تحليلات - قضايا عالمية

الرؤية المصرية لمعالجة قضايا التغير المناخي بقمة "جلاسكو".. الأبعاد والدلالات

طباعة

        

اختتم السيد الرئيس "عبد الفتاح السيسي" زيارته لبريطانيا والتي شارك خلالها في أعمال القمة 26 للأمم المتحدة، الخاصة بالمتغيرات المناخية (كوب 26)، والمنعقدة بالعاصمة الأسكتلندية جلاسكو يومي (2 و3) نوفمبر 2021، وطرح خلالها رؤية مصر لمعالجة قضايا التغير المناخي، لاسيما في ظل استعداد مصر لاستضافة القمة المقبلة بمدينة شرم الشيخ 2022، مما يعزز الدور المصري الإقليمي والدولي لمواجهة قضايا الأمن غير التقليدي.

*رؤية مصرية :

طرح الرئيس "السيسي" في كلمته التي ألقاها فى أول نوفمبر 2021 خلال القمة رؤية مصر لمعالجة قضايا التغير المناخي، والتي ركزت على تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ عام 2015، والتقليل من الاحترار الحراري والاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، وكانت أبرز بنودها:

- آليات مواجهة التغير المناخي: تهدف مصر، الوصول بنسبة المشروعات الخضراء الممولة حكومياً إلى 50% بحلول 2025 و100% بحلول 2030، حيث تمثل مصادر الطاقة المتجددة اليوم نحو 20% من مزيج الطاقة في مصر، ونعمل على وصولها إلى 42% بحلول 2035، بالتزامن مع ترشيد دعم الطاقة والتحول إلى النقل النظيف، من خلال التوسع في شبكات المترو والقطارات والسيارات الكهربائية وتجهيز البنية التحتية اللازمة لذلك، كما كانت مصر أول دولة تطرح "السندات الخضراء" بقيمة 750 مليون دولار.

- استراتيجية وطنية: انتهت مصر من إعداد الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، والتي ستفتح الطريق أمام تحديث مصر لمساهماتها المحددة وطنياً، بحيث تكون السياسات والأهداف والإجراءات المتضمنة بهذه المساهمات مكملة لجهود الدولة التنموية ولمساعيها للتعافي من آثار جائحة كورونا، لا عبء عليها.

- دعوة لدعم الدول النامية: دعا الرئيس "السيسي" الدول الكبرى لدعم الدول النامية، خاصة الإفريقية، لمواجهة تداعيات التغير المناخي المرهون بحجم الدعم الخارجي المقدم لها، وطالبهم بالالتزام ببنود "اتفاق باريس" للمناخ 2015، والذي تعهدت بموجبه الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمصلحة تمويل مشروعات مواجهة التغيرات المناخية في الدول النامية.

- استضافة مصر القمة المقبلة: رحب الرئيس "السيسي"، باستضافة مصر (قمة المناخ ،27) المقبلة بمدينة شرم الشيخ 2022، وستسعى القاهرة خلال استضافتها إلى تعزيز عمل المناخ الدولي للوصول إلى أهداف اتفاق باريس، تحقيقاً لمصالح شعوب القارة الأفريقية.
وقد حظيت كلمة الرئيس "عبد الفتاح السيسى" خلال قمة المناخ بترحيب دولي في الأوساط السياسية والبيئية، حيث ركزت على المشروعات القومية لمواجهة التغير المناخى. وقطعت مصر شوطًا كبيرًا فى التوجه نحو الطاقة الجديدة والمتجددة، وإحلال الطاقة الخضراء بدلا من الطاقة الملوثة، وقامت ببناء أكبر محطة طاقة شمسية بالعالم في أسوان.

*إشادة دولية بالدور المصري الإقليمي:

عقد الرئيس "السيسي"، على هامش أعمال القمة، عددا من الاجتماعات مع القادة المشاركين فيها، ومنهم الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، والمستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، ورئيس رومانيا "كلاوس يوهانس"، ورئيس المفوضية الأوروبية السيدة "أورسولا فون ديرلاين"، وكانت أبرز اللقاءات ..

- عقد الرئيس "السيسي"، اجتماعا مع رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون"، أكد خلاله الأخير أن مصر تعد أحد أهم شركاء بريطانيا في الشرق الأوسط، وتم التوافق على تعزيز انخراط بريطانيا في أولويات خطط التنمية المصرية، ودعم التعاون الثنائي في مختلف المجالات، خاصة الاستثمارية، والأمنية، والاستخباراتية، والعسكرية، فضلاً عن قطاعات السياحة والصحة والتعليم.

- أكد الرئيس "السيسي"، خلال اجتماعه مع المستشار النمساوي "ألكسندر شالنبرغ"، أن "المبدأ الراسخ لتسوية أزمات المنطقة العربية هو تحقيق الاستقرار باستعادة مفهوم وأركان الدولة الوطنية ودعم مؤسسات الدول، وتعزيز قدرة جيوشها الوطنية، وحكوماتها المركزية، وهو الأمر الذي من شأنه تقويض نشاط الجماعات والتنظيمات المتطرفة التي تعبث بمقدرات الشعوب". بدوره، جدد "شالنبرغ" حرص بلاده على استمرار تعزيز علاقاتها مع مصر التي تمثل ركيزة محورية لاستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، مثمناً جهود مصر في مكافحة (الهجرة غير الشرعية)، ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.

- عقد الرئيس "السيسي" اجتماعا مع رئيس وزراء هولندا "مارك روته"، تناول بحث سبل دفع العلاقات بين البلدين في المجالات ذات الاهتمام المشترك، خاصة التبادل التجاري والسياحة والهجرة، بالإضافة إلى التعاون القائم في مجال إدارة المياه، فضلاً عن الاستفادة من الخبرات الهولندية في المشروعات المرتبطة بأنظمة الري والزراعة. بدوره، أكد "روته" حرص بلاده على تعزيز التعاون مع مصر لصون السلم والأمن الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

*نتائج قمة المناخ:
اختتم رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" أعمال "قمة القادة" في مؤتمر المناخ (كوب 26) يوم 2 نوفمبر 2021، وكانت تهدف القمة لإعادة الالتزام ببنود اتفاق باريس 2015،  وحصر ارتفاع درجات الحرارة العالمية بحدود 1.5 درجة، ومساهمة الدول المتقدمة بنحو 100 مليار دولار لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية في الدول النامية، حيث إن الدول المتقدمة تمثل 1% من عدد سكان العالم، بيد أنها مسئولة عن نصف معدلات التلوث والاحتباس الحرارى. ورغم الانعكاسات الإيجابية لتفشي جائحة (فيروس كورونا – كوفيد 19) على قضايا المناخ، حيث أدت فترات الحجر الصحي الطويلة لانخفاض الانبعاثات الحرارية، إلا أن ذلك لم ينه الأزمة. وقد أسفرت القمة عن التوصل لثلاث نتائج مهمة لمواجهة التغيرات المناخية، هي:

- تقليل الاحترار الحراري: تعهدت 80 دولة، من بينهم دول الاتحاد الأوروبي الـ27 والولايات المتحدة الأمريكية يوم 2 نوفمبر 2021، فى ختام قمة المناخ (كوب 26) بخفض انبعاثات غاز "الميثان"، أحد الغازات الدفيئة الرئيسية المسببة للاحترار العالمي، بنسبة 30 % بحلول عام 2030.  وهذه الدول تمثل 70 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

- إنهاء إزالة الغابات: تعهدت 100 دولة بإنهاء إزالة الغابات وانحلال التربة بنهاية العقد الحالي بحلول عام 2030، وبدعم مالي يصل لـ19 مليار دولار للاستثمار في حماية الغابات واستعادة غطائها النباتي. وقد رحب بذلك زعماء دول، منها البرازيل وإندونيسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تمثل مجتمعة 85 % من غابات العالم، حيث تمتص الغابات نحو 30 % من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي بما يحول دون تسببها في زيادة درجة حرارة الأرض. وقد فقد العالم 258 ألف كيلومتر مربع من الغابات في عام  2020 فقط.

- تحالف التمويل الأخضر الإفريقي: تم الإعلان عن تحالف على مستوى القارة الإفريقية يهدف إلى تحفيز الاستثمارات الخضراء اللازمة لتحويل الاقتصاد الإفريقي للاقتصاد الأخضر، لاسيما أن إفريقيا لديها فجوة استثمارية تبلغ 2.3 تريليون دولار في بنيتها التحتية الأساسية. ويساهم التحالف في الحصول على تدفق رأس المال المطلوب لتعزيز البنية التحتية المقاومة للمناخ منخفضة الكربون في القطاعات الاستراتيجية، مثل الطاقة والنقل والزراعة والتعدين والتصنيع المستدامين.

*الأهمية والدلالات:
ثمة العديد من الدلالات لمشاركة الرئيس "عبد الفتاح السيسي" في قمة المناخ، منها:

- طرح رؤية مصر: الرئيس عبدالفتاح السيسى كان حريصا على تقديم استراتيجية مصر للمناخ والاقتصاد  الأخضر، والتوسع فى الطاقة الخضراء والمتجددة، خلال خطة متصاعدة، وصولا إلى أن تكون الطاقة الخضراء أكثر من 50%. كما أن مصر ساهمت بشكل فعال في مجال الحفاظ على البيئة والمناخ عن طريق إنشاء المدن الذكية والخضراء. وكان لها رؤية قوية حول معالجة التغير المناخي، وتقوم باحترام تعهداتها وملتزمة بها.

- قضية "سد النهضة": مشاركة الرئيس "السيسي" بقمم المناخ تتيح لمصر طرح قضية "سد النهضة" على الصعيد الدولي، حيث إنه شارك بقمة (كوب 26)، ومن قبلها في اجتماع "رؤساء الدول والحكومات حول المناخ" الذي عقد على هامش أعمال الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 سبتمبر 2021 عبر الفيديو كونفرانس، وأكد فيه على ضرورة التعامل بجدية مع أي إجراءات أحادية تساهم في تفاقم تبعات تغير المناخ، وفي مقدمتها إقامة السدود على الأنهار الدولية دون توافق مع دول المصب على قواعد ملئها وتشغيلها، والتي تمثل جانباً شديد الأهمية من عمل المناخ الدولي وأولوية قصوى للدول النامية، خاصةً في القارة الإفريقية التي تعاني من التبعات الأشد وطأة لهذه الظاهرة، لاسيما المتعلقة بندرة المياه والجفاف وتصحر الأراضي وتهديد الأمن الغذائي. وهذه التغيرات المناخية جميعها تنطبق على قضية "سد النهضة"، ولذا ينبغي على المجتمع الدولي التدخل للتوصل لحل شامل نهائي للقضية.

- تمثيل الدول النامية والإفريقية: تمثيل مصر على أعلى مستوى رئاسي في القمة واستضافة القمة المقبلة للمناخ في مدينة شرم الشيخ 2022، يؤكد حرص مصر على نقل رسائل الدول النامية للدول الكبرى، ويشير إلى أن الدول النامية وإفريقيا يدفعان نحو تحريك القضية بشكل يضعها قيد التنفيذ، لأن تلك الدول الأكثر تضررا من التغيرات المناخية رغم أنها الأقل مساهمة في الاحتباس الحراري والانبعاثات النووية. كما تعد مصر نموذجًا للتعاون والتنسيق والدعم المتبادل بين الدول الافريقية والأوروبية في مجالات التغير المناخي والحفاظ على البيئة.

- مفهوم أشمل لحقوق الإنسان: يعد اهتمام مصر بمعالجة الآثار السلبية للتغيرات المناخية ومنحها أولوية متقدمة ضمن قضايا الأمن التقليدي كالإرهاب والهجرة غير الشرعية، جزءا من استراتيجية الرئيس "السيسي" التي طرحها من قبل، وهي تبني مفهوم أشمل لحقوق الإنسان قائم على توفير متطلبات "الأمن الإنساني" ومنح الحقوق في مختلف جوانب الحياة التعليمية والصحية وتوفير البيئة المناسبة للحياة الكريمة، وهو ما نجحت فيه مصر بشكل كبير خلال فترة (جائحة كورونا) حيث استطاعت مواجهة كافة تداعياتها. وهذا المفهوم الشامل لحقوق الإنسان يختلف عن نظيره الغربي الذي يركز على حرية الرأى والتعبير  فقط.

- تعزيز دور مصر دوليًا: تعد "قمة المناخ" السنوية أكبر اجتماع عالمي بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعد أزمة التغيرات المناخية أكبر أزمة عالمية تواجه جميع الدول بلا استثناء. وتمثيل مصر بالقمة على المستوى الرئاسي يؤكد أهمية دورها على الصعيد العربي والشرق أوسطي والإفريقي، كما أن استضافة مصر للقمة المقبلة للتغير المناخي عام ٢٠٢٢ يأتي تقديرًا للدور التاريخى والمحورى الذى تقوم به مصر تجاه جميع القضايا الإقليمية والعربية والإفريقية والدولية، خاصة أن مصر كانت فى مقدمة دول العالم التى أعطت اهتماما خلال السنوات الماضية لقضايا المناخ، رغم التحديات الجمة الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تعرضت لها مصر خلال العقد الماضي.

خلاصة القول، إن مشاركة الرئيس "السيسي" بقمة المناخ (كوب26) طرحت على العالم رؤية مصر كدولة عربية إفريقية نامية لمعالجة مشكلات التغير المناخي بعدما كانت تلك الرؤى والحلول حكرا على الدول المتقدمة المسئول الأول عن الانبعاثات الحرارية والنووية ومعدلات التلوث في العالم، كما أن الرؤية المصرية تعد نموذجًا تحتذى به الدول الأخرى.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحثة فى العلوم السياسية.