مقالات رأى

دفتر أحوال جامعية

طباعة

رغم أننا نعيش زمن التفجر المعلوماتى، وإعلام السماوات المفتوحة حتى إنه لم يعد من المستغرب أن يعلم الآخرون عنا أكثر ما يمكن أن نعلمه نحن عن أنفسنا، فإنه يبدو أن الإدارة فى جامعاتنا قد غاب عنها ذلك، وافتقدنا دورها فى تمكيننا فى التعرف إلى تلك المؤسسات العلمية والتعليمية وتخصصات علومها وجوانب التفرد وما تمنحه من مزايا علمية لخريجيها وجوانب التأهيل للأعمال فى السوق المصرى، فضلا عما تتيحه من أنشطة إنسانية واجتماعية لمنتسبيها، وكذلك مركز ومرتبة الجامعة العلمى محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا ودورها الاجتماعى والبحثى فى خدمة مجتمعاتها، وغير ذلك من أخبار وبيانات وتعريف لرموز علمية ووطنية قدمتهم الجامعة لخدمة الوطن.

يحدث ذلك الغياب الإعلامى باستثناء وجود مواقع إلكترونية للجامعات وكلياتها، وإن كانت غير مكتملة فى عروضها الإعلامية، فالمتابع لإعلام الجامعات الناجحة والشهيرة ولمواقعها الإلكترونية يرى فيها نوافذ ومداخل لاجتياز أبواب كل مؤسسات تلك الجامعات ووسائط التفاعل المباشر التى تمكن المتلقى لخدماتها من الحصول على كل المعلومات على الهواء ومتابعة الأنشطة الطلابية الفنية والثقافية والاجتماعية والرياضية، والدخول للمختبرات والورش والندوات والمؤتمرات، فبدخول الموقع تتاح للمتعامل مع أبوابه كل المعلومات والتفاصيل بكل سهولة وبحضور كامل داخل أسوار تلك الجامعات عن بعد.

وأرى أنه من المفترض أن تكون الجامعات ومؤسساتها قدوة متفردة فى هذا المجال الإعلامى والتقنى على مستوى الدولة، نظرًا لوجود أقسام وكليات للإعلام والحاسب الآلى وتكنولوجيا المعلومات . ونظرا لغياب منظومة إعلامية ناجحة عن الجامعات، بتنا نرى التالى:

• نقص هائل فى المعلومات وقصور فى الإعلام عن كليات ومعاهد الجامعات المختلفة وأقسامها المختلفة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ويظهر آثار ذلك جليا عندما يتقدم شبابنا بصحبة أولياء أمورهم إلى مكتب التنسيق، فيبدو الأمر وكأنه تعامل مع المجهول، ويكون الاعتماد على حكاوى الناس والمعارف عن تلك المؤسسات الجامعية. وعند ابتعاث أساتذة جامعاتنا لا يجد المبتعث فى الخارج من يعرف عن أمر جامعته شيئا، ولا يجد مادة إعلامية مطبوعة أو مرئية يحملها معه يستطيع بها أن يقدم جامعته (خاصة أن أجهزة العلاقات العامة والإعلام بجامعاتنا يديرها الموظفين التقليديين غير المؤهلين ممن يتصورون أن دورهم ينتهى عند دعوة كاميرات التلفزيون لمتابعة أنشطة قيادات تلك المؤسسات التعليمية).

• غياب الإعلام عن المؤسسات البحثية والعلمية رغم انتشارها الواسع بجامعاتنا ـ حتى إن بعض جامعاتنا الكبرى وحدها تضم أكثر من 160 وحدة بحثية علمية فى كل مناحى المعرفة ـ وكان لغياب تلك الرسالة الإعلامية الأثر الواضح فى خمول وعدم حدوث التواصل المأمول بين تلك الوحدات وبين مستخدمى منتجها العلمى فى مواقع الإنتاج والتكنولوجيا والخدمات المختلفة وحتى فيما بينها .

 

• غياب آلية للتوثيق الإعلامى المتواصل عن الإنجازات العلمية ورواد العلوم والآداب والفنون من أساتذة الجامعات لتقديمهم للأجيال القادمة بالشكل الذى نأمله تكريما لهم ولتحقيق التواصل المعرفى والعلمى والإنسانى وإعلاء قيمة القدوة لدى شبابنا (كان الأولى بجامعاتنا أن تبادر، منذ أن أنشئت بها كليات للإعلام، بإنتاج أفلام وإصدارات مطبوعة تتناول سير رواد التنوير وأصحاب الأدوار الرائدة من أساتذتها) .

