكرانيا مركزا لتوزيع الغاز والنفط الروسيين فى أوروبا، كما يمكنها أن تحافظ على علاقات مع الإتحاد الأوروبى وتكون بهذا حلقة وصل بين الاتحاد الاقتصادى الأوراسى والاتحاد الأوروبى.

الحل الثالث- الضمانات الأمنية:

هذه هى المعضلة وأصل النزاع، وكما قلت فى المقال الذى حدثتك عنه فيما سلف من هذه الكلمات، وهو أن روسيا لا يمكنها بحال من الأحوال أن تقبل بصيغة نيتو مصغر يجمع بين دفتيه دولا أوروبية مع أوكرانيا مع تقديم غطاء جوى أمريكى، وستكون بذاك كأنها أخذت غمار هذه الحرب عبثا.

ولهذا فإنه يمكن النظر إلى الأمور من زاوية أخرى، فإذا كانت الدولتان معا تنظران إلى بعضهما على أساس أن كل واحدة منهما تشكل تهديدا محتملا للأخرى، فلماذا لا تكون كل واحدة منهما ضمانا أمنيا للثانية، فيذهبان إلى إنشاء حلف عسكرى ينطوى على مادة الدفاع المشترك، وعمل اتفاق استراتيجى تكون فيه روسيا المورد الأول للأسلحة إلى أوكرانيا، أو يتم قبول أوكرانيا ضمن دول منظمة معاهدة الأمن الجماعى، ويستغل حسن علاقاتها مع الأوربيين لتكون ضامنا لهم أيضا ومانعا من أى غزو روسى، فتلعب دور الدولة الضرورة.

أظن لو تم النظر إلى هذه الحلول مجتمعة وصياغتها فى اتفاق قد تساعد فى إحداث اختراق فى هذه الأزمة ينتهى إلى نهايتها، وخاصة أن جميع الأطراف يمنون أنفسهم بانتهائها، لكن الحلول التى قدمت لا تحفظ للجميع مكانتهم وماء وجههم.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    أيوب نصر

    أيوب نصر

    باحث مغربي متخصص في المدارس الفكرية والاستشراق