تحليلات - مصر

استحقاقات قادمة:| التحالفات المحتملة في البرلمان المصري بعد الانتخابات

طباعة

الأربعاء 11- 1- 2012

شارفت أول انتخابات تشريعية بعد الثورة علي الانتهاء بإعلان النتائج النهائية للجولة الأولي من المرحلة الثالثة، والتي اختتمت فترة طويلة من السجال السياسي بين التيارات والأحزاب المتنافسة، وكشفت بوضوح عن الخريطة الحزبية المصرية لتنهي حالة الضبابية السياسية والفراغ السياسي الذي خلفه انهيار النظام السلطوي السابق والحزب الوطني المنحل . ويكتسب برلمان الثورة أهميته الاستثنائية من كونه يمثل المؤسسة الوحيدة في النظام السياسي التي تحظي حالياً بالشرعية كنتاج للاحتكام للشعب لحسم الصراع بين القوي السياسية حول مسار المرحلة الانتقالية وملامح الدستور الجديد، في محك عصيب للثورة المصرية ومختلف القوي الثورية.  

وكما كان متوقعاً، أسفرت الانتخابات عن سيطرة التيارات الإسلامية، برافديها الإخواني والسلفي، على برلمان الثورة، ونجحت في  الحصول على أغلبية تقترب من نسبة 70% من المقاعد، بما لم يخالف التوقعات قبيل بداية العملية الانتخابية في ظل انتشار مؤيديها، وتماسك قاعدتها الانتخابية، فضلاً عن توظيفها للشعارات الدينية لاجتذاب أصوات الناخبين. وتثير هذه السيطرة شبه المطلقة للتيارات الإسلامية على برلمان الثورة عدة تساؤلات حول التحالفات السياسية التي ستنشأ داخل البرلمان، ومدى قدرة هذه المؤسسة المنتخبة والأحزاب التي حازت ثقة الناخبين على إعادة الثورة لمسارها الصحيح، وتحقيق الاستحقاقات الثورية، في ظل تحديات متعددة، وتأزم الأوضاع السياسية، واحتدام المواجهة بين القوى الثورية والمجلس العسكري، لاسيما في ظل الهزيمة السياسية التي منيت بها غالبية الأحزاب التي تمثل شباب الثورة والتيارات الليبرالية واليسارية على السواء.

أولاً - حصاد الانتخابات البرلمانية:

أسفرت الانتخابات البرلمانية بمراحلها الثلاث، وقبيل جولة الإعادة، عن حصول حزب الحرية والعدالة، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، على 192 مقعدا بنسبة نحو 38 % من إجمالي مقاعد المجلس، في حين حصلت الأحزاب المتحالفة مع حزب الحرية والعدالة في إطار التحالف الديمقراطي على نحو 15 مقعدا، بما يرفع من تمثيل التحالف إلى نحو 207 مقاعد بنسبة 41.5 % من المقاعد .

وجاءت كتلة النور السلفية المكونة من أحزاب النور والأصالة والبناء والتنمية في المرتبة الثانية، حيث حصلت على نحو 106 مقاعد حتى الآن، يما يعادل نحو 25% من إجمالي المقاعد، ولم تنجح كافة محاولات الاحتواء السياسي  في تقليل نصيبه من المقاعد، نتيجة اعتماده على دعم رموز التيار السلفي ممن يحظون بقبول شعبي واسع النطاق، وتوظيف مريدي هذا التيار لدور العبادة والشعارات الدينية لاكتساب مزيد من الأصوات .

ويأتي حزب الوفد في المرتبة الثالثة بإجمالي نحو 45 مقعدا، بما يعادل نحو 9% من إجمالي مقاعد المجلس، تليه في الترتيب مباشرة الكتلة المصرية المكونة من حزب المصريين الأحرار والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب التجمع، حيث حصلت على 43 مقعدا بنسبة 8%. ويرجع نجاح حزب الوفد في تحسين أدائه في المرحلتين الثانية والثالثة ليقتنص الترتيب الثالث في عدد المقاعد من الكتلة المصرية إلى استعانته برموز كبار العائلات في الدوائر الريفية، واعتماده على التربيطات الانتخابية، فضلاً عن تكثيف دعايته في مختلف الدوائر. أما الكتلة المصرية، فقد تأثرت سلباً بما أشاعه عنها خصومها حول كونها مدعومة من الكنيسة القبطية، كما أسهمت بعض التصريحات المثيرة للجدل من جانب بعض مؤسسيها ورموزها، بالإضافة إلى الطبيعة الريفية المحافظة لدوائر المرحلتين  الثانية والثالثة، في تراجع نصيبها من الأصوات من نحو 13% في المرحلة الأولي إلى نحو 7% تقريبا في المرحلتين الثانية والثالثة .

