تحليلات

لى جاى-ميونغ بين رهانات الإصلاح ومخاطر الاضطراب فى كوريا الجنوبية

طباعة

فى لحظة فارقة من تاريخ كوريا الجنوبية، جاء وصول لى جاى-ميونغ إلى سدة الحكم ليجسد طموحات أمة أنهكتها الأزمات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية فى آن واحد. لم يكن صعوده إلى الرئاسة فى يونيو 2025 مجرد انتقال للسلطة، بل كان استجابة جماعية لرغبة عميقة فى التغيير بعد سنوات من الاستقطاب الحاد، والانقسامات المجتمعية، وتعاقب الأزمات الدستورية التى هزت أركان النظام السياسى الكورى. فقد أعقب إعلان الأحكام العرفية من قبل الرئيس السابق يون سوك-يول، وما تلاه من عزله الدستورى، حالة من الفراغ القيادى والشعور بانعدام الاستقرار، حتى بدت البلاد وكأنها على شفا انهيار مؤسساتى حقيقى.

فى هذا السياق الملبد بالغيوم، جاء فوز لى بأغلبية شعبية وبرلمانية ليعيد الأمل فى إمكانية ترميم النظام السياسى، وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وفتح صفحة جديدة من الإصلاحات الجذرية. إلا أن الطريق أمامه لم يكن معبدا، فقد ورث اقتصادا متعثرا بنمو ضعيف، ومجتمعا ممزقا بين تيارات متصارعة، ومؤسسات دستورية تعانى من هشاشة واضحة، فضلا عن تحديات قانونية معقدة تلاحقه شخصيا وتلاحق عائلته.

فى ظل هذه الظروف، تبرز أسئلة جوهرية حول قدرة إدارة لى جاى-ميونغ على تحقيق الاستقرار المنشود: هل يستطيع تحويل التفويض الشعبى إلى إصلاحات مؤسسية دائمة؟ وهل سينجح فى رأب الصدع المجتمعى وتجاوز إرث الأزمات القانونية والاقتصادية؟ وما هى السيناريوهات الأكثر ترجيحا لمستقبل كوريا الجنوبية فى ظل التوازنات الجيوسياسية المتغيرة، خاصة مع تصاعد نفوذ موسكو فى بيونغ يانغ، واستمرار ضغوط واشنطن على سيول؟

هذا التقرير يرصد بدقة ملامح رؤية لى جاى-ميونغ الإصلاحية، ويحلل مؤشرات الاستقرار وعدم الاستقرار فى عهده، ويستعرض السيناريوهات المحتملة لمستقبل البلاد، مستندا إلى معطيات الواقع وتحولات الإقليم، فى محاولة لفهم ما إذا كانت كوريا الجنوبية تقف حقا على أعتاب عصر جديد، أم إنها لا تزال أسيرة أزماتها المتجددة.

رؤية لى جاى-ميونغ.. هندسة مستقبل كوريا الجنوبية فى ظل تحولات عالمية:

يسعى الرئيس لى إلى تحويل الاقتصاد الكورى إلى قطب تكنولوجى عالمى عبر استثمار 300 تريليون وون (218 مليار دولار) بحلول 2030. ترتكز رؤيته على ثلاث دعامات: بناء بنية تحتية رقمية شاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعى، وريادة صناعات الطاقة النظيفة خاصة البطاريات المتقدمة، وتحويل المحتوى الثقافى الكورى إلى قوة ناعمة تسهم بنسبة 15% من الناتج المحلى. يهدف هذا التحول إلى مواجهة الحمائية العالمية وتحديات إدارة ترامب الثانية، عبر جعل كوريا "صانعة أولى" فى الصناعات المستقبلية بدلا من "ناسخة" لتجارب الآخرين.

يواجه لى مهمة إصلاح النظام السياسى بعد أزمة الأحكام العرفية عام 2024. رؤيته تنطلق من تقييد الصلاحيات الاستثنائية للرئاسة، وتعزيز الرقابة البرلمانية على القرارات الأمنية، وإنهاء ثقافة الانتقام السياسى. كما يخطط لفصل السلطات القضائية والتحقيقية، وزيادة شفافية مؤسسات الدولة، مثل هيئة حقوق الوطنية واللجنة الوطنية للتدقيق، بهدف بناء نظام ديمقراطى قائم على الثقة والمساءلة.

