تحليلات - شئون اقتصادية

أسرار باندورا والنظام المالي العالمي: كيف يذهب الأشرار إلى الجنة؟!

طباعة

    
تحكي الأسطورة الإغريقية أن الشر كان محبوسًا في صندوق وجدته امرأة تدعى باندورا وحينما فتحته تحرر الشر من قيوده وانطلق في العالم. كانت هذه الأسطورة هى سبب تسمية وثائق باندورا بهذا الاسم، حيث تكشف هذه الوثائق عن كيفية انطلاق شرور الفاسدين من أثرياء العالم وتتجول في النظام المالي العالمي وتذهب أموالهم إلى جنة ما يعرف بدول بالملاذات الضريبية، والأهم من ذلك أنها تكشف عن كيفية قيام الدول الكبرى بدور باندورا فى النظام المالي العالمي التي فتحت الصندوق لانطلاق الجرائم المالية نحو جنة الملاذات الضريبية.

تعد وثائق باندورا، التي بدأ نشرها في 3 أكتوبر2021، هي الحلقة الأحدث من سلسلة كشف أسرار الممارسات غير الأخلاقية لما يعرف باسم الجنات الضريبية وشركات الخارج ( شركات أوفشور)، والتي تهدد النظام المالي العالمي. فبعد  التسريبات التي أطلقها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين تحت اسم الحسابات الخارجية في2013،ووثائق بنما التي تم نشرها عام2016، ووثائق باراديس عام2017، تأتي وثائق باندورا كأكبر تحقيق صحافي استقصائي عالمي من نوعه على الإطلاق يفضح الجرائم المالية لعدد من مشاهير وسياسيين ورجال أعمال، كما كشف عن العديد من الممارسات غير الأخلاقية لما يعرف بدول الملاذات أو الجنات الضريبية.
ووثائق باندورا عبارة عن تسريب لما يقرب من 12 مليون مستند يكشف عن ثروات سرية وفساد مالي، وجرائم تهرب ضريبي وغسل أموال من قبل بعض زعماء العالم وأثريائه. تم الحصول على الوثائق من قبل الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، والذي عمل مع أكثر من 140 مؤسسة إعلامية، وأكثر من 600 صحفي في 117 دولة، وتتضمن وثائق باندورا تسريب 6.4 مليون مستند، ونحو ثلاثة ملايين صورة، وأكثر من مليون رسالة بريد إلكتروني، وما يقرب من نصف مليون جدول بيانات. وتكشف الوثائق عن أن بعض أكثر الشخصيات نفوذًا في العالم، بما في ذلك أكثر من 330 سياسيا من 90 دولة، يستخدمون شركات خارجية سرية (أوفشور) لإخفاء ثرواتهم.
وشركات أوفشور هى سلسلة معقدة من الشركات التي تم إنشاؤها عبر الحدود، مما يؤدي إلى إخفاء ملكية الأموال والأصول، من خلال شركات يتم تأسيسها من الناحية الرسمية والقانونية في بلد، وتمارس أنشطتها وأعمالها في بلد آخر، ولذلك عادة يُحظر على هذه الشركات جني أي أرباح في الدولة التي أنشئت فيها، وفي الأغلب يتم تأسيس هذه الشركات في بلدان ذات ضرائب دخل منخفضة أو معدومة ويطلق عليها ( ملاذات أو جنات ضريبية ) وتمارس أعمالها في مناطق أخرى مناسبة لنوع نشاطها الاستثماري. ويعد تأسيس وتسجيل الشركات (أوفشور) ليس بالأمر الصعب أو المكلف، حيث توجد شركات محاماة تتولى في العادة هذه الإجراءات، ويمكن أن يتم التسجيل عبر الإنترنت ولا تحتاج إلى رءوس أموال كبيرة.

وتسمى البلدان التي تسمح بتسجيل شركات أوفشور على أراضيها بالملاذات أو الجنات الضريبية أو القضائية، ولا توجد قائمة محددة للملاذات الضريبية،  ولكن توجد معايير قانونية واقتصادية، مثل توافر السرية المالية والحماية القانونية للثروات من الرقابة وانخفاض الضرائب بشكل مبالغ فيه، ومن الجنات الضريبية الأكثر شهرة جزر كايمان وجزر العذراء البريطانية وبنما وسويسرا وسنغافورة ولوكسمبورج.

وتهدف دول الملاذات الضريبية من السماح بتأسيس هذا النوع من الشركات إلى محاولة استقطاب رءوس أموال أجنبية، بالإضافة إلى الاستفادة من رسوم تأسيس الشركات ورسوم نقل السلع والأموال، وفي بعض دول الملاذات الضريبية، يتم إعفاء شركات أوفشور من ضريبة الدخل على الأرباح، ولكنها تخضع بدلا من ذلك لضريبة سنوية مقطوعة (مبلغ ثابت)، وقدر الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي، أن أكبر المصارف الأوروبية تعمل على حجز ما يقرب من 20 مليار دولار من الأرباح سنويا لتحويلها إلى الملاذات الضريبية.

وشركات أوفشور" ليست بالضرورة شركات غير قانونية أو تمارس أعمالاً غير مشروعة، بل الأصل أن هذه الشركات يتم تأسيسها في الأساس من أجل التمتع ببعض المزايا المالية والإعفاءات الضريبية، وسهولة إبرام العقود المالية والتجارية، إلا أن طبيعة هذه الشركات تتيح للبعض استخدامها في أغراض غير مشروعة، مثل غسل الأموال والتهرب الضريبي وممارسة أنشطة تجارية واستثمارية محظورة قانونًا على السياسيين والمسئولين، حيث تتسم هذه الشركات بالحفاظ على سرية حساباتها وإخفاء هوية مالكيها وحقيقة الشركاء وأنصبتهم، ويمكن أن تعين مديرين وموظفين وهميين أو كواجهة لإخفاء الإدارة الحقيقية، فهى تمارس أنشطتها باسمها، وليس باسم المالك الفعلي. وقد وثقت أوراق باندورا عدة صور لاستخدامات غير مشروعة  لمجموعة من شركات أوفشور والجنات الضريبية، منها:

    • ممارسة المسئولين لأنشطة استثمارية محظورة عليهم:

تحظر النظم القانونية في معظم الدول على أصحاب المناصب السياسية وأسرهم ممارسة أنشطة استثمارية في إطار ما يعرف بتضارب المصالح، حتى لو كانت هذه الأنشطة مشروعة ومتاحة لغيرهم، وقد كشفت وثائق باندورا قيام عدد من المسئولين في عدة دول بممارسة أعمال استثمارية تحت غطاء شركات أوفشور حيث يقوم هؤلاء المسئولين بتأسيس شركات في الخارج كواجهة وتقوم هذه الشركات بالاستثمار لصالحهم في بلدانهم الأصلية، ولكن دون كشف هوية مالكيها.

    •غسل الأموال غير المشروعة:

كشفت وثائق باندورا عن قيام أصحاب الأموال القذرة (بينهم مسئولون وسياسيون فاسدون، ومتربحون من أنشطة غير مشروعة) باستخدام شركات أوفشور في تبييض أموالهم من خلال تأسيس شركات في بلاد الملاذات الضريبية، ثم تقوم هذه الشركات بشراء أسهم في شركة أخرى قد تكون في دولة أخرى تشتري أسهم في شركة ثالثة وهكذا، وفي كل الأحوال لا تفصح هذه الشركات عن هوية مالكيها، ومن خلال هذه العمليات يتم قطع الصلة بين الأموال ومصدرها الأصلي غير المشروع.

    • التجنب الضريبي:

التجنب الضريبي هو أحد الأساليب القانونية للتخلص من الأعباء الضريبية أو دفع ضرائب مخفضة، ويحدث ذلك من خلال ممارسة نشاط استثماري يتمتع بمعاملة ضريبية تفضيلية  في إحدى الدول( يحظى بإعفاء ضريبي أو سعر ضريبة منخفض) وقد تكون هذه المزايا الضريبية ممنوحة للاستثمار نفسه، سواء كان المستثمر محليا أو أجنبيا، وقد تكون هذه المزايا مقررة فقط لجذب الاستثمار الأجنبي.

وإذا كان الأصل في التجنب الضريبي أنه استفادة مشروعة للمستثمر من المزايا الضريبية المقررة قانونًا في بلد ما إلا أنه قد يتحول التجنب الضريبي إلى عمل غير أخلاقي يتماشى مع نصوص القانون، ولكنه يخالف روحه ومقاصده، وذلك حينما يلجأ المستثمرون إلى التحايل على القوانين والنفاذ من ثغراتها. فقد يقوم بعض المستثمرين المحليين في بلد معين بتسجيل شركاتهم في بلدان الملاذات الضريبية، حتى تحظى بالحوافز الضريبية للشركات الأجنبية في بلدانهم الأصلية، أو استغلال الأغنياء في بعض الدول لشركات الأوفشور في إخفاء هويتهم لتجنب خضوعهم للشرائح الضريبية العالية المطبقة في نظام الضرائب التصاعدية على الدخل.   
فقد كشفت وثائق باندورا عن العديد من هذه الممارسات، وعلى سبيل المثال ما شهدته المملكة المتحدة من قيام بعض المستثمرين الإنجليز بشراء عقارات في لندن من خلال شركات أوفشور خارج المملكة المتحدة، حيث تقوم هذه الشركة الواجهة بشراء العقار ليكون مملوكا للشركة التي يملكها المستثمر بدلا أن يكون مملوكا للمستثمر الإنجليزي بشكل مباشر، ويتيح له ذلك الاستفادة من العديد من المزايا، ومنها تجنب ضريبة الدمغة المفروضة على بيع العقارات، وتجنب ضرائب التركات على ميراث العقارات بعد الوفاة، كما أنه إذا كان العقار مملوكًا لشركة خارجية (وهو ما ينطبق على شركات أوفشور) ، فسيتم تطبيق المعدل الأساسي لضريبة الدخل في المملكة المتحدة (20٪) فقط بغض النظر عن مستوى الدخل للمالك الفعلى، ويؤدي ذلك إلى توفير كبير عند مقارنته بالملكية الشخصية المباشرة للعقار والتي بموجبها سيتم تطبيق معدلات ضريبة الدخل المرتفع في المملكة المتحدة (حتى 50٪).

    • التهرب الضريبي:

كشفت وثائق باندورا عن استخدام الجنات الضريبية وشركات أوفشور في التهرب الضريبي، حيث يتم استغلال كون المركز الرئيسي للشركة يقع في دولة من دول الملاذات الضريبية ( لا يفرض عليه ضرائب) في التهرب من الضرائب على فروع الشركة التي تمارس النشاط الاستثماري الفعلي في دول أخرى من خلال عدة حيل، مثل أن تقوم فروع الشركة بتحويل جزء كبير من أرباحها إلى المركز الرئيسي في الملاذات الضريبية مقابل قيم (مبالغ فيها) لحقوق الملكية وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والمواد الخام، أو تسجيل قروض وهمية من المركز الرئيسي إلى فروع الشركة بهدف تضخيم المصروفات وخفض الأرباح، وبالتالي دفع ضرائب أقل.
وعلى الرغم من خطورة حجم الفساد الضريبي الذي كشفت عنه وثائق باندورا إلا أن أهمية هذه الوثائق تتجاوز ذلك، حيث إنها تكشف عن الكيفية التي تمكن الفاسدين من إخفاء أموالهم وجرائمهم المالية، كما تكشف عن رعونة مواقف الدول الكبرى في التصدي إلى هذا الفساد وبلغت هذه الرعونة إلى حد لا يمكن معه استبعاد شبهة التواطؤ. إن الوثائق لا تكتفي بفضح الفساد والفاسدين ولكنها أيضًا تسلط الضوء على مراجعة الكثير من المواقف الدولية، وأهمها:

    • وثائق باندورا تحرج الرئيس الأمريكي جو بايدن:

أعلن جو بايدن، مع وصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أنه سيقود الجهود الدولية لمكافحة الفساد المالي في شتى بقاع العالم، وتحقيق الشفافية بالنظام المالي العالمي، بالإضافة إلى ملاحقة الأموال المنهوبة ومحاسبة الحكومات  الفاسدة والقادة والمسئولين الفاسدين الذين يسرقون شعوبهم للاختباء خلف شركات وهمية، والتصدي إلى الملاذات الضريبية غير المشروعة.
إلا أن وثائق باندورا وجهت لطمة قوية لمصداقية خطاب الرئيس الأمريكي حينما كشفت أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تعتبر الدولة الأكثر تواطؤًا في مساعدة هؤلاء الفاسدين على إخفاء مواردهم المالية عن سيادة القانون.
فبالإضافة إلى ما يتوافر في بعض الولايات الأمريكية من سهولة دمج الشركات الوهمية - التي يمكن استخدامها لارتكاب الاحتيال الضريبي والجرائم المالية – تكشف وثائق باندورا عن كيفية إبراز الولايات المتحدة أيضًا كموقع رئيسي لصناديق الثقة الاستئمانية التي تُستخدم عادةً لحماية الثروة الشخصية للأفراد فاحشي الثراء والشركات الصورية. إن تحليل البيانات حدد 28 مؤسسة ثقة في الولايات المتحدة مرتبطة بأفراد أو شركات اتُهموا سابقًا بسوء السلوك في الخارج، حيث يقوم الأفراد الأجانب الأثرياء وأسرهم والشركات الوهمية بتحويل الأموال إلى الصناديق الاستئمانية في بعض الولايات الأمريكية، والتي تتمتع بالسرية المالية والحماية من الضرائب.

وتأتي ولاية داكوتا الجنوبية الأمريكية كأهم ملاذ ضريبي، وفقًا لوثائق باندورا، حيث تحمي الصناديق الاستئمانية في الولاية مليارات الدولارات من الثروات، بعضها مرتبط بأفراد وشركات متهمين بجرائم مالية أو مخالفات جسيمة، وتؤكد الوثائق أن الولاية الواقعة في الغرب الأوسط للولايات المتحدة تنافس الآن سويسرا وبنما وجزر كايمان وغيرها من الملاذات الضريبية الشهيرة كمكان رئيسي للأثرياء العالميين الذين يسعون لحماية أصولهم من الضرائب المحلية أو السلطات في بلادهم.
ومما لا شك فيه أن وثائق باندورا هى  مصدر إحراج كبير للرئيس الأمريكي ، جو بايدن ، الذي تعهد عند توليه منصبه بقيادة الجهود الدولية لتحقيق الشفافية في النظام المالي العالمي فيجب على الرئيس الأمريكي أن يطابق خطابه الخاص بإغلاق التمويل العالمي غير المشروع، وأن يبدأ ذلك من بلده.

    • وثائق باندورا والنظام الضريبي العالمي:

بالنظر إلى الاستخدامات غير المشروعة لشركات أوفشور نجد أننا أمام ثلاثة أطراف رئيسية، الطرف الأول هو الدولة المتضررة من التهرب الضريبي أو تهريب ثرواتها، والطرف الثاني هو دولة الملاذ الضريبي التي يتم تأسيس شركات أوفشور على أراضيها، وتستفيد من الحصول على بعض الرسوم وجذب بعض الأموال، أما الطرف الثالث فهو الدولة التي تستقر بها الأموال المهربة في صورة عقارات، أو سلع فاخرة، أو استثمارات قانونية معلنة، أو مدخرات في مصارفها.
ولعل ما سبق يفسر -إلى حد كبير - لماذا تعرقل بعض الدول الكبرى مبادرات تأسيس نظام ضريبي عالمي تكفل قواعده الإفصاح الملزم عن هوية المالكين والمستثمرين الفعليين، ويفرض معاملة ضريبية عادلة، بحيث يكون سعر الضريبة متقارب في جميع الدول.
تكشف وثائق باندورا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الملاذ الضريبي الأول في العالم، كما أن العديد من الدول الأوروبية هى ملاذات ضريبية، بالإضافة إلى أن معظم الأموال المنهوبة تم نهبها من الدول الفقيرة، في حين أن هذه الأموال تدخل في النهاية إلى النظم الاقتصادية للدول الكبرى.

    • وثائق باندورا ومزحة القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي:

قام وزراء مالية الاتحاد الأوروبي، قبل تسريبات باندورا، بإزالة بعض البلدان والولايات القضائية، مثل (أنجيلا ودومينيكا وسيشيل)، من القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي للملاذات الضريبية بزعم أنها قامت بإصلاح نظمها الضريبية، متجاهلين آراء الخبراء في البرلمان الأوروبي الذين وصفوا الخطوة بأنها خاطئة، وعقب الكشف عن أوراق باندورا تبين أن بعض هذه الدول تقع في قلب أحدث فضيحة ضريبية، مما يجعل القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي مجرد مزحة.
ويشكك ذلك في معايير الاتحاد الأوروبي للشفافية المالية والنظم الضريبية، خاصة أن دائما ما كان الاتحاد الأوروبي يغض النظر عن تجاوزات أعضائه في هذا الصدد ودائما كانت دول لائحته السوداء للملاذات الضريبية أغلبها مجموعة من الدول الفقيرة في حين أن وثائق باندورا تؤكد على أن بعض الدول الأوروبية كان يجب أن تأتي على رأس قائمة الملاذات الضريبية، خاصة قبرص وأيرلندا ومالطا وهولندا ولوكسمبورغ.

    • وثائق باندورا ومشكلة عدم المساواة العالمية:

تظهر أوراق باندورا كيف أن الملاذات الضريبية جزء من مشكلة عدم المساواة العالمية، حيث يتم تحويل ثروات الدول الفقيرة التي يتم نهبها من خلال الفاسدين من الساسة ورجال الأعمال لتستقر هذه الأموال في دول غنية تستفيد من دخول هذه الأموال لاقتصاداتها وتسهل ذلك، فالأموال التي يجب استخدامها لتمويل الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والإسكان تنتهي بتمويل المنازل الفاخرة واليخوت والسلع الفاخرة الأخرى في الخارج.
فقد كشفت أوراق باندورا عن المعاملات المالية الخارجية تصل إلى تريليونات الدولارات لمئات النخب العالمية في العالم ، بما في ذلك أكثر من 330 سياسيًا من نحو  100 دولة، ينتمي معظمهم إلى بلدان منخفضة أو متوسطة الدخل ، كما هو الحال بالنسبة للعديد من السياسيين والشخصيات العامة. ومن بين الدول المدرجة في القائمة البرازيل وساحل العاج والجابون والهند وباكستان وسريلانكا. لدينا حرفياً بلدان يتضور فيها الناس جوعاً، ويصطفون في طوابير للحصول على الطعام، بينما يعيش قادتهم أنماط حياة مترفة في الخارج، حيث يتم نقل أموالهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

    • وثائق باندورا  وشعارات حقوق الإنسان والحكم الرشيد:

يخسر العالم سنويا 427 مليار دولار من الضرائب في الملاذات الضريبية لمصلحة الشركات متعددة الجنسيات والأفراد الأكثر ثراءً في العالم،وليس من قبيل المصادفة أن النادي الصغير للدول الغنية ( الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الكبرى) التى ظلت متمسكة بالقواعد الضريبية العالمية لعقود من الزمان هى المستفيدة من معظم الانتهاكات الضريبية العالمية التي يعاني منها العالم.

يمكن لنظام ضريبي عالمي، تتم إعادة برمجته لإعطاء الأولوية لاحتياجات الناس ورفاههم وتغليبها على رغبات الأغنياء أن يكون أداة قوية لمعالجة عدم المساواة، وضمان حقوق الإنسان وحماية الديمقراطية من التأثير المطلق للأثرياء. تتمثل الخطوة الأولى نحو نظام ضريبي عالمي أكثر إنصافًا في إخراج وضع القواعد من أيدي نادٍ صغير من البلدان الغنية إلى وضح النهار للديمقراطية الشاملة في الأمم المتحدة، فيجب على الدول الغنية أن تحول مطالبتها الدائمة للدول الفقيرة بمراعاة حقوق الإنسان وقواعد الحكم الرشيد من مجرد شعارات للضغط السياسي إلى قيم حقيقية يلتزم بها الجميع، ويبدأ ذلك بتبني الدول الغنية للشفافية المالية، وتغيير قواعد المعاملات المالية بداخلها، بحيث تفرض على الشركات الاستثمارية الإفصاح الوافي عن هوية المستثمر الحقيقي بدلًا من غض النظر عن مصادر الأموال للاستفادة منها على حساب مصالح شعوب الدول الفقيرة.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. السيد صلاح الدين

    د. السيد صلاح الدين

    أستاذ مساعد الاقتصاد والمالية العامة