• غياب النموذج الإعلامى والصحفى ووحدات لاستطلاع الرأى، الذى كان من المأمول أن تقدمه وتعده أقسام وكليات الإعلام كمادة إعلامية حتى إنه : لم يصدر عنها أو تحت إشرافها جريدة أو مجلة تقدم للمجتمع بشكل عام وللوسط الإعلامى بشكل خاص الإصدار الصحفى المتميز، باستثناء إصدارات محدودة جدا لا يرقى مستواها الصحفى حتى لمستوى الهواة من أصحاب الإصدارات التى تحفل بها منافذ التوزيع، والأولى أن يستعان برجال الصحافة ومؤسساتهم للتدريب والإشراف والتصويب والتوجيه .

ـ لم تتبن تلك الكليات أعمالا تلفزيونية أو إذاعية تقدم أحدث الوسائل التقنية الإعلامية فى مجال الإخراج وإعداد المادة وأعمال الجرافيك والتقديم والتوليف وإبهار الصورة والديكور.

ـ أما على مستوى الجامعات فقد أخفقت تلك الأقسام والكليات الإعلامية فى إيجاد منظومة أو آلية إعلامية داخلية يمكن أن تتبناها وتشرف عليها للتعريف بفعاليات الكليات والأقسام والإدارات المركزية والأنشطة الدورية العلمية والثقافية، فكانت النتيجة :

• عزوف الطلاب عن المشاركة فى الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية والرياضية التى كان ينبغى أن تسهم تلك المؤسسات الإعلامية بالتوجيه والإشراف على آليات تدعم دور أجهزة رعاية الشباب بالجامعات بعد أن تخلف دور الأخيرة حتى بات ضعيفا فى ظل عدم التنسيق بين وزارتى الشباب والتعليم العالى من جانب، والإدارات المركزية فى الجامعات من جانب آخر، وأيضا لعدم وجود خطط لإعادة تأهيل كوادرها ثقافيا وحرفيا  وتدريبهم وابتعاثهم لدول العالم المتقدم لتطوير رسالتهم.

• التخلف عن وجود آلية للنشر وتولى إنتاج الإصدارات العلمية لكبار الأساتذة الذين كان ينبغى أن تحتفى بإنتاجهم كلياتهم وجامعاتهم، وكان المأمول أن نرى فى معرض القاهرة السنوى للكتاب أجنحة للجامعات تضم إصداراتها العلمية والثقافية والفكرية معدة بأحدث الوسائل التقنية.

• عدم وجود قائمة معلومات عن الجامعات تتيح التعرف بسهولة إلى الأساتذة والباحثين، وأحدث إسهاماتهم العلمية والمعرفية ورسائلهم الأكاديمية والبحثية ومدى تعاونها وتواصلها مع منابع المعرفة والمؤسسات المثيلة، ومن تبعات ذلك تكرار عناوين الرسائل العلمية ومحتواها العلمى.

إن المتابع لإصدارات الجامعات الأجنبية وأيضا بعض الجامعات العربية يرى أن لديهم مطبوعات وأقراصا ممغنطة تتناول عرضا إعلاميا وعلميا للتعريف بكليات وإدارات وفعاليات تلك الجامعات وأقسامها المتميزة وروادها ودورها العلمى والثقافى والمجتمعى، من خلال إعداد حرفى وتقنى عالى المستوى لائق على عكس ما نراه فى بعض المطبوعات الهزيلة لتقديم جامعاتنا الكبرى العريقة.

هذا جانب بسيط أردت التنويه به فى إيجاز، أما الواقع الذى تعيشه جامعاتنا فالأمر يحتاج إلى وقفات جادة بعد أن أدركنا زمنا تتبنى فيه الدولة المزيد من الجهود لتمكين الشباب وتقديم أصحاب المواهب والملكات الإبداعية المتميزة ليمارسوا نجاحاتهم العلمية؛ نتابع مؤتمرات للشباب بطابع مصرى وعربى وإفريقى وعالمى، وبرنامجا رئاسيا رائعا يقدم للإدارة المصرية الشباب المدرب المؤهل لارتياد الوظائف العليا وتولى الكثير منهم بالفعل مواقع قيادية، ففى ظل دولة 30 يونيو كان التوسع الهائل فى بناء الجامعات بكل نوعياتها وتنوع سبل الدراسة بها، وسبل التواصل مع الجامعات الكبرى فى العالم.

ويا كاميرات التلفزيون المصرى، ويا مندوبى الصفحات التعليمية فى جرائدنا السيارة، ننتظر وجودكم فى مسارح وملاعب وقاعات الأنشطة والمختبرات لإلقاء الضوء والمتابعات المستمرة لما ينجزه الأساتذة والعلماء والشباب، ننتظركم فى قاعات مناقشات الرسائل العلمية ومنافسات الجمعيات العلمية والثقافية، بلادنا تنمو مؤسساتها ولابد من الرصد والمتابعة والتوثيق.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    مدحت بشاي

    مدحت بشاي

    كاتب صحفى