من المجلة - تقارير

تحديات التغيرات المناخية فى القارة الإفريقية

طباعة

 تعترف أجندة إفريقيا 2063 أن التغير المناخي هو التحدي الرئيسي الذي يقف عقبة أمام تحقيق التنمية داخل القارة. وبالرغم من أن نصيب الدول الإفريقية من الانبعاثات الكربونية العالمية لا يتجاوزالـ 3.5%. وأن الدول الكبرى هي التي تسهم فى إنتاج القسم الأكبر من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تسبب التغير المناخي، وفى مقدمتها الصين والولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الدول الإفريقية من بين الدول التي تعاني بدرجة أكبر من تبعات التغيرات المناخية، خاصة داخل المناطق الريفية منها(1)؛ حيث يكون للأمر توابعه وأضراره على كافة النواحي الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والغذائية، والمائية؛ ما يزيد من الحاجة لإلزام الدول الكبرى المسببة للانبعاثات الكربونية بمساعدة الدول المتضررة عبر تخصيص المزيد من الموارد المالية، ومساعدتها على التكيف مع تبعات تغير المناخ، فضلاً عن التوجه نحو تقليل تلك الانبعاثات التي تتسبب فى ارتفاع كبير فى درجات الحرارة.

وسوف نحاول إلقاء نظرة أكثر تفصيلاً على خصوصية القارة الإفريقية بشأن التغير المناخي، توضح التحديات التي تجابهها، فضلاً عن الخطوات التي قطعها عدد مختلف من الدول، إلى جانب حزمة من الإجراءات التي من الممكن اتخاذها لمواجهة التغيرات المناخية، ولمساعدة الدول فى التكيف مع تبعات التغيرات المناخية، وتقليل حجم الخسائر المتوقعة بها.
أولاً- خصوصية إفريقيا إزاء القضايا المناخية:
على الرغم من الالتزامات التي قطعتها الدول على نفسها فى اتفاقية باريس للمناخ فى عام 2015 بتقليل درجات الحرارة إلى أقل من 2 درجة مئوية، وزيادة الدعم المالي المقدم من الدول المتقدمة إلى الدول النامية، فإن ذلك غير كافٍ حتى لو أوفت الدول به، لأنه على أي حال سترتفع درجات الحرارة العالمية بمقدار 3 درجات مئوية خلال القرن الحادي والعشرين. وستكون منطقة غرب الساحل الإفريقي -التي يقدر معدل النمو السكاني السنوي بها بنحو 2٫8% - من أكثر المناطق العالمية تأثراً بموجات الجفاف الطويلة. كما ستتأثر منطقة جنوب إفريقيا بالجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، وفى حال ارتفعت درجات الحرارة 1٫5 درجة مئوية، فستنخفض الأمطار فى زامبيا. وفى حال ارتفعت درجتين مئويتين، فستنخفض الأمطار بنسبة 20% فى ناميبيا، وبوتسوانا، وشمال زيمبابوي، وجنوب زامبيا، وستتراجع مساحة حوض نهر الزمبيزي من 5% إلى 10%(2).
