من المجلة - شخصية العدد

حوار مع د. محمود محي الدين: التضخم فى الاقتصادات العالمية وانعكاساته على الدول النامية

  • 26-4-2022

طباعة

د. محمود محيى الدين:

هذه هى السياسات المطلوبة لمواجهة التضخم فى الدول النامية.

«حياة كريمة» أمل مصر فى إحداث الفارق.


--

عقدت مجلة السياسة الدولية، يوم الأحد 23 يناير، حلقة نقاشية مع الدكتور محمود محيى الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي. وقد أدار الحلقة الأستاذ أحمد ناجى قمحة، رئيس تحرير مجلتي السياسة الدولية والديمقراطية، الذى قال: فى البداية ونيابة عن أسرة تحرير مجلة السياسة الدولية التى تنتمى إلى المؤسسة الأعرق للصحافة المصرية «الأهرام»، وباسم الأستاذ عبدالمحسن سلامة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، نرحب بمعالى الدكتور محمود محيى الدين، فهو ليس غريبا عن مركز  الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجة ومجلة السياسة الدولية، فهو أحد كتابها الرئيسيين على مر تاريخه القديم والحديث، ونفخر بأن أبناء مركز الدراسات ومجلة السياسة الدولية من الكُتاب الذين يتبوأون هذه المناصب المتقدمة على مستوى العالم.

أ. أحمد ناجى قمحة: اسمحوا لى فى البداية بأن أرحب بالدكتور محمود محيى الدين، وبزميلين عزيزين: الأستاذ عزت إبراهيم، رئيس تحرير الأهرام ويكلى، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، والمتحدث الرسمى باسمه، والأستاذة نيفين كامل، رئيس تحرير الأهرام إبدو، والأستاذة أمانى جمال، الصحفية بالأهرام إبدو، بحضور هيئة تحرير مجلة السياسة الدولية: مالك عوني، والدكتور أبوبكر الدسوقى، والدكتور خالد حنفى، والدكتور أبوالفضل الإسناوى، وعمرو عبدالعاطى.

الدكتور محمود محيى الدين له العديد من الإسهامات المكتوبة فى تاريخ مجلة السياسة الدولية والعديد من الأبحاث التى شارك فيها مع الزملاء فى وحدة الدراسات الاقتصادية إبان وجوده فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وكان من أفضل الشخصيات التى كنا نلتقيها فى كلية الاقتصاد، وأكثرهم توددًا وقربًا من الطلبة وإمدادهم بمعلومات ثرية لم يبخل بها على أحد، الأمر الذى  جعله يستمر فى التعامل مع كل من حاول الاقتراب منه.

هناك سؤال يؤرق المجتمع المصرى العادى والمتخصص، يتعلق بالتضخم فى الاقتصادات العالمية، وأنتم الأكثر قدرة على التحدث فى هذه القضية التى كادت تغيب عن العالم، ثم عادت لتتصدر المشهد مرة أخرى محدثة ارتباكات غير عادية فى ظل توقعات لسياسات نقدية أمريكية فى القريب العاجل يمكن أن تهدد الاستقرار النقدى والاستقرار الاقتصادى فى الداخل المصرى. ونطرح أيضًا تساؤلات مهمة لتتصدر هذا الحوار المخصص لمجلة السياسة الدولية، ويطرحه السادة الزملاء كى يتم نشره مع الاحتفاظ بكامل الحقوق للنشر بالمجلة.

الموضوع الآخر المهم: هو كيف يمكن للاقتصاد المصرى، فى ظل هذه التوقعات بتغيرات نقدية عالمية وأمريكية، أن يتفادى مثل هذه التغيرات، وأن يعمل فى أمان واستقرار ما دامت هذه التغيرات باتت وشيكة الحدوث ويمكن أن تؤثر فينا كثيرا؟


-

د. محمود محيى الدين:

أولاً: شكراً جزيلاً للدعوة الكريمة والاستضافة فى هذا الصرح الثقافى العظيم، الذى أثر فى كل من تعامل معه عن قُرب أو بُعد، وأستعيد بوجودى معكم اليوم ذكريات قديمة  مع استعراض سيرتى الذاتية التى أرجو أنها لم تكن زادت من توقعاتكم عما يمكن أن أقدمه اليوم من إجابات، وأعتز بصداقات تكونت، ليس فقط بعد تخرجى ولكن فى أثناء تدريبى كطالب فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكان يوجد قديما مركز التنظيم، وهو أول مكان تعرفت فيه على الحاسب الآلى، وكان يوجد به جهاز كمبيوتر فى الثمانينيات باسمApple  plusوقتها كان هناك تدريب مكثف على لغات الحاسب الآلى، الذى أفادنى فى عملى بعد ذلك. هذا الجهاز أصبح جزءًا من حياة الإنسان، وبعد ذلك تشرفت بأن أتعاون مع أساطين التحليل الاقتصادى والسياسى والخبراء المتميزين فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث كنت أعمل مساعد باحث لأننى وقتها كنت طالبًا. بعد ذلك،  تشرفت بأن أتعاون مع الأهرام بكل إصداراته فى الفترة الماضية على مدى أربعين عاما تقريبا واستفدت أيما استفادة من المعارف التى نقلتها الأهرام لى، وأتمنى دوام التقدم والاحتفاظ بهذه المكانة المتميزة والرؤى الرفيعة فى الثقافة والإعلام والصحافة العربية والعالمية .


-

وقد طرحت هيئة تحرير مجلة السياسة الدولية والزملاء فى  الأهرام أسئلة عدة على الدكتور محمود محيى الدين، تمثلت فى الآتى:

 -يوجد تحذير من زيادة الفائدة على أثر الديون.. ما موقف مصر من ذلك؟ وهل نحن فى المستوى الآمن؟

 -كمواطن مصرى، مرّ بكل بالتجارب الحياتية.. كيف ننظر إلى مستقبل مصر الاقتصادى؟ وكيف نصنفه على درجات الأمان؟

 -نحتاج إلى مضاعفة الاستثمار الخاص بنسبة 3 أضعاف، وهو 5.5%، وبالتالى دور الدولة واضح، فهل ما يحدث الآن يعبر عن إزاحة ومزاحمة فى الوقت الراهن، فى ظل دور الدولة، خاصة أن بعض رجال الأعمال يؤكدون أن هناك نوعا من أنواع الإزاحة؟

 -ما دور المؤسسات الدولية لمواجهة أزمة التضخم، وهل نشهد تغييرًا فى شروط الإقرار التى يفرضها صندوق النقد الدولى مع زيادة أهمية الاستثمارات العامة فى اقتصادات الدول النامية أخيرا؟

- عندما نتطرق للحديث عن الصناعة وجذب الاستثمارات، ومسألة توطين الصناعة فى مصر، فى ظل الخلل الكبير الحاصل فى سلاسل التوريد عالميًا، ما الفرص المتاحة لمصر فى المدى المتوسط أو البعيد كى تستطيع أن تقدم لنا نموذجا للمنطقة فى جذب الاستثمارات وتوطين الصناعة من أجل مزيد من الاستقرار والنمو؟

 -هناك عوامل أدت إلى تسارع التضخم بشكل كان غير متوقع، فغير مفهوم كيف أن جانب العرض لا يزال متباطئا، فى حين أن جانب الطلب متسارع، فجانب الطلب فى النهاية هو استجابة، فكيف يكون جانب العرض متباطئا بشكل كبير؟

 -هل أثرت الزيادة التى بلغت الضعف فى أسعار الطاقة، نتحدث عن سعر البترول الذى يتراوح بين 85 و87 دولارا، فى تسارع التضخم الدولى الحاصل اليوم؟ وهنا توجد مشكلة إذا حدث دفع باتجاه تحفيز جانب العرض، هل يدفع هذا إلى مزيد من ارتفاع النفط عما هو عليه الآن؟ وهل نحن أمام خطر حدوث بالونة أو فُقاعة نفطية كما حدث فى عام 2007؟

 -بعض الدول كى تهرب من العقوبات الدولية ومن التضخم، لجأت إلى آليات تسوية المعاملات التجارية عبر عملات الدول نفسها، وبالتالى تهرب من الدولار، بمعنى أصح، لدينا شريك اقتصادى مهم جدًا، هو الصين، هل يمكن أن تكون هذه الآلية مفيدة فى تجنب جزء من التضخم بالنسبة لمصر إذا لجأنا إلى تسوية، كما تفعل الصين؟

- فى ظل الحديث عن التنافس السياسى بين الصين وأمريكا،  ما انعكاس التنافس الاقتصادى على الأطراف فى الشرق الأوسط، خصوصًا أن الصين تمنح  معونات كثيرة جدًا؟

 -فيما يتعلق بفكرة النمو الأخضر، الذى أصبح إحدى الفرص الموجودة فى الاقتصادات العالمية، هل يمثل بالنسبة لمصر فرصة جديدة؟

 -متى يمكن لمجتمع ما أن يشعر بفكرة معدلات النمو، فإحدى المشكلات التى حدثت قبل ثورة 25 يناير كانت تتمثل فى وجود معدل نمو مرتفع بشكل أو بآخر، ولكن المجتمع لم يحصد أى ثمار لهذا النمو، كيف يمكن تلافى هذه المعادلة مرة أخرى فى مصر؟

 -هل يقوم القطاع الخاص المصرى بدوره فى هذه المرحلة بالفعل بنيات مُخلصة؟

- هل يقوم رجال الأعمال المصريون بدورهم الحقيقى؟

 -أهداف الألفية 2030 على أجندة الدكتور محمود محيى الدين.. ترى هل سنصل لأهداف 2030 أم سيكون هناك تأخير؟

 

أولاً- قضية التضخم العالمية:

قال الدكتور محمود محيى الدين، المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولي، إن موضوع التضخم لم يكن من الموضوعات المثارة عالمياً، لا أتحدث عن  مصر التى كانت محل اهتمام ومتابعة ومراجعة بشكل يومى كما هو الحال الآن. حتى بعد نشوب الجائحة فى عام 2019، كثر الحديث عن تأثيرها فى النمو، وأبعاد التجارة، والاستثمار، ومؤشرات التنمية المستدامة المختلفة، بما فيها الفقر، كل هذه المؤشرات اضطربت اضطراباً شديداً فى عام  2020 ولم يحدث تعافٍ كافٍ من آثار الجائحة الاقتصادية.

وأضاف أن مكافحة التضخم المستمر والمتزايد ستعود لتحل محل البطالة فى العام الجديد كأولوية أولى للسياسة الاقتصادية العامة فى الدول المتقدمة فى هذا العام. وفى حالة الولايات المتحدة، تظهر المؤشرات أنه بالإضافة إلى سحب إجراءات التيسير النقدى سيتبع ذلك زيادات متتابعة عدة لأسعار الفائدة، فى حدود ربع نقطة مئوية فى المرة. ووفقاً لتقديرى الشخصي، سيصل بذلك سعر الفائدة على الدولار الأمريكى خلال عامين من الآن إلى مدى يتراوح بين 1.75% و2%، ارتفاعاً من مستواه الحالى الذى يقع فى مدى صفر إلى 0.25 فى المئة منذ مارس 2020، وقد تتغير هذه النسب بهامش محدود وفقاً لمستجدات التضخم وأداء سوق العمل والأجور.

على أية حال، لا يملك المستشرفون والمتوقعون بلورات سحرية تطلعهم على مستقبل المتغيرات الاقتصادية أو ما يؤثر فيها ويتأثر بها من مستجدات سياسية وعوامل اجتماعية، فمنهم من يعتمد على نماذج قياسية معقدة أو بسيطة، للتنبؤ، ومنهم من يستمزج اتجاهات الرأى العام وتقارير الخبراء المختصين ليخلص إلى توقعه.

القضية هنا، يتابع  د. محيى الدين، أنه إذا كان «الحكم على الأمر فرعا من تصوره» كما يقال، فإن هذا التصور مقيد بحدود المعرفة والبيانات المتاحة والقدرة العلمية على تحليلها. وفى الظواهر الاجتماعية، وفى مقدمتها الاقتصادية، يصعب الفصل بين الموضوع محل التحليل من ناحية وانحيازات المحللين الفكرية وانتماءاتهم الأيديولوجية، بل وتمنياتهم الشخصية من ناحية أخرى. المشكلة تكمن -فى حالة الاقتصاد- فى أن التوقعات لها دور فى تشكيل الظاهرة ومساراتها، وأبرز مثال على أثر التوقعات فى الاقتصاد هو ما يرتبط منها بالتضخم.

ومن المدارس الاقتصادية ما يعدّ المحدد الرئيسى للتغيرات فى الأسعار هو توقعات عموم الناس كمستهلكين ومستثمرين ومدخرين، بمعنى أن تقلبات الأسعار ترجع لعوامل نفسية يصعب قياسها كمياً أو التنبؤ بها. ويتفق أنصار هذه المدرسة على أن زيادة عرض النقود بكمية لا تتناسب مع العرض الحقيقى للسلع والخدمات المنتجة تؤدى حتما إلى زيادة فى المستوى العام للأسعار. فإذا كان هناك علم لدى عموم الناس بزيادة فى عرض النقود بما يتجاوز الناتج، فسوف يستخدمون هذه المعلومة لتغيير سلوكهم بما يتواءم مع التغير فى مستويات الأسعار المتوقعة. معنى هذا ببساطة أن ما يتوقعه الناس لمسار التضخم سيحدث لأنهم يسببون حدوثه وهم شركاء بتوقعاتهم تلك  فى صنعه.

ويشير د. محيى الدين إلى أن هناك آراء ونماذج متعددة تدرس أثر التوقعات على الأداء الاقتصادي، وقد حصل الاقتصادى الأمريكى روبرت لوكاس على جائزة نوبل فى الاقتصاد لأعماله التى طورت نماذج اعتمدت على فروض التوقعات الرشيدة. ويعد لوكاس من أكثر الاقتصاديين تأثيرا فى الربع الأخير من القرن الماضي  بما قام به من دراسات غيرت من طبيعة التحليل الاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين التضخم والبطالة، وفقاً لما ذكرته لجنة جائزة نوبل لعام 1995 كحيثية لحصوله على هذه الجائزة المرموقة.

ورغم الجدل حول مدى انطباق فكرة التوقعات الرشيدة فى الواقع العملي، وما تحتاج إليه من بيانات ومعلومات يجب توفيرها لكى يتوصل الناس لتوقعاتهم، وما إذا كانت فى النهاية رشيدة فعلاً أم لا، فإن مسألة التوقعات حيال معدل التضخم وتأثيرها فى مساراتها المستقبلية مسألة حيوية فى أعمال البنوك المركزية وإدارتها للسياسة النقدية.

وقد ارتفعت معدلات التضخم فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا عن المستهدف، الذى كان لا يتجاوز فيهما 2% سنويا، لتقترب من 7% فى أمريكا وتتجاوز 5%  فى الاتحاد الأوروبي، وهى أرقام مرتفعة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ 40 عاماً كما لم يشهدها الاتحاد الأوروبى منذ خروج عملته -اليورو- منذ عقدين.

وتعول البنوك المركزية الرئيسية على التأثير فى توقع زيادة الأسعار وجعلها تميل إلى معدلات أقل من خلال تأكيد أنها ستقوم بكل ما يمكنها لمنع زيادة معدلات التضخم، وأنها تملك أدوات السياسة النقدية المباشرة، كسعر الفائدة، وغير المباشرة، من خلال تدخلها مشترية أو بائعة للأصول المالية، بما يحقق هذه الأهداف كما فعلت من قبل.

ويفسر د. محيى الدين سبب حديثه كثيرا عن وضع التضخم فى الاقتصاد الأمريكي، ليس فقط لأنه الاقتصاد الأكبر عالميا، حتى الآن، ولكن لتأثير الدولار كعملة احتياطى وعملة دولية للتجارة والاستثمار. فعملة الدولار لا تزال تحتل 60% من الاحتياطى الدولى فى عام 2021، نزولا من 71% فى عام 2000، يليها اليورو بنسبة 21%، وأغلبية الاحتياطى الدولارى للدول المحتفظة به تتشكل من سندات على الخزانة الأمريكية. ويحتفظ المستثمرون والأفراد حول العالم بنحو 950 مليار دولار أو 50% من إجمالى البنكنوت المصدر.

كما أن الدولار لا يزال يشكل 95% من تسوية معاملات التجارة فى الأمريكتين، و74% فى المعاملات التجارية الآسيوية و79% فى باقى دول  العالم، والاستثناء الوحيد هو أوروبا، حيث يسيطر فيها اليورو، كما يشكل الدولار 60% من سوق الديون الدولية، ويأتى بعده اليورو بفارق كبير بنصيب 23%.

وهناك فريق يرى أن البنك المركزى الأمريكى بالغ فى اعتبار أن التضخم الذى شهده الاقتصاد مؤقتاً عابر، رغم وجود دلائل على أنه مستمر لاعتبارات تتعلق بجموح الطلب على السلع والخدمات مع عجز خطوط الإنتاج  وقنوات التجارة وعرض العمل عن ملاحقته. وكان من مبررات هذه المبالغة التى ساقها بعض الاقتصاديين محاولة التأثير فى التوقعات حتى لا تأخذ بالتضخم لمسار أعلى مما يفسره الوضع الاقتصادي.

وتوقع المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى أن تكون هناك تداعيات متوقعة للزيادة فى سعر الفائدة على الدولار خلال العامين القادمين، وأن تكون هناك ست أو سبع زيادات تتراوح بين ١,٧٥٪ و٢٪، ستكون لها تأثيرات عالمية فى تدفق تريليونات الدولارات إلى العديد من دول المنطقة. أما فى الدول النامية كمصر ذات الأسواق الناشئة، فتجد أن البنك المركزى رفع 3% أو 4% على مدى 6 أشهر، أو 2% أو 3%. لكن الأسواق المتقدمة تفترض أن الصفر لفترة طويلة يُحدث هذه النقلة بالنسبة للمستوى الذى كان عليه. كما أن لديك تدفقات مالية بالتريليونات فى اليوم، وهذه مسألة حساسة لكل نوع من أنواع التغير فى أسعار الفائدة. مثلا، نتحدث عن نقطة الأساس، التى هى نقطة من مئة (0.0%)، وليست نقطة مئوية كاملة، تغيّر حركة التدفق المالى من دولة إلى أخرى، وفقاً لهذه التغيرات.

ثانيًا- آليات وسياسات التحرك لمواجهة تداعيات موجة التضخم القادمة:

يقول د. محيى الدين: بغض النظر عن تأخر البنوك المركزية المتقدمة من عدمه، فقد كان من الواجب أن يكون هناك تدخل سريع من البنوك المركزية، وهذا الكلام كتبته فى شهر مارس 2021 بعنوان (عودة للتضخم وفخ الوسط)، وهو من أكثر الموضوعات عُرضة للجدل الحاد، فى خضم تبعات أزمة كورونا الاقتصادية الراهنة ومحاولات احتوائها، واحتمالات عودة التضخم للارتفاع بعد سنوات من انخفاضه.

وفى تقديرى، يستطرد المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى، أن هناك اتجاهين، إما أن تكون النماذج المستخدمة لم تستطع القدرة على التنبؤ بالشكل الكامل الذى تفترضه. وبحكم ما قضيته من فترة طويلة فى الخارج، من 4 إلى 5 سنوات فى إنجلترا، والآن نحو 10 سنوات فى أمريكا، أرى أننا نمتلك التقدير الأعلى مما تستحقه الأمور لقدرات الخارج أو الدول المتقدمة، تأثراً بهذا النقل الذى أحدثوه فى السياسة أكثر منه فى الاقتصاد، من خلال الوسائل المختلفة، بما فى ذلك الإبداع الفنى وأفلام هوليود.

لكن هناك نوعا من المبالغة الكبيرة، فهذه الدول تتعرض لأزمات طاحنة، تذكرنا بحجم الأخطاء الجسيمة التى تقع فيها هذه الدول، وآخرها الأزمة المالية العالمية عام 2008، وحتى الأزمة الراهنة التى لم نتكلم عن شىء غيرها، وهى من صنع الدول المتقدمة تحديدًا.

من ناحية أخرى، توجد مدرسة غالبة على إدارة السياسة الاقتصادية والنقدية، هى المدرسة السلوكية التى تتأثر بفكرة التوقعات بأشكال مختلفة، حيث يمكن لبعض المسئولين، خاصة السياسيين منهم، أن يهدئوا من مخاوف الأسواق، ولا يشعلوا فكرة أن التضخم قادم والتضخم مرتفع، وأن الغلاء فى الطريق، الأمر الذى يدفع الأفراد الذين لديهم القدرة على أخذ مراكز تفاوضية أعلى إلى زيادة أجورهم أو أسعارهم أو تكاليف الإنتاج.

وقد تكون هناك تفسيرات أخرى تحذو حذو الأرقام نفسها التى تقيس معدل التضخم العالمى فى الولايات المتحدة. أنا أتصور أن يبقى معدل التضخم أقل من ذلك بفعل السياسة النقدية وقدر من التعاون من السياسة المالية. أما الدول، مثل مصر، فالحال تختلف، لأن لديك  مصادر عدة للتضخم، وليس مصدرا واحدا.

ويؤكد د. محيى الدين أن أدوات السياسة النقدية لدينا غير كافية فى حد ذاتها للقيام باحتواء التضخم فى الآونة الأخيرة، حيث نحتاج إلى تنسيق أعلى من السياسة المالية العامة، وإلى تنسيق أعلى فيما يتعلق بالإصلاحات الهيكلية وضبط الأسواق وزيادة المنافسة، وهناك شبكة إنترنت تتيح المعلومات بشكل كاف فى حالة الاقتصادات المتقدمة. أما الاقتصادات النامية ذات الأسواق الناشئة، فلديها هذه الأمراض والعِلل، ويجب ألا نأخذها بقدر من الإحباط على الحالة العربية أو المصرية. لديك اقتصاديون كبار (إندونيسيا مثلاً دولة كبيرة فى مجموعة الـ20) والبرازيل تعانى المشكلة نفسها، ولديها أزمة فى التعامل، وبالتالى فهذا شأن الدولة من خلال مؤسساتها، (بنك مركزى، وسياسات مالية عامة، ونظام الضمان الاجتماعى).

وأشار محيى الدين إلى (فخ الوسط) الذى يعنى به أن هناك دولاً غنية ومتقدمة اقتصاديًا، قادرة على التعامل مع أزمات التضخم العالمى، ودولا نامية أقل دخلاً تقدم لها الدول المانحة مساعدات للتعافى من آثار التضخم، ولكن الدول المتوسطة، سواء المنخفضة أو المرتفعة الدخل، تعانى للتعامل مع آثار التضخم. وللتعامل مع (فخ الوسط)، أطلق صندوق النقد الدولى صندوقًا جديدًا لمساعدة الدول التى تعمل على التعافى من آثار الجائحة ولاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون، وضرورة اتخاذ الدول سياسات مبكرة قبل اندلاع أزمات التضخم والتدخل فى مجالات التيسير على أصحاب الدخل المتوسط من خلال استثمارات إضافية تحسّن من التعليم والرعاية الصحية، وتخفف من آثار التضخم. بمعنى لو أن ألمانيا أصدرت سندات مدتها سنتان أو ثلاث أو أربع أو خمس، فإن الرقم الذى ستدفعه كتكلفة اقتراض أو سعر فائدة يكاد يقترب من الصفر (0). الكلام نفسه ينطبق على الولايات المتحدة، حتى بعد الارتفاعات المتوقعة ستبقى أقل من 1%. أما بالنسبة للدول النامية ذات الأسواق الناشئة، فستجد الرقم أكبر كثيرا من الفترة الزمنية نفسها وبالإصدار نفسه، فالأرقام تزيد 5% إلى 10%، وبعض الدول تتجاوز الـ 12%.

(فخ الوسط) الدخل المتوسط له شريحتان (متوسط منخفض، ومتوسط مرتفع). الدول الأقل دخلاً، الدول الإفريقية تُعدّ ذات دخل متوسط، ستكون عندها إمكانيات مساندة من الجهات المانحة تقدم لها من خلال البنك الدولى. هناك مؤسسة اسمها مؤسسة التنمية الدولية تمنح قروضا مُيسرة، وفترة سماح طويلة، وفائدة تقترب من الصفر مثلاً، ومصر مثلاً لا تستطيع الاستفادة من ذلك، لأنها دولة متوسطة الدخل، وليست منخفضة الدخل. على مستوى الدول نفسها، تجد أن الغنى سيعانى مع زيادة الأسعار، لأن الذى كان يشتريه بـ 10 جنيهات سيشتريه بـ 15 جنيها، بزيادة 5% أو 7%. أما الأقل دخلاً فإن احتياجاته محدودة، وتجد الدولة تسانده بحزم وبإجراءات ونظم دعم مساند، مثل إسكان مساند، أو ببطاقات تموينية.

أما الذى يقبع فى الوسط، فلديه مشكلة تكلفة وعبء، لأنه ليس له غطاء يقيه من غلواء التضخم، وبالتالى فهناك حاجة إلى سياسات مانعة ومبكرة فى مكافحة التضخم، لا تنتظر ارتفاعه، وهنا المنع أوْلى من العلاج، لأن العلاج مُكلف بالنسبة للاقتصاد، والفئات الداخلية المختلفة.

من ناحية أخرى، هناك مجالات تيسّر حالة ذوى الدخل المتوسط من خلال استثمارات إضافية تُحسن من نوعية التعليم، والرعاية الصحية، والتأمين الصحى، والانتقال، وجميعها بنود مهمة، وكل ذلك سيخفف من غلواء تأثير التضخم.

وهناك أيضا تكاليف أخرى للحياة، لا بد من مساعدة الدولة فيها، بحيث يكون التعليم بشكل جيد ولائق، والرعاية الصحية جيدة. التضخم له آثار توزيعية، كما قال (كينز) إن التضخم هو الضريبة غير العادلة. ولكن فى الحالة المصرية، حتى الآن الأرقام الصادرة عن البنك المركزى فى حدود الهدف المُعلن 7% + أو – 2%، فإن  المعيار هو نفسه الذى يستخدمه البنك المركزى سنويًا لتحديد أهداف السياسة النقدية. كل شخص لديه سلة استهلاكية يسير على أساسها، ولا يمكن أن تعدّل على البنك المركزى بالرقم القياسى الذى يعده الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء طبقًا للمعيار الدولى.


-

ثالثًا- تأثر الديون بزيادة الفائدة المتوقعة وموقع مصر منها:

وذكّر الدكتور محيى الدين بآخر مراجعة تمت بين مصر وصندوق النقد الدولى كان واضحا أن فيها قدرا من التقدير العالى لآثار برنامج الإصلاح الاقتصادى فى سيطرته على الاختلالات الاقتصادية المختلفة، وكان هناك اتجاه جيد قبل الجائحة لعودة نسب الديْن العام إلى الأرقام التى كانت تحت 90% كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى، وهذا يتم التحقق منه أيضًا مع احتفاظ الموازنة العامة للدولة بفائض أولى موجب بشكل كبير. ولكن ما دام يوجد فائض أولى موجب، فمعنى ذلك أن لديك، بلغة الصندوق، مؤشرات حرجة للديْن، هى فى الإطار الآمن، وهذا داخل فى اعتباره الديْن الخارجى، والديْن المحلى.

فما العمل مستقبلاً؟ يقول د. محيى الدين: مع هذه التيارات الجديدة، لكل مقام مقال، ولن أنتظر إلى أن يحدث خلل أو مشكلة تتحول إلى أزمة، ثم تتدهور، ثم أقول أنا أسير فى الاتجاه الصحيح. الأولوية، التى يجب أن تُمنح لتمويل النمو والتنمية من خلال آليات الاستثمار، يجب أن تختلف فى المرحلة القادمة على مستوى الدول النامية، ومنها مصر. التمويل والتنمية يجب أن يكونا أكثر اعتمادًا على القطاع الخاص.

ويشير إلى أننا فى مصر وصلنا لمعدل نمو موجب 3.3% فى المتوسط فى السنتين خلال الجائحة. وفى السنة المالية الحالية، كانت آخر مراجعة للبنك الدولى تتحدث عن 5.5% تقريبًا، وصندوق النقد الدولى لم يُصدر مراجعته الأخيرة، والرقم حتى الآن الصادر من البنك الدولى هو 5.5%. وصندوق النقد الدولى أكثر تحفظًا ويتحدث عن 4.5%-4.7%، فالسنة المالية لم تنتهِ بعد، وأمامنا خمسة أشهر.

ويبيّن أنه لكى نطمح لأعلى، فإننا نحتاج إلى نمو واستثمار، والاستثمار يحتاج إلى ادخار، هذه مبادئ الاقتصاد التى تعلمناها. وقد تعلمنا أيضا أن النمو يحتاج إلى استثمار لنحصد نقطة نمو واحدة، بمعنى لو أننا فى مصر نتحدث عن معدل نمو مستهدف، فيكون 7%، ونحن نحتاج إلى نحو 22-25% استثمارات من جميع مصادرها، عامة وخاصة، محلية وأجنبية.

ويشرح المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى أن الاستثمار يقابله ادخار، والحاصل أن الادخار به فجوة تتراوح  بين 8 و10%. وفى سنة 1982، كان هناك 20% بفارق 7%، بعدها كان هناك 31% بفارق 11%، وكان أعلى استثمار 16%، وكان هناك ادخار فى حدود 7% أو 8%، فلديك فجوة إذن. هذا الفرق بين الـ16 و7% كيف ستحصل عليه، فهو ليس ادخارا محليا ستحصل عليه من الخارج.

ويتابع: اليوم، نحن نقف عند مستوى يمكن الحفاظ عليه، ولدينا قدرة عالية على السداد. مؤسسات التصنيف الائتمانى تُشكك دائما حتى يطمئن قلبها. فلدينا مؤشرات من عام 1960 ونستطيع الحصول عليها من وزارة التخطيط أو البنك المركزى، أو مؤشرات التنمية الدولية. ولو راجعنا منذ عام 1960 إلى الآن، فسنجد أن هناك تكوينا يُعرف برأس المال الثابت كنسبة للناتج المحلى. ولكن فى الآونة الأخيرة، تغيرت  الأرقام، حيث تراوحت الاستثمارات العامة فى حدود 7% من الناتج المحلى وصلت فى أقصاها إلى 9.7%، و تراوحت الاستثمارات الخاصة بين 8% و 5.5% عن الفترة من عام 1916 إلى1920 بين استثمارات عامة وخاصة.

ويشدد د. محيى الدين على ضرورة زيادة الاستثمارات العامة بما يتراوح بين10% و20%، وكذلك يجب أن ترتفع الاستثمارات الخاصة بجميع أشكالها من رقمها الحالى، وهو 5.5%، لتصبح 20%، أى يجب أن تزيد 3 مرات.

ويعطى المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى روشتة لعلاج التضخم فى الدول النامية، هى التوسع فى النمو والاستثمار، لمواجهة التحديات التى تواجه الأسرة فى التعامل مع أعباء التضخم، وزيادة دخلها بشكل مباشر وغير مباشر من خلال التشغيل.

رابعًا- مستقبل مصر الاقتصادى:

وعن استشرافه لمستقبل مصر الاقتصادى، يقول د. محيى الدين إنه بعد 5 سنوات من الإصلاح الاقتصادى فى 2016، عقب تحقيق التوازنات الاقتصادية، نحن بحاجة للبناء عليها باستثمارات خاصة تحقق قيمة مضافة تزيد من فرص العمل، وتتيح دخولا أكثر قدرة على الاستفادة. فمثلا، يمكن أن تجلب شركة سامسونج الموجودة الآن فى مصر فرعا آخر لها، ولدينا بند فى الصيانة يتيح جذب استثمارات من المركز الرئيسى للشركة فى كوريا، فهذا توسع فى النمو والتنمية لجأت إليه، لأن ادخارك المحلى غير كافٍ، ولأن الاستثمار الأجنبى لا يستطيع جذبه. ويمكن العمل على اتجاهين: 1- جذب استثمارات خاصة محلية. 2- زيادة فى الادخار المحلى، ولا يتحقق ذلك إلا  بزيادة الدخول.

بنظرة سريعة على الاستثمار الخاص، لدينا فى مصر مشاريع متناهية الصغر، وصغيرة، ومتوسطة. المشروعات الصناعية الصغيرة هى قاطرة الاقتصاد فى العديد من دول العالم، وهذا النوع يجب أن يتم تشجيعه وأن يظل صغيرا، لأن بعض هذه  المشروعات إذا تم دعمها بشكل أكثر من اللازم وتحولت إلى مشروعات كبيرة، فمن الوارد جدا أن تفشل، لأنها سوف تصطدم بكيانات اقتصادية أكبر، لذلك أرى أن الهدف خلال الفترة القادمة هو دعم الشركات الصاعدة والواعدة، مع الإبقاء على الكيانات الصغيرة والمتناهية الصغر، لأن السوق فى حاجة لها، ويجب أن نعمل على زيادة أعداد هذا الكيانات الصغيرة وفقا لاحتياجات السوق.

فيما يتعلق بالاستثمارات، فإن العالم تجاوز قصة المزاحمة هذه، والفكرة هنا ما الذى أُضيف إلى النمو والتنمية، بغض النظر عن نوعية الملكية، عامة أو خاصة، وهناك عمل مهم صدر عن جامعةUCL فى لندن لباحثة، اسمها ماريانا نازوكاتو، ألفت كتبا عدة عن دور الدولة بغض النظر عن اتجاهها الفكرى– الاقتصادى. على الدولة أن تزيد الاستثمار فى رأس المال البشرى والتعليم والرعاية الصحية، ونريد تطوير الشبكة القومية للمعلومات، ونوع الكابلات والاستثمارات الخاصة بها. وهناك استثمار القدرة على المقاومة، مثل استضافة مصر فى قمة المناخ، والاستثمار فى تجفيف الانبعاثات، والاستثمار فى التوافق مع الآثار المناخية السلبية، والاستثمار فى نظم الضمانات المساندة للمجتمع، خاصة إذا ما تعرضت لصدمات، كل هذه الأمور نحتاج إليها، لأن الاستثمار الخاص لم ينفذها.

جائحة (كورونا) كان لها تأثير كبير فى حياتنا، وكان من المهم توفير نظام جيد ومتكامل للرعاية الصحية الأولية. حتى لو أنشأنا عشرات المستشفيات من فئة الخمس نجوم فى كل مركز وليس فى كل محافظة، فلن يغنيك هذا عن نظام الرعاية الصحية الأولية.

خامسًا - دور المؤسسة المالية والنقدية الدولية لمواجهة أزمة التضخم:

طرح صندوق النقد الدولى مبادرة لإنشاء صندوق جديد داخل الصندوق، سيفعّل قريبا، باستخدام وحدات حقوق السحب الخاصة لإضافة تمويل للدول المتوسطة الدخل، شريطة أن يكون التمويل لأغراض التعافى من آثار الجائحة الاقتصادية.

إن الدول الأقل دخلا لديها تمويل أكثر تيسيرا من الدول الأخرى المتوسطة الدخل مثل مصر، بينما الدول الغنية تحصل على تمويل رخيص قد يقترب من الصفر على مدى العامين، فيما أسميه بمسألة فخ الوسط. أما الدول المتوسطة الدخل فتمثل 75% من سكان العالم وثلث الاقتصاد العالمى وبها 60% من فقراء العالم. وإذا كانت هناك أولوية، فيجب أن يكون هناك نوع من أنواع التحديث فى منهج التعامل مع دول متوسطة الدخل.

- مطلوب من  المؤسسات الدولية أن تكون أكثر تنافسية، وأكثر تمثيلاً للمجتمع الدولى، وأكثر كفاءة وسرعة. ولهذا أتصور أنني، كمفاوض مع المؤسسات الدولية، لا بد أن أضع فى الحسبان حصولى على تمويل دولى منها، لكن لماذا أذهب للبنك الدولى أو صندوق النقد الدولى؟ لأنه يعطينى معرفة فنية، وخبرة، ومساندة، وقواعد. إذن الساحة الدولية للتمويل الدولى للتنمية أصبحت أكثر اختلافًا، وتظل الميزة فى المعرفة وشبكة المعلومات والمصداقية من مؤسسات متعددة الأطراف لها تاريخ فى هذا المجال.

- بالنسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية، أى استثمار أجنبى مُرحب به، حده الأدنى أن يأتى لك بالدولار، وهو شريك معك فى المخاطرة، لو نجح فأنت شريك معه فى النجاح، ولو فشل فسيترك لك مكانه ومصنعه، هذا هو حال الاستثمار الأجنبى المباشر.

 -فيما يتعلق بموضوع التضخم فى مصر، فقد أُجرى مسح عليه من قِبل أعضاء لجنة السياسة النقدية فى البنك الفيدرالى، قام به عدد من الاقتصاديين وبعض رجال الأعمال عن استشرافهم لأرقام التضخم، إلا أن الناس كانوا يتكلمون عن أرقام أعلى من 2% المستهدفة وأعلى من 3%، لكن لم يتحدث أحد عن الـ 7% حتى فى الجدل والحوار الاقتصادى الشهير الذى تم بين اثنين من أعمدة الاقتصاد، د. كروبر الحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد، ولارى سمرز، الاقتصادى الشهير الذى كان وزيراً للخزانة ورئيساً لجامعة هارفارد. كان كروبر يقول إن التضخم، كما صرح البنك الفيدرالى، ظاهرة مؤقتة وعارضة، ولكن لارى سمرز كان يتكلم بحسبان أن هناك أسبابا قد تطيل من عمر التضخم، بما يستوجب اتخاذ إجراءات أكثر سرعة فى هذا الأمر. عدم رؤية هذه الظاهرة لفترة يذكرنى بعدم اعتياد التعامل مع الفيروسات. يعنى هذا الأمر  أن الدول النامية والدول الآسيوية بالتحديد كانت أكثر قدرة وسرعة فى التعامل مع الفيروس لما لها من خبرة فى التعامل مع أشكال مختلفة مثل السارس وغيره على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، فى حين أن الدول المتقدمة لم تشهد مثل هذا الفيروس من بعد الحرب العالمية الأولى مع الأنفلونزا الإسبانية الشهيرة. هنا يرى الناس أن التضخم من الأمور الماضية وأن سعر الفائدة على الدولار منذ سنوات عدة بدأ يقترب من الصفر، وكذلك سعر الفائدة على اليورو، مما تسبب فى تضخم أو ارتفاع لبعض أسعار السلع، وهذا أمر مؤقت. وإذا حدث شىء، فإن السياسة النقدية قادرة على التعامل معها.


-

سادسًا - التنافس الاقتصادى الصينى - الأمريكى:

 -فيما يتعلق بسلاسل التوريد، والإمكانات التى تظهر منها، يوجد نوع من أنواع الهجرة لبعض الصناعات حتى من الصين بسبب زيادة التكلفة، لأن لديها مجالات جديدة تستطيع أن تستثمر فيها، ونرى التطور الذى حدث فى اليابان، وفى أوروبا الغربية قبلها، وفى كوريا. هيكل الصادرات الكورى، على مدى 30 سنة، بدأ بملابس جاهزة، وأقمشة، وبعض المعدات والآلات البسيطة، وبعدها تطورت لمعدات وآلات، ثم دخل فى صناعة الأجهزة الإلكترونية. وبعض الدول مثل فيتنام وكمبوديا تحاول أن تنوع صناعاتها.

اليوم توجد أنواع من التليفونات الصينية لا تقل جودة بل تزيد، لكن بتكلفة عالمية على الآيفون والبضائع التى لم تخرج من أوروبا. ولكى تستطيع أمريكا التنافس، فالفكرة والتصميم يخرجان من عندها والتصنيع يكون فى الصين، فهل توجد فرصة لمصر فى هذا المجال؟

- فى الحوار الذى عُقد فى (دافوس)،  تحدثت مديرة منظمة التجارة العالمية عن إعادة تطوير الصناعات لأسباب التكلفة، ولأسباب جيوسياسية، ولأسباب البُعد. وقالت إنه توجد صناعات صينية تحركت إلى كمبوديا، وفيتنام، والفلبين، وإثيوبيا. فالمراقبون الاقتصاديون بالبنك الدولى أحدهم كان صينيا، وكان يقول إن مصلحة المستثمر الصينى أن يُظهر المعرفة التقنية ويضعها فى بعض الدول.

 -فيما يخص موضوع النمو الأخضر، فإن تسارع وتهافت الدول المتقدمة على التخلى عن مصادر الطاقة التقليدية وعدم الاستثمار فيها، وفى الوقت نفسه تكالبها الشديد على الطاقة المتجددة، أوجدا أزمة فى البنزين من ناحيتين، أولا: ظهور نقلة نوعية فى سعره من شهر مايو الماضى وحتى شهر سبتمبر بزيادة 80% أو 90% ، يسمونها (حزمة الوقود)، وفى أوروبا زاد الرقم إلى 80% لعدم استعدادها.

ثانيا: إن استضافة مصر أكبر قمة مناخية عالمية لها متطلبات خاصة، وإن حل أزمات تغير المناخ هو الاستثمار فى علاج مشكلات الزراعة والمياه وتوفير سلاسل الإمداد والتخفيف من الانبعاثات. واستخدام الطاقة المتجددة وقطاع الهيدروجين الأخضر يعدّ مجالا كبيرا وواعدا، لكنه يحتاج إلى مشاركة دولية لأنه مكلف للغاية، فهذه القمة للاستثمار والتنمية والمشاركة وليست لفتح مجالات للاقتراض للدول النامية لعلاج مشكلات حدثت بسبب الثورة الصناعية الأوروبية.

 -فيما يتعلق بالمعاملات الدولية، لا يزال الدولار مهيمنا حتى على الإقليمية، باستثناء إقليم واحد هو الاتحاد الأوروبى. وحتى بعد التفاؤل الشديد بالنسبة لليورو، فإنه لم يأخذ حصة أكثر من 20%، فالأمريكيون يتمتعون بما يُعرف بالسخاء الفيّاض المتجاوز لكل الاعتبارات، نحن نعيش فى ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية، لا يوجد نظام عالمى جديد إلى الآن، فنحن لا نزال فى امتدادات لنظام عالمى قديم.

- فيما يخص نموذج النمو الشامل مع زيادة وتيرة الاستثمار والإنفاق العام والخاص الشامل فى مشروع (حياة كريمة)، أنا أراه من أهم خطوات تغيير الحياة  فى مصر إلى الأفضل، حيث خصصت الدولة له نحو 700 مليون دولار. هذه المبادرة لا تهدف لتغيير شكل المنازل بعمل دهانات لها، بل تهدف بالأساس لتغيير الواقع الذى يعيش فيه قرابة 60 مليونا من أهالينا فى قرى مصر المختلفة. وإذا تم تنفيذ المبادرة بنسبة 100 %، فيعد هذا تحولا مهما فى تغيير شكل الحياة فى الريف المصري. كما أن مبادرة (حياة كريمة) تدعم الاقتصاد المصري، لأنها تسهم فى معدلات الإنتاج بالمصانع المحلية المختلفة، بالإضافة إلى توفير فرص عمل فى مختلف المشروعات التى يجرى تنفيذها. مبادرة (حياة كريمة) ستغير شكل التعليم، لأنها تهتم بإنشاء المدارس فى القرى، ونستطيع القول إن (حياة كريمة) سوف تحدث نقلة نوعية فى المجتمع والاقتصاد المصري على حد سواء.

مشروع (حياة كريمة) أنا أراه من دون مبالغة أمل مصر فى التحول. وفى هذا السياق، يعدّ قرار إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة ومختلف المدن الجديدة، التى  يتجاوز عددها أكثر من 14 مدينة فى مختلف محافظات الجمهورية، قرارا ذكيا وإيجابيا جدا، لأنه أسهم بشكل مباشر فى تحريك الاقتصاد المصرى وتوفير فرص العمل فى ظل حالة لركود التى كان يعانيها الاقتصاد العالمي. كما أن هذه المشروعات عادت بالنفع على المواطنين من خلال تشغيل الملايين فى قطاع الإنشاءات  والتنمية العمرانية وما يتبعها من مصانع تخدّم عليها. وقد استطاع هذا القرار احتواء العمالة القادمة من بعض البلدان العربية. وهذه المشروعات العمرانية ستقوم بتطوير نفسها مستقبلا بدون أى ضغوط اقتصادية على الدولة من خلال التنمية الذاتية والاستثمار المباشر. وقد وضعت الدولة فى حسبانها كل عوامل النجاح لهذه المشروعات العمرانية بتوفير وسائل النقل الذكية والمتطورة لها التى يجرى إنشاؤها حاليا.

 -دور المؤسسات الدولية نقطة مهمة جدًا، فقد تغيرت مع تغير الوقت. وإذا كان صندوق النقد الدولى لديه وضع معين متميز بحكم اتفاقيته عن موضوع الـServitorفإن المؤسسات الأخرى، بما فى ذلك البنك الدولى، خاضعة للمنافسة، حيث تنافسه كل البنوك الإقليمية. إن البنوك الجديدة التى أُنشئت فى الصين مرتبطة بمشروع الحزام والطريق، وبنك التنمية الجديد الذى انضمت مصر إليه أخيرًا، و يضم الصين، والبرازيل، والهند، وروسيا، وجنوب إفريقيا، وكلها بنوك جديدة لم تكن موجودة منذ 10 سنوات، لكنها تزيد من المنافسة، حتى فى موضوع التمويل الدولى، وبالتالى أصبح لزاما على مؤسسات التمويل التقليدية أن تجدد نفسها، وفقا لقواعد اللعبة الدولية، وهو ما ينعكس على الصعود الصينى والثبات النسبى لدول الغرب، لأن لديك قواعد لعبة جديدة، وإن قُيدت باتفاق أساسى لتأسيس هذه المؤسسات، ولكن قواعد اللعبة اختلفت.

 رؤية مصر 2030  تتفق تماما مع أهداف التنمية المستدامة عالميا، ولديها طموح. وأستطيع القول بكل ثقة إنها ستنجح لأنه سبق تجريبها، مصر تسير فى الطريق الصحيح.  وقد نادى الأمين العام للأمم المتحدة من أجل العمل وتفعيل أهداف التنمية فى 2019 كبداية للعقد الجديد فى 2020 وحدد هذا فى خطاب وجهه للتعجيل بأهداف التنمية المستدامة، غير أن بعض الدول المتقدمة أو بعض الدول ذات الأسواق الناشئة ستبقى على الطريق لتنفيذها


-

د. محمود محيى الدين:

خبير اقتصادى يتمتع بخبرة تزيد على 30 عاما فى مجال التمويل الخارجى والتطوير. ويشغل منصب المدير التنفيذى فى صندوق النقد الدولي، وأصبح مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030 منذ فبراير 2020.

شغل العديد من المناصب فى عدة مؤسسات محلية ودولية، منها النائب الأول لرئيس البنك الدولى لأجندة التنمية لعام 2030 وعلاقات الأمم المتحدة والشركات «نوفمبر 2015 – يناير 2020»، ومبعوث رئيس البنك الدولى لشئون الأهداف الألفية للتنمية وعملية تمويلها من «2013-2014»، ثم تولى منصب وزير الاستثمار فى مصر من عام «2004-2010» ثم المدير المنتدب للبنك الدولى فى أكتوبر «2010-2013».

تضمنت أدواره فى البنك الدولي، كإدارة مسئولة عن التنمية البشرية، التنمية المستدامة، والحد من الفقر، والإدارة الاقتصادية، والتمويل، وتنمية القطاع الخاص. وهو المبعوث الخاص لرئيس البنك الدولى المعنى بالأهداف الإنمائية وخطة التنمية المستدامة لما بعد عام 2015.

كما عمل أيضا فى العديد من مجالس الإدارات فى قطاع الشركات التابعة للبنك الدولي، وكان عضوا فى لجنة النمو والتنمية، واختير قائدا عالميا شابا للمنتدى الاقتصادى العالمى عام 2005.

وتمتد خبراته فى مجال العلاقات العامة إلى الساحة الأكاديمية كأستاذ للاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وأستاذ زائر فى عدة جامعات مرموقة فى مصر وكوريا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وهو عضو فى المجلس الاستشارى الدولى لكلية إدارة الأعمال بجامعة دورهام، كما يشغل مناصب قيادية فى مراكز البحوث الوطنية والإقليمية والدولية والاقتصادية.

حصل على الدكتوراه فى اقتصادات التمويل من جامعة ووريك، وماجستير فى تحليل السياسات الاقتصادية من جامعة يورك بإنجلترا، ودبلوم اقتصادات التنمية والتحليل الكمى من جامعة يورك بإنجلترا.

كما شارك فى برنامج الشهادات العالية المستوى فى كلية وارتون للأعمال فى بنسلفانيا وجامعة جورج تاون.

وفى عام 2018، منحته الجامعة الأمريكية بالقاهرة درجة الدكتوراه الفخرية فى «الآداب الإنسانية» تقديرا لإنجازاته المشهورة.

له العديد من المقالات فى مجالات الاقتصاد والتمويل والتنمية باللغتين العربية والإنجليزية.

- تعيين الدكتور محمود محيى الدين رائدا للمُناخ للرئاسة المصرية للدورة الـ 27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ:

فى إطار الإعداد الجارى لاستضافة مصر للدورة الـ 27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المُناخ فى نوفمبر 2022، تم تعيين الدكتور محمود محيى الدين لتولى مهام «رائد المُناخ» للرئاسة المصرية لمؤتمرClimate Champion، وذلك بهدف تعزيز تواصل الرئاسة المصرية للمؤتمر مع دوائر الأعمال والقطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية العاملة فى المجالات ذات الصلة بمواجهة تغير المُناخ، حيث من المُقرر أن يبدأ الدكتور محيى الدين مباشرة مهامه بشكل فورى وفقاً لإطار «شراكة مراكِش لعمل المُناخ العالمى» الذى أقرته الدول الأطراف بالاتفاقية الإطارية.

وفقاً لذلك، ستتضمن مهام الدكتور محمود محيى الدين التنسيق مع رائد المُناخ البريطانى «نايجل توبينج» (الرئاسة الحالية لمؤتمر الأطراف) وسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ للتوعية بقضية تغير المُناخ وأهمية مواجهتها فى أوساط الجهات غير الحكومية من منظمات دولية ومؤسسات تمويل وشركات دولية وغيرها من الجهات الفاعلة فى عمل المُناخ الدولى، وحشد الدعم الدولى من تلك الجهات لمصلحة الجهود العالمية لمواجهة تغير المُناخ وتنفيذ أهداف اتفاق باريس، بما يضمن الإسهام فى الجهود التى تقوم بها مصر بوصفها الرئيس القادم للمؤتمر فى هذا الصدد.

تجدر الإشارة إلى أن الدكتور محمود محيى الدين سيتولى مهمة رائد المُناخ المصرى بالإضافة إلى مهامه الأخرى، حيث يتولى فى الوقت الراهن مهام المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، كما يعمل مديرا تنفيذيا بصندوق النقد الدولي، وسبق له العمل فى عدد من المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، بما فى ذلك توليه مهام النائب الأول لرئيس البنك الدولى لأجندة 2030 للتنمية المستدامة، فضلا عن كونه وزير الاستثمار المصرى الأسبق.

********************************************

حرره وأعده للنشر:

- صلاح غراب

نائب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية

- سمير محمد شحاتة

مدير التحرير الفنى بمجلة السياسة الدولية

تصوير:

أحمد عارف

طباعة