وتراجع حزب الوسط بقوة خلال المرحلتين الثانية والثالثة، ولم يتمكن خلال المراحل الثلاث سوى من حصد نحو 11 مقعداً بنسبة 2% من إجمالي المقاعد التي تم التنافس عليها، على الرغم من اعتباره أكثر الأحزاب ذات المرجعية الدينية اعتدالا وقبولاً لمبادئ مدنية الدولة والمواطنة، وكونه المنافس الأبرز لحزب الحرية والعدالة  في وضوح البرنامج الانتخابي وتوازن خطابه السياسي . ويعزي ذلك التراجع إلى ضعف خبراته السياسية، وافتقاده للقدرات التنظيمية بالمقارنة بجماعة الإخوان المسلمين .

أما عن أقل التيارات السياسية تمثيلاً في مجلس الشعب، فكانت ائتلاف الثورة مستمرة، الممثل الأكبر لشباب الثورة على المستوى السياسي، حيث لم يحصد سوى 9 مقاعد بنسبة 1.5% من إجمالي المقاعد بالمراحل الثلاث. ويعد هذا الإخفاق مؤشرا على عجز هذا التيار عن ترجمة الزخم الثوري والمطالب الشعبية إلى حشد تصويتي لصالحهم لاستغلال آليات التمثيل السياسي في ضمان استكمال الاستحقاقات الثورية. ويرجع هذا الإخفاق إلي التركيز في المجال الافتراضي، والصراع مع المجلس العسكري أكثر من الدعاية السياسية في الدوائر المختلفة، وتشتت وانقسام ممثليهم في الانتخابات، بما أدى لتفتيت قاعدتهم التصويتية، فضلاً عن ضعف خبراتهم السياسية، وافتقادهم للتمويل اللازم للمنافسة .

وفجرت أحزاب الفلول مفاجأة ختام انتخابات برلمان الثورة بحصول بعضها، خاصة حزب الإصلاح والتنمية وحزب المواطن المصري وحزب الحرية وحزب مصر القومي، على نحو 19 مقعدا بنسبة 5% من المقاعد التي تم حسمها قبيل جولة الإعادة، ومن المنتظر أن تشكل هذه الأحزاب كتلة برلمانية يصل عددها إلى 25 مقعدا بالبرلمان، في حالة ضم المستقلين إليها. وتعكس هذه النتائج قدرة تلك الأحزاب علي الإفادة من التركيبة العائلية الريفية لدوائر المرحلتين الثانية والثالثة، وترشيح كبار العائلات ورجال الأعمال على رءوس قوائمها بما مكنها من تجاوز آثار التصويت العقابي الذي أثر في نتائجها في المرحلة الأولي نسبياً .

ومن ثم، يمكن القول إن نتائج الانتخابات كشفت عن الحجم الضئيل لمختلف لأحزاب الليبرالية واليسارية والثورية القديمة والناشئة، ومحدودية تأثيرها فى الناخبين، وأن بعضها لا يتجاوز نشاطه مقره الرئيسي، في مقابل ثقل وزن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وقدرتها على التنظيم، وحشد الأصوات لصالحها. وأسهم افتقار الأحزاب المدنية والثورية إلى التوافق السياسي في برامجها، أو قبول الانضمام لتكتلات موحدة، في تكريس إخفاقها السياسي، بالإضافة إلى عجز تلك الأحزاب عن إقناع جمهور الناخبين بخطابها السياسي، وتطوير لغة مفهومة للناخب العادي تجتذب إليها أصوات الناخبين .

ثانياً- التحالفات المحتملة لبرلمان الثورة :

لم يتمكن أي تيار أو ائتلاف حزبي منفرد من تحقيق أغلبية مطلقة في مجلس الشعب، بما سيجعل اللجوء للتحالفات حتمياً لتحقيق لتمرير التشريعات، لاسيما تلك التي تتعلق بالدستور الجديد، وترتيبات انتقال السلطة. ونتيجة سيطرة حزب الحرية والعدالة على أكبر عدد من المقاعد، فإنه سيشغل مركز التجاذبات السياسية، وسيعمل على استقطاب أحزاب أخرى للانضمام للتحالف الديمقراطي الذي يتزعمه، أو التنسيق مع تكتلات منافسة. وكما كانت خريطة التحالفات السياسية قبيل الانتخابات تفتقد للاتساق الأيديولوجي، باستثناء تحالف النور السلفي، فإن الطابع البرجماتي سيظل هو الحاكم لمختلف التحالفات داخل مجلس الشعب، ومن المرجح أن تنتظم التحالفات السياسية بإحدى الصيغ التالية :

1- الاستقطاب الأيديولوجي :

قد تلجأ الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية لتكوين ائتلاف متجانس أيديولوجيا في مواجهة الأحزاب الداعمة لمدنية الدولة وحقوق المواطنة والعلمانية، حيث سيضمن هذا التحالف الإسلامي  السيطرة على ما لا يقل عن 70 % من مقاعد المجلس، وستتمكن من تمرير مختلف التشريعات، نتيجة القواسم المشتركة في برامجها. الشق الآخر لهذا السيناريو يتمثل في لجوء الأحزاب الداعمة لمدنية الدولة الليبرالية واليسارية للتحالف تحت زعامة حزب الوفد وأحزاب الكتلة المصرية لموازنة نفوذ التحالف الإسلامي .

بيد أن هذا السيناريو غير مرجح لوجود اختلافات جوهرية بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، لاسيما بين الإخوان والأحزاب السلفية، خاصة ما يتعلق بالموقف من مدنية الدولة والديمقراطية والتعددية الحزبية، حيث لا تزال الأحزاب السلفية ترفض كافة هذه الأسس بدعوى تعارضها مع الشريعة، وهو ما لا ينطبق على حزب الحرية والعدالة، الذي يقبل كافة هذه المبادئ كقواعد تنظم العلمية الديمقراطية وتداول السلطة، فضلاً عن برجماتية الإخوان المسلمين التي تؤهلهم للتوافق مع مختلف القوى السياسية، في مقابل خلافات عديدة في التوجهات بين حزب النور ومختلف الأحزاب، قد تؤدي به لعزلة سياسية تؤثر في فعاليته، وتثقل على الأحزاب المتحالفة معه .

الاختيار الثاني لحزب الحرية والعدالة من بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية يتمثل في التحالف مع حزب الوسط، نتيجة التقارب في البرامج والأفكار بين الحزبين، وانتماء قيادات الوسط سابقاً للإخوان المسلمين. إلا أن الخلافات المحتدمة بين قيادات الطرفين وتبادل الاتهامات بينهما، خلال العملية الانتخابية وقبلها، وضآلة التمثيل السياسي للوسط بالبرلمان، قد تعترض إمكانية تحقق هذه الاحتمالية .

2- توسيع نطاق التحالف الديمقراطي :

الاحتمال الثاني هو أن تلجأ جماعة الإخوان لتوسيع نطاق التحالف الديمقراطي من أجل مصر الذي خاض الانتخابات على قوائم حزب الحرية والعدالة، وليضم حزبى الوفد والعدل وبعض المستقلين، أو ائتلاف الثورة مستمرة بهدف تحقيق قدر من التوافق على إدارة ما تبقى من استحقاقات المرحلة الانتقالية، وطمأنة مختلف التيارات الليبرالية واليسارية وشباب الثورة والأطراف الخارجية حول عدم انفراد تيار سياسي واحد بصياغة التشريعات والسيطرة على المؤسسة التشريعية .

 ولكن من غير المرجح أن يتحالف حزب الحرية والعدالة مع أحزاب الكتلة المصرية (المصريين الأحرار، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحزب التجمع) التي تتشارك في مواقفها العدائية تجاه الإخوان المسلمين، وتضامنت بالأساس لمنافستهم في الانتخابات، والحيلولة دون وصولهم للأغلبية في مجلس الشعب، ومن ثم قد تلجأ الكتلة للتحالف مع تحالف الثورة مستمرة، والمستقلين، لتكون بذلك كتلة المعارضة بالمجلس .

3- التحالفات المصلحية المؤقتة :

تتمثل الصيغة الثالثة للتحالفات في تجنب التحالفات الدائمة، والميل للتحالفات المؤقتة حول القضايا التي تطرح للنقاش والتصويت في مجلس الشعب. فإذا ما طرحت قضايا تتعلق بوضع الشريعة الإسلامية في تنظيم المجتمع والدولة، فسيلجأ حزب الحرية والعدالة للتكتل مع الأحزاب السلفية في مواجهة الأحزاب الليبرالية واليسارية التي تتنوع مواقفها بين الرفض الكامل لتلك الأطروحات والقبول المشروط ببعضها .

أما فيما يتعلق بقضايا انتقال السلطة، وحدود دور المجلس العسكري في النظام السياسي، والمطالب الثورية، فقد يلجأ الحزب الرئيسي للتنسيق مع الأحزاب والتيارات المدنية، خاصة ائتلاف شباب الثورة، وإيجاد صيغة توافقية على أولويات تشريعية ووطنية فيما يتعلق بصياغة الدستور، وإنجاز قانون استقلال السلطة القضائية، والتعجيل بمحاكمة رموز النظام السابق بهدف احتواء شباب الثورة، وتجنب اعتراضهم أو لجوئهم للتظاهر، وحشد الرأي العام ضد المجلس التشريعي.

ثالثاً- تحديات تواجه برلمان الثورة :

بغض النظر عن خريطة التحالفات السياسية بعد الانتخابات التشريعية، فإن انعقاد برلمان الثورة يأتي خلال مخاض عصيب تمر به الدولة المصرية بمختلف مؤسساتها، لاسيما في ظل استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية، والاحتجاجات الفئوية، والانفلات الأمني، وحالة الجدل السياسي المحتدم حول تأخر تحقيق استحقاقات الثورة وانتقال السلطة، وهو ما ينذر باحتمال تفجر الأوضاع من جديد، والعودة لنقطة الصفر، مع اقتراب حلول ذكرى قيام الثورة في 25 يناير، وعزم مختلف ائتلافات الثورة والأحزاب على استغلالها لاستعادة الزخم الثوري، والتعجيل بانتقال السلطة من المجلس العسكري.  وتشمل قائمة التحديات التي يواجهها المجلس التشريعي ما يلي :

1- تحديد دور مجلس الشعب خلال المرحلة الانتقالية :

تعد صلاحيات البرلمان القادم إحدى أهم القضايا الخلافية بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين. فوفق قراءة المجلس العسكري للإعلان الدستوري، فإن دور مجلس الشعب يقتصر على تشكيل لجنة إعداد الدستور بالاسترشاد بمعايير يتم التوافق عليها بين القوى السياسية، في حين لا يحق لمجلس الشعب – وفق رؤية المجلس العسكري – تشكيل الحكومة، أو الرقابة عليها، أو وضع الدستور منفرداً، بمعني افتقاده لآليات الرقابة البرلمانية، ومحدودية صلاحياته التشريعية .

 في المقابل، يري عدد من قيادات حزب الحرية والعدالة، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، أنه من غير المنطقي أن يتم تجريد البرلمان المنتخب من غالبية صلاحياته، لاسيما أن الناخبين قد منحوه ثقتهم للمشاركة في إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، وتقاسم السلطة مع المجلس العسكري، بحيث يتولي الأخير الصلاحيات الرئاسية والتنفيذية، ويتولي المجلس صلاحيات التشريع والرقابة على الحكومة .

وبغض النظر عن هذه الخلافات، فإن الإخوان لا يميلون للصدام مع المجلس العسكري، وهو ما دلت عليه تصريحات بعض قياداتهم بقبولهم لحكومة الجنزوري، واستعدادهم للتعاون مع المجلس العسكري حتى إتمام انتقال السلطة. لكن يظل موقفهم النهائي ملتبساً وغامضاً، ويبدو أنهم في انتظار انعقاد المجلس رسمياً لتحديد معالم دوره السياسي خلال المرحلة الانتقالية .

2- إحباط ثورة الآمال والتوقعات :

ارتبطت الثورة في أذهان المصريين في بدايتها بمدلولات إيجابية، مثل الازدهار الاقتصادي، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة. ولكن مع امتداد المرحلة الانتقالية من ستة أشهر إلى سنة ونصف سنة تقريباً، ونتيجة عدم تحقق مطالب الثورة السياسية والاجتماعية، والانفلات الأمني، وتردي الأوضاع الاقتصادية، بدأت الجماهير في النفور من استمرار الوضع الراهن، لاسيما مع تآكل الاحتياطي النقدي إلى 18 مليار دولار، وفقدان الاقتصاد المصري لموارد النقد الأجنبي، مثل القطاع السياحي الذي تراجعت إيراداته بمقدار3 مليارات دولار بنهاية عام 2011، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وزيادة عجز الموازنة إلى ما يتجاوز  8.6 % من الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن تصاعد معدلات البطالة، واستمرار الانفلات الأمني.

ومن ثم، أضحي المواطنون الأكثر وعياً والأكثر فقراً يشعرون بالإحباط من عدم جني ثمار الثورة. وتضفي بعض القضايا الشائكة علي مهمة المجلس التشريعي صعوبات إضافية، خاصة قضايا شهداء الثورة التي لم يفصل فيها القضاء حتى الآن، بالنظر إلى ما قد يترتب عليها من تداعيات أمنية في حالة إصدار أحكام لصالح أي من طرفيها، وهو ما يضع مسئولية كبيرة على مجلس الشعب والأغلبية البرلمانية لتوجيه جماهير الناخبين لدعم استمرار المرحلة الانتقالية، وعدم الانقلاب عليها ثورياً، وتقديم حلول ناجعة وسريعة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بالتعاون مع الحكومة الانتقالية، وحسم القضايا الجماهيرية المعلقة، لاسيما محاكمة قتلة الشهداء، وملاحقة الفاسدين، واسترداد الأموال المنهوبة، وتسليم السلطة.

3- الانقسامات السياسية والطائفية :

أسهمت المنافسة الانتخابية الحادة بين القوى السياسية في تعزيز حالة الانقسام والاستقطاب للاستحواذ على المقاعد واكتساب ثقة الناخبين، وارتبط ذلك باستخدام مختلف التيارات للغة التخوين والتخويف، ووصلت لحد التكفير لدى بعض التيارات السياسية التي رأت التصويت لخصومها مخالفة للشريعة. وعلي الصعيد ذاته، أسهم التوظيف السياسي للدين في تعزيز انقسامات مجتمعية مع تصاعد مخاوف الأقباط من سيطرة الأحزاب الإسلامية على البرلمان، وصياغة الدستور الجديد، وهي انقسامات قد تهدد تماسك الدولة، في حال عودة احتكار السياسة من جديد، واستبداد الأغلبية البرلمانية.  

يفرض هذا التحدى على مجلس الشعب تجاوز الاستقطاب والانقسامات التي أفرزتها الانتخابات، والاعتماد على الحوار والتوافق، واحترام حقوق الأقليات والحريات العامة، فضلاً عن تأكيد الطابع التوافقي لعملية صياغة الدستور الجديد، كي يجمع حوله مختلف التيارات السياسية، ويقوم بدوره في رأب الصدع بين مختلف التيارات والاصطفاف لتحقيق الأولويات الوطنية والاستحقاقات الثورية .  

4- الصدام مع شباب الثورة:

تحولت الخلافات بين شباب الثورة والمجلس العسكري إلى صدام محتدم بعد المواجهات الدامية، عقب فض اعتصام مجلس الوزراء في 16 ديسمبر 2012. وعلى الرغم من إخفاق شباب الثورة في الإفادة من آليات تداول السلطة، والتمثيل السياسي لفرض رؤيتهم حول مستقبل النظام السياسي، وحقيقة أن إتمام الانتخابات ينزع عنهم قدرا كبيرا من أسانيد الشرعية، فإن تمتعهم بأدوات متعددة للتأثير في الواقع السياسي، خاصة أدوات الاحتجاج والتظاهر للضغط على شاغلي السلطة السياسية، جعل خيارهم الرئيسي هو نزع الشرعية عن النظام بأكمله، والاستمرار في حشد الرأي العام ضد المجلس العسكري، واستغلال الذكري الأولي للثورة للمطالبة بالإسراع بعملية انتقال السلطة للمدنيين عبر صيغ مختلفة، أكثرها إثارة للجدل هو تشكيل مجلس رئاسي مدني من ممثلين لمختلف التيارات السياسية، في حين يتمثل أكثرها جدية في المطالبة بتعجيل انتخابات الرئاسة لتسبق صياغة الدستور وانتخابات مجلس الشورى لإتمام انتقال السلطة لمجلس الشعب والرئيس المنتخب .

ويصنف شباب الثورة الإخوان والسلفيين القوتين الأبرز في مجلس الشعب في معسكر التيارات المناوئة لمطالبها، نظراً لإحجامهم عن مساندة المتظاهرين في مواجهة المجلس العسكري، وتركيزهم على استمرار العملية الانتخابية، باعتبارها أهم الآليات المؤسسية المتاحة لانتقال السلطة. ولذلك، فإن قدرة الأغلبية البرلمانية على احتواء الاحتجاجات قد تكون محدودة، نظراً لاتساع الهوة بين الطرفين، وفقدان الإخوان لقدرتهم على التأثير في شباب الثورة. هذه الازدواجية بين الشرعية الثورية وشرعية التمثيل السياسي ستستمر على الأقل حتى نهاية الفترة الانتقالية، بما يجعل المجلس التشريعي الجديد تحت ضغط ورقابة مستمرين من مختلف الحركات الاحتجاجية التي ستلجأ للتظاهر والاعتصام بالميادين، كلما تبني البرلمان المنتخب مسلكاً يتعارض مع الاستحقاقات الثورية، من وجهة نظرها .

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد عبد الله يونس

    محمد عبد الله يونس

    مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة