من المجلة - تقارير

العدد 187 لـ "السياسة الدولية":|أساليب تفكير مختلفة لفهم تحولات العالم عام 2012

  • 6-1-2012

طباعة

وسط بيئة إقليمية وعالمية تشهد تحولات سريعة،لم يكن المحللون معتادين عليها بفعل أساليب تحليل مالت إلى الاستناد على مفاهيم ذات طابع تقليدى، حملت مجلة " السياسة الدولية" في عددها 187، يناير 2012 أسلوبا أكثر تعقيدا، سواء في اختيار الموضوعات أو معالجتها، لا يخلو من "المغامرة المحسوبة" بالمعنى الأكاديمي في فهم التحولات الجديدة في الإقليم والعالم، برغم ما يكتنفها من عوامل شديدة التداخل.

لقد سعت المجلة في افتتاحيتها التي جاءت تحت عنوان " الشتاء الإقليمي.. التعايش مع فترات الانتقال الطويلة في الشرق الأوسط" إلى أن تطرح مفهوم "التعايش" مع واقع يتغير باستمرار، ولن يستقر فى المدى المباشر، عبر محاولة التنشين عليها " تحليليا" من وضع "الحركة لا الثبات". فكل ما يتم تصوره يتغير فى وقت قياسى، بما يدفع أصحاب نظريات "النظم" نحو صدمة تحليلية، فلا مفر أمام الجميع سوى أن يتعلموا "درسا"، يتعلق بتأثيرات الشارع، وأن يقبلوها، وإلا أصبحوا "خارج السياق".

أنماط التحولات العالمية

عبر ملفها الرئيسي "التحولات الانتقالية " المؤثرة في تشكيل مستقبل النظام الدولي، عالجت المجلة أنماطا جديدة، أولها ينتمي للاجتماع السياسي، إذ ناقشت ظاهرة " السخط العالمي" التي تضرب أركان العالم، إثر موجات الاحتجاجات الاجتماعية في دول عدة، من بينها أنظمة ديمقراطية غربية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول ظاهرة أخرى تتعلق بـ" العجز الديمقراطي"، أي مدى قدرة أنظمة ليبرالية على تحقيق عدالة اجتماعية ظلت شعارا موحدا في ميادين " الثورة " في العالم.

النمط الثاني من التحولات هو ذو طبيعة اقتصادية يناقش ظاهرتي الكساد العالمي وأزمة النظام المالي.  فثمة تراجع في معدلات النمو في الاقتصادات الغربية الكبرى ، كما أن الأزمة المالية تعصف بأوروبا والولايات المتحدة ، وإن لم يكن من المتصور أن النظام المالى سيتصدع ببساطة.

ثالث أنماط التحولات ذو طابع " جيو استراتيجي"  يحلل موازين القوى في النظام العالمى، فى ظل اللاقطبية، وعولمة الأقاليم من الأمن إلى الاقتصاد، إذ إن المشهد الذي اعتدنا أن نصفه " ببساطة " للنظام الدولي لم يعد كذلك، بل أضحى شديد التعقيد بما لا ينفع معه التفكير التقليدى. 

النمط الرابع من التحولات التي ستؤثر في النظام الدولي يتعلق بالفضاء الافتراضي الذي أصبح أحد عناصر البنية السياسية بما يحمل من أدوات تكنولوجيا تلعب دورا فريدا في عملية التعبئة والحشد في العالم ، وتأثيراتها فى القيم السياسية.

المكون الدفاعي العسكري مثل نمطا خامسا ، سعت المجلة لتحليله في إطار مستقبل السياسات الدفاعية، خاصة للدول الكبرى التي من المنتظر أن تسعى لتحميل شركائها وحلفائها الإقليميين جزءا أكبر من العبء المالي للعمليات العسكرية والأمنية.

النمط السادس يستعرض الواقع السكاني وتوزيعه، بعد أن بلغ تعداد سكان العالم سبعة مليارات، ويطرح رؤية عن الإدارة الرشيدة لهذا العنصر، وإيجاد حلول تستغل الفائض السكاني في بعض الدول لسد العجز الديموغرافي في دول أخرى، وذلك لتلافى ضغوط تسبب عدم الاستقرار، واندلاع النزاعات بمختلف أنواعها.

نحو مقاربات ابتكارية

إن هذه الأنماط التسعة التي قدمها الملف كحقائق جديدة ستلعب دورا في مستقبل النظام العالمي، بما يفرض إعادة قراءة ما يجري في العالم على نحو مختلف، ولعل ذلك يبدو واضحا في قسم الدوريات العالمية في مجلة السياسة الدولية التي رأت أن التعقيد هو السمة المسيطرة على الواقع العالمي الجديد" الذي يحتاج  إلى قدر من " الخيال والابتكار"، لإنتاج مقاربات جديدة تركز على الكل والجزء في آن واحد ، لاسيما مع تعدد الفاعلين، وتنوع أشكال الاتصال، واختلاف مفهوم القوى، مما يجعل هذا النظام في حالة تغير دائم، ويصبح من العسير التنبؤ بتفاعلاته.

محاولة الغوص في تفاصيل التحولات بعمق بدت أكثر في قسم تقارير المجلة، حيث رصد ظواهر عدة، بعضها تتفاعل، والأخرى تتبلور في السياقين الإقليمي والعالمي، ومن أبرزها السياسات القطرية تجاه الثورات العربية، ومدى إمكانية صمود اتفاق نقل السلطة في اليمن وتداعيات الانسحاب الأمريكي من العراق، والأدوار التدخلية للجامعة العربية في الأزمات الإقليمية، والوكالة الذرية بين المهنية والسياسة إزاء الملف الإيراني.

وفي إفريقيا، حلل قسم التقارير أبعاد التدخل الكيني في الصومال، وأشكال تداول السلطة في القارة السمراء، بينما انتقل إلى الشمال ليحلل أزمة اليورو كحجر عثرة أمام الوحدة الأوروبية ، ثم شرقا ليرصد إشكاليات مواجهة الفساد في الهند. وعالميا، ناقش أبعاد مشكلة المخدرات في المكسيك.. تجارة عابر للحدود، والتأثيرات الاقتصادية والسياسية لضريبة الكربون في استراليا، وظاهرة القرصنة السياسية عبر الفضاء الالكتروني التي بدت إحدى أدوات الصراع الجديدة في العالم.

دراسات وكتب معمقة

حوى قسم الدراسات في المجلة ثلاث قضايا معمقة، إحداها يتعلق بالسيناريوهات المختلفة لإقامة الدولة الفلسطينية، وثانيتها تناقش تحولات السياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط عبر مفهوم "العثمانية الجديدة". أما الدراسة الثالثة، فتعالج أنماط وسلوكيات الفاعلين من غير الدول في الشرق الأوسط.

واتساقا مع المقاربة الجديدة للقضايا في المجلة، حفلت المقالات بمناقشة للاقتصاد للسياسي للتحولات الثورية في المنطقة العربية، وكيف يمكن أن تصبح السياسة الخارجية المصرية فعالة بعد الثورة، وموقف دول الخليج من ثورة مصر.

رصدت مكتبة السياسة الدولية في المجلة بدورها هيمنة الثورات والتحولات الإقليمية والعالمية على إنتاج دور النشر والمؤتمرات ، إذ حملت عناوين تتسق مع ما يجري في المحيطين الإقليمي والعالمي، ومن أبرزها إشكاليات الدولة العربية بين التفكيك والاندماج، وصعود قوى الثروة.. نهضة الطبقة الوسطى فى العالم الإسلامي ، و" The 2012 story"، الذي يحلل إحدى أبرز الأساطير حول نهاية العالم، من وجهة نظر العلوم السياسية. كما ناقشت بعض الندوات صعود الإسلام السياسي، والتطور الديمقراطي في الشرق الأوسط.

عودة تأثير الشارع

ولأن " قوة الشارع"  ظلت غائبة عن مقاربات العلوم السياسية التي ارتبطت بالسلطة لا المجتمع ، إلى أن فاجأتها ثورات الربيع العربي، فقد سعى ملحق "اتجاهات نظرية" في مجلة السياسة الدولية إلى تحليل "الشارع:  القوى الأكثر تأثيرا في فترات ما بعد الثورات"، إذ رصد المداخل النظرية التي يمكن من خلالها دراسة " الشارع" ، خاصة في حالة الدول العربية التي تمر بمراحل انتقالية.

الملحق عالج ظواهر أضحت مرئية في السياسة ومرتبطة بالشارع كـ" الزاحفين"، وهو نموذج اللاحركات الاجتماعية، ومتحدو" السلطة، ويمثلهم الألتراس كقوة تعيد تعريف العلاقة بين الشارع والدولة ، والبلطجية ومعتادو الإجرام في فترات ما بعد الثورات، وأبعاد تأثير قوى الشارع في السياسات الخارجية للدول العربية.

 هل تؤسس الثورة المصرية نموذجا؟

الملحق الثاني "تحولات استراتيجية " تم تخصيصه لموضوع ذي أهمية بالغة، ويتعلق بتساؤل محوري هو " هل يمكن أن تؤسس الثورة المصرية نموذجًا؟".إذ إن ما قد ينتج عن الثورة المصرية يمثلنموذجاًلمايمكن أنينتشر عبر الإقليم،حيث يمكن أن نشهد موجة محاكاة لمسار التغيير في مصر أو توجهاته،في حال أنتجت الثورة المصرية نموذجاً إيجابياً في الفضاءات المختلفة،سياسية،أو اقتصادية،أو اجتماعية،أو حتى ثقافية.

وبالعكس،فقد نشهد عزوفاً عنه في حال كان نموذج الاستجابة فاشلاً،مع اختلاف مظاهر هذا الفشل وأسبابه. ولعل هذا يفسر بدرجة كبيرة الجدل حول وجود تدخلات خارجية لإفشال الثورة المصرية.

في ظل هذه التساؤلات الواسعة والمحورية،تصبح الثورة المصرية، ومايمكن أن تنتجه،في موضع بناء النموذج بالفعل، نجاحاً أو فشلاً،ليس فقط للدولة المصرية،وليس فقط لإقليمها،ولكن للعالم.  وفي هذا الإطار،يأتي هذا الملحق لمحاولة طرح رؤى أولية تبحث في العوامل الحاكمة الكبرى التي يمكن أن تشكل مستقبل ماينتج عن ثورة 25يناير في المديين المتوسط والبعيد.

الملحق سعى للإجابة على هذه التساؤلات عبر مناقشة جوانب مختلفة للحالة المصرية. فسياسيا، رصد سيناريوهات لمستقبل الدولة في مصر. واقتصاديا، عالج الإصلاح المؤسسي لتفعيل"السوق الحر". ومجتمعيا، حلل ما أطلق عليه " إعادة هيكلة نحو بناء"مجتمع نموذج". وثقافيا، ناقش " بنية جديدة تتحدى الأطر التقليدية". أما في السياسة الخارجية، فسعى لتحديد المصالح الدائمة لمصر، وحجم التغييرات المنتظرة بعد الثورة.

يظل أن "الواقعية الجديدة" والاقتراب من التفاعلات المجتمعية السياسية وتأثيراتها في المحيطي العالمي والإقليمي والمصري كانت المقاربة الأكثر تكيفا مع الواقع، بما يساعد الباحثين والإعلاميين وصناع القرار على الاقتراب من الظواهر  السياسية في مرحلة ما بعد الثورات .

طباعة