من المجلة - شخصية العدد

شخصية العدد/فى حوار مع اللواء أ‮.‬ح‮ ‬د.سمير فرج: مصر قادرة علي حماية أمنها القومي رغم التحديات

طباعة

نشر فى مجلة السياسة الدولية فى العدد رقم (219)-  يناير 2020.

اللواء أ.ح دكتور سمير فرج - رئيس إدارة الشئون المعنوية الأسبق بالقوات المسلحة

❊تولي اللواءأ.حدكتور سمير سعيد محمود فرج،ابن مدينة بورسعيد الباسلة العديد من المناصب المهمة، عقب تخرجه في الكلية الحربية عام1963بتقدير امتياز، ثم تخرجه في كلية القادة والأركانالمصرية في عام1973،والتحاقه بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام1974،وهي كبري الكليات العسكرية في المملكة البريطانية، حيث عين فور تخرجه فيها مدرسا بها، ليكون بذلك أول ضابط يعين في هذا المنصب من خارج دول حلف الناتو، والكومنولث البريطاني.

كما تولي  العديد من المناصب الرئيسية في القوات المسلحة المصرية، منها هيئة العمليات، وهيئة البحوث العسكرية، وعمل مدرسا في معهد المشاة، ومدرسا بكلية القادة والأركان، كما عين مديرا لمكتب مدير عام المخابرات الحربية. وقد تتلمذ علي يده العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، إبان عمله مدرسا في معهد المشاة، ومدرسا في كلية القادة والأركان المصرية. كما عين ملحقا عسكريا في العاصمة التركية، أنقرة، في الفترة من1990إلي1993،ونال مكتب الدفاع في أنقرة، آنذاك، تقدير امتياز، وكانت أول مرة يحصل فيها مكتب أنقرة علي هذا التقدير منذ إنشائه.

ولم تقتصر حياته العملية علي المناصب العسكرية فحسب، وإنما عمل سمير فرج، بعد انتهاء خدمته العسكرية، في العديد من المناصب المدنية الحيوية ومنها وكيل أول وزارة السياحة عام2000،ورئيس دار الأوبرا المصرية في الفترة بين عام2000وعام2004،ومحافظا للأقصر في الفترة بين عام2004وعام.2011ويشغل الدكتور سمير فرج، حاليا، منذ عام2011،منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة القابضة للطاقة والغاز.NAT Energy

❊لم يكتف اللواءأ. ح دكتور سمير فرج بالدرجات العلمية التي نالها في العلوم العسكرية، وإنما أضاف إليها العديد منالدرجات العلمية في العلوم المدنية،منها حصوله علي ليسانس الآداب، قسم التاريخ من جامعة عين شمس في عام1979،ودبلوم إدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأمريكية في عام1982،ثم حصل علي درجة الدكتوراه عن"دور الإعلام في إعداد الدولة لتحقيق الأمن القومي المصري"، وهو ما جعله ينال العديد من الأوسمة والتكريم من الدولة المصرية، حيث نال وسام الجمهورية من الطبقة الثانية، ونوط الواجب العسكري من الطبقة الثانية أيضا. كما نال أيضا ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة، وكذلك نوط الخدمة الممتازة.

وقد كرمه رئيس الجمهورية لجهوده في تنظيم وإدارة الندوة الاستراتيجية بمناسبة مرور25عاما علي حرب أكتوبر1973. كما كرمته كلية الآثار بجامعة القاهرة لعامين متتاليين لجهوده في الحفاظ علي المناطق الأثرية بالأقصر، وكذلك كرمته جامعة عين شمس تقديرا لجهوده في تنفيذ خطة التنمية الشاملة لتطوير الأقصر. كما تم تكريمه أيضا من الاتحاد الأوروبي لتحويله مدينة الأقصر لأكبر متحف مفتوح، وإعادة فتح طريق الكباش. وقد كرمته أكثر من عشرين جامعة مصرية بسبب إلقاء محاضراته السنوية بها بمناسبة احتفالات مصر بذكري حرب أكتوبر1973.

وحاز عضوية العديد من المراكز البحثية والجامعية، من أبرزها عضو مجلس إدارة كلية الفنون الجميلة بجامعة عين شمس، وعضو مجلس إدارة جامعة جنوب الوادي في قنا، وكذلك عضو المجلس الأمريكي المصري، ومثَّل مصر لمدة عامين كعضو بمركز"الدراسات الاستراتيجية" في لندن.


-

يعد اللواء أ.ح دكتور سمير فرج، مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق بالقوات المسلحة، واحدا من أبناء مدرسة الوطنية المصرية. فهو أحد رجال القوات المسلحة المخلصين، الذين أفنوا حياتهم في خدمة وطنهم. وقد عرف قائدا كبيرا، ومعلما لأجيال تربت علي يديه، وتعلمت منه الوطنية، وعشق تراب الوطن، خاصة أنه يتمتع برؤية عميقة قائمة علي الموضوعية والحقائق العملية تجاه العديد من القضايا الوطنية، حيث عاصر الكثير من الأحداث والتطورات المهمة علي الساحتين الإقليمية والدولية. لذا، وقع عليه اختيار أسرة تحرير مجلة السياسة الدولية ليكون شخصية العدد، من خلال حوار يكشف فيه عن رؤيته تجاه عدد من القضايا المهمة علي الساحتين الداخلية والخارجية، خاصة تلك التي تتقاطع مع دوائر الأمن القومي المصري، خلال المرحلة الراهنة التي تشهد فيها المنطقة الكثير من التطورات والتحولات المهمة.

في ضوء ما ذكره اللواء سمير فرج في كتابه "أوراق من حياتي" والذي رصد فيه عددا من القضايا الاستراتيجية والقومية المهمة، الي جانب بعض الجوانب الشخصية والإنسانية، نود أن نسأل سيادته: من هو اللواء سمير فرج؟، وما هي أهم المواقف الصعبة التي تعرض لها في حياته، وكذلك أهم الشخصيات التي تأثر بها؟

أنا من أبناء مدينة بورسعيد، وقد عاصرت حرب عام1956،وفترة الحصار الإنجليزي للمدينة من2نوفمبر إلي23ديسمبر، الأمر الذي كان الدافع الأساسي لالتحاقي بالكلية الحربية، وأن أكون فردا من رجال الجيش المصري، بعد الانتهاء من الثانوية العامة. وعلي الرغم أن من شروط الالتحاق بالكلية الحربية في تلك الفترة، كانت ألا تقل سن المتقدم عن15عاما ونصف عام، فإنه تم قبولي بالكلية وأنا في سن15عاما فقط، لأن السجلات المدنية قد تعرضت للحريق.

وفي سن الـ17عاما، شاركت في حرب اليمن، وظللت بها لمدة ثلاثة أعوام، شهدت خلالها العديد من المواقف الصعبة، ثم عدت إلي مصر في عام1967،وجاءت التعليمات باتجاه الفرقة الثانية مشاة ميكانيكي، يقدر أفرادها بنحو40ألفا إلي سيناء وبالوجود علي خط الحدود"كونتلا". وفي يوم5يونيو من العام ذاته، تعرضت القوات المصرية لضربات من القوات الجوية الإسرائيلية، وتراجعت القوات المصرية من"كونتلا" إلي ممر"متلا"، الذي استهدف أيضا من قِبل القوات الإسرائيلية، لذا تم إغلاقه من جميع جوانبه، وتم تدمير كل المعدات، وعاد الجنود المصريون إلي القناة سيرا علي الأقدام. وقد تعرضنا خلال رحلة العودة للاستهداف من قِبل طائرات الهليكوبتر الإسرائيلية. لذا، يعد يوم9يونيو من أسوأ الأيام التي مررت بها في حياتي، حيث شاهدت كيف تم تدمير القوات المصرية في سيناء، ورفع العلم الإسرائيلي علي سيناء. ومما زاد الأمر سوءا خروج الرئيس جمال عبد الناصر علي الشعب المصري ليعلن تنحيه عن منصبه.

وقد تعرضت في حياتي للعديد من المواقف الصعبة، كان من أبرزها يوم6أكتوبر الساعة الثانية والربع، عندما تم التقاط إشارة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية يأمر قواته بعدم الاقتراب من القناة15كيلو مترا، يعادل مدي حائط الصواريخ وهو ما دل علي قرب الانتصار. لكن في الساعة الثالثة والثلث، وجدت المشير الجمسي يتحدث مع الفريق سعد الشاذلي والمشير أحمد إسماعيل حول كيفية إبلاغالرئيس السادات بخبر استشهاد أخيه عاطف السادات.

ومن ضمن المواقف الصعبة، أيضا، في حياتي، كانت خلال حرب الاستنزاف، عندما كانت تحدث اشتباكات مع العدو، وكنا ننتظر الرد بالمواجهة، وكان الرد يأتي متأخرا بنحو عشرين دقيقة. وفي إحدي المرات التي تعرضنا فيها للضرب من العدو الإسرائيلي، قام جندي بتوجيه ضربة قاتلة لدبابة إسرائيلية، وبعدها قام قائد الكتيبة بتحويل هذا الجندي لمحاكمة عسكرية لعدم تنفيذه الأوامر بعدم المواجهة، وهو ما أثار استيائي، فمنحني قائد الكتيبة إجازة، قابلت خلالها أشرف مروان بحسبانه صديقا لزوج أختي فكري كمال، وأتاح لي مقابلة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وخلال المقابلة، حاول عبدالناصر توضيح أن سبب عدم قيام القوات المصرية بالرد علي ضربات العدو هو عدم امتلاك الكتائب الأخري للسلاح الذي يؤهلها للرد علي ضربات العدو. خلال اللقاء، تدخل الرئيس بنفسه لرفع المحاكمة العسكرية عن الجندي، والاكتفاء بتوقيع جزاء مناسب.

كما تعرضت، خلال خدمتي العسكرية، لمهمة، تعد الأصعب من بين المهام التي كلفت بها، عندما كنت أخدم في المنطقة الغربية، عقب التوتر الذي شهدته العلاقات المصرية - الليبية بسبب قيام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي بقصف الحدود الغربية لمصر، عقب توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل. وحينها، نفذ الرئيس الراحل محمد أنور السادات ما سمي"حرب الأربعة أيام"، ودخلت القوات المصرية ليبيا، ثم تم سحبها، عقب تدخل كل من الرئيس الجزائري، وقتئذ، هواري بومدين، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وعقب استشهاد الرئيس السادات وتولي الرئيس محمد حسني مبارك سدة الحكم، حدثت مصالحة بين القذافي ومبارك خلال مؤتمر القمة الذي عُقد في المغرب.

وقد فوجئت خلال خدمتي العسكرية في منطقة السلوم باتصال من وزير الدفاع الأسبق يوسف صبري أبو طالب، ينذر بوجود نحو70سيارة ليبية علي الحدود الليبية-المصرية، قادمة للقاهرة عن طريق السلوم بقيادة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، موضحا أن هناك صعوبة في إيقاف وتفتيش السيارات المزودة بالأسلحة والذخيرة. وقد تم منع معمر القذافي والـ70سيارة من عبور هضبة السلوم بدون حدوث أي مشكلات سياسية أو عسكرية، وهو ما جعلني أفكر لساعات طويلة في محاولة إيجاد حل لتلك الأزمة، حتي وصلت للحل.

وقمت بإرسال أحد المساعدين لاستقبال القذافي في موكب ضخم متكون من عشرات السيارات والدراجات النارية العسكرية، عوضا عن وجود المدافع العسكرية علي جانبي الطريق الفاصل بين المعبر والمنطقة العسكرية التي تبعد6كيلومترات، ثم استقبلته في القاعدة العسكرية،وقمت بعرض مجموعة كبري من الخطط العسكرية التعاونية بين مصر وليبيا، وذلك لتعطيله حتي الساعة الرابعة عصرا،حتي أرسل الرئيس الأسبق حسني مبارك المساعدة الدبلوماسية لإقناع القذافي بالعودة لليبيا وحل الأزمة.

أما بالنسبة لأهم الشخصيات التي تأثرت بها في حياتي، فهي كثيرة،لكن أبرزها علي الإطلاق هي والدتي رحمها الله. فقد كانت ناظرة مدرسة بنات بورسعيد لمدة25سنة. وتكريما لها،أطلق اسمها علي المدرسة"نبوية الجبري"، ولا أزال أتذكر لها العديد من المواقف التي تعلمت واستفدت منها في حياتي، ومنها، أنني كنت أرغب في المشاركة في مؤتمر سنوي،تم عقده في الفلبين، وكانت تكلفة المشاركة،وقتئذ،40جنيها مصريا، وهو مبلغكبير للغاية في فترة الخمسينيات.إلا أنها وافقت بشرط أن أقوم بقراءة كتاب وتلخيصه، واتجهت بي إلي مكتبة القنصلية الأمريكية في بورسعيد،وكانت أكبر مكتبة في المدينة،حينذاك، واخترت كتاب"سر تقدم السكسونيين"، وهو ما استفدت منه فيما بعد في أثناء دراستي في إنجلترا،عقب التخرج في الكلية الحربية، حيث طلب من جميع الضباط تقديم عرض لكتاب، وقمت باختيار كتاب"كيف تبني السياسة الخارجية الأمريكية"،للكاتب هنري كسينجر، وكان من بين أفضل خمسة ملخصات، الأمر الذي يعود الفضل فيه لوالدتي وتشجيعها لي علي القراءة والاطلاع.

أما بالنسبة للجوانب الإنسانية، فهي كثيرة للغاية.لكن من أصعب المواقف الإنسانية،التي لا تنسي في حياتي، أنه عندما توليت رئاسة إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية، كنا نحتفل مرتين، سنويا، بشهداء حرب أكتوبر1973.وفي أحد الأيام، قدَّم لي أحد الأصدقاء سيدة فاضلة ترغب في مساعدة أسر الشهداء من الجنود وضباط الصف، ورحبت بطلبها.وبالفعل،اشتركت معنا هذه السيدة الكريمة في أول الاحتفالات، وقامت بمساعدة أكثر من200أسرة من أسر الشهداء، سواء مساعدة في الزواج، أو إجراء عمليات جراحية، أو سفر للعمرة. وبالرغم من أن هناك الكثير من المصريين يتقدمون لمعاونة أسر الشهداء، سواء كان معنويا أو ماديا، فإن تلك السيدة، تحديدا، كانت تنفق من مالها الخاص بكرم وسخاء منقطع النظير، حتي إنني أطلقت عليها، آنذاك، لقب أم الشهداء، لما رأيته منها من تفان وإخلاص، عجزت شخصيا عن تفسير أسبابه.

وانقطعت الصلة مع هذه السيدة الفاضلة، بعد أن تركت مكاني في الشئون المعنوية. وبعد سنوات طويلة، تلقيت مكالمة تليفونية من أم الشهداء، كانت مفاجأة لي، حيث أخبرتني أنها تقيم في دار للمسنين، فانطلقت علي الفور لزيارتها. وقبل لقائها، أبلغتني مديرة الدار بأنها نزيلة بالدار منذ خمس سنوات، إذ إن أولادها مقيمون في الخارج، وابنتها الوحيدة، المقيمة في مصر، تزورها، بالكاد، كل عدة أشهر.

وفي أحد الأيام، جاءتني مكالمة في الصباح من مديرة الدار، تبلغني بوفاة أم الشهداء، وتخشي دفنها في مقابر الصدقة، فأسرعت إلي الدار. وبعد اتصالات عديدة، عرفت مكان مقابر الأسرة، فأرسلت من قام بتجهيز المدفن، ثم أقمنا عليها صلاة الجنازة في المسجد القريب من دار المسنين، وشيعنا جثمانها إلي مثواه الأخير، وأنا معها وحيدا.

وللمرة الثانية في حياتي، بعد وفاة والدتي، تسيل دموعي، بغزارة، علي من أفنت حياتها في تربية أولادها علي أعلي مستوي، وخدمت المئات من أسر شهداء مصر، وكتب عليها أن يواريها الثري وحيدة.وبعدها بأسبوع، اتصلت بي مديرة الدار لتبلغني بحضور ابنتها لتسلُّم شهادة الوفاة، لإقامة دعوي إعلام الوراثة، وتسلمت شهادة الوفاة، وشعرت في هذه الحالة بأنها شهادة وفاة القيم والأخلاق في عصرنا الحديث.

❊أهم المحطات الفاصلة في حياة اللواء سمير فرج:

من أهم المحطات في حياتي، بعد مشاركتي في حرب أكتوبر، هو قرار الرئيس الراحل محمد أنور السادات توجيه عدد من ضباط الجيش المصري لاستكمال دراستهم في العلوم العسكرية، وفقا للعقيدة العسكرية الغربية، وتم ترشيحي للدراسة في كلية"كامبرلي" الملكية في إنجلترا بحسباني الحاصل علي الترتيب الأول في كلية أركان حرب، وذلك من قِبل المشير أحمد إسماعيل، حيث كنت أول ضابط مصري في الكلية منذ عشرين عاما، وكانت الكلية مرحبة بي للغاية، ليس لشخصي، ولكن كوني أحد ضباط الجيش المصري الذين شاركوا في أحدث عمليات عسكرية في العصر الحديث مع إسرائيل، خلال حرب أكتوبر، وكل منهم يتبني عقيدة عسكرية مختلفة عن الأخري. وكانت الكلية حريصة، خلال الدورة، علي تقديمي لخبرة وقدرات الجيش المصري  في حرب أكتوبر، والتعريف-علي سبيل المثال- بكيف دمر المصريون الدفاع المتحرك المستخدم في ذلك الوقت من قبل إسرائيل،ولجأوا، عقب الحرب، إلي استخدام الدفاع المدني، وكيف كان تدمير المصريين للمدمرة  إيلات سببا في تغيير تكتيكات القوات البحرية في العالم.

ترتيبا علي ما سبق، اكتسبت تقدير الجميع، ليس لشخصي ولكوني ممثلا عن العقيدة العسكرية المصرية فحسب، بل مجسدا لتجربة الجيش المصري في حرب أكتوبر، فتلقيت معاملة مميزة من بين180ضابطا من44دولة. وخلال فترة الدورة، أجريت مناظرة مع أرييل شارون عن حرب أكتوبر، وتمكنت من حصد8درجات مقابل4درجات لشارون، وخضعت للتحكيم من قبل" The International Institute for Strategic Studies،انتهت المناظرة بحصول القيادة المصرية علي8درجات، وحصلت القيادة الإسرائيلية علي درجتين فقط، مع توصيات عديدة جاء معظمها سلبيا في خطط وأداء جيش الدفاع الإسرائيلي، سواء من حيث الخطة الدفاعية لخط بارليف، أو من حيث أداء معركة شارونغرب القناة، بينما كانت الإيجابيات للقيادة المصرية. وقد أوصي معهد الدراسات الاستراتيجية بضرورة قيام المعاهد العسكرية والمراكز العلمية بتدريس هذا الفكر المتطور، والتخطيط المتميز للقيادة المصرية، والأداء الراقي للجندي المصري في هذه الحرب. وأكد أن حرب أكتوبر أضافت عنصرا جديدا من عناصر القوة، هو العنصر البشري، وهو أمر لم يكن محسوبا من قبل، وجاء ذلك بعد الأداء المشرف للجندي المصري في حرب1973.

وعقب انتهاء الدورة العسكرية في الكلية، تم اختياري مدرسا بالكلية لمدة عام، وهو ما عُدَّشرفا كبيرا لي. وعقب عودتي للقاهرة، أصبحت مدرسا في كلية أركان حرب لمدة ثلاث سنوات، حيث كانت محطة مهمة بالنسبة لي، أسهمت خلالها في نقل العقيدة العسكرية الغربية لمصر، فأصبح هناك انفتاح علي العلم العسكري الغربي، بعدما كنا منغلقين علي أنفسنا.

تبع ذلك، قيام إنجلترا بترشيحي للحصول علي الدكتوراه من جامعة كامبريدج، لكن الفريق أول أحمد بدوي لم يوافق، وحرص أمين عام وزارة الدفاع في ذلك الوقت، علي تقديمي لوزير الدفاع لمناقشته في تلك المسألة، والتي أكد خلالها أنه ليس هناك تعيين في وزارة الدفاع. ثم وجدت إعلانا عن بعثة في قسم إدارة الأعمال، وخضعت للاختبار، وتمكنت من اجتيازه، وسافرت. وعقب العودة، توليت مدير مكتب مدير المخابرات العامة لمدة عامين، اكتسبت خلالها خبرة كبيرة.

ثم عملت في هيئة العمليات مرة أخري، ثم قائد فرقة في الاتجاه الغربي مع ليبيا لمدة أربع سنين، ثم عملت ملحقا عسكريا في تركيا لمدة3سنوات، ثم عدت للعمل في إدارة الشئون المعنوية في القوات المسلحة المصرية، حرصت خلالها علي إنشاء إطار للإعلام العسكري، وتأسيس أول مركز إعلامي عسكري في الشرق الأوسط. وعقب قضاء10سنوات في رتبة لواء، انتقلت للعمل في وزارة السياحة، ثم الأوبرا، وتوليت منصب محافظ الأقصر لمدة7سنوات. وعقب ثورة25يناير، عملت مستشارا إعلاميا للمجلس العسكري.

يعد اللواء سمير فرج واحدا من أبطال حرب أكتوبر1973،حيث كان أصغر الضباط سنا ورتبة داخلغرفة عمليات القيادة العامة للقوات المسلحة خلال حرب أكتوبر، وسجل بخط يده أول بلاغات قادمة من جبهة القتال عن موجات العبور. لذا، نود من سيادته أن يذكر لنا أهم ذكرياته عن تلك الحقبة المجيدة من تاريخ مصر، خاصة خلال الساعات الأولي من حرب أكتوبر.

بداية، كان لدفعتي ظروف استثنائية في التخرج في كلية القادة والأركان، فقد كان من المفترض أن يتم تخرجنا في ديسمبر1973.لكن لظروف الحرب، تم تخريجنا في منتصف العام. وجاء ترتيبي الأول علي150ضابطا، كان من بينهم عدد كبير من كبار القادة فيما بعد، لعل أبرزهم اللواء عمر سليمان. وكانت هناك حيرة تتمثل في تحديد المكان الذي سيلحق به الأول علي الدفعة، وتقرر في النهاية إلحاقي بهيئة العمليات الرئيسية"مركز10". وقبل انطلاق شرارة الحرب بشهر تقريبا، كان لزاما اختبار المركز بجميع أدواته، وتم إطلاق مشروع تدريبي، يمكن من خلاله الكشف عن فاعلية المركز في الاتصالات والتواصل مع الأفرع الرئيسية. وظللنا نتدرب علي المشروع حتي يوم المعركة، حيث أمر اللواء الجمسي، في العاشرة صباحا، برفع خرائط المشروع واستبدل بها خرائط"العملية جرانيت" الخاصة بالحرب، وبدأ العد التنازلي للمعركة.

كانت غرفة العمليات عبارة عنغرفة تتوسطها منضدة رئيسية كبيرة علوية مخصصة لجلوس القائد الأعلي، وإلي يمينه القائد العام، وعلي يساره رئيس أركان حرب القوات المسلحة. وعلي الجانب، يجلس رئيس هيئة العمليات، وأسفل المنضدة يوجد"مجسم خريطة العمليات" للرؤية، والذي يتم تحديث المعلومات عليه. وكنت أتلقي البلاغات، وأقوم بتدوينها فيما يعرف بـ"سجل سير الحوادث"، ثم أتحرك إلي المجسم لتوقيع هذه المعلومات عليه، بحيث يكون الموقف واضحا أمام القادة لحظة بلحظة. وكذلك، حينما يصدر رئيس الأركان أمرا ما في أثناء سير المعارك، أذهب إليه بالدفتر نفسه لقيد الأمر الصادر منه شخصيا.

وأتذكر أنني كنت أتبادل التسجيل مع زميلي اللواء عادل كشك-رحمه الله-عندما أتحرك من موقعي لإبلاغرئيس هيئة العمليات، أو تحقيق هذه الإشارة علي المجسم الرئيسي للعمليات، وكان شعوراغير طبيعي أن تتلقي بلاغات تحرك القوات، وتساقط الحصون الإسرائيلية، وتقدم قواتنا، إنه شعور، في الحقيقة، بالغالوصف.

في ذلك التوقيت، أطلق علي القائد العام، الفريق أول أحمد إسماعيل، لقب"الجوكر"، لأنني كنت دائم التنقل بين أركان الغرفة لتلقي البلاغات وتوقيعها علي المجسم، والعودة مرة أخري إلي موقعي لتلقي بلاغجديد، حيث كنت أحب عملي وأعشقه، وأبحث دائما عن كل ما هو جديد، وهذا هو سر ارتباطي بقادتي علي مر تاريخي المهني.

وقد كشف نصر أكتوبر1973عن مدي الدقة واستحداث وسائل جديدة بفكر مصري صميم. فعلي سبيل المثال، في صباح يوم العبور، تحركت وحدات من الضفادع البشرية لإغلاق مواسير"النابالم" أسفل القناة. وفي التوقيت نفسه، كانت هناك وحدات أخري من الصاعقة تبدأ في الانتشار خلف خطوط العدو. إلي هنا، الكل يعلم ذلك. إلا أن المفاجأة كانت في نقل الإشارة والبلاغات القادمة من الميدان، فالطبيعي أن"فك الشفرة" يستغرق ساعتين علي الأقل من جانب العدو، وهو ما كان يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لنا.

هنا، تجلي الفكر المصري الراقي في الإبداع، عندما استعانت المخابرات الحربية بمجندين من النوبة وسيوة في الاستطلاع، بحيث يتم إرسال الإشارة وتلقيها في الجانب الآخر بواسطة جنود نوبيين، مما جعل عملية فك الشفرة معقدة لدي العدو. فبدلا من الساعتين، تحول التوقيت إلي يومين، الأمر الذي أفاد الجيش المصري كثيرا في الأيام الأولي للمعارك.

لذا، تعد مشاركتي في حرب أكتوبر1973من أهم المحطات الفاصلة في حياتي، خاصة أنه علي الرغم من مضي أعوام كثيرة علي الحرب، فإنها لا تزال محفورة في ذاكرة التاريخ. وبالرغممما قد يظنه البعض من أن المحللين العسكريين قد توصلوا إلي كل ما فيها من عبر واستنتاجات، فإن مراكز الدراسات الاستراتيجية، والمعاهد العسكرية، في العالم أجمع، لا تزال تدرس وتحلل نظريات هذه الحرب، خاصة تلك التي قدمها الجانب المصري، حيث كانت، دون أدني شك، أحد أهم وأعظم الأحداث التاريخية في العصر الحديث، والتيغيرت كثيرا من المفاهيم والأفكار السياسية، والاستراتيجية، والعسكرية، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل امتدت آثارها إلي العديد من مناطق الصراع حول العالم.

هنا، يجب أن نشير إلي الدور الكبير للفريق محمد فوزي، وزير الحربية، الذي خلف المشير عبد الحكيم عامر، والذي بدأت القوات المسلحة المصرية، تحت قيادته، في بناء خط الدفاع الرئيسيغرب قناة السويس، لمدة عام، اطمأن بعدها الرئيس عبدالناصر إلي أن الدفاعات المصرية، بتنظيمها وتسليحها، قادرة علي إدارة معركة دفاعية أمام الجيش الإسرائيلي، إذا حاول اختراق قناة السويس.

في هذه الأثناء، كانت القوات المسلحة المصرية قد حققت عددا من الانتصارات، التي كان من شأنها رفع الروح المعنوية للمقاتل المصري، التي فقدها، للأسف، بعد هزيمة يونيو1967،كان من أهمها معركة رأس العش، حين حاولت القوات الإسرائيلية، شرق القناة، التقدم في اتجاه مدينة بورسعيد للاستيلاء علي مدينة بور فؤاد، فتصدت لها مجموعة صغيرة من قوات الصاعقة المصرية، وأوقفت تقدم قوات العدو، فكان نصرا عظيما، تذوق المصريون حلاوته لأول مرة.

كما كان للقوات الجوية المصرية دور كبير، في هذه الفترة، عندماغارت علي العدو، في عمق سيناء، مما أعطي دفعة جديدة للجيش المصري، وتأكد من قدرة قواته الجوية علي التصدي لأسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي، المتمثلة في قواته الجوية. ثم جاءت الضربة القاتلة للبحرية الإسرائيلية بإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات، كبري قطعهم البحرية، أمام سواحل مدينة بورسعيد. وطلب الإسرائيليون، آنذاك، من القيادة المصرية، السماح لهم بانتشال القتلي والغرقي من الجنود الإسرائيليين، دون تدخل من القوات المصرية، في عملية إنسانية.

في هذا التوقيت، بدأت القوات المصرية في التدريب علي عبور الموانع المائية في أنهار دلتا النيل، فيما كانت إسرائيل تبني خط بارليف، علي الضفة الشرقية لقناة السويس. واستمرت حرب الاستنزاف نحو خمس سنوات، تعلم خلالها الجيش المصري الكثير، واستغل هذه الفترة في بناء حائط الصواريخ المضاد للطائرات، الذي أصبح، بعد أكتوبر1973،رمزا من رموز تطوير الفكر العسكري في العقائد القتالية حول العالم.

وأذكر جيدا، خلال وجودي في غرفة القوات المسلحة، علي الجبهة، في أثناء حرب أكتوبر73،وأنا استمع إلي رسالة مفتوحة، غير مشفرة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية لجميع قواته"بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة15كم"، الأمر الذي أتاح حرية الحركة للقوات المصرية، دون تدخل من القوات الجوية الإسرائيلية، وهو ما يوضح مدي تأثير حائط الصواريخ المصري في شل قدرة سلاح الجو الإسرائيلي من دعم قواته علي الأرض، محطما بذلك أسطورة"اليد الطولي" لإسرائيل، التي كثيرا ما تغنوا بها، بعد نجاح ضربتهم الجوية في1967.


-

تُعد دوائر الأمن القومي، في أي دولة، مفتاح وجهتها وبوصلتها عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وتحديد السياسات المستقبلية المتعلقة بالأمن القومي لتلك الدولة. في ضوء ذلك، كيف يري اللواء سمير فرج دوائر الأمن القومي المصري في تلك المرحلة الراهنة؟

فيما يتعلق بدوائر الأمن القومي، فهي تنقسم لثلاثة أقسام. ولأول مرة، تصبح الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة لمصر مهددة. فكثيرا ما كان الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي علي الحدود الإسرائيلية هو مصدر التهديد الرئيسي والأساسي. لكن حاليا مع توتر الأحداث في المنطقة، ودخول إيران بشكل مباشر في أعمال التصعيد، أصبح لزاما علينا دراسة، ورصد، ومتابعة مسار هذه الأحداث في المنطقة، وما لها من تأثير في الأمن القومي المصري. ولكي نفهم ما يحدث، علينا، أولا، شرح دوائر الأمن المصري، التي تتحكم في الفكر والقرار المصري علي مختلف الاتجاهات. وتتكون دوائر الأمن المصري القريبة من خمس دوائر رئيسية، يتحرك فيها المفكر الاستراتيجي المصري قبل اتخاذ أي قرارات مصيرية.

- الدائرة الأولي: هي الدائرة العربية. فمن المعلوم للجميع أن مصر هي قلب العالم العربي، وأنه بعد انهيار الأوضاع، مع أحداث الحراك الشعبي، أو ما يطلق عليه البعض"الربيع العربي"، في سوريا، واليمن، وليبيا، ومن قبلهما العراق، وفقدان هذه الدول لجيوشها القوية، أصبحت مصر، مرة أخري، محور الأمان للوطن العربي، بسبب جيشها، وحضارة شعبها، الذي لم تؤثر فيه التقلبات التي حدثت بالمنطقة.

- الدائرة الثانية: هي الدائرة الإفريقية، وقد شهدت هذه الدائرة فتورا في التحركات المصرية نحو دول إفريقيا، بعد أن كانت مصر، في عهد الرئيس عبدالناصر، ملجأ لكل حركات التحرر الإفريقية، وداعما لاقتصادات هذه الدول، وتم إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية. إلا أنغياب الدور المصري عن إفريقيا، خلال فترات سابقة، أدي إلي ابتعاد معظم هذه الدول عن مصر، مما أدي إلي قلة تأثير مصر في الحكومات الإفريقية، وقد تمثل أبرز مثال علي ذلك في موقف هذه الدولغير المساند أو الداعم لمصر في مشكلة سد النهضة مع إثيوبيا. ونحمد الله أن الرئيس السيسي، فور توليه رئاسة الجمهورية، كان من أول أعماله حضور مؤتمر القمة الإفريقي، وما أعقب ذلك من تكثيف زياراته للسودان وإثيوبيا، فضلا عن تكليفه لرئيس الوزراء بزيارة الدول الإفريقية. وبدأت عودة الدور المصري، مجددا، في إفريقيا، لاحتواء هذه الدول. ولا شك في أن الفترة القادمة ستشهد المزيد من العلاقات الثنائية مع هذه الدول، وهو ما يتطلب، بالضرورة، الكثير من التخطيط والتنسيق مع كل الدول الإفريقية وحكوماتها.

- الدائرة الثالثة: دائرة حوض نهر النيل، وتُعد هذه الدائرة، حاليا، من أخطر الدوائر الساخنة. فنتيجة لإهمال مصر لعلاقاتها مع دول المنبع، وتلاشي دور مصر، تدريجيا، مع هذه الدول، كانت النتيجة هي استغلال إثيوبيا لأحداث ثورة يناير، وما أعقبها من فترة حكم الإخوان، لتبدأ ببناء سد النهضة، وتعطيل المفاوضات، لتكسب أكبر وقت ممكن. ولا شك في أن تحرك القيادة السياسية، الآن، يسير وفقا لسيناريوهات معدة. ولقد جاء وعد الرئيس السيسي مطمئنا للمصريين، في أثناء الاحتفال ببدء زراعة مليون ونصف مليون فدان في الفرافرة، بأنه لن يفرط في حقوق مصر من مياه النيل.

- الدائرة الرابعة: هي دائرة البحر الأحمر. ففي الماضي القريب، لم يكن لتلك الدائرة أهمية تذكر، بل كنا ننظر جميعا إلي البحر الأحمر بحسبانه"بحيرة عربية". في الشمال، كانت مصر والسعودية. وفي الجنوب، كان كل من السودان، واليمن، والصومال. وكان مضيق باب المندب تحت السيطرة الكاملة لجمهورية اليمن. ومع تدهور الأحداث في الصومال، بدأت أعمال القرصنة، من جانب بعض العناصر الصومالية، باعتراض السفن المارة في مضيق باب المندب.

وقد اندلعت أعمال التمرد في اليمن من قبل ميليشيات الحوثي، وتصاعدت وتيرتها مع سيطرتها علي صنعاء وعدن، وأجزاء كثيرة من اليمن، وصلت قواتها إلي جزر باب المندب، وهو ما يعد تهديدا مباشرا للملاحة في البحر الأحمر، وبالتالي في قناة السويس، بالرغم من أن تلك الميليشيات لم تتدخل لمنع أو تعطيل الملاحة في البحر الأحمر، خوفا من تطور الصراع، ودخول مصر فيه بشكل مباشر.

أخيرا، قامت القوات الشرعية اليمنية باستعادة هذه الجزر. لكن يظل هذا الاتجاه الاستراتيجي، ودائرة البحر الأحمر في بؤرة الاهتمام المصري، وهو ما يتعين علينا تأمينه باستمرار، بمختلف الوسائل، وأولاها الدبلوماسية، والاتفاقات الثنائية، والتحالفات، إن وجدت. ويظل العنصر العسكري متاحا، إذا لزم الأمر. لذا، دعا الرئيس السيسي لتوقيع العديد من الصفقاتالعسكرية لتبقي مصر، دائما، جاهزة بقواتها المسلحة لتأمين هذه الدائرة، التي من شأنها التأثير في أكبر وأهم موارد الاقتصاد المصري، وهو قناة السويس.

- الدائرة الخامسة: هي دائرة البحر المتوسط، تلك الدائرة التي برزت حديثا علي السطح لصانع القرار المصري. في الماضي، كان المفكر المصري يري هذه الدائرة هادئة، لا يعكر صفوها أية نزاعات، سوي ما يمكن أن يحدث بين مصر وإسرائيل. إلا أن الأحداث السياسية حولت هذه الدائرة إلي منطقة توتر. أصبحت دولة ليبيا خارج السيطرة، واشتعلت الأحداث في سوريا علي الطرف الآخر، ولا تزال مشتعلة، وتركيا، في الشمال، تشجع الإرهاب، بل تدعمه. كل ذلك من الممكن احتواؤه، حتي ظهر عامل جديد، سيشعل الصراع داخل دائرة البحر المتوسط في الفترة المقبلة، وهو اكتشاف الغاز الطبيعي في مصر وإسرائيل. فكما أكدت كل الدراسات، فإن البحر المتوسط يطفو فوق بحيرة من الغاز الطبيعي. وقد عزز ذلك اكتشافات حقل"شروق" المصري، وقيام شركة بريتيش بتروليوم(BP) بتوقيع اتفاقية مع مصر، بتكلفة12مليار دولار للبحث عن الغاز. أعقب ذلك اكتشافات الغاز في سواحل قبرص، وبدأت اليونان، هي الأخري، في أعمال البحث والتنقيب.

أدي هذا الأمر إلي تكرار زيارات الرئيس السيسي، في الفترة الأخيرة، إلي كل من قبرص واليونان لترسيم الحدود البحرية بين مصر وهذه الدول لمنع أي نزاعات مستقبلية في المنطقة، ومنع أي تدخلات أجنبية. وبدءا من الآن، ستضع مصر هذه الدائرة نصب أعينها لحمايتها بكل الطرق، وهو ما يؤكد، مرة أخري، أهمية ما يقوم به الرئيس من دعم القوات المسلحة المصرية بأحدث الأسلحة للدفاع عن الإمكانات الاقتصادية المستقبلية في المنطقة. ففي الماضي، كنا نقول إن الحرب القادمة في المنطقة ستكون"حرب المياه". أما اليوم، فأقول بثقة، إن الحرب القادمة، في منطقتنا، ستكون"حرب الطاقة".

في ظل التغيرات والتحولات التي تشهدها المنطقة العربية، كيف يري اللواء دكتور سمير فرج ملامح العلاقات الخارجية لمصر، في ظل توجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بالانفتاح علي القوي الخارجية؟

تتبني مصر استراتيجيات محددة في تعاملاتها مع الدول أو التكتلات العالمية، بما يتسق مع سيادتها، وبما يتناسب مع أمنها القومي، الذي هو مفتاح وجهتها وبوصلتها عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية، وتحديد سياساتها المستقبلية. ويأتي تحرك مصر، من خلال مراجعة الاستراتيجيات لدوائر الأمن القومي، البعيدة والقريبة، التي تتقاطع فيما بينها فيما يعرف باسم الدوائر الخطرة، ذات الطبيعة المتغيرة، وفقا لتغير الأحداث العالمية.

فالاستراتيجية المصرية نحو الولايات المتحدة الأمريكية، تُعد، حاليا، من أهم دوائر الأمن القومي المصري البعيدة، نظرا لعدة عوامل، منها اعتماد مصر، إلي حد كبير، علي التسليح الأمريكي، من خلال المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، المقررة في اتفاقية السلام بكامب ديفيد، إضافة إلي القوة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، ودعمها الحالي لمصر، لاسيما بعد وصول الرئيسين السيسي وترامب للسلطة، وحرصهما علي إعادة التوازن في العلاقات السياسية والعسكرية بين البلدين، بعد سنوات من حدوث خلل في ميزان تلك العلاقة الاستراتيجية، القائمة، تاريخيا، علي أساس التحالف، وذلك بسبب سياسات الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، والتي أظهر فيها الكثير من التعنت تجاه مصر.

أما الآن، فقد بلغت العلاقات الثنائية قمتها بدخول أمريكا إلي الشرق الأوسط للتعاون مع مصر في حربها للقضاء علي الإرهاب، وقطع أواصره في المنطقة. من ناحية أخري، من خلال رؤيتها لمصر بأنها إحدي أهم دول الارتكاز في المنطقة، تضع الولايات المتحدة استراتيجيتها في الشرق الأوسط. من هنا، جاءت أهمية هذه الدائرة الأولي، المتمثلة في حاجة مصر إلي الدعم الأمريكي، سياسيا وعسكريا، خاصة في المحافل الدولية.

أما من حيث الاستراتيجية المصرية نحو الدول الأوروبية، التي تحتل المرتبة الثانية في ترتيب دوائر الأمن القومي المصري البعيدة، فتكتسب أهميتها من الناحية السياسية، لما يتمتع به الاتحاد الأوروبي من ثقل سياسي، تحتاج إليه مصر في مواقفها الدولية، فضلا عن حسابات الجوار بين مصر وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، علي شواطئ البحر المتوسط، مثل إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان، وقبرص، وكل هذه الدول تشارك مصر في أمنها القومي من ناحية البحر المتوسط، وتشارك في تأمين أي أحداث في شمال إفريقيا، خاصة الوضع في ليبيا الذي يمثل حساسية خاصة، وامتدادا طبيعيا بالنسبة للأمن القومي المصري.

يضاف إلي ذلك الأهمية العسكرية لتلك الدول، إذ أصبحت دول الاتحاد الأوروبي تشارك مصر في سياستها الجديدة بشأن تنوع مصادر السلاح، خاصة من السوقين الفرنسية والألمانية، كما تساند مصر، في حربها ضد الإرهاب. وأخيرا، تأتي العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي كمحور ثالث لأهمية تلك الدائرة الأوروبية للأمن القومي المصري، حيث تعمل مصر علي زيادة معدلات التبادل التجاري بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي، وزيادة تبادل الخبرات، ممثلة في اتفاقات التصنيع المشترك.

أما فيما يخص الاستراتيجية المصرية نحو روسيا، التي تعد ثالثة الدوائر للأمن القومي المصري البعيدة، بديلا عن الاتحاد السوفيتي(السابق)، الذي اعتاد أن يحتل المركز الثاني، في ترتيب الدوائر، فيما مضي، من حيث الأهمية، وبالرغم من تراجع ترتيب الدائرة الروسية، فإن مصر أفردت لها محاور خاصة في استراتيجية التعامل معها، بعيدة عن تلك التي حددتها، سواء لأوروبا أو آسيا، بالرغم من موقع روسيا الجغرافي، وذلك لأن روسيا لا تزال إحدي أهم الدول التي تربطها بمصر علاقات قوية ومتينة علي كل  الأصعدة، سواء الاقتصادية، أو السياسية، أو العسكرية.

ننتقل بعد ذلك إلي الاستراتيجية المصرية نحو آسيا، التي تعكس تعاملها مع رابعة دوائر الأمن القومي المصري البعيدة. فمن وجهة نظري، لا يزال هناك العديد من الجهود التي يجب أن تبذل، لاستعادة مكانة مصر، التي كانت تحتلها في ذلك البعد الاستراتيجي، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، من خلال دول عدم الانحياز. ومع ذلك، فلا ننكر الجهود القائمة والمستمرة في التعاون مع الصين، وتنمية العلاقات الثنائية معها، بحسبانها أحد أهم عناصر تلك الدائرة الآسيوية بالنسبة لمصر، في ظل بزوغها كقوة كبري، وذات ثقل في النواحي السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، فضلا عن كونها عضوا دائما بمجلس الأمن، وتربطها علاقات قوية مع معظم دول قارة إفريقيا. وقد بدأت مصر، بالفعل، في الاستفادة من الموقف الصيني، في المجال العسكري، ضمن خطة تنويع مصادر الأسلحة، حيث توفر الصين معدات جديدة،ومتطورة، وبأسعار تنافسية. كما تعمل مصر علي وضع خطة لاستقطاب أعداد أكبر من السياح الصينيين، ضمن خطة جديدة لتنويع مصادر الدخل السياحي، تجنبا للتعرض لهزات عنيفة كتلك الناجمة عن توقف السياحة الروسية.

في ظل الحديث عن ضرورة حماية الأمن القومي المصري، دائما ما يثار الحديث عن أزمة سد النهضة ومخاطره علي مصر، وكيفية التعامل مع تلك الأزمة، في إطار القانون الدولي، وبما يتناسب مع مكانة مصر الإفريقية، في ظل محاولات الإعلام، المعادي لمصر، تخويف الشعب المصري من تلك الأزمة.. ما رأيك؟

فيما يتعلق بمسألة سد النهضة، تري أثيوبيا أنه مثلما منح الله العرب النفط، ولم يقاسمها فيه أحد، فلقد منح الله أثيوبيا مياه الأمطار، وبالتالي لا يحق لأحد أن يقاسمها في هذا المورد المهم، وهو الأمر الذي لا يتسق مع القانون الدولي للمحيطات والبحار والأنهار، حيث إن هناك اتفاقية تنظم تلك الأمور، تنص علي أنه"عند إقامة مشروع في النهر الدولي في الجزء الواقع داخل الدولة، يجب ألا يضر بالدول الأخري، وإخطار الدولالأخري بهذا المشروع، والتعاون معها، وألا يكون هناك تعسففي استعمال هذا الحق". لذا، فإن هناك قيودا وضعتها هذه الاتفاقية. وعندما عرضت إثيوبيا علي مصر مشروع سد النهضة عام2008،بمواصفات تتمثل في تخزين12مليار متر مكعب، ووافقت مصر علي المشروع، لكن معايير ومواصفات السد تغيرت بعد عام2011. من هنا، تولد الخلاف، حيث إن إثيوبيا لم تبلغمصر بالمعايير الجديدة للسد، التي تحولت من12إلي47مليار متر مكعب، وتقليص سنوات الملء.

ويقع سد النهضة علي الحدود السودانية علي بعد50كيلومترا، كان في البداية، يبلغارتفاعه95مترا بتخزين15مليار متر مكعب. وعقب الثورة المصرية، وصل ارتفاعه لـ145مترا ويخزن75مليار متر مكعب علي مدي سنتين، وهو ما يعني عدم وصول مياه لمصر. بناء علي ذلك، قدمت مصر حزمة من الطلبات. أولها، أن تمتد فترة التخزين لمدة7سنوات، بينما تطالب أثيوبيا بـ3سنوات كمدة تخزين. ثانيها، أن تشكل لجنة فنية تقدم دراسة فنية للسد، وهي نقطة ليس هناك خلاف كبير عليها. ثالثها، تطالب مصر بوجود لها فوق السد لمتابعة الإجراءات.

وقد حاولت إثيوبيا التنصل من تلك المطالب، قابله تشكيل الرئيس المصري لجنة إدارة أزمة لوضع سيناريوهات محددة وواضحة تثبت صحة الخطوات التي تتخذها مصر في هذا الملف. وقد وضع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ملف سد النهضة نصب عينيه منذ وصوله إلي السلطة، فقام بتوقيع معاهدة سلام مع إريتريا، حصل بموجبها علي جائزة نوبل للسلام، وأفرج عن3000معتقل، شاركوا في حل أزمة السودان.

وعندما لم ترحب إثيوبيا بموسكو كوسيط في تلك الأزمة، قام الرئيس المصري بتكليف رئيس الوزراء المصري بلقاء نائب الرئيس الأمريكي، علي الرغم من انشغاله بأزمة المنطقة الآمنة في سوريا، ثم تحدث الرئيس مع نظيره الأمريكي للتوسط في الأزمة، في محاولة لإحراج الرئيس الإثيوبي. وهناك الآن محادثات بين وزراء خارجية الدول الثلاث(إثيوبيا، ومصر، والسودان) تحت رعاية الرئيس الأمريكي ترامب. ومن هنا يجدر الحديث عن دور العلاقات الشخصية في إدارة الملفات السياسية.

وكنت أظن أنه بعد حصول الرئيس الإثيوبي علي جائزة نوبل للسلام، سيتجه للتفاوض مع مصر حول الأزمة، غير أنه يبدو أن الواقع يأتي خلافا لهذا التصور. ونظرا لاعتماد مصر في مفاوضات السد علي الورقة القانونية، ولا تزال حتي الآن تعمل علي تجميع أوراق حل الأزمة، فلا بد من الإشارة لتأكيد قانون المياه، الصادر عن الأمم المتحدة عام1957،أنه إذا أنشأت دولة المنبع سدا، فإن عليها المحافظة علي حق باقي السدود السابق إنشاؤها، مثل السد العالي، والسدود الثلاثة في السودان.

من وجهة نظر الدكتور لواء سمير فرج، ما هو سبب تغير الموقف الإثيوبي تجاه محادثات سد النهضة؟

جاء التغير لأن مصر أظهرت وجهها القوي لأول مرة لإثيوبيا، خلال زيارة وزير الخارجية سامح شكري الأخيرة إلي أديس أبابا. لذلك، ظهر الموقف الإثيوبي أكثر مرونة خلال اللقاء الذي تم في القاهرة، وتعامل الرئيس السيسي بمزيد من الذكاء مع هذا الملف. وحين التقي رئيس الوزراء الإثيوبي، ديسالين، في القاهرة، تحدث معه عن مشروعات تنموية كبري تعتزم مصر القيام بها في إثيوبيا، وهذا هو جوهر الموضوع، لأن إثيوبيا تبرر حاجتها إلي بناء السد بضرورة جذب استثمارات، وتحقيق نهضة صناعية، وهو ما طرحه الرئيس السيسي في أثناء اللقاء، ووجه بضرورة العمل عليه. واليوم، هناك منطقة استثمار صناعية كبري في قلب إثيوبيا، يديرها اتحاد الصناعات والمستثمرين المصري، وتم تنفيذ ثلاث معاهدات للاستثمار بين شركات مصرية وإثيوبية. ويمكن لمصر من خلال الاستثمار أن تستعيد قوتها، ليس في إثيوبيا فحسب، ولكن في إفريقيا كلها. ونري أن سد النهضة جرس إنذار من أجل استعادة دور مصر في القارة الإفريقية، الأقرب والأهم بالنسبة لنا.

وأود أن أوضح أن مشكلة مصر الحالية هي في مدة ملء الخزانات خلف السد، لأن عملية بنائه اكتملت بشكل نهائي وانتهي الأمر، حيث تعمدت إثيوبيا التسويف والمماطلة، واستغلت الظروف السياسية، التي كانت تمر بها مصر بعد25يناير، ونحن نتفاوض الآن علي مدة ملء الخزانات، فمصر تريدها7سنوات، وإثيوبيا تصر علي الملء في عامين، وذلك سيؤثر بالتأكيد في حصة مصر من المياه،55مليار متر مكعب، طالبت مصر بزيادتها في عام2005 بسبب الزيادة السكانية. وإذا نجحنا في إقناع إثيوبيا بمد فترة ملء الخزانات إلي7سنوات فلن يكون التأثير في حصة مصر كبيرا.

ما هي رؤية اللواء دكتور سمير فرج حول الخطوات المصرية للاستفادة من ثروات الطاقة في شرق المتوسط، بعد أن قامت بترسيم حدودها البحرية مع كل من اليونان وقبرص؟

أتذكر أنني كنت قد عرضت مقالا بعنوان"أخطر وثيقة أمريكية عن مصر2020"، بتاريخ14يناير2016،أشرت فيه إلي اطلاعي علي دراسة سرية، أجراها أحد مراكز الأبحاث الاستراتيجية في واشنطن، لمصلحة الإدارة الأمريكية، تؤكد أن مصر تعيش علي بحيرة من الغاز الطبيعي، في شمال الدلتا، وشرق البحر المتوسط، وهو ما سيحقق لها الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي بحلول عام2018،وأن مصر ستبدأ في تصدير الغاز الطبيعي، بدءا من عام2020،حيث ستصبح من أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي، في منطقة البحر المتوسط، وهو ما سيتيح لها القدرة علي إنشاء خط لتصدير الغاز الطبيعي إلي أوروبا، عبر قبرصواليونان، وأن كلتا الدولتين سوف تشارك مصر في استخدام هذا الخط لتصدير الغاز الطبيعي.

وقد أوضحت تلك الدراسة أن الإدارة المصرية تسير في هذا الطريق بخطي ثابتة، مدللة علي ذلك بنجاح الرئيس السيسي في ترسيم الحدود البحرية بين مصر، وإسرائيل، وقبرص، واليونان، مما عاد بعظيم الأثر علي فتح الطريق للشركات العالمية للبحث والتنقيب عن الغاز والبترول في المنطقة. فوفقا للقوانين الدولية، لا يجوز لأي شركة الشروع في أعمال التنقيب، في أي مكان في العالم، إلا إذا كان هناك ترسيم واضح للحدود البحرية، معتمد ومصدق عليه من الأمم المتحدة، يؤكد عدم وجود نزاع، وهو ما حصلت عليه مصر.

واليوم، وبعد أكثر من ثلاثة أعوام، تحقق معظم ما جاء في هذه الوثيقة. ولعل أبسط مثال هو تهافت الشركات العالمية علي لقاء وزير البترول في أثناء مشاركته في المؤتمر الدولي للغاز في البحر المتوسط، الذي نظمه مرصد الطاقة المتوسطي، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي في باريس، في يونيو2019،لعرض رغبتها في الاشتراك في عمليات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، داخل مناطق الامتياز المصرية، حتي إن بنك كريدي أجريكول الفرنسي صرح، خلال هذا المؤتمر، بأن البنك يدرس المساهمة في تمويل المشروعات الكبري في قطاع البترول، في مصر، بعد هذه الاكتشافات.

كما وافق مجلس الوزراء علي17اتفاقية جديدة للتنقيب عن البترول والغاز في مصر وشرق المتوسط. ولم يقتصر دور وزارة البترول علي البحث عن الاكتشافات الجديدة، فحسب، بل عنيت بتدريب الكوادر المصرية الشابة كأحد الأهداف الرئيسية لها، فوقعت الوزارة اتفاقات أخري مع كبري الشركات العالمية العاملة في مجال التنقيب والبحث عن الغاز الطبيعي والبترول، وهي شركات"أباتشي"، و"بي بي"، و"كويت إنرجي" لتدريب العناصر المصرية الشابة بهدف إيجاد أجيال قادرة علي حمل تلك المهام المتطورة في المستقبل.

فيما يخص التصدير، فإن الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، 'إيجاس'، عرضت ثلاث شحنات من الغاز الطبيعي المسال المصري للتصدير من محطة إدكو في هذا الشهر. وهكذا، نري أن عملية تصدير الغاز المصري قد بدأت، بالفعل. لكن الأهم توضيحه هو أن مصر، في الفترة القليلة القادمة، ستصبح مركزا إقليميا لتجارة الغاز الطبيعي والبترول إلي أوروبا، حيث سيتم تجميع فائض الغاز الإسرائيلي، عبر خط الغاز القديم، إلي دمياط، كما سيتم تجميع فائض الغاز من قبرص، ليتم تحويله إلي سائل'Liquid Natural Gas' (LNG)، في أحدث محطة لإسالة الغاز في المنطقة، والتي تمتلكها مصر، وتصديره، بعد ذلك، إلي أوروبا، وهذا هو الشكل العام الجديد لاستغلال الغاز المصري في شرق البحر المتوسط.

وتشير الدلائل إلي أن نجاح المصريين في سرعة استخراج الغاز قد بدأ في تحويل المركبات في مصر للعمل بالغاز الطبيعي، ومن المقرر أن تصدر وزارة المالية، قريبا، حزمة من الحوافز المالية لتشجيع المصريين علي استخدام الغاز الطبيعي في السيارات، بما يحقق وفرا في استخدام البدائل البترولية الأخري، وبما ينعكس إيجابا علي المؤشرات البيئية، وهو ما يتسق مع اتجاه مصر، حاليا، لاستخدام مولدات، ومحطات الكهرباء، العاملة بالغاز الطبيعي في المستقبل، بدلا من المحطات التي تعمل بالوقود السائل، مما يحقق وفرا في استيراد المواد البترولية، وبالتالي وفرا في النقد الأجنبي.

دون الاستفاضة في التفاصيل، أود عرض بعض الأرقام والمؤشرات، لما لها من دلالات. فقد تم استثمار نحو 10.6 مليار دولار، 3 مليارات منها خلال العام الحالي، لتنمية حقل"ظهر" لإنتاج الغاز الطبيعي، الذي يعد أكبر حقول إنتاج الغاز الطبيعي في منطقة المتوسط. ووفقا لمعدلات الإنتاج الحالية في حقل"ظهر"، فإنه من المتوقع أن يتخطي إنتاجه، بنهاية العام، أكثر من3مليارات قدم مكعبة. كما أكد وزير البترول، في الفترة الأخيرة، أن إجمالي إنتاج مصر من الغاز سيزيد في العام المقبل ليصل إلي 7.5 مليار قدم مكعبة، بدلا من سبعة مليارات في هذا العام، علاوة علي عدد من المشروعات للتنقيب التي تتم حاليا في منطقة شرق المتوسط، داخل الحدود المصرية، والتي يصل عددها إلي أكثر من70حقل اكتشافات، وهو عطاء من الله، نرجو أن يديمه علينا، باكتشافات مستقبلية كثيرة تضاهي حقل'ظهر'، وتتخطاه.

بعد هذا العرض، لا يفوتنا أن نؤكد ضرورة وجود القوة العسكرية القادرة علي حماية وتأمين هذا الحجم من الاستثمارات والاكتشافات، وهو ما عززته الإدارة المصرية، ببعد نظرها، عندما رفعت كفاءتها العسكرية لتأمين هذه الاستثمارات، سواء علي مستوي قواتها البحرية، بتدبيرها لأحدث حاملات المروحيات"الميسترال"، وأحدث الغواصات الألمانية، أو علي مستوي القوات الجوية بإضافة المقاتلات الفرنسية، "الرافال" إلي أسطولها الجوي لردع، والتصدي لأي محاولة لتهديد هذه الثروة القومية، خاصة من جانب تركيا، التي كررت تحرشها بقبرص في مياهها الإقليمية. ولكن ما دامت هناك قوة عسكرية بحرية لمصر، فإنها ستكون قادرة علي تأمين كل استثماراتنا في شرق المتوسط.

في ضوء ما تشهده المنطقة من محاولات بعض القوي التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، والتي كان آخرها الغزو التركي لشمال شرق سوريا، كيف يري اللواء سمير فرج تداعيات ذلك الغزو علي المنطقة العربية، وأمن مصر القومي؟

تركيا دولة آسيوية – أوروبية - شرق أوسطية، يبلغعدد سكانها نحو90مليون نسمة، عاصمتها أنقرة، وهي عضو في حلف الناتو، تحلم باستعادة الإمبراطورية العثمانية القديمة، وتسعي للحصول علي ثلاث قبعات، أولاها: الخلافة الإسلامية،فاصطدمت بمصر، والسعودية، وما لمشيخة الأزهر من تقدير لدي الغرب. ثانيتها: ترغب بأن تكون قوة عظمي في المنطقة، لكنها اصطدمت بإسرائيل التي تتمتع بعلاقات مع عدد من دول المنطقة، بما فيها مصر. ثالثتها وأخيرا: الحصول علي عضوية الاتحاد الأوروبي، وهو ما سعت أنقرة لتحقيقه، بشتي السبل، إلي أن تبدد هذا الحلم بعد تعرضها لمحاولة انقلاب عسكري في15يوليو2016،والذي أعقبه قيام نظام أردوغان بعدد من الإجراءات الصارمة، كان من أبرزها تسريح ما يقرب من50ألف موظف، واعتقال ما يقرب من8000فرد، فضلا عما اتخذته من إجراءات علي المستوي العسكري ليضمن ولاء الجيش التركي له.

وعقب وصولي إلي تركيا لتسلم مهام عملي كملحق عسكري لمصر بالعاصمة أنقرة لمدة ثلاث سنوات، تم اختياري عميدا للسلك الدبلوماسي العسكري في أنقرة من قبل مدير المخابرات الحربية التركية، الأدميرال توزمان، وطبقا للقوانين الدولية، فإن الملحقين العسكريين في أي بلد يكون تنسيق مهامهم مع مدير المخابرات الحربية، بينما السادة السفراء يكون تنسيق عملهم مع وزارات الخارجية بالبلد المضيف.

كانت علاقتي بالأدميرال توزمان طيبة للغاية، وكان التنسيق بيننا علي مستوي، الأمر الذي مكنني من أداء مهام منصبي كملحق عسكري، وكعميد للسلك العسكري بانسيابية وكفاءة. والحقيقة أن العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا، آنذاك، كانت في أزهي عصورها، إبان حكم الرئيس التركي تورجوت أوزال، ثم مالت إلي الفتور، بعد وفاته، وتولي الرئيس ديميريل رئاسة الجمهورية. وكانت تركيا، آنذاك، تتعرض للعديد من الهجمات من جانب العناصر الكردية التركية، التابعة لمنظمة حزب العمال الكردستاني BBK، الذي كانت تركيا تصدر صورته للعالم، علي أنه منظمة إرهابية، رابطة بينه وبين التفجيرات، والهجمات الانتحارية ضد عناصر الجيش التركي في ذلك الوقت.

وفي أحد الأيام، طلبت من الأدميرال توزمان السماح بتنظيم زيارة للملحقين العسكريين إلي جنوب تركيا، مقر الأكراد. وبالفعل، قمنا بزيارة المنطقة، وعاصمتها ديار بكر، التي يقطنها15مليون نسمة، وعدنا منها، بانطباع سلبي عن الإدارة التركية، رغم كل محاولاتها لتحسين صورتها. فالحياة هناك متردية للغاية لانعدام البنية الأساسية(المياه، والكهرباء، والصرف الصحي، والرعاية الصحية). أما المدارس، فقد رفض الأكراد الالتحاق بها لرفض الإدارة التركية تعليم اللغة الكردية. ووفقا للبيانات الدولية، فالمنطقة تعاني ارتفاع معدلات الفقر بها.

وبنظرة عامة علي موقف الأكراد، فهم أكبر قومية إنسانية في العالم، لا يمتلكون دولة معترفا بها دوليا. ينحدر الأكراد، في الأصل، من قبائل الميدية، التي أنشأت إمبراطورية كبيرة في القرن السابع قبل الميلاد، قبل أن تقضي عليها الإمبراطورية الفارسية. وللأكراد لغتهم الخاصة المتأثرة باللغات العربية، والتركية، والفارسية، وتعتنق الأغلبية المذهب السني. أسهمت جغرافيا المناطق الجبلية التي يقطنونها في الحفاظ علي لغتهم، وتراثهم، وتقاليدهم الخاصة. ويتراوح عدد الأكراد في العالم بين28و35 مليون نسمة، تتوزع نسبتهم الكبري في تركيا بعدد28مليون كردي، يليها العراق بعدد7 ملايين نسمة، وإيران5 ملايين، ثم سوريا 2.5 مليون كردي، وأعداد متفرقة بين لبنان، وأرمينيا، وأذربيجان.

وبعد أحداث ما يطلق عليه "ثورات الربيع العربي"، في المنطقة، تمكن أكراد العراق من الاستيلاء علي مدينة كركوك، في محاولة لاستكمال مكونات الدولة. إلا أنه أمام رفض المجتمع الدولي لتلك العملية الانفصالية، سرعان ما عاد أكراد العراق إلي بغداد مرة أخري، وهو ما أظنه قرارا مؤقتا، لحين تغير الظروف. لذا، تعمل تركيا الآن بكامل قوتها لاستمرار الضغط علي أكراد الجنوب لإضعافهم، والحيلولة دون اتحادهم مع أكراد سوريا، وأكراد العراق، خاصة أن القوي البشرية العظمي للأكراد تأتي من تركيا.

من هنا، بدأت فكرة تركيا في تكوين المنطقة الآمنة شمال سوريا بهدف السيطرة عليها، وإعادة توزيع السكان بها بتوطين3ملايين مهاجر سوري ممن فروا إلي تركيا للعيش في منطقة شمال سوريا بهدف إخفاء الهوية الكردية من شمال سوريا. علي الصعيد العراقي، فإن تركيا لم تتوقف عن مهاجمة أكراد الشمال في العراق من وقت لآخر، منذ عهد صدام حسين، حتي وصل الأمر إلي قيام الجيش التركي بمهاجمة شمال العراق، وتدمير الكيانات العسكرية الكردية هناك. ورغم ما كان يعلنه صدام حسين من رفضه لهذه العمليات، فإنه كان سعيدا بقيام الأتراك بهذا الدور، لإضعاف القدرة العسكرية لأكراد العراق.

تدخلت الولايات المتحدة في تسليح أكراد سوريا، من خلال وحدات حماية الشعب الكردية، وقوامها25ألف مقاتل، للقتال ضد تنظيم داعش الإرهابي. ونجحت تلك الوحدات في طرد التنظيم من شمال سوريا، مما أتاح للولايات المتحدة إعلان قضائها عليه في المنطقة. إلا أن ذلك أثار حفيظة تركيا، مما دفع قياداتها لمهاجمة شمال سوريا بزعم تكوين منطقة آمنة بعمق35كم. إلا أن هدفها الحقيقي هو تدمير القوي العسكرية لوحدات حماية الشعب الكردية لمنعهم من الاتحاد مع حزب العمال الكردستانيBBK  في تركيا، وتجديد السعي لإنشاء دولة كردستان.

سبق أن أشرت إلي أن دوائر الأمن المصري تنقسم إلي نوعين، الدوائر القريبة، والدوائر البعيدة، ولكل منهما أبعاده وأثره المباشر وغير المباشر علي الفكر والقرار المصري علي جميع المستويات. من هذا المنطلق، كيف يري اللواء سمير فرج الأوضاع في ليبيا والسودان؟

تُعد ليبيا والسودان من أهم دوائر الأمن القومي المصري القريبة، والمباشرة، حيث تمثل ليبيا الاتجاه الاستراتيجي الغربي بحدود تمتد1200كم طولا تقريبا، بينما يمثل السودان الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي. لم يحدث في تاريخ مصر أن تهتم القاهرة بهذين الاتجاهين بذلك الشكل، وما أعنيه هنا أنه لم تكن جميع الجبهات الاستراتيجية لمصر مهددة عبر التاريخ، مثلما يحدث الآن.

فقد شهد الموقف في ليبيا توترا كبيرا بعد سقوط الرئيس القذافي، ونظامه في2011،بالتزامن مع أحداث ما يسمي"الربيع العربي". إذ اندفعت جميع العناصر الإرهابية من مختلف بقاع الأرض لتتخذ من ليبيا مستقرا لها، فاجتمع علي أراضيها عناصر داعش الفارون من العراق وسوريا، إضافة إلي عناصر الميليشيات المسلحة القادمة من مناطق مالي، مستغلين انعدام سيطرة الدولة علي حدودها، أو علي شئونها الداخلية، مما مكَّنهم من الاستيلاء علي الكميات الضخمة من الأسلحة والذخيرة التي كان القذافي قد جمعها أيام فترة حكمه الطويلة. وأصبحت ليبيا، منذ ذلك الحين، من أخطر مناطق تجمع العناصر الإرهابية في العالم، إن لم تكن أخطرها علي الإطلاق.

وأصبحت مناطق الهلال النفطي في ليبيا تحت سيطرة بعض هذه الجماعات، والبعض الآخر تحت سيطرة عدد من القبائل الليبية. وأمام ذلك الوضع الملتهب، غدا الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، هو الأمل في القضاء علي كل هذه العناصر، والسيطرة علي الموقف. ونجح، بالفعل، في تطهير بنيغازي، ومن بعدها درنة، التي استمرت في أيدي الدواعش لأكثر من4سنوات متواصلة، تمكنوا خلالها من فرض أفكارهم الإرهابية المتطرفة علي مجريات الأمور. ومن ثم، لم يتبق للمشير خليفة حفتر من خيار سوي التقدم نحو العاصمة طرابلس، الواقعة تحت سيطرة رئيس الوزراء، فايز السراج، للقضاء علي آخر جيوب العناصر الإرهابية الموجودة بها.

أما من ناحية الاتجاه الجنوبي، فإن ما مر به السودان من أحداث، تحت حكم الرئيس عمر البشير، خلال ثلاثين عاما، وما شابها من اضطرابات سياسية، وفساد في السلطة، فضلا عما صحبها من تدهور الظروف الاقتصادية، دفع الشعب السوداني لأن يثور، أخيرا، ويطيح بالرئيس البشير وأعوانه، وهو ما تتابعه مصر عن كثب، نظرا للعلاقات التاريخية التي تربط الشعبين، والمصالح المشتركة بين البلدين، والامتداد الطبيعي والجغرافي الذي يجمعهما.

من هذا المنطلق، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي، بصفته رئيسا للاتحاد الإفريقي، إلي عقد قمة تشاورية، لأول مرة، في القاهرة، تمكن خلالها من إقناع الزعماء الأفارقة المشاركين بمنح المجلس الانتقالي بالسودان مهلة ثلاثة أشهر لتسليم السلطة إلي حكومة مدنية-وهو ما تحقق بالفعل- مؤكدا دعم مصر الكامل لاستقرار السودان، وخيارات الشعب السوداني في صياغة مستقبل بلاده. كما قرر الرئيس، بصفته رئيس الاتحاد الإفريقي، عقد اجتماع علي مستوي وزراء خارجية الدول الإفريقية لمتابعة تنفيذ القرارات التي اتخذتها القمة التشاورية.

تري مصر ضرورة الحفاظ علي السودان، دون أية تدخلات خارجية، خاصة من قطر، وإيران، وتركيا، حيث ألغي المجلس العسكري السوداني الاتفاق الذي أبرمته مع البشير لإطلاق يدها في جزيرة سواكن السودانية في البحر الأحمر تحت زعم تطوير الآثار العثمانية الباقية الموجودة بالجزيرة.

علي صعيد متصل، وأملاًفي القضاء علي جميع العناصر الإرهابية في ليبيا، وعودة الأمن والسلام والاستقرار إليها، ترأس الرئيس السيسي اجتماع قمة الترويكا، ولجنة ليبيا رفيعة المستوي بالاتحاد الإفريقي، حيث دعا المجتمع الدولي إلي تحمل مسؤولياته، مؤكدا ضرورة استئناف الحل السياسي، والعودة إلي المفاوضات السياسية، من خلال قنوات الاتصال مع مختلف الأطراف السياسية الليبية. وتأتي أهمية ذلك الاجتماع بعد فشل مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، في الخروج بقرارات مهمة تجاه ما يحدث في ليبيا، فكان تحرك الرئيس السيسي، بصفته رئيسا للاتحاد الإفريقي، رسالة واضحة مفادها أن الدولالإفريقية هي الأقرب إلي ليبيا، والأكثر حرصا علي عودة الاستقرار إليها.

تستمر مصر في دعم الجهود السياسية لمصلحة الاستقرار في ليبيا، والعمل علي منع أي تدخلات أجنبية علي الأراضي الليبية، سواء من جانب تركيا أو قطر. كما تسعي مصر لأن يتم رفع الحظر عن تزويد الجيش الليبي بالأسلحة، حتي يتمكن من القضاء علي العناصر الإرهابية، التي تحصل علي التمويل من الخارج، خاصة بعدما ضبطت السلطات الليبية، أخيرا، سفينة تركية محملة بالأسلحة والذخائر في طريقها للجماعات الإرهابية. كما تنادي مصر بضرورة فك الودائع الليبية المجمدة في الخارج، حتي تستطيع البدء في مشاريع إعادة الإعمار، وعودة الحياة المدنية الطبيعية إلي البلاد، وإعادة تشغيل المدارس، والمستشفيات، والمصالح الحكومية، لتستعيد الدولة الليبية كفاءتها، وتتمكن من تقديم خدماتها للمواطن الليبي، حتي تنتظم الحياة وتستقر.

لذا، فإن مصر تنظر بعين الحذر إلي الأوضاع في الاتجاهين الغربي والجنوبي، وتدعو كلاًمن ليبيا والسودان لتحقيق الاستقرار، وتوفير حياه كريمة للشعبين الشقيقين. في الوقت نفسه، فإن مصر لن تسمح بأي تهديد لأمنها القومي، ولن تقف قواتها المسلحة مكتوفة الأيدي أمام أي نية لتهديد الأمن القومي المصري، وتحتفظ لنفسها بحق التدخل في أي وقت، لتحقيق أمن مصر القومي، تماما كما أكد الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة.

في ظل ما تشهده الساحتان الدولية والإقليمية من تصاعد ملحوظ لظاهرة الإرهاب، وما يحمله ذلك من مخاطر وتداعيات سلبية علي دول المنطقة، بما فيها مصر، التي باتت مستهدفة، بشكل واضح من قبل القوي الداعمة للإرهاب، لهدم حالة الاستقرار التي باتت تتمتع بها البلاد، خلال السنوات الأخيرة، ما هي رؤية اللواء سمير فرج لتك الظاهرة، وكيفية التعامل معها؟

نجحت مصر، خلال السنوات الأخيرة، في مواجهة الإرهاب بشكل كبير. والنجاح أو عدمه يمكن قياسه بحجم هذه العمليات، مقارنة بالسنوات الماضية. لذا، سنجد أن الإرهابيين كانوا ينفذون عمليات بشكل شهري، ووصلوا إلي تنفيذ عمليات بشكل أسبوعي. ولكن الآن، تقلصت أعداد تلك العمليات بنسبة80٪، ولا نسمع عن عمل إرهابي إلا بعد مرور فترة كبيرة.

كما نجح الأمن المصري في تجفيف منابع دعم وتسليح الإرهاب، من خلال سيطرته علي الحدود بشكل كبير، وهدم الأنفاق بين مصر وغزة. ولا ننسي أيضا الجهود المصرية لإتمام المصالحة الفلسطينية، التي انعكست بشكل كبير علي علاقتنا بحركة حماس، وتقليص العمليات الإرهابية. ويحسب للرئيس عبد الفتاح السيسي أنه صاحب الفضل في اختفاء جماعة الإخوان الإرهابية من المشهد الحالي تماما.

كما أن تسلُّم مصر للإرهابي هشام عشماوي-الذي صدر الحكم بإعدامه- من القوات المسلحة الليبية يعد من أهم الضربات الناجحة لمصر في مجال مكافحة الإرهاب طوال الفترة الماضية، نظرا لوجوده في محافظة درنة الليبية لمدة4سنوات، أيام أن كانت محتلة من قبل العناصر الإرهابية. لذا، تكمن أهمية الحصول علي هذا الإرهابي في أنه كان يحمل كمية كبيرة جدا من المعلومات، حول مصادر التسليح، والتمويل، والتدريب، والتخطيط للعمليات الإرهابية، ومعرفة العناصر التي كانت تساعدهم علي تنفيذ هذه العمليات الإرهابية، وشبكة المعلومات الخاصة بهم، إلي جانب أسلوب دخولها للحدود المصرية لتنفيذ العمليات، ومن كان يساعدها للدخول إلي مصر.

وبالنسبة للإرهاب، علي الصعيد الدولي، أعتقد أن نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في القضاء علي زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، في26أكتوبر2019،علي يد عناصر من القوات الخاصة الأمريكية، المعروفة باسم'دلتا'، يعد ضربة موجعة للإرهاب، خاصة تنظيم"داعش". وفي تكرار لأحداث الماضي القريب، قامت القوات الأمريكية بإلقاء جثمانه في البحر، كي لا يتحول قبره إلي مزار لأتباعه من المتطرفين.

لذا، لا شك في أن ترامب حقق نصرا كبيرا بالقضاء علي البغدادي، خاصة بعد تعرضه لانتقادات عنيفة، داخليا وخارجيا، إثر إعلان سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، وهو ما بدا كأنه تخلي الولايات المتحدة عن أكراد سوريا، الذين ساندوها في القضاء علي داعش. بعد نجاح هذه العملية، ظهر الرئيس ترامب، ليعلن للعالم القضاء علي أخطر شخصية إرهابية في العصر الحديث. كما أن نجاح هذه العملية يمكِّن ترامب من المضي قدما في سحب القوات الأمريكية من المنطقة، وهو الوعد الذي قطعه علي نفسه للناخب الأمريكي بعودة كل أبناء أمريكا إلي الوطن الأم، الأمر الذي يعني استمرار شعبيته، رغم محاولات الديمقراطيين للنيل منها.

وتشير الإحصاءات إلي أن نحو5000شخص من أمريكا ودول أوروبية كانوا قد توجهوا إلي كل من سوريا والعراق للالتحاق بصفوف"داعش". وقد عاد منهم، طبقا للإحصاءات، ما يقرب من1800شخص، بينما لا يزال الباقون منهم عالقين في معسكرات علي الحدود، أوغادروا إلي دول أخري، مثل ليبيا أو أفغانستان. ويعد مخيم الهول في شمال سوريا الملاذ الآمن الوحيد للفارين من تنظيم داعش، الموجود في سوريا والعراق، والذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، وهو أحد أقدم وأكبر المخيمات. وكانت المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة قد أقامته، عام1991،لاستقبال اللاجئين العراقيين، إبان انتهاء حرب الخليج، وزادت أهمية المعسكر بعد سقوط تنظيم"داعش" في سوريا، ليضم، حاليا، أكثر من37ألف شخص، أغلبهم من نساء وأطفال التنظيم، وتنقسم العناصر العالقة في هذا المعسكر إلي قسمين، الأول: من يري نفسه ضحية هذا الفكر المتطرف، وهم النادمون علي تلك الفترة، التي أمضوها في القتال مع داعش، ويريدون العودة إلي وطنهم الأم بالدول الغربية، ليضمنوا حياة كريمة في المستقبل. أما القسم الآخر، وهم الأقلية، فلا يزالون يؤمنون بأفكار تنظيم الدولة، ويأملون في العودة إلي بلادهم الغربية، حاملين الأفكار والمفاهيم ذاتها التي لا يرون فيها أي تطرف، وهو ما ترفضه بالطبع دولة، مثل فرنسا، التي أصرت علي أنها ستدرس موقف المنتمين إلي القسم الأول كل علي حدة. أما أولئك المصرون علي أفكار تنظيم"داعش"، فتري فرنسا ضرورة محاكمتهم في سوريا أو العراق، وعدم السماح لهم بالعودة إليها.

في حين لا تزال بعض الدول الأوروبية الأخري، مثل ألمانيا وبلجيكا، تدرس هذه الأزمة، ولم تتخذ قرارا حاسما إلي الآن. علي أية حال، فإن معظم الجهات الأمنية في مختلف دول العالم، خاصة المهتمة بنشاط الجماعات الإرهابية، ومنها مصر، تتابع عن كثب، وبدقة متناهية، تحركات هذه العناصر الإرهابية الموجودة في مناطق الحدود السورية-العراقية، في ظل بعض المحاولات لنقلهم من هناك إلي دولة ليبيا عن طريق تركيا، وهو ما يمس الأمن القومي المصري بصورة مباشرة. ختاما، أعتقد أن صدور القانون البريطاني الجديد سيفتح الباب أمام باقي دول أوروبا لاتباع هذا النهج الرادع لإنهاء أزمة العائدين من سوريا والعراق، حاليا، ولنتفادي تكرار مثل هذه الأزمات، في المستقبل، في أماكن مختلفة من العالم.

تطورت أشكال الحروب ضد الدول الوطنية، خلال العقود الماضية، بشكل كبير، حيث لم تعد مقصورة علي المجال العسكري، فقد أصبح يوجد ما يعرف بحروب الجيل الرابع والخامس التي تلجأ لها الجماعات الإرهابية لتدمير الأوطان، من خلال الشائعات، لهز ثقة الشعوب في مؤسسات الدولة، كيف يري اللواء سمير فرج  تلك النوعية من الحروب ومخاطرها علي الدول؟ وكيف يمكن مواجهتها بشكل فعال؟

تختلف طبيعة الحروب حاليا عن الماضي، حيث كان يستخدم فيها وسائل الحروب التقليدية كالدبابة، والمدفع، والصاروخ، والسلاح، والذخيرة. في حين أصبحت الحروب في الآونة الأخيرة مختلفة لا يستخدم فيها السلاح، بل تستخدم فيها وسائلغير تقليدية، وهذا النوع من الحروب يعرف بحروب"الجيل الرابع"، التي تستهدف إسقاط الدول، من خلال بث الشائعات الكاذبة والمعلومات المغلوطة، من أجل إفقاد الشعب الثقة في قيادته، وحكومته، وجيشه، وشرطته، وهذا ما يحدث الآن في مصر،والكثير من دول المنطقة، حيث إن فقدان الثقة في جيش الدولة يعد أولي خطوات انهيار أركان الدولة، التي تتمثل في الشعب، والجيش، والشرطة، والقضاء.

من هنا، تجب مواجهة هذا النوع من الحروب، من خلال عدم تداول الشائعات، ونشر المعلومات الكاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلي عدم تصديق أو تلقي أي معلومة إلا من خلال مصدرها الرسمي، إضافة إلي ضرورة تكاتف الشعب مع الجيش والشرطة للوقوف، جنبا إلي جنب في وجه أي تهديد خارجي لأمن مصر القومي، في ظل وجود قوة عسكرية كبيرة لحماية حدودها البحرية، والبرية، والجوية.

وتعد مصر الدولة الأولي المستهدفة في تلك المعارك القذرة حاليا، فهي الدولة الوحيدة الباقية في المنطقة، في ظل ما حدث ويحدث في العديد من البلدان، منها سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، وغيرها، خاصة أن أعداءها يحاولون طوال الوقت إسقاطها، ووقوعها، وهدمها، وتفتيتها بقدر ما استطاعوا إلي ذلك سبيلا، من خلال نشر الشائعات وإثارة الفتن.

لذا، فإن الأمر يتطلب، في هذه المرحلة الخطيرة، الوضوح والمواجهة الاستباقية. فيجب ألا تنتظر أجهزة الدولة المختلفة حتي تنتشر الشائعات ويكثر مروجوها، بل يجب أن يكون الرد فوريا ودون تردد، ومن الضروري أن تكون هناك مجموعات خاصة للتعامل مع الشائعات، والرد عليها مباشرة فور إطلاقها، قبل أن يتم الترويج لها علي نطاق واسع، سواء داخل مصر أو في الخارج، وهو ما نجحنا فيه الآن بشكل كبير.

من الضروري أيضا توعية الشعب بالصورة التي تتماشي مع قدر الاستهداف الذي تواجهه مصر-خاصة أن هناك أشخاصا من الطابور الخامس هدفهم إثارة أي شيء ضد الوطن، ويتربصون طوال الوقت بمصر والمصريين، وينتظرون أن تسنح الفرصة حتي يتمكنوا من تنفيذ أهدافهم الخبيثة ضد الوطن- من خلال الاعتماد علي الجميع، سواء وسائل الإعلام المختلفة، أو رجال الدين الإسلامي والمسيحي، بالإضافة إلي القوة الناعمة المتمثلة في الثقافة والدراما، من مسلسلات وأفلام، يمكنها أن تحقق أهدافنا بشكل مؤثر في قطاع كبير من المصريين.

من المعروف أن العديد من الدول تطلب الدخول في تدريبات عسكرية مشتركة مع مصر، عليغرار فاعليات التدريب"المصري- الروسي" المشترك"سهم الصداقة- 1"، فما دلالة ذلك بالنسبة لسيادتكم؟

تسعي معظم دول العالم حاليا لإجراء تدريبات مشتركة مع مصر، لأن بها أكبر جيش لديه خبرة قتالية في معركة حديثة بين مصر وإسرائيل في حرب1973،عليغرار مناورات"سهم الصداقة1"، بين الجيشين المصري والروسي، حيث انطلقت المناورات في  26أكتوبر2019، وشاركت فيها وحدات صواريخ"أرض- جو" مضادة للطائرات، وتعد أحد أهم التدريبات العسكرية، التي تتدرب فيها وحدات دفاع جوي، مصرية وروسية، علي التصدي لعدو جوي، يحاول استهداف موقع استراتيجي تقوم بحمايته،والتدريب المصري الأردني المشترك"العقبة-5"، والذي نفذته عناصر من القوات البرية، والبحرية، والجوية، والقوات الخاصة، المصرية والأردنية، بميادين التدريب القتالي بالمنطقة الجنوبية العسكرية، والذي يأتي ضمن خطة التدريبات المشتركة للقوات المسلحة لكلا البلدين الشقيقين. تكمن أهمية ذلك بنطاق المنطقة الجنوبية العسكرية، ومسرح عمليات البحر الأحمر، في أن جيش الأردن يتبع العقيدة الغربية، ومصر تتبع العقيدة الشرقية، فكلا الطرفين يستفيد من الآخر، وتم إجراء التدريبات تجاه البحر الأحمر، كونه مصدر تهديد لتأمين البحر الأحمر في المستقبل.

ومن التدريبات المشتركة المهمة التي قامت بها مصر لخلق حالة من التعاون والتنسيق العسكري القوي بين الدول العربية، لمواجهة التحديات والمستجدات علي الساحتين الدولية والإقليمية، التدريب المشترك(درع العرب-1)، الذي انطلق في الرابع من نوفمبر2019بقاعدة محمد نجيب العسكرية، وميادين التدريب القتالي بنطاق المنطقة الشمالية العسكرية، ومناطق التدريبات، الجوية والبحرية، المشتركة بالبحر المتوسط. وقد ضمت التدريبات قوات من السعودية، والإمارات، والبحرين، والأردن، والكويت.

وتم اختيار قاعدة محمد نجيب العسكرية، نظرا لأنها تضم عددا من ميادين التدريب المفتوحة في الصحراء، ومناطق الإبرار البحري، وميادين رماية القوات الجوية، فضلا عن قاعات المحاضرات والتدريب العملي الداخلي لمراكز القيادة والسيطرة المزودة بأحدث الوسائل التكنولوجية.

كما تتمتع القاعدة العسكرية، بقربها من عدد من المطارات، المدنية والعسكرية، مثل مطار برج العرب، ومطروح، وسيدي براني، وجناكليس، التي يمكن استخدامها إما لأعمال التدريب للقوات المشاركة، أو لعمليات النقل الجوي للقوات المشتركة في التدريب.

ويتضح من اجتماع هذه المجموعة من الدول وجود أهدف موحدة مشتركة، في الوقت الحالي، أولها: هو القضاء علي الإرهاب. ثانيا: أن بعض الدول المشاركة لديها حاليا عدومشترك، يتمثل في إيران، التي تهدد أمن دول الخليج العربي، وتهدد منطقة باب المندب، من خلال سيطرتها علي الحوثيين في اليمن، ودعم عناصر حزب الله، سواء في لبنان أو سوريا.

وباتحاد تلك الدول حول تلك الأهداف المشتركة، تم اختيار مصر لتنفيذ التدريب لعدة أسباب، أولها: جاهزية واستعداد قاعدة محمد نجيب العسكرية لاستقبال القوات المشاركة، وتنفيذ مختلف التدريبات. ثانيها: أن مصر، بقدراتها العسكرية، هي المصنفة الأولي، عربيا وإفريقيا، وفقا لأحدث التصنيفات العسكرية الصادرة عن(جلوبال فاير باور) في2018.كما أن الخبرة القتالية للقوات المسلحة المصرية تؤهل مصر لقيادة أية عمليات مستقبلية في المنطقة. وقد شارك كل من لبنان والمغرب كمراقبين، نظرا لصعوبة نقل قواتهما العسكرية إلي مصر، نظرا لحجم المهام المكلفة بها جيوشهما علي أراضيهما، مقارنة بالمحدودية النسبية لعدد الأفراد والقدرات. إلا أن كلا الطرفين اهتم بأن يكون علي قدر من المعرفة والتأقلم، في حالة الحاجة إلي اشتراك قواتهما في أية عمليات مشتركة في المستقبل، ضد العناصر الإرهابية، في المنطقة.

وتتمثل أهمية هذه التدريبات المشتركة في توحيد المفهوم العلمي والعسكري عند تنفيذ أي عمليات عسكرية مشتركة تجمع هذه القوات معا، إذ تتباين العقائد العسكرية التي تتبناها هذه الدول. فمصر، علي سبيل المثال، تتبع العقيدة العسكرية الشرقية، بينما تتبني بعض الدول المشاركة العقيدة العسكرية الغربية، بما لكل منهما من قواعد ومفاهيم وأساليب. كما أن تلك التدريبات تعد بمنزلة العين الحمراء لمصر لمن يحاول المساس بالمصالح المصرية في منطقة مشتعلة بالمشكلات من جميع الجهات.


-

أخيرا،  كشف حوار اللواء أركان حرب دكتور سمير فرج، عن أننا أمام رجل يمتلك تاريخا طويلا من  النجاحات والإنجازات علي كل المستويات، لما يمتلكه من خبرة عملية وعلمية، قائمة علي الدراسة المتعمقة والرؤية الثاقبة، الأمر الذي يشير إلي أننا أمام شخصية وطنية باقتدار، خدمت وطنها طوال حياتها في كل المجالات التي عملت فيها، وتتمتع بجانب إنساني عميق، وهو ما يجعله نموذجا وقدوة يحتذي بها من قبل الشباب المصري، خاصة في تلك المرحلة، التي تحتاج إلي الإخلاص والعمل بجد واجتهاد، حتي يتمكن الوطن من العبور إلي بر الأمان.


 

طباعة

    تعريف الكاتب

    إعداد- علي بكر

    إعداد- علي بكر

    مساعد رئيس التحرير- السياسة الدولية