وتنبع خصوصية القارة الإفريقية فى أن 80% منها يقع على جانبي خط الاستواء، ما يجعلها من بين المناطق التي تحظى بدرجات حرارة دافئة أو ساخنة على مدار العام، فضلاً عن أمطار غزيرة موسمية. وتشير التوقعات إلى احتمالية حدوث تغيرات بكمية الأمطار المتساقطة على مدار المائة عام المقبلة من خلال انخفاض كمية الأمطار المتساقطة فى المناطق الشمالية والجنوبية بالقارة، مع تزايد هطول الأمطار فى منطقة القرن الإفريقي، وارتفاع احتمالية حدوث الفيضانات، بجانب حدوث ارتفاع غير مسبوق لدرجات الحرارة على مستوى القارة بأكملها، ما سيؤثر فى البشر والحيوانات، والتي من المتوقع أن يتعرض بعض فصائلها للانقراض على غرار الغوريلا التي تعيش فى قمم الجبال العالية الأكثر برودة(3)؛ لاسيَّما أنه من المتوقع أن تتزايد درجات الحرارة بمقدار 1٫5 درجة بحلول نهاية القرن الراهن، بما سيفضي إلى حدوث موجات من الجفاف التي ستضر بالمحاصيل الزراعية، وتؤثر على الماشية، ومعدلات الإنتاج الزراعي، ومن ثمّ سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الغذاء، ويضر بالأمن الغذائي، كما أنه سيتسبب على جانب آخر فى ارتفاع معدلات النزوح والهجرة واللجوء بحثاً عن سبل أفضل للعيش(4).
علاوة عما سبق، من المتوقع أن تسهم التغيرات المناخية فى إذابة الأنهار الجليدية الموجودة فى إفريقيا على غرار تلك الموجودة فى جبل كليمنجارو خلال العقود المقبلة. ومن المتوقع أن تسهم التغيرات المناخية فى تخفيض الناتج المحلي الإجمالي فى دول إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة تصل إلى 3% بحلول عام 2050، بسبب تأثر قطاع الزراعة الذي يعتبر عاملاً حاسماً فى تحقيق النمو الاقتصادي لدول القارة الإفريقية، خاصة أن الزراعة فى مناطق كثيرة فى إفريقيا تعتمد على الأمطار، ولذا ستتأثر سلباً بموجات الجفاف والفيضانات المتوقعة، وبتذبذب كمية الأمطار فى مختلف مناطق القارة، على غرار منطقة جنوب إفريقيا التي ستشهد انخفاضا بنسبة 20% فى كمية الأمطار المتساقطة بها بحلول عام 2030(5). وفى ضوء ذلك، ستنخفض عوائد الإنتاج الزراعي فى إفريقيا بنسبة 8% فى جنوب وشرق القارة، و11% فى شمالها، و13% فى غربها ووسطها. ومن المتوقع أن يكون القمح والأرز من أكثر المحاصيل المتضررة بنسبة 21% و12% على التوالي بحلول عام 2050(6).
الجدير بالذكر أن افتقار القارة للبنية التحتية الملائمة يؤدي إلى تفاقم أوضاع الأفراد داخلها. وبالنظر إلى كون القارة الإفريقية من بين القارات التي تشهد نمواً سريعاً فى معدلات النمو السكاني؛ حيث وصل عدد السكان بها إلى 472 مليون نسمة فى عام 2018، ومن المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2043؛ فهذاسيعني مزيداً من الانتقالات السكانية من الريف إلى الحضر بحثاً عن مستويات معيشة أفضل فى ظل تقلبات المناخ، ولكن فى حالة دول إفريقيا جنوب الصحراء، فإنها ستعني «الانتقال من الحرمان الريفى إلى الفقر الحضري»، بالنظر إلى افتقار الكثير من دول إفريقيا إلى التنمية الاقتصادية الملائمة، وعدم وجود عدالة فى توزيع الثروات(7).
على غرار مناطق مختلفة من العالم، يميل السكان الأفارقة إلى الوجود فى المناطق الساحلية التي تكثر بها الفرص الاقتصادية؛ إذ يعيش نحو 30 مليون إفريقي حول منطقة المحيطين الهندي والأطلنطي، ولكن مع ارتفاع مستويات سطح البحر، وزيادة احتمالية هبوب العواصف، ستنخفض قدرة تلك المناطق على إنتاج الغذاء وخاصة من الأسماك، كما فى غانا التي يعتمد 2٫2 مليون شخص بها على الصيد الذي من المتوقع أن يتأثر بارتفاع درجة حرارة المياه ومستويات الحموضة بها، بما سيؤثر على حياة الأسماك، ومستوى توافرها، وملوحة الأنهار، وسيقلل من فرص الوصول إلى المياه النظيفة للشرب والري. وعلى صعيد آخر، ستزداد احتمالية التأثير على البنية التحتية سلباً من خلال زيادة فرص حدوث الانشقاقات الأرضية، وهبوط الأرض، وارتفاع تكلفة الصيانة لتلك الأضرار. ومما يزيد الأمر حدة هو صعوبة التنبؤ بحدوث الكوارث المناخية فى تلك المناطق والتأهب لها(8).
ويمكننا فى هذا السياق، الإشارة إلى أنه فى منطقة غرب إفريقيا، بدأت 56% من سواحل دول بنين، وكوت ديفوار، والسنغال، وتوجو فى التآكل، ومن المتوقع أن تزداد تلك النسبة فى المستقبل(9).
وعلى المستوى الصحي، فارتفاع درجات الحرارة وزيادة هطول الأمطار، وزيادة درجة ملوحة المياه، يؤدي إلى زيادة انتقال الأمراض على غرار الملاريا، والحمى الصفراء، وحمى الضنك(10)؛ ويزيد من احتمالات تعرض النساء الحوامل لارتفاع ضغط الدم، بما سيساعد بالتبعية على ارتفاع نسب وفيات الرضع(11)؛ حيث لا تقتصر تأثيرات المناخ على الأمن البيئي أو الغذائي، لكنها تشمل الأمن الصحي والمجتمعي للأفراد، خاصة داخل المناطق الفقيرة فى الريف والحضر؛ مما يؤدي إلى إعاقة تحقق التنمية، وزيادة معدلات الفقر خاصة بين السكان الذين يكسبون قوت يومهم من الزراعة أو الرعي؛ ما سيتسبب فى ارتفاع اللجوء والنزوح. فعلى سبيل المثال من المتوقع نزوح نحو 6٫3 مليون شخص فى لاجوس بنيجيريا فى حال ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد(12). وقد تضرر بالفعل نحو 3 ملايين شخص فى زيمبابوي، وملاوي، وموزمبيق بسبب الأعاصير المدمرة فى ربيع عام 2018(13).
على نحو آخر، فهناك توقعات بارتفاع حدة النزاعات المسلحة داخل دول القارة الإفريقية مع تراجع حجم الموارد المتاحة داخل القارة؛ حيث ستكثر الصراعات على الأراضي الصالحة للزراعة، والمياه الصالحة للشرب، ومن المتوقع تراجع القيم الأخلاقية المجتمعية فى ظل البحث عن تأمين سبل العيش، وهنا قد تلعب الجماعات المسلحة الإرهابية دوراً كبيرا؛ إذ قد تستغل صعوبة سيطرة الحكومات على المناطق الحدودية من الدول، مع ارتفاع نسب البطالة والفقر داخل بعض الدول لجذب الشباب للانضمام إليها لتوفير قوت يومهم، وهو ما يعني تزايد المخاطر الأمنية داخل القارة، وتمثل منطقة بحيرة تشاد مثالاً بارزاً على هذه النقطة تحديداً(14).

ثانياً- تحديات ومعوقات تواجه إفريقيا فى مجابهة تغير المناخ:
تواجه إفريقيا مجموعة من التحديات والعوائق المتعلقة بالتغير المناخي، والتي يأتي على رأسها نقص التمويل المخصص لبحوث المناخ داخل القارة. فيشير تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فى فبراير 2022 إلى أن هناك تفاوتا كبيرا فى إجمالي التمويلات العالمية المخصصة لأبحاث تغير المناخ منذ عام 1990. فبينما يحصل 78% من الباحثين فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على التمويل، لا يتجاوز نصيب علماء إفريقيا منها الـ15%. ويزداد انخفاض التمويل فى بلدان الشمال الإفريقي بالرغم من موجات الجفاف التي تجابهها؛ مما يعيق عملية تطوير أنظمة الإنذار المبكر بالنظر إلى قلة المحطات التي توفر بيانات دورية عن حالة الطقس على غرار تلك الموجودة فى أوروبا وأمريكا الشمالية. وعلى صعيد آخر، فقد كان هناك نقص فى التمويلات المخصصة للاستثمارات فى المشاريع ذات الصلة بالمناخ؛ حيث إن هناك قصورا يصل إلى مليارات الدولارات فى الدول الإفريقية التي تسعى للتكيف مع أزمات المناخ(15). وتشير التقديرات إلى أن تكلفة التكيف مع التغيرات المناخية فى إفريقيا ستصل إلى 300 مليار دولار. ولكن بالرغم من تعهدات الدول الكبرى بمضاعفة التمويلات المخصصة لمشروعات التكيف مع المناخ خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2020، فقد بلغ حجم التمويلات المتدفقة إلى البدان النامية نحو 4٫4 مليار دولار فقط فى عام 2018، و43% من هذا المبلغ تم تخصيصه لإفريقيا(16).
ويأتي تقريرالهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ السالف الذكر على بيان التحديات الاقتصادية التي ستواجه القارة؛ حيث يتوقع حدوث خسائر اقتصادية كبيرة بسبب تأثير التغيرات المناخية على الإنتاجية الزراعية، إذ إنها أثَّرت على بعض الصادرات على غرار الذرة، والبن، والشاي. كما أنه من المتوقع تأثر نحو 12 مدينة إفريقية ساحلية بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر؛ مما سيتسبب فى خسائر تصل إلى 86 مليار دولار. وفى ضوء ذلك، فإن إفريقيا بحاجة إلى مبالغ طائلة للإنفاق على تعزيز البنية التحتية، وجعلها أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع التغيرات المناخية. فعلى سبيل المثال، تحتاج إثيوبيا إلى إنفاق ما يصل إلى 6 مليارات دولار سنوياً حتى عام 2030 لمواجهة تأثير الفيضانات وحرائق الغابات. وبشكل عام، تحتاج دول إفريقيا إلى نهج شامل ومستدام للتكيف مع التغير المناخي(17).
ولعل التحدي الآخر يتمثل فى عدم التزام الدول المتقدمة الغنية بتعهداتها تجاه الدول الأقل دخلاً؛ إذ إنها على سبيل المثال لا الحصر لم تفِ بوعدها المتعلق بدفع 100 مليار دولار سنوياً للدول الفقيرة بحلول عام 2020، والذي وعدت به قبل 10 سنوات. بل إنها أعلنت عدم قدرتها على سداد تلك الالتزامات حتى عام 2023 بسبب زيادة الأعباء التي تتحملها فى السنوات الراهنة مع ظهور جائحة الفيروس التاجي كوفيد-19(18). والأمر الأكثر إثارة للجدل هو عدم وجود آلية تجبر القادة على تنفيذ ما يتعهدون به خلال القمم العالمية ذات الصلة بالمناخ. وهو ما انعكس على تكلفة التغيرات المناخية على اقتصادات العالم والتي تجاوزت الـ 210 مليارات دولار فى عام 2020 وحده. ومن المتوقع أن تصل تكلفة التغيرات المناخية على إفريقيا وحدها إلى 50 مليار دولار سنويا بحلول عام 2050 فى حال لم تفِ الدول بالتزاماتها، وسيكون الفقراء هم أكثر الفئات تضرراً من تلك الخسائر، لأنهم غير قادرين على تحمل تكلفة المناخ سواء على مستوى ارتفاع أسعار المواد الغذائية أو على مستوى الحصول على الموارد والبدائل التي تجعلهم أكثر تكيفاً مع المناخ. هذا، بجانب مهاجري المناخ الذين من المتوقع أن يصلوا إلى 86 مليون مهاجر إفريقي بسبب المناخ خلال الخمسة والعشرين عاماً المقبلة، وهو ما ستدفع تكلفته مختلف الدول، وعلى رأسها الدول الغنية(19).
فى السياق ذاته، فهناك نقاشات حادة حول إخفاقات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الذي عُقد فى جلاسكو (COP26)، حيث يرى النشطاء أن هناك حاجة لخطوات أكثر جدية بشأن الدول الإفريقية فيما يتعلق بالتكيف مع المناخ، وإتاحة الموارد اللازمة لذلك، وهو ما يجب أن يكون موجوداً على أجندة السياسات المناخية العالمية قبل قمة المناخ التي ستعقد فى مصر (COP 27) خلال شهر نوفمبر القادم. وتذهب بعض الآراء أن الأجندات المناخية العالمية لابد أن تأخذ فى عين الاعتبار النواحي الأمنية والاقتصادية للدول، حتى تكون أكثر استدامة وقدرة على التصدي للتغير المناخي(20).

ثالثاً- خطوات إفريقية لمواجهة التغيرات المناخية:
شرعت العديد من الدول الإفريقية فى تبني خطوات أولى نحو مواجهة التغيرات المناخية، ودعم الاقتصاد الأخضر الصديق للبيئة. فقد صدَّقت أكثر من 90% من الدول الإفريقية على اتفاقية باريس للمناخ(21)، حيث تحاول دول إفريقيا -بالرغم من نقص الموارد بها- تبني خطوات تساعدها فى مجابهة التغيرات المناخية على غرار التصديق على المساهمات المحددة وطنياً للتقليل من نسبة الانبعاثات الكربونية. وقد اتجهت دول أخرى على غرار كينيا لإلغاء أو تقليل ضريبة القيمة المضافة على معدات الطهي النظيف؛ مما يحفز الشركات والأفراد للتوجه لتبني الخيارات التي تكون صديقة للبيئة. وتعتبر فئة الشباب الإفريقي من أكثر الفئات استعداداً لتبني خطوات فعَّالة لمواجهة التغيرات المناخية؛ إذ يُظهر أحد استطلاعات الرأي تخوفات الشباب داخل خمسة عشر بلداً إفريقياً من ارتفاع نسب التلوث داخل القارة، ومن تأثير ذلك على الموارد الطبيعية، ومن تباطؤ الحكومات فى تبني خطوات استباقية لمواجهة التغيرات المناخية وتبني حلول تعتمد على الطاقة النظيفة(22).
وفى إطار إشراك أصحاب المصلحة وشركات القطاع الخاص فى مواجهة التغيرات المناخية، تتجه شركات الطاقة الكبرى العالمية لإبرام صفقات للطاقة النظيفة داخل القارة الإفريقية. فعلى سبيل المثال، تستثمر شركة «شل» فى مشروع Solar Now فى أوغندا وكينيا، والذي يعزز من إنتاج الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية، والذي تم إنشاؤه فى عام 2011، وتسبب فى تقليل نحو 210 آلاف طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومع ذلك لا يزال القطاع الحكومي الإفريقي بحاجة إلى الإصلاح ليكون أكثر قدرة على تبني خطوات فعَّالة تساعد على دعم إنتاج الطاقة المتجددة داخل الدول، خاصة أن الدول الإفريقية تتمتع بوفرة فى مصادر الطاقة المتجددة على غرار الطاقة الشمسية والرياح(23).
فى سياق موازٍ، وفى إطار رغبة المغرب فى أن تحتل نسبة إسهام الطاقة المتجددة فى إجمالي الطاقة المستخدمة بها نحو 52% بحلول عام 2030، فقد قامت بإنشاء أكبر منشأة لاستغلال الطاقة الشمسية فى توليد الكهرباء فى العالم (نور) على مساحة 6000 فدان، والتي ستوفر الطاقة الكهربائية النظيفة لما يقرب من 2 مليون مواطن مغربي، فضلاً عن إتاحتها لفرص العمل، والبرامج التدريبية المقدمة للنساء اللاتي سيتم تدريبهن فيها على الزراعة وكيفية بدء نشاطهم التجاري، فيما قامت جنوب إفريقيا بفرض قانون ضريبة الكربون، الذي دخل حيز التنفيذ فى عام 2019، والذي يفرض رسوماً على غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن احتراق الوقود والعمليات الصناعية، والذي من المتوقع أن يسهم فى تخفيض الانبعاثات الكربونية داخل الدولة بنسبة 33% بحلول عام 2035(24).
وعلى نحو آخر، تتجه دول أخرى لمعالجة مشكلات نقص المياه. فقد عملت بوتسوانا على سبيل المثال على تنفيذ برامج استثمارية تهدف إلى زيادة القدرة على الصمود، ومعالجة مشكلة ندرة المياه عبر التوسع فى بناء السدود، وتوسيع شبكة خطوط أنابيب المياه التي تصل بين الشمال والجنوب، فضلاً عن مشروعات الزراعة الذكية(25).

رابعاً- فرص وإجراءات فعَّالة:
يمكن الإشارة فى النهاية إلى مجموعة من الإجراءات التي تحتاج دول القارة الإفريقية إلى معالجتها لتكون أكثر قدرة على مواجهة التغيرات المناخية، والتي على رأسها السعي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فضلاً عن الاهتمام بتطوير قطاع الزراعة ليكون أكثر تكيفاً مع التغيرات المناخية، مع توفير الوصول إلى معلومات حول الطقس والمناخ، والاهتمام بالنساء اللاتي يمثلن النسبة الأكبر من القوى العاملة بالزراعة فى إفريقيا، مع زيادة الاهتمام بالبحوث الزراعية وتطبيقها على أرض الواقع، وتعزيز التعاون بين الدول الإفريقية لتقديم الإغاثة للمنكوبين فى حالات الأزمات والطوارئ(26)؛ هذا بجانب التوسع فى الاعتماد على أنظمة الزراعة المستدامة، التي توفر فرص عمل كبيرة، والتي قد تحقق ما يصل إلى 320 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030 فى دول إفريقيا جنوب الصحراء. فضلاً عن إصلاح الأراضي المتدهورة، وتحسين كفاءة سلاسل التوريد الزراعية، بما سيساعد على تحسين الأمن الغذائي، والأمن الصحي للسكان، فضلاً عن تحسين فرص النمو الاقتصادي داخل القارة(27).
وفى ضوء ميل الشباب الإفريقي لتبني خطوات فعَّالة لحماية مصائرهم من تبعات التغير المناخي، يمكن زيادة العمل على جذب الاستثمارات الصديقة للبيئة داخل القارة؛ حيث سيجد المستثمرون بيئة خصبة لتلك الاستثمارات، بالنظر إلى القبول الاجتماعي لإنجاح تلك المشروعات، لا سيَّما أن الشباب الإفريقي يمثل نسبة كبيرة من إجمالي حجم سكان القارة(28).
كما يمكن لقادة الدول الإفريقية تبني مجموعة من الخطوات السياسية التي ستصب فى مصلحة القارة على مستوى مواجهة تغير المناخ، وذلك على غرار تبني أجندات وطنية تراعي التغيرات المناخية وتتبنى حلولا أكثر استدامة، مثل: تعزيز دور المدن فى الاستجابة للتغيرات المناخية عبر إنشاء مدن أكثر استدامة من خلال دعم مشروعات التنمية الخضراء بها، وتوسيع وصول السكان فى كافة الدول للطاقة النظيفة التي تخفض من الانبعاثات الكربونية، والتوسع فى زراعة المحاصيل التي تتحمل درجات الحرارة المرتفعة ولا تتطلب الكثير من المياه، هذا فضلاً عن صياغة حلول محلية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وعدم الانصياع وراء الحلول العالمية التي قد لا تتناسب مع موارد الدول الإفريقية وتركيبتها الديموغرافية، وهذا يتطلب إشراك السكان المحليين بحيث لا يكونون مجرد متلقين للمشورة من الخبراء والمجتمعات المانحة فى شمال الكرة الأرضية، ولكنهم مشاركون فى النقاشات العالمية ذات الصلة بالبيئة والمناخ. علاوة على ما سبق، ثمة حاجة لزيادة التمويلات التي تتلقاها إفريقيا لجعلها أكثر قدرة على التكيف مع التغير المناخي، بجانب الحاجة لتعزيز عملية المساءلة والمحاسبة للشركات المحلية التي تتسبب فى زيادة نسبة الانبعاثات الكربونية وتلوث البيئة(29).
ومن خلال تعزيز البنية التحتية، وصيانة الشواطئ، وتنويع الأنشطة الاقتصادية بحيث يقل الاعتماد على الأنشطة التي ستتضرر من التغيرات المناخية، يمكن للدول تخفيض عدد السكان المعرضين لخطر الفيضانات إلى النصف بحلول عام 2100، كما يمكن تقليل الخسائر السنوية التي من المتوقع حدوثها بسبب الفيضانات، والتي تتراوح بين 5 و9 مليارات دولار(30).

ختامـــًا:
يمكن القول إن القارة الإفريقية تتضرر بشدة بسبب التغيرات المناخية، الأمر الذي يؤكد على الحاجة لتبني خطوات استباقية من جانب قادتها وبمساعدة من الدول الأكثر تقدماً وثراءً لمجابهة التغيرات المناخية والتكيف معها، وحماية سكانها، وهذا بدوره أمر لن يقتصر على الحلول المحلية أو الإقليمية داخل القارة وحدها، ولكنه يتطلب التزاما أكبر من جانب الدول الكبرى التي تعد هي المتسبب الأساسي فى الانبعاثات الكربونية، وذلك من أجل تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ وغيرها من المبادرات العالمية الطموح التي تعالج مشكلة التغير المناخي بحلول العقود المقبلة.

المصادر:

 

-

طباعة

    تعريف الكاتب

    ياسمين أيمن

    ياسمين أيمن

    باحثة ماجستير، كلية الدراسات الإفريقية العليا, جامعة القاهرة