يتبنى لى منهجا عمليا يركز على "المصلحة الوطنية" بعيدا عن الانقسامات الأيديولوجية. تحافظ سياسته على التحالف مع واشنطن فى المجالات الأمنية والتكنولوجية، مع السعى لاستعادة السيطرة التشغيلية على القوات الكورية فى زمن الحرب. فى الوقت ذاته، يعمل على إعادة بناء العلاقات مع بكين وموسكو، واستئناف الحوار المشروط مع بيونغ يانغ دون التخلى عن هدف نزع السلاح النووى. هذا التوازن الدقيق يهدف لحماية مصالح كوريا فى ظل تصاعد التنافس الأمريكى-الصينى.

يُعيد لى تصميم سياسات الرعاية الاجتماعية عبر ثلاث ثورات: تعميم نموذج الرعاية الصحية الشامل الذى نجح فى تطبيقه بسونغنام، وزيادة مخصصات الأطفال إلى 700 ألف وون شهريا لمكافحة أدنى معدل مواليد فى العالم، وإنشاء صندوق إسكانى بقيمة عشرة تريليونات وون لتمكين الشباب. فى مجال العمل، يلتزم ببناء "مجتمع يحترم العامل" عبر ضمان حقوق العمال غير النظاميين، وتحقيق المساواة الجندرية، وتقليل ساعات العمل إلى 4.5 أيام أسبوعيا.

تتمثل إحدى ركائز رؤية لى فى كسر الاحتكار التنموى لمنطقة العاصمة. عبر استراتيجية "خمس مناطق كبرى وثلاث محافظات ذاتية خاصة"، يسعى لنقل مراكز القوى إلى الأقاليم. يشمل ذلك إكمال تحويل سيجونغ إلى العاصمة الإدارية الفعلية بنقل مقر الرئاسة والبرلمان، وتطوير شبكات السكك الحديدية الإقليمية، وإنشاء مراكز تكنولوجية متخصصة فى كل منطقة.

مؤشرات الاستقرار السياسى فى عهد لى جاى-ميونغ: قراءة معمقة فى المشهد الكورى الجنوبى:

عقب واحدة من أعقد الأزمات السياسية التى شهدتها كوريا الجنوبية منذ عقود، جاء انتخاب لى جاى-ميونغ فى يونيو 2025 ليشكل نقطة تحول فارقة فى مسار البلاد. فبعد عزل الرئيس السابق يون سوك-يول وإعلان الأحكام العرفية، بدا المشهد الداخلى وكأنه على شفا انهيار مؤسساتى. لكن صعود لى، مدعوما بتفويض شعبى واسع وأغلبية برلمانية مريحة، أعاد الأمل فى إمكانية ترميم النظام السياسى واستعادة الاستقرار.يواجه لى اختبارات مصيرية: القضايا القانونية المعلقة ضد عائلته تهدد شرعيته، ومقاومة المحافظين للإصلاحات الدستورية تعرقل التغيير، والموازنة بين الضغوط الأمريكية والصينية تختبر براعته الدبلوماسية. رغم ذلك، فإن رؤيته الشاملة تمثل محاولة جريئة لتحويل الأزمات إلى فرص، فى لحظة تاريخية ستحدد مصير إحدى أهم ديمقراطيات آسيا.

يُعد التفويض الشعبى الذى حصل عليه لى جاى-ميونغ من أبرز مؤشرات الاستقرار فى عهده. فقد تجاوز عدد الأصوات التى حصل عليها حاجز السبعة عشر مليونا، وهو رقم لم يتحقق منذ عقود، ما يمنحه شرعية قوية وقدرة على اتخاذ قرارات جريئة دون الخشية من فقدان الدعم الشعبى. كما أن سيطرة حزبه الديمقراطى على البرلمان توفر له قاعدة صلبة لتمرير الإصلاحات ومواجهة أى محاولات لعرقلة سياساته.

منذ اليوم الأول لتوليه المنصب، أعلن لى عن نيته معالجة أوجه القصور فى النظام السياسى، خاصة فيما يتعلق بتركيز السلطات فى يد الرئيس. أطلق حوارا وطنيا حول إصلاح الدستور، مع التركيز على التحول نحو نظام شبه برلمانى يحد من صلاحيات الرئاسة ويعزز الرقابة البرلمانية. هذه المبادرة لاقت ترحيبا من قطاعات واسعة من المجتمع، واعتُبرت خطوة ضرورية لمنع تكرار أزمات الماضى وضمان استدامة الاستقرار السياسى.

رغم التحديات الاقتصادية التى ورثها عن سلفه، شهدت كوريا الجنوبية فى الأشهر الأولى من عهد لى بوادر انتعاش ملحوظة. ارتفع مؤشر "كوسبي" بنسبة ملحوظة، وتحسنت قيمة الوون الكورى، كما بدأت الاستثمارات فى قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى تؤتى ثمارها. هذا التحسن الاقتصادى أسهم فى تعزيز ثقة المواطنين بالحكومة الجديدة، وقلل من حدة القلق الاجتماعى الذى رافق الأزمة السياسية.

أدرك لى جاى-ميونغ أن الاستقرار الحقيقى لا يتحقق إلا بتجاوز الانقسامات الحزبية والأيديولوجية التى مزقت المجتمع الكورى فى السنوات الأخيرة. لذلك، تبنى خطابا توافقيا يركز على القضايا الوطنية الكبرى، ونجح فى استقطاب بعض الكوادر من المعسكر المحافظ، مما ساعد فى تهدئة الأجواء السياسية وخلق مناخ أكثر ملاءمة للعمل الحكومى المشترك.

ورغم المؤشرات الإيجابية، لا تزال هناك تحديات تهدد استدامة الاستقرار. فالقضايا القانونية المعلقة ضد الرئيس وعائلته، واستمرار بعض مظاهر الاحتجاج الشعبى، وصعوبة تمرير إصلاحات دستورية جذرية فى ظل مقاومة بعض القوى التقليدية، كلها عوامل تفرض على إدارة لى ضرورة التحلى بالمرونة والحكمة فى إدارة المرحلة المقبلة.

يمثل عهد لى جاى-ميونغ فرصة تاريخية لكوريا الجنوبية لإعادة بناء مؤسساتها السياسية وتعزيز وحدتها الوطنية. الشرعية الشعبية، والإصلاحات المؤسسية، والانتعاش الاقتصادى تشكل معا دعائم قوية للاستقرار، لكن استمرار هذا الاستقرار سيظل مشروطا بقدرة القيادة على معالجة التحديات القانونية والاجتماعية، وتقديم نموذج جديد للحكم يضمن مشاركة أوسع وتحقيق العدالة والشفافية. فى ظل هذه المعادلة، يبقى مستقبل كوريا الجنوبية مفتوحا على احتمالات متعددة، لكن الأمل فى الاستقرار الدائم بات أقرب من أى وقت مضى.

مؤشرات عدم الاستقرار السياسى فى عهد لى جاى-ميونغ: تحديات مصيرية تواجه التجربة الكورية:

يواجه الرئيس لى جاى-ميونغ تحديات قانونية جسيمة تهدد شرعيته واستقرار حكمه. فالمحكمة العليا الكورية ألغت فى مايو 2025 قرارا ببراءته فى قضية انتهاك قوانين الانتخابات، وأعادت القضية للمحاكمة مجددا. هذه الإجراءات القضائية، رغم عدم منعها له من تولى الرئاسة، تخلق حالة من عدم اليقين القانونى. كما أن اتهامات الفساد المرفوعة ضده من فترة حكمه المحلية تظل سيفا مصلتا على شرعيته.

تظل كوريا الجنوبية مجتمعا ممزقا بعمق بعد أزمة الأحكام العرفية لعام 2024. استطلاع معهد آسيا الشرقية(EAI) يشير إلى أن الاستقطاب السياسى يزداد حدة، مدفوعا بانقسامات حزبية وعاطفية أكثر منه أيديولوجية. هذا الانقسام يتجلى فى استمرار المظاهرات المؤيدة للرئيس السابق يون سوك-يول، والتى تعتبر إجراءات عزله "انقلابا على الديمقراطية" بنسبة 42% بين المحافظين. الهجوم على محكمة سيول فى أبريل 2025 يظل شاهدا حيا على عمق الشرخ الاجتماعى.

ورث لى اقتصادا يعانى من تباطؤ حاد، حيث انخفض النمو إلى 1.6–1.7% فى 2025. هذا الترنح الاقتصادى نتج عن ركود الاستهلاك المحلى، وضعف الاستثمارات، وانهيار الوون الكورى لأدنى مستوى فى 15 عاما. التوترات التجارية مع واشنطن، خاصة الرسوم الجمركية التى فرضها ترامب، تزيد الوضع تعقيدا دون حلول واضحة. هذه العوامل مجتمعة تهدد بزعزعة الاستقرار الاجتماعى إذا فشلت سياسات التحفيز الاقتصادى.

كشفت أزمة 2024 عن ثغرات خطيرة فى البنية السياسية الكورية، خاصة تركيز السلطات فى الرئاسة. التناوب السريع لثلاثة رؤساء مؤقتين خلال ستة أشهر خلف شعورا بـ"القيادة الشبحية". رغم وعود لى بالإصلاح الدستورى وتحويل النظام إلى شبه برلمانى، فإن تنفيذ هذه الإصلاحات يواجه مقاومة من القوى المحافظة فى ظل بيئة سياسية مشحونة.

يواجه لى اختبارات دبلوماسية مصيرية: التوتر مع بيونغ يانغ المتعززة بتحالفها مع موسكو، والعلاقة المتوترة مع واشنطن بسبب الرسوم الجمركية.تصريحاته السابقة التى وصف فيها القوات الأمريكية بـ"قوة احتلال" تزيد من تعقيد التحالف التقليدى.هذه العوامل الخارجية قد تنعكس سلبا على الاستقرار الداخلى، خاصة فى ظل الاعتماد الكورى على التصدير.

تقف التجربة الكورية عند مفترق طرق حاسم: فبينما تمنح الأغلبية البرلمانية هامشا للاستقرار النسبي، فإن تفاقم التحديات القانونية أو الاقتصادية قد يعيد البلاد إلى دوامة الاضطراب. نجاح لى مرهون بقدرته على تحويل الأزمات إلى فرص للإصلاح الجذرى، فى اختبار مصيرى لبقاء إحدى أهم ديمقراطيات آسيا. التحدى الأكبر يكمن فى تحقيق المعادلة المستحيلة: مصالحة المجتمع المنقسم، وإصلاح المؤسسات الهشة، وإنعاش الاقتصاد المتعثر، كل ذلك تحت سحابة اتهامات قانونية تهدد بابتلاع أى إنجاز.

مستقبل عهد لى جاى-ميونغ: سيناريوهات بين الاستقرار والاضطراب:

تولى لى جاى-ميونغ رئاسة كوريا الجنوبية فى يونيو 2025 وسط إرث ثقيل: أزمة دستورية ناتجة عن إعلان سلفه يون سوك-يول للأحكام العرفية، واقتصاد منهك بنمو لا يتجاوز 1.7%، وانقسام مجتمعى عميق. رغم فوزه الساحق بنسبة 49.4% والأغلبية البرلمانية لحزبه، فإن مستقبل عهده يحمل ثلاثة سيناريوهات محتملة تتأرجح بين الاستقرار والاضطراب.

السيناريو الأول- التعافى المؤسسى والاستقرار التدريجى:

قد يشهد هذا المسار تعافيا مؤسسيا تدريجيا، حيث تستفيد إدارة لى من التفويض الشعبى القوى والأغلبية البرلمانية لتحقيق إصلاحات جوهرية. نجاحه فى تقييد الصلاحيات الاستثنائية للرئاسة عبر تحويل النظام إلى شبه برلمانى، كما وعد خلال حملته، قد يقطع الطريق على تكرار أزمات الحكم. فى الجانب الاقتصادى، قد تؤدى استثماراته الضخمة فى الصناعات الرقمية (218 مليار دولار) إلى انتعاش تدريجى، خاصة مع ارتفاع مؤشر "كوسبي" بنسبة 4.3% منذ تنصيبه. جهود رأب الصدع المجتمعى، عبر استقطاب كوادر محافظة معتدلة مثل هير أوون-ا، قد تخفف حدة الاستقطاب. هذا المسار سيدعمه إجماع وطنى على ضرورة تجاوز الأزمة، كما برز خلال عملية عزل يون.

السيناريو الثانى- تفاقم الأزمات القانونية والاقتصادية:

فى المقابل، قد تدفع التحديات القانونية النظام إلى دوامة اضطراب. فمحاكمة لى فى خمس قضايا فساد معلقة، وإدانة زوجته وابنه، قد تشل العمل الحكومى وتُغذى الاحتجاجات، خاصة مع تصاعد اتهامات "الكيل بمكيالين" بعد محاولة حزبه تعليق محاكمته. اقتصاديا، قد تؤدى التوترات التجارية مع واشنطن (خاصة رسوم ترامب الجمركية) إلى انهيار أوسع للوون الكورى، الذى وصل بالفعل لأدنى مستوى فى 15 عاما. تفاقم هذه العوامل قد يعيد إنتاج سيناريو "القيادة الشبحية"، خاصة مع استمرار تظاهرات أنصار يون الذين يعتبرون 42% منهم إجراءات العزل "انقلابا على الديمقراطية".

السيناريو الثالث- الاستقرار الهش والتحول البطيء:

يبدو هذا المسار الأكثر ترجيحا فى المدى المتوسط: استقرار هش تدعمه الأغلبية البرلمانية والتفويض الشعبى، لكنه مهدد بتفجر الأزمات. فمن ناحية، قد تنجح سياسات لى فى تحقيق انتعاش اقتصادى طفيف وتحسين مؤشرات الثقة، لكن التحديات الهيكلية (شيخوخة السكان، المنافسة التكنولوجية) ستبقى ضاغطة. فى الجانب السياسى، قد تُمرر إصلاحات دستورية محدودة، لكن الإرث القانونى للى وعائلته سيظل سيفا مصلتا على شرعيته. فى العلاقات الدولية، قد يحافظ لى على توازن دقيق بين واشنطن وبكين، لكن تصريحاته المثيرة للجدل (مثل وصف القوات الأمريكية بـ"قوة احتلال") قد تهدد التحالف التقليدى دون تقديم بديل واضح.

العوامل الحاسمة.. الإصلاحات والشرعية:

مصير سيناريوهات المستقبل يرتهن بعاملين:

1- قدرة لى على ترجمة الإصلاحات الدستورية إلى واقع، خاصة تقييد سلطات الطوارئ الرئاسية، وهو ما قد يقطع دورة الانتقام السياسى.

2- نجاح سياساته الاقتصادية فى تحسين المعيشة اليومية، حيث إن أى انتكاسة ستغذى الغضب الشعبى، خاصة بين الشباب الذين يعانون بطالة مرتفعة.

3- إدارة الملف القانونى بحكمة، ففشله فى تجاوز اتهامات الفساد قد يحول الأغلبية البرلمانية من نعمة إلى نقمة.

تتجه كوريا الجنوبية نحو مرحلة مصيرية: فبينما تمثل شرعية لى الانتخابية وقوة حزبه فرصة ذهبية لبناء استقرار دائم، فإن تركة الأزمات القانونية، والاقتصادية، والاجتماعية قد تعيد البلاد إلى مربع الاضطراب. نجاح السيناريو الأول يعتمد على تحول لى من "سياسى صدامي" إلى "مهندس مؤسسي"، وقدرته على تحويل خطاب المصالحة إلى سياسات ملموسة. فشله فى ذلك قد يجعل من عهده مجرد فاصلة مؤقتة بين أزمتين، فى اختبار حاسم لديمقراطية شابتها الهشاشة لكنها لم تنكسر.

موقف الأطراف الدوليةمن عهد لى جاى-ميونغ: معادلة جيوسياسية معقدة:

تبدى كوريا الشمالية حذرا ملحوظا تجاه الرئيس الكورى الجنوبى الجديد لى جاى-ميونغ. رغم تصريحاته الداعمة لإعادة الحوار واستئناف الخط الساخن العسكرى بين الكوريتين، لم يُصدر النظام الكورى الشمالى أى موقف رسمى واضح تجاه سياساته. يُفسر هذا الصمت بعدة عوامل: التجارب السابقة مع سياسات الانفتاح الكورية الجنوبية، والتركيز الحالى على تعزيز التحالف مع روسيا، والانتظار لرؤية مدى قدرة لى على تنفيذ وعوده وسط الضغوط الأمريكية. الأهم أن بيونغ يانغ تسعى لاستغلال الفرصة لتحقيق مكاسب ملموسة، خاصة فى ظل حاجتها الملحة لتخفيف العقوبات الدولية.

تُصر الإدارة الأمريكية على موقف ثابت: أى حوار مع الشمال يجب أن يبدأ بتقدم ملموس فى نزع السلاح النووى. هذا الموقف يُشكل قيدا رئيسيا على سياسة لى الانفتاحية، خاصة مع تصاعد التعاون العسكرى بين بيونغ يانغ وموسكو. التصريحات الأمريكية الأخيرة تؤكد أن "الحوار من أجل الحوار" ليس خيارا، بل يجب أن يكون مدخلا لتغيير سلوكى فعلى من قبل النظام الشمالى.كما تُعبّر واشنطن عن قلقها من تصريحات لى السابقة التى وصف فيها القوات الأمريكية بـ"قوة احتلال"، مما يثير تساؤلات حول استمرارية التحالف التقليدى.

استغلت روسيا الفراغ السياسى فى شبه الجزيرة الكورية لتعزيز تحالفها مع بيونغ يانغ بشكل غير مسبوق. بعد توقيع "معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة" فى 2024، التى تتضمن بندا للدفاع المشترك، أصبحت موسكو المزود العسكرى الرئيسى لكوريا الشمالية. هذا التحول يمنح بيونغ يانغ هامشا أكبر للمناورة، ويقلل من اعتمادها التاريخى على الصين، كما يوفر لها غطاءً دبلوماسيا فى المحافل الدولية. الأهم أن روسيا قدمت تكنولوجيا عسكرية متطورة (مثل الطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للطائرات) ساهمت فى تحديث الجيش الكورى الشمالى.

معضلة لى جاى-ميونغ.. موازنة المستحيل:

يواجه الرئيس الكورى الجنوبى تحديا ثلاثى الأبعاد:

·  ضغط واشنطن للحفاظ على التحالف الصارم وعدم تقديم تنازلات دون ضمانات نووية.

·  رغبة بيونغ يانغ فى تخفيف العقوبات مع الحفاظ على ترسانتها النووية.

· التوغل الروسى الذى يحول كوريا الشمالية إلى ورقة ضغط فى الصراع مع الغرب.
وتحاول سياسته المعلنة "للحوار المشروط" تجاوز هذا المأزق عبر خطوات رمزية (كإيقاف البث عبر مكبرات الصوت عند الحدود)، لكنها تصطدم بواقع أن موسكو وواشنطن تمتلكان أدوات تأثير أقوى من سيول فى الملف النووى.

صراع النفوذ ومحدودية الدور الكوري:

قد تتحول شبه الجزيرة الكورية إلى ساحة لتصفية حسابات القوى الكبرى. فروسيا تسعى لتعزيز نفوذها عبر تحالفها مع بيونغ يانغ، بينما تحاول واشنطن إبقاء سيول فى الفلك الغربى. فى هذا السياق، قد تجد بيونغ يانغ فى التحول السياسى الكورى الجنوبى فرصة لتحقيق مكاسب آنية، لكنها تدرك أن أى تقدم فى العلاقات مع سيول مرهون بموافقة القوى الكبرى. نجاح لى جاى-ميونغ فى لعب دور الوسيط الفعال سيعتمد على قدرته فى إقناع واشنطن بقبول سياسة المرونة، وفى الوقت ذاته منع تحول بيونغ يانغ إلى أداة فى الصراع الروسى-الأمريكى. وتبقى كوريا الشمالية اللاعب الأكثر غموضا فى المعادلة. رغم صعود نجمها مؤقتا بفضل الدعم الروسى، فإن اعتمادها على موسكو يحمل مخاطر استراتيجية على المدى الطويل. أما جهود لى جاى-ميونغ لإحياء الحوار، فستظل مقيدة بصراع النفوذ بين القوى العظمى، مما يحد من قدرة سيول على قيادة أى تحول جوهرى فى المشهد الكورى. مستقبل شبه الجزيرة قد لا يُكتب فى سيول أو بيونغ يانغ، بل فى العواصم التى تمتلك مفاتيح الصراع وتوازناته.

طباعة

    تعريف الكاتب

    جمانة نظمى

    جمانة نظمى

    معيدة- كلية العلوم السياسية، جامعة بدر بالقاهرة