تحليلات - مصر

الرسائل السياسية والاقتصادية للمشاركة المصرية بـ "إكسبو 2020"

طباعة

يستدعى اليوم الوطنى المصرى بمعرض إكسبو 2020، يوم 30 أكتوبر 2021، التفنيد حول أهمية المشاركة المصرية لأحد أكثر الأحداث العالمية أهمية فى العام الجارى، إذ من المتوقع أن يعكس المعرض انعكاسات إيجابية على اقتصادات الدولة المصرية، ويوفر قوة دافعة طويلة الأمد لاختبارات البعد التنموى للاستراتيجية الوطنية "رؤية مصر 2030"، وإعادة ترتيب الأولويات لقطاعات اقتصادية رئيسية، مثل الخدمات المالية والنقل والسياحة والخدمات اللوجيستية ... إلخ.

 الجدير بالذكر أن المشاركة المصرية تنطوى على رسائل متباينة لأهداف وسياسات "الجمهورية الجديدة" والرامية لإنجاز متطلبات استراتيجيتها الوطنية نحو الانتقال المرن من "التنسيقات الآحادية" إلى "التكامل النوعى مع دوائر العالم"، وذلك من خلال مبادراتها التنموية ذات الأثر الممتد في كافة مناحي الحياة، وعبر عرض مساهمات القاهرة في منظومة التنمية الاقليمية والعالمية، وبناء أطر مستقبلية ذات فرص استثمار وتنمية مستدامة في إطار "رؤية مصر 2030".

أهمية "إكسبو 2020" :    

يُشكل معرض "إكسبو 2020" -والذى يُعد الأول من نوعه، و"الحدث الأضخم" فى الشرق الأوسط- أهمية نوعية، وذلك بالنظر إلى شعار "تواصل العقول وصنع المستقبل"، والذى ينضوى تحت لوائه ثلاثة موضوعات فرعية: "خلق الفرص، وسهولة حركة التنقل، والاستدامة"، حيث تتشابك تلك الموضوعات وتتكامل مع كافة دول المنطقة لخدمة أجنداتهم الوطنية، متى أحسنت تلك الدول تطويع أدوات ذلك الحدث، وذلك استنادا إلى توجه المنطقة نحو تبنى دبلوماسية "الأحداث الضخمة - Mega Events Diplomacy" في التفاعلات الدولية، وهو ما يظهر بالنظر إلى عدد من المحددات التى سعى "إكسبو2020" إلى التحرك فى إطارها، حيث: 

-    تطويع جائحة كورونا: إذ فرض "إكسبو 2020"، الحديث عن التكيف مع "الوضع الراهن"، واستنباط الفرص فى ظل التداعيات المتباينة لـ "جائحة كورونا"، فضلا عن الانتشار السريع للمتحورات، واختلال توزيع اللقاحات بين دول العالم، والدفع بالاهتمام بالأمن الصحي والأمن الإنساني لمواجهة موجات الفيروس المتتابعة، وتعزيز القدرة الاستيعابية الصحية، وتطوير قطاعات البحوث والتطوير في المجالات الطبية للتعامل مع الأمراض الوبائية مستقبلاً.  

-    تقديم نموذج مغاير: دفع تنظيم "إكسبو 2020" –لأول مرة فى الشرق الأوسط– إلى إعادة صياغة الصورة الذهنية لمنطقة الشرق الاوسط للعالم، والتى كثيرا ما إرتبطت بالصراعات المسلحة والأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية الحادة، إذ قد يدفع "إكسبو 2020"، بالتنظير حول تعافى المنطقة، مما عُرف بـ "معضلة الأمن –Insecurity Branding"، وما انطوى على تلك الإشكالية من انعكاسات متباينة على مختلف دول المنطقة، بدءا من حالة الاضطراب السياسي، مرورا بتعثر مؤسساتها بإدارة واستغلال مواردها. فإشكالية "مُعضلة الأمن" تؤثر بشكل مباشر فى "الصورة الذهنية للمنطقة"، وهو ما ينعكس تباعا على الإضرار بالمنظومة الاقتصادية لدول المنطقة، وقدراتها على جذب المستثمرين برغم ما تقدمه من حوافز استثمارية متنوعة، وانحسار مؤشرات التبادل التجارى الثنائى والمتعدد، وفضلا عن تراجع قدراتها على الجذب السياحى. 

-    تصعيد السياسات الدنيا  low politics: أضفى "إكسبو 2020" أهمية نوعية، تتمثل فى إعادة النظر فى السياسات التقليدية المتداولة بين دول المنطقة، والانتقال المرن من السياسات التقليدية "ذات الاهتمام بالصراع والنزاعات المسحلة ومخرجات القوة الصلبة" إلى إهتمام دول المنطقة بالسياسات الدنيا low politicsالمتمثلة في التجارة، والسياحة، وتغيرات المناخ، والأوبئة، والهجرة، وقضايا الأمن الإنسانى، وغيرها من الموضوعات الحيوية التي نتطلع من خلالها لصياغة صورة إيجابية لدول منطقة الشرق الأوسط خارجيا بمختلف دوائر النظام الدولى.   

-    استشراف اقتصادات المستقبل: إحدى أهم الاتجاهات التى يُنظر إليها بمعرض "إكسبو 2020"، هو الترجيحات المتباينة لنجاح الحدث فى نقل دول المنطقة لاتجاهات الاقتصاد الناشئة والجديدة، أو ما يمكن أن يطلق عليه مسمى "اقتصادات المستقبل"، حيث تهتم بالتركيز على الاقتصادات القائمة على المعرفة، ودعم الابتكار، والاقتصاد الأخضر، والاقتصادات صديقة البيئة ... إلخ. ويعزز من هذا الاتجاه شعار المعرض: "تواصل العقول وصنع المستقبل"، وذلك عبر استقطاب الشركات التى تستهدف هذا النوع من الاقتصاد القائم على أبعاد متكاملة / تكاملية، معرفية، وابتكارية، ومستدامة، مما يؤدي إلى توطين ذلك النمط الاقتصادي من جهة، ونشر الدول المشاركة بالمعرض لتلك الاتجاهات الاقتصادية المستقبلية الرائدة بين مختلف دوائر التفاعلات الإقليمية والدولية من جهة أخرى.   

- دوافع/ رسائل المشاركة المصرية:    

ثمة عدد من الدوافع والرسائل التى تسعى القاهرة لتضمينها عبر مشاركتها الناجعة بالحدث العالمى "إكسبو 2020"، وذلك بما يتوافق مع "الاستراتيجية الوطنية 2030"، وما ترنو إليه تطلعات "الجمهورية الجديدة"، وذلك من خلال: 

-    التأكيد على مرونة التحرك والتكيف مع تحولات المنطقة: حيث مثَّل الجناح المصرى بالحدث فرصة لاستعراض النجاحات المصرية فى الاستجابة للطوارئ والمهددات "غير التقليدية" أمام مختلف دول العالم، والقدرة على إبراز المرونة، والتكيف مع التحولات المفاجئة "Resilience"، وكذلك الاستفادة من دروس الماضى، وهى تلك السمة التى عمد "الجناح المصرى" على إبرازها، من خلال عرض "النقلات النوعية"، والتى تبرز سمات وملامح "الهوية المصرية"، وترسيخ ما يُعرف بـ "الذاكرة القومية/ الوطنية"، فضلا عن التأكيد على "ثقل الدولة المصرية" فى إدارة مختلف الأزمات الداخلية، واستيعاب التحولات الإقليمية، جنبا إلى جنب، مع دعم عمليات الإصلاح ذات التفاعلات المتشابكة إقليميا ودوليا، والرامية للتخفيف من حدة تداعيات التحولات المفاجئة، والبناء على ذلك بهدف دعم استقرار مستقبل المنطقة أجمع. 

-    تبنى سياسات "نافذة الفرص":  تُبنى تلك السياسات استنادا لما تستعرضه القاهرة بجناحها الخاص فى معرض "إكسبو2020" من مفردات كثيرة، تكشف من خلالها عن ملامح "الجمهورية الجديدة"، مثل برامج الحماية الاجتماعي، وتجديد الخطاب الديني، وتنويع أنماط الاقتصاد "التقليدي والنوعى"، وتعزيز الترويج السياحي، وتمكين المرأة، وتصعيد الشباب، والاهتمام بالرياضة، والثقافة، ودعم ذوي الهمم، وأولوية الصحة، ومجالات التعليم. إذ شكلت جميعها أطر متباينة، نجحت فى توظيفها في أجندة السياسة الخارجية للدولة، باعتبارها القضايا الرئيسية لنشاطها الدولي، مثل الاهتمام بالأمن الإنساني، وقضايا تغير المناخ، وتعزيز قيم الابتكار وريادة الأعمال... إلخ، وتأثير مثل تلك القضايا فى مجمل التفاعلات الدولية.

-     تعزيز الفرص الاقتصادية المتاحة: وذلك عبر استثمار منصة "إكسبو 2020"، فى عرض الفرص الاقتصادية المتاحة، وتحولات الخريطة الاستثمارية بالجمهورية الجديدة، إذ يُعد "البُعد الجغرافى" للدولة المصرية عاملا رئيسيا فى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المتبادلة، والاتفاقات التي من المُتوقع أن تتم بين الدول والشركات والمؤسسات المختلفة على هامش المعرض الممتد خلال الفترة من أول أكتوبر 2021 إلى 31 مارس 2022، وفرصة حقيقية للاقتصادات الصاعدة على امتداد دول الشرق الأوسط وإفريقيا، فضلا عن إسهام الهيكل والطابع الخاص لمنصات العرض والأفلام الوثائقية بالجناح المصرى فى تنشيط حركة السياحة، لتكون القاهرة فى مقدمة الوجهات السياحية الجديرة بالزيارة فى العالم، إذ تسهم تلك الأطر فى دعم تصنيف الدولة المصرية اقتصاديا بمختلف المؤسسات الإقليمية والدولية. فعلى سبيل المثال، وبالنظر لتقديرات "مجلة فوربس الشرق الأوسط"، فقد حلت مصر في المركز الثالث بقائمة أكبر الاقتصادات العربية، وكذلك توقعات "صندوق النقد الدولي" بأن يحقق الاقتصاد المصري "تعافيا قويا"، خلال العام المالي 2022/2021، وفق ما ذكره الصندوق في بيانه الصادر فى منتصف شهر يوليو 2021. 

تأسيسا على ما سبق ثمة عدد من الرسائل المتباينة، والتى تستهدف القيادة السياسية – عبر مشاركتها بالحدث الأضخم "إكسبو 2020" -  التأكيد عليها بكافة دوائر التفاعلات الإقليمية والدولية،  حيث يتمثل أبرزها فى:

1.  رسائل سياسية: وذلك عبر ثلاث رسائل رئيسية، أولا: إعادة التعريف بملامح "الجمهورية الجديدة" وإنجازات دولة 30 يونيو. ثانيا: التأكيد على الاستقرار الأمنى بالداخل الوطنى. فعلى سبيل المثال، قبيل الاحتفاء باليوم المصرى بمعرض إكسبو2020، أعلن السيد رئيس الجمهورية إلغاء مد حالة الطوارئ عقب الإنجازات التى حققتها أجهزة الأمن في دحر الإرهاب. ثالثا: ترسيخ القاهرة لمبدأ التكامل مع دوائر التفاعلات الإقليمية والدولية، وذلك فى إطار التأكيد على الهوية/ والعلامة الوطنية كإحدى أهم أدوات القوة الناعمة المصرية.  

2.  رسائل اقتصادية: انعكس ذلك فى عدد من النقاط،أولا: انفتاح القاهرة على الانتقال النوعى نحو "اقتصادات المستقبل". ثانيا: تعزيز مبدأ "ريادة الأعمال" ودعم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. ثالثا: التأكيد على تقديم "الجمهورية الجديدة" كوجهة استثمارية متميزة بالمنطقة لما تتمتع به من مشروعات قومية ضخمة في مجالات البنية التحتية، وإجراءات متباينة لجذب الاستثمارات الأجنبية، ومدن ذكية، ومناطق صناعية متنوعة جغرافيا، إلى جانب الأهمية النوعية للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

3.  رسائل تنموية:  برز ذلك، من خلال، أولا: التأكيد على التماهى بين الاستراتيجية الوطنية "2030"، وأهداف التنمية المستدامة SDGs. ثانيا: عرض مختلف التجارب التنموية الوطنية بمختلف المستويات "الاجتماعية، واللوجيستية، والبيئية، والأمنية، والاقتصادية، والتنموية، والحقوقية ... إلخ"، وذلك فى إطار ما تؤسس له "الجمهورية الجديدة" من إنجاز متطلبات "الإصلاح" و"البناء".

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. إيمان زهران

    د. إيمان زهران

    متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي