من المجلة - قضايا الديمقراطية

مواجهة التغيرات المناخية فى المنظور الإسلامى

طباعة

تتهيأ مدينة «شرم الشيخ» هذه الفترة لاحتضان مؤتمر الأمم المتحدة عن المناخ COP27، والذى سيعقد فى نوفمبر 2022. وهذا الحدث العالمى الكبير على أرض السلام يتطلب من النخبة والعقول المصرية فى كافة التخصصات  صناعة برامج توعية بتداعيات التغير المناخى وعلاجها، وعقد ندوات ولقاءات إعلامية، ونشر مقالات فى الصحف ومواقع التواصل الاجتماعى، من أجل بناء وعى شامل لمواجهة تداعيات تلك  الظاهرة التى تعد الأخطر فى أزمات البشرية عبر التاريخ، بحيث يعم هذا الوعى كل أفراد المجتمع المصرى، بل والمجتمع العربى والإسلامي.  

فالبعدان التاريخى والجغرافى لمصر يجعل مهمتها أعظم وأكبر من مهمة أية دولة أخرى عُقد فيها مؤتمر المناخ سابقاً، أو سيعقد مستقبلاً.  وهذا قدر مصر -أن تكون فيها قوة الجغرافيا (فهى على ناصية ثلاث قارات، يحدها بحران وينتصفها نهر)، وقوة التاريخ (حيث بقيت مصر آلاف السنين كمنقذة للشعوب والحضارات)، والقوى الشاملة (حيث لا تزال صانعة ومغيرة لمجرى الأحداث فى العالم، تأثيرها فى شعوب الأرض تأثير هادئ ونافذ بلا ضجيج).  
وبحكم البعد الدينى تعيش مصر حالة رباط على حدودها الجغرافية الثقافية، وكذلك حدود أمتها، وفق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «إذا فتح الله عز وجل عليكم مصر فاتخذوا بها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال أبو بكر لم يا رسول الله؟ فقال: لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة».  
ولا تزال مصر تعيش بهذا الدور، دور العطاء والتضحية لكل شعوب الأرض، ولأجل هذا لن  يكون مؤتمر المناخ هذا العام مؤتمراً ككل المؤتمرات السابقة أو اللاحقة، لأن مصر حتماً  ستؤدى مهمتها بنمط دورها فى مكافحة الإرهاب والتطرف، حيث حاربت الإرهاب نيابة عن العالم، وكذلك ستحارب فى معركة مجابهة التغيرات المناخية  مع العالم وبقدر كبير ينوب عنه.  
والتغيرات المناخية وفقاً لتعريف الأمم المتحدة، والمنشور على موقعها الرسمى على الإنترنت، هى التحولات طويلة الأجل فى درجات الحرارة وأنماط الطقس، ومنذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية هى المسبب الرئيسى لتغير المناخ، ويرجع ذلك إلى حرق الوقود الأحفورى، مثل الفحم، والنفط، والغاز، حيث تتحول الغازات الدفيئة التى تنبعث من حرق الوقود إلى أشبه ما يكون بغطاء يلتف حول الكرة الأرضية، كما يؤدى إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجة الحرارة. والغازات الدفيئة التى تسبب التغير المناخى هى ثانى أكسيد الكربون وغاز الميثان، ويساعد فى تفاقم تلك الظاهرة، تطهير الأرض من الأعشاب والشجر وقطع الغابات، كما تعتبر مدافن القمامة مصدراً من مصادر انبعاث غاز الميثان.  
ووفقاً لتقدير الأمم المتحدة، فإن الكرة الأرضية أصبحت الآن أكثر دفئاً بمقدار 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه فى أواخر القرن التاسع عشر.  
وتعد عواقب التغيرات المناخية كارثية بالنسبة للإنسان وتهديداً لحياة الكائنات على وجه الأرض، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الجفاف الشديد، وندرة المياه، وانتشار الحرائق، وارتفاع مستويات سطح البحر، والفيضانات، وذوبان الجليد القطبى، وتدهور التنوع البيولوجى.  
والخطاب الدينى الإسلامى له دور كبير فى عملية الوعى بمخاطر التغيرات المناخية والمساهمة فى علاجها، لأن الخطاب الدينى لا يزال إلى يوم الناس هذا من أكثر الخطابات تأثيراً على مليار ونصف المليار مسلم على وجه الأرض، ولأن الإسلام له قدرة فائقة فى مخاطبة العقل والنفس البشرية، وجعل التوصيات العلاجية لهذه الظاهرة حالة دينية إيمانية يرى المسلم معها أن الالتزام بهذه التوصيات هو طاعة لله رب العالمين قبل أن يكون توجيهاً مدنياً من أجل مصلحة بقاء الحياة.
إن ميزة توظيف الخطاب الدينى كمحفز فى معالجة ظاهرة التغيرات المناخية أنه يمزج بين النداءين (الدينى والمدنى) فى تناول هذا الأمر، ومن أمثلة هذا المزج السلس، أن المسلم يتبع تعاليم الإسلام فى زرع الشجر وفق الوصايا النبوية الشريفة، «ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ». رواه البخارى.  
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم : (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة (نخلة صغيرة) فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل) رواه أحمد.
كما رغب الإسلام فى إحياء الأرض بالزراعة، وفق الحديث النبوى الشريف « عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر) رواه أحمد.  
فهذا  السلوك الدينى ينسجم حتماً مع توصيات مواجهة التغيرات المناخية التى أصبحت تلح على ضرورة الإكثار من الرقعة الزراعية ومواجهة التصحر.

أولاً- البعد الإيمانى فى الحفاظ على البيئة:
مما يلفت النظر إلى علاقة الإسلام بالتوازن الكونى والمناخى، هو أن الإسلام لم يكتف بإقامة تصور دينى عن حماية المناخ وفق أحكامه الفقهية فقط!، إنما أرسى هذا التصور على قواعد فكرية وإيمانية هى أسمى قيمة وأكثر يقيناً من الأحكام الفقهية الفرعية، بذلك يكون التصور الدينى عن هذه القضية مستند إلى حقائق إيمانية تتغلغل فى النفس البشرية وثناياها.  
ومن تلك الحقائق ما يلى:
1- أن الله تعالى خلق كل الكائنات والجماد بقدر، وإرادة ربانية، وكل مخلوق أو كائن يؤدى وظيفة للمنظومة الكونية  كلها، وقد لا يعرف الناس قيمة وجود هذا الكائن، ولا النتائج السيئة التى تلاحق العالم عن اختفائه!
فعندما اقتلع الإنسان الأشجار وأسرف فى تحويل الغابات الكبيرة إلى صحارى وأباد جزءاً من الغطاء النباتى؟، أدى ذلك إلى بقاء الغازات السامة، فارتفعت درجة الحرارة، وكانت الاضطرابات المناخية التى يعانى منها العالم اليوم وينتفض لأجلها، ولم يكن الإنسان يدرى أن الكون كان محروساً بحكمة الله فى خلقه وتبادل الوظائف بين كل مكوناته.  
وكان الإنذار الربانى واضحاً فى القرآن الكريم منذ نزوله، لتنبيه الإنسان إلى ضرورة الحفاظ على هذا التنوع والتوازن البيئى بل والعمل على حمايته ضماناً للاستقرار والأمان.  
قال الله تعالى :  «ومَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ( 39 -40 سورة الدخان).
وفى هذه الآية تصريح واضح بأن حكمة الخلق تشمل السماء والأرض وما بينهما، فلا يخلو منها شيء من المخلوقات، وكذلك هناك إشارة فى الآية إلى أن أكثر الناس لا يعلمون بهذه التغيرات وآثارها فتورطوا فى صناعة الفساد البيئى حتى بات العالم ينادى بضرورة إنقاذ الحياة.
ومن الآيات القرآنية التى تحذر من تلك الظاهرة قوله تعالى: « وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ». (88 سورة النمل). وقوله تعالى: «وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا» (2 الفرقان). وقوله تعالى: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» (49 القمر).
يعنى: أن حفظ الوجود الإنسانى متوقف على استمرار وجود عناصر البيئة من ماء وهواء وغذاء.  
2- علاقة الإنسان بالكون:
لقد كان توجيه الإسلام للمسلم بضرورة التناغم مع الكون وكل الكائنات بحسبانها مسبحة وساجدة  لله تعالى.
قال تعالى: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا»  (44 سورة الإسراء).
وقال تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» (18 الحج).
وصل هذا التناغم إلى حد المحبة بين سيدنا رسول الله صلى اله عليه وسلم وبين الجمادات. فقال عن جبل أحد «هذا جبل يحبنا ونحبه» رواه البخارى.  
إن أهم ما يميز علاقة الإنسان بالكون فى عرف الإسلام، أنها علاقة توازن وألفة وانسجام لصالح الحياة والأحياء، وليست أبداً كما يصورها البعض  علاقة حرب وتنافر وعداء وصراع !
قال تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ» (لقمان 20). كما كان عليه الصلاة والسلام يستقبل الهلال بفرح ويقول : «ربى وربك الله».
ربما افتقاد الإنسان المعاصر لحقيقة الألفة والانسجام مع الكون هو أحد أسباب الحرب ضد الحياة والتنمية على كوكب الأرض، والإنسان المتورط فيها هو ذاته الذى يسعى الآن لعلاج ما أفسدت يداه! «إنه كان ظلوماً جهولاً» (الأحزاب 72).  
3- حماية الإسلام لمكون الغطاء النباتي للحفاظ على التوازن البيئي:  
هناك كثير من الآيات القرآنية التى تتحدث عن الزروع والنباتات  فى إطار تحفيز الإنسان على الاستزراع وتعمير الصحراء.
يقول الله تعالى:
- «وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (57 الأعراف).
- «وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُون، لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ» (٣٤ - 35 سورة يس).
- «وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ  انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِى ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (٩٩ الأنعام).
ونظراً لقوة التشابه بين الإنسان والنبات طالما شبه النبي صلى الله عليه وسلم النبات بالإنسان، أو شبه الإنسان بالنبات من أجل أداء معنى الارتباط  بين النبات والإنسان، ومن ذلك أنه عليه الصلاة و السلام سأل أصحابه عن شجرة خضراء لها بركتها كبركة المسلم لا يسقط ورقها؟ وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وإنها مثل المؤمن . وبعد أن عجزوا  عن الجواب، أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن تلك الشجرة هي النخلة، ذلك بأن النخلة دائمة العطاء بصمود وقوة، وكذلك المؤمن.
وقد أشار القرآن إلى العطاء الغذائى والوقائي الذى يقدمه النبات للإنسان بقوله  تعالى:  «وَفِى الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِى الْأُكُلِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» (4 الرعد).
إن الآية تلفت النظر إلى أن النبات يمثل بالنسبة للإنسان مصدرا غذائيا متنوعا ومتعدد أوجه العطاء، وقد اقتضت مشيئة االله أن يكون النبات متنوعا لتكون عطاءاته متنوعة كذلك، وقد تكون هذه النباتات فى أرض زراعية واحدة، و تسقى كلها بماء واحد ، لكن أصنافها وأطعمتها تختلف، بل إن الصنف الواحد تختلف أنواعه، وكل ذلك دال على حكمة الله وعلى لطفه ورحمته بالإنسان وبالحيوان الذي يعيش على النبات.
وللإسلام منهج للحفاظ على الغطاء النباتي يتلخص فى الآتى: ـ
أ- الحث على الزراعة المفيدة للحصول على ثواب الله  ولإنتاج الغذاء واحتياجات الإنسان:
من ذلك  قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة»، رواه مسلم.  
ومن النصوص التي دعا فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلى مواصلة الزرع والغرس فى كل الظروف والأحوال، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها»، رواه أحمد.  
ب- إرساء الإسلام لتشريعات  تعين على استصلاح الأراضى  وعلى غرس الأشجار وزراعة النباتات، مثل عقود المزارعة، وعقود المساقاة، ... إلخ. وكذلك تشريع الزكاة والصدقات وحث الناس على التعاون فيما بينهم لزرع الأرض وإصلاحها.  
ج- نهى الإسلام عن إهلاك الزروع وتبوير الأراضى وجعل ذلك من الفساد فى الأرض، بل جعلها جريمة تساوى قتل الأنفس البشرية. قال تعالى: « وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ»  (204 البقرة).
ومن النصوص الصريحة  فى منع إبادة النبات والزروع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قطع سدرة صوب الله رأسه إلى النار». رواه أبوداود.  
4- حماية الإسلام للمياه كمكون من مكونات البيئة الطبيعية:  
لقد أولى القرآن الماء عناية فائقة ، وذكر بأنه مقوم من المقومات التى يجب الحفاظ عليها فهو أصل كل كائن حي، فقال تعالى: «أَوَلَمْ يَرَ الَذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيء حَىٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ» (الأنبياء 30).
وفصل القول فيما خلقه الله من أنواع من المخلوقات من الماء فقال تعالي: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ»(النور 43).
وبالإضافة إلى تقرير القرآن حقيقة نشأة الحياة من الماء، فإنه قد توسع فى الحديث عنه، فذكره ثلاثا وستين مرة، فى إطار تقسيمه إلى ماء عذب زلال، وملح أجاج، وماء ساخن يشوي الوجوه،  وبارد ينعش الجسم، يشرب منه المؤمنون من أكواب كانت قواريرا، وتحدث القرآن عن الماء وهو مشوب بالكافور والزنجبيل الذي يمنحه لذعة لذيذة، وتحدث عن الماء وهو يسقي ما حوله ويشيع، وتحدث عنه القرآن وهو طوفان كاسح يغرق المكان، وتحدث عنه، وهو يحمل السفن العملاقة التي تقل الأشخاص والبضائع.
ومن خلال أحاديث القرآن المتكررة عن الماء نستخلص أن الله تعالى يريد أن يعرف الناس بأهمية الماء وضرورته للحياة، كما تحدث القرآن عما يجلبه الماء من  رخاء حين يجمع ويصرف فى جداول وسواقي تروي بمائها الأرض، ومثل القرآن صورة لهذه الحالة بذكره للحضارة التي نشأت على ضفاف سد مأرب فقال الله تعالى: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِى مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ» (سبأ 15).
وأيضاً  أشار إلى فروع  نهر النيل عندما قال على لسان فرعون «أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى» (الزخرف 31).
كما نهى القرآن عن الإسراف فى استعمال الماء، فروى الإمامان  أحمد وابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ، فقال ما هذا السرف يا سعد، قال أفى الوضوء سرف؟ قال نعم وإن كنت على نهر جار).
وقد أقر الإسلام أحكاما عدة قصد بها حماية مصادر المياه، وجعل من أهم حقوق تلك المصادر أن يراعى حرمها، وحرم الماء هو الحيز المجاور لمصدر الماء وهو تابع له فى وجوب صيانته وعدم التصرف فيه بأي فعل قد يلحق به الضرر كأن يجففه أو يلوثه، وقد جاء تحديد حرم العين والبئر فى خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «من حفر بئراً فله أربعون ذراعا عطناً لماشيته» رواه ابن ماجه.  
وكان الخليفة عمر بن عبدالعزيز يحدد ثقل الأحمال التى تحملها الإبل على شاطيء الأنهار، ومنها نهر النيل ، فيقول: « بلغنى أن بمصر إبلاً نقالات يحمل على البعير منها ألف رطل، فإذا أتاكم كتابى هذا فلا أعرفن أنه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل».

ثانياً- الإسلام وحماية الماء والهواء من التلوث:  
 بعد ما قرر الإسلام  تقوية مكونات البيئة ودعم وجودها، حرص  بالقدر نفسه كذلك على حمايتها من كل الملوثات التي تضر بالبيئة وبصحة الإنسان وسلامته.
1- النهى عن تلويث الماء:
اعتبر الإسلام أن الأصل فى المياه هو الطهارة، التي تعني أنها  طاهرة فى نفسها ومطهرة لغيرها. ومستند هذا الأصل قول الله تعالى عن الماء الذي أنزله من السماء : «وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا»  (الفرقان ٤٨).
وقال تعالى: «إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ»  (الأنفال ١١).
وقال  النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء بئر بضاعة:  «الماء طهور لا ينجسه شيء» رواه أبوداود.
ولقد وردت نصوص عدة تمنع تلويث الماء، منها  قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبولن أحدكم  فى الماء  الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» رواه البخارى.
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أن «يبال فى الماء الراكد» رواه مسلم.
وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال فى مياه الاغتسال. «لا يبولن أحدكم فى مستحمه ثم يغتسل فيه» رواه ابوداود
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التبرز فى الماء أو الظل فقال: «اتقوا الملاعن  الثلاثة: البراز فى الموارد وقارعة الطريق، والظل» رواه أبوداود.
وتطبيق تلك التوجيهات النبوية يشمل حماية ماء الأنهار والخزانات من التلوث بكل أشكال التلوث، حيث علمنا النبى صلى الله عليه وسلم أن الضرر بالماء يجلب لعنة الله على العبد.
2- النهى عن تلويث الهواء:
لقـــد تعرف المسلمون  الأوائل على خطورة الهـــواء الممتزج بالدخـان مـــن قـــول الله تــعالى: «ارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ» (الدخان 10-12).
لقد سمت الآية استنشاق الدخان عذابا أليماً، لأن الاختناق وضيق التنفس هو بالفعل عذاب أليم يعانيه المصابون بالربو وضيق التنفس. وإذا كان استنشاق الدخان عذاباً، فإن ذلك يوجب استبعاده كما تستبعد كل الأضرار وفق قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، وقاعدة «الضرر يزال».
وبذلك يتبين أن أدخنة المصانع الكبرى وما تقذفه وسائل النقل والمحركات الضخمة كل ذلك يجب أن ينظر إليه على أنه مصدر ضرر حقيقي يجب أن تبذل الجهود الكبيرة للتخفيف من آثاره أو منعه  حين يكون ذلك ممكناً، وسيقف الخطاب الدينى الإسلامى مسانداً لهذه الإجراءات التي تسعى إلى المحافظة على سلامة الحياة ووجودها أبد الدهر.  
ولقد جلب التطور التكنولوجي أنواعاً جديدة من التلوث لم تكن معروفة فيما سبق، ولذلك لم يتطرق إليها علماء المسلمين فى الفقه القديم الذي كان يتعامل مع واقعه.
وبإعمال القياس يتبين أن منع إصدار الأدخنة المؤذية لصحة الإنسان، يصلح أن يكون سنداً ومرجعاً للقول بمنع التلوث بالغازات السامة وبالأشعة النووية من باب أولى، لأن الخطورة على الحياة كلها من جراء تداعياتها أشد، لأن هذه الملوثات الجديدة هي أقدر على الفتك السريع بكل مكونات البيئة! بل الفتك بكل الأحياء على وجه الأرض!
وقد تأكدت خطورة الغازات المشعة بعد تفجير القنابل النووية بهيروشيما وناجازاكي فى أغسطس سنة 1945، وبعد انفجار المفاعل النووي بتشيرنوبيل فى 26 أبريل 1986، وبعد إجراء كثير من التجارب النووية، ما كان له ضحايا بشرية وخسائر مادية فادحة. ولقد أدى تجمع الغازات الضارة إلى إحداث ثقب فى غلاف الأوزون الذي كان يمثل غلافا حامياً للكائنات الحية التي تعيش على وجه الأرض.  
إن حصيلة هذا التلوث  حصيلة ثقيلة على الإنسان الذي ظهرت عليه الكثير من السرطانات والأمراض الجلدية والتنفسية، كما كانت سيئة على مكونات المجال من أشجار وطيور وحيوانات ومياه عذبة وبحار وأسماك، إنه ضرر شامل ومدمر، وكأننا نرى الآن تطبيقاً عملياً  للآية الكريمة «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (الروم 41 ).

ثالثاً- دور علماء المسلمين فى حشد الناس نحو الالتزام بإجراءات مواجهة التغيرات المناخية:
يزخر تاريخ علماء المسلمين والتراث الإسلامى بمؤلفات عدة حول البيئة وسلامتها من جوانب مختلفة، فقد ألف العالم الفيلسوف أبو يوسُف يَعْقُوب بن إِسْحَاق الكندى (185 - 256 هجرياً) رسالة فى «الأدوية المشفية من الروائح المؤذية».
وتحدث ابن سينا (370-427 هجرياً) بالتفصيل فى كتابه القانون عن تلوث المياه وكيفية معالجة هذا التلوث، كما وضع شروطاً تتعلق بطبيعة الماء والهواء المؤثرين فى المكان عند اختيار موقع للسكنى.  
أما الرازى (250- 313 هجرياً) فقد نشد سلامة البيئة عندما استشاره عضد الدولة فى اختيار موقع لمستشفى بغداد، فاختار الناحية التى لم يفسد فيها اللحم بسرعة. وألف الرازى رسالة فى تأثير فضل الربيع وتغير الهواء.
وصنف محمد بن أحمد التميمى فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) كتاباً كاملاً عن التلوث البيئى وأسبابه وآثاره وطرق مكافحته والوقاية منه، وفصل الحديث عن ثلاثية الهواء والماء والتربة، وتبادل التلوث بين عناصرها، وجعل عنوان مصنفه «مادة البقاء فى إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء».  وعلى هذا فتصدى علماء المسلمين لهذه الظاهرة، من أوجب واجبات العصر، وامتداد لجهود علماء المسلمين عبر التاريخ.
ومعلوم من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يساند كل العقود والاتفاقات العادلة التي يتفق عليها الناس لدرء مفسدة، أو جلب مصلحة عامة، وقد ظل عليه الصلاة والسلام يشيد بعقد أبرمته قريش فى الجاهلية واتفقت فيه على نصرة المظلوم، وسمي هذا العقد بحلف الفضول، وظل النبي صلى الله عليه وسلم يقول عنه: «لو دعيت به فى الإسلام لأجبت»، علما بأن هذا العقد قد تم فى الجاهلية.
وهذا بالطبع يوجب انخراط علماء المسلمين ضمن مبادرات مواجهة التغير المناخى، لتحفيز المليار ونصف المليار من المسلمين أفراداً ومؤسسات وشعوباً، نحو تنفيذ مقررات المناخ، إنطلاقاً من الالتزام الأممى، وقبله الالتزام الدينى والأخلاقى لاستنقاذ الحياة على كوكب الأرض، قال تعالى: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة 32).
ويعد العمل الصالح هو المدخل الإيمانى لحث الناس على التجاوب مع قضايا المناخ، باعتبار التجاوب مع قضايا المناخ هو أفضل صور العمل الصالح الذى يتقرب به الإنسان المعاصر لربه!
فمن يقرأ القرآن بتدبر وتمعن، يدرك أن معظم آيات القرآن الكريم تتناول الصلاح والصالحين والمصلحين بالمدح والتبشير بجنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين الذين يعملون الصالحات، وأن مجال الصلاح  ليس فقط فى علاقة الإنسان بربه!، بل فى علاقة الإنسان  بالكون من حوله، وإصلاح الكون جزء من الصلاح الإيمانى والسلوكى، كما أن تسميم المناخ جزء من الفساد المجتمعى والأخلاقي.  فإحياء النفس البشرية  بقضاء الحوائج الإنسانية  من أعظم صور العمل الصالح.
وهذه بعض الآيات الكريمة التى تؤكد هذه المعانى، وتحث الناس على الإصلاح بآليات العصر الذى يعيش فيه الإنسان.  
قال تعالى:
• «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» (١١٧ هود).
• «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار»ُ (٢٥ البقرة).
• «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (٦٢ البقرة).
• «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ» (٨٢ البقرة).
• «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا» (١٦٠ البقرة).
• «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ» (٢٢٠ البقرة).
• «أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ» (٢٢٤ البقرة).
• «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ» (٢٧٧ البقرة).
• «وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ» (٣٩ آل عمران).
• «وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ» (٥٧ آل عمران).
• وَيُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤ آل عمران).
• «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ» (٣٤ النساء).
• «فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ» (٦٩ النساء).
• «إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ» (١١٤ النساء).
• «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّات»ٍ (١٢٢ النساء).
ومجالات الإصلاح والعمل الصالح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف حتماً عن مجال الإصلاح والعمل الصالح فى عصرنا، فقد عاش صلى الله عليه وسلم فى مجتمع  بدوى يفتقر إلى أبسط احتياجات الإنسان، كالاحتياج إلى الشبع للقضاء  على الجوع ! والاحتياج إلى حفر آبار المياه  للقضاء على العطش، والاحتياج إلى تعلم القراءة والكتابة للقضاء على الجهل وفتح آفاق الناس إلى الكون والعالم حولهم ...  إلخ.
ومن هنا، كانت توجيهاته صلى الله عليه وسلم  وحثه على فعل الخيرات التى تواجه الاحتياجات الإنسانية للمسلمين وللناس فى عصره باعتبار الإنسان هو المستخلف فى الأرض من قبل رب العزة سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» (هود 61).
واستعمركم فيها: أو طلب منكم عمارتها، وهذا لن يكون إلا بأمرين: أولهما أن تبقى الصالح على صلاحه ولا تفسده، والثانى أن تصلح ما يفسد وتزيد صلاحه، ولا شك أن الأمرين خير ضمان لحماية الكون وسلامته.

رابعاً- كيفية تعزيز الوعي بقضايا البيئة والمناخ:
حتى يصير الوعي بقضايا البيئة والمناخ وعيا شاملاً وشائعاً بتحفيز دينى لابد لذلك من خطوات منها:
1- تصنيف مؤلفات فى هذا المجال برؤية دينية وعلمية مكتوبة بأسلوب شيق وممتع وجاذب ويناسب كل الفئات العمرية، ومترجم لعدة لغات ونشر هذه المؤلفات على مستوى العالم العربى والإسلامي.  
2- تزويد المناهج التعليمية كلها  بمادة التربية المناخية،  لتزويد الأجيال الصاعدة بالوعى اللازم لهذه الظاهرة حتى يصير سلوك الشباب والأجيال متناغماً مع توصيات وإجراءات مواجهة التغيرات المناخية.
3- تناول موضوع الإسلام والتغيرات المناخية فى خطب الجمعة  والدروس والندوات الدينية، وتدريب الأئمة والوعاظ على كيفية تناول هذا الموضوع.  ففى مصر وحدها ما يقرب من 105 آلاف مسجد، يمكن نشر الوعى المناخى من خلال منابر تلك المساجد يوم الجمعة.  
4- تناول البرامج الدينية الإعلامية للموضوع ذاته ضمن خريطة الموضوعات الدينية المطروحة إعلامياً.  
5- عقد ندوات فى الجامعات والتجمعات الشبابية تخص هذه الظاهرة.
وأخيراً: لو تعاون  الجميع لعلاج ظواهر التغيرات المناخية، لتبددت كل المخاوف، وعاش أبناؤنا فى سلام وأمان، وفق الأمانة الكبرى التى تحملها الإنسان دون بقية الكائنات.  
قال تعالى: ‭}‬إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا‭{‬ (الأحزاب : 72).

طباعة

    تعريف الكاتب

     الشيخ/ أحمد تركى

    الشيخ/ أحمد تركى

    أحد علماء الأزهر الشريف، مدير عام تدريب الأئمة سابقا