تحليلات - شئون دولية

أبعاد وتداعيات سيطرة حركة "طالبان" الخاطفة على أفغانستان

طباعة

عادت الأحداث فى أفغانستان لتتصدر المشهد الدولي مرة أخرى بعد عشرين عاما على الاحتلال الأمريكي لها، حيث أعلن عصر يوم 15 أغسطس 2021 عن سيطرة حركة "طالبان" على العاصمة كابول من خلال هجوم خاطف سريع لم يستغرق ست ساعات. كما غادر الرئيس السابق "أشرف غني" البلاد، لتسود حالة من الفوضى الأمنية والصدمة السياسية الأوساط الأفغانية والدولية. فرغم توقع عودة "طالبان" للحكم بعد الانسحاب الأمريكي خلال ستة أشهر إلا أن سرعة تحركها وسيطرتها على العاصمة دون مقاومة تذكر من القوات الأفغانية أو قوات القبائل يثير التساؤلات حول وجود "صفقة سياسية" بين طالبان وواشنطن من جهة، وبين طالبان وأطراف أفغانية من جهة أخرى، ليتم تسليم العاصمة للحركة الإسلامية دون إراقة الدماء، ثم يُعلن على الفور عن بدء مرحلة انتقالية قبل إتمام الانسحاب الأمريكي رسميًا في نهاية الشهر الحالي، وكأن واشنطن ترغب دوما في وجود حركة إسلامية على رأٍس الحكم بإحدى الدول لتحقيق أهدافها، الأمر الذي سيكون له العديد من الأبعاد والتداعيات الإقليمية والدولية.

أبعاد سقوط كابول السريع :

- تقدم "طالبان" التدريجي: تستعد طالبان منذ مطلع عام 2021 للسيطرة على أفغانستان مع إتمام انسحاب القوات الأمريكية من البلاد بنهاية أغسطس الحالي، حيث بدأت في شن هجوم موسع علي مدن وقرى شمال البلاد للسيطرة عليها في مايو الماضي. وبعد انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة باجرام الجوية مطلع يوليو 2021 بدأت طالبان في السيطرة على 7 ولايات بنهاية الشهر نفسه، ثم سيطرت على مدن استراتيجية، مثل (قندوز، ومزار شريف، وجلال آباد) مما مهد لدخولها كابول. وخلال هذه الهجمات لم تواجه الحركة أي مقاومة عسكرية تذكر من قوات الجيش أو عناصر القبائل. ويبلغ عدد قوات طالبان 80 ألفا من المقاتلين مقارنة بـ300 ألف و699 جنديا بقوات الدفاع والأمن الوطني الأفغانية، فضلا عن فرق التجهيز والتسليح بين الطرفين، حيث إن الطرف الأخير مجهز بأسلحة أمريكية حديثة مقابل أسلحة ضعيفة وفردية لطالبان، مما يثير التساؤلات حول سرعة سيطرة الحركة على الولايات. وربما يمكن تفسير ذلك من خلال تفشي الفساد داخل القوات الأفغانية التي لم تتمكن من الحفاظ على قوتها واستعدادها القتالي، وغياب الولاء بين الجنود للجيش والدولة الأفغانية.

جدير بالذكر أن حركة "طالبان" نشأت في عام 1994 من طلبة إسلاميين متشددين، ثم تحالفت مع تنظيم "القاعدة" الإرهابي وحكمت أفغانستان في الفترة من (1996 إلى 2001) وكانت تفرض أحكاما اجتماعية وقضائية متشددة، وتم إنهاء حكمها بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان في 7 أكتوبر 2001 إثر اتهام "القاعدة" بتنفيذ هجمات 11 سبتمبر 2001، ضد برجي التجارة العالمية بنيويورك وراح ضحيتها 3000 شخص. وفي صيف 2019، كشفت واشنطن عن مفاوضات بينها وبين "طالبان" حول الانسحاب العسكري، تنفيذا لوعد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" عام 2017 بسحب كافة القوات الأمريكية من "الحروب الغبية" في الخارج، حيث أنفقت واشنطن تريليون دولار على الحرب في أفغانستان، قتل خلالها 2351 جندياً دون جدوى.

- إدارة انتقالية: أعلن الرئيس الأفغاني السابق "أشرف غني" استقالته وغادر كابول إلى طاجيكستان. بالتزامن مع ذلك، أعلن عن سقوط الحكومة السابقة وبدء إدارة انتقالية للبلاد، يديرها الرئيس الأسبق "حميد كارزاي"، ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية "عبدالله عبد الله"، وبعض القادة المحليين بغية التوصل لتسوية سياسية مع"طالبان" واقتسام السلطة والحفاظ على الحكم المدني بالبلاد. ورجحت مصادر أفغانية تولى وزير الداخلية السابق "على أحمد جلالي" رئاسة الإدارة المؤقتة وهو (أكاديمي أفغاني مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية). بينما صرح المتحدث باسم "طالبان" بأن الحركة "تريد حكومة إسلامية جامعة؛ مما يعني أن جميع الأفغان سيكونون ممثلين في هذه الحكومة، لأنها تريد فتح فصل جديد من السلام والتسامح والتعايش السلمي والوحدة الوطنية للبلد والشعب الأفغاني".

- فوضى أمنية: سادت حالة من الفوضى الأمنية العاصمة كابول مع دخول عناصر "طالبان" مقر القصر الرئاسي منتصف يوم 15 أغسطس 2021، حيث أغلقت المدراس والمصالح الحكومية وسمع دوي إطلاق نار مستمرا مما أدى لسقوط قتلى ومصابين. وأكدت الحركة تأمين مراكز الشرطة والجامعة ووزارة التعليم، بينما انسحبت العناصر الأمنية من العاصمة وأقامت طالبان حواجز أمنية في مناطق عدة، حيث سيطرت طالبان على كافة الولايات والمعابر الحدودية باستثناء مطار كابول الدولى، وهو المنفذ الوحيد لخارج البلاد، والذي يشهد عمليات إجلاء مستمرة، فتم تسفير معظم البعثات الدبلوماسية من بينهم 5000 موظف بالسفارة الأمريكية، وسفراء الدول الأوروبية، أبرزهم السفير الفرنسي. ويشهد المطار حالة من الازدحام، حيث يسعى الأجانب والمواطنين للسفر خارج البلاد، وصباح يوم 16 أغسطس الحالي شنت طالبان هجوما للسيطرة على المطار.

- قبول دولي: أًصدرت أكثر من 60 دولة(منها أستراليا، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وجمهورية كوريا الجنوبية، والمملكة المتحدة) بياناً مشتركا يشدد على ضرورة فتح المجال أمام الأفغان والأجانب الراغبين في الخروج من أفغانستان وإبقاء المطارات والمعابر الحدودية مفتوحة. ودعت "من يتولون مواقع السلطة في أنحاء أفغانستان أن يتحملون المسئولية والمساءلة، فيما يخص حماية الأرواح والممتلكات واستعادة الأمن والنظام على الفور، إن الشعب الأفغاني يستحق أن يعيش في سلام وأمن وكرامة. المجتمع الدولي مستعد لمساعدتهم". بينما أصرت واشنطن على موقفها من الانسحاب الأمريكي وعدم التدخل سياسيا في الشأن الأفغاني، لأنها "أنهت المهمة" منذ 20 عاما بهزيمة تنظيم "القاعدة" في البلاد. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" كافة الأطراف الأفغانية الأخرى إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس واحترام الحقوق والحريات. ولذا فهناك قبول دولي بعودة حركة طالبان لحكم أفغانستان فلا يوجد أي بيانات إدانة أو انتقاد لتوليها سدة الحكم.

 التداعيات الداخلية:

مازالت الضبابية وعدم الاستقرار السياسي والأمني تسيطر على المشهد الأفغاني، بيد أن عودة "طالبان" لحكم البلاد منفردة أو مشاركتها في حكومة وحدة وطنية تمثل كافة مكونات وطوائف الشعب الأفغاني، سيكون له العديد من التداعيات الداخلية ومنها:

-عزلة سياسية: يمكن أن نستبعد حدوث حرب أهلية مباشرة بعد عودة "طالبان" كما نستبعد حدوث حالة من الاستقرار، لأن عدم الاستقرار السياسي والاضطراب الأمني سيستمر لفترة زمنية مقبلة. رغم أن "طالبان" أبدت رغبتها في استمرار الحكم المدني والمشاركة في حكومة وحدة وطنية. بيد أن ذلك ربما يعرض البلاد لعزلة دولية، لاسيما من الدول الغربية الأوروبية والأمريكية، حيث تصنف "طالبان" بأنها تنظيم إرهابي. كما أكدت هذه الدول أنها لن تعترف بأي حكومة تشارك فيها الحركة، إلا إذا اعترفت "طالبان" بالحكم المدني الذي يشارك فيه الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وكافة طوائف الشعب، ويتم إجراء انتخابات ديمقراطية مباشرة.

- كساد اقتصادي: يعتمد الاقتصاد الأفغاني على المساعدات الدولية وتحويلات المغتربين بالخارج، حيث تصدّر البلاد نحو مليار دولار فقط سنويا من الفواكه والمكسرات. على الرغم من حيازتها أكثر من تريليون دولار على هيئة رواسب معدنية غير مستغلة، وتعد من أقل البلدان نموًا بالعالم. وربع السكان يعيشون تحت خط الفقر. وينضم العديد من الرجال للجماعات المسلحة ذات التمويل الأجنبي أو عالم الجريمة، وخاصة في زراعة وتهريب المخدرات. وبعد سيطرة طالبان شهدت البنوك ومحلات الصرافة حركة كبيرة لسحب الودائع، مما أدى لنقص السيولة النقدية اللازمة، وأغلقت بعض البنوك أبوابها. وكان من المقرر منح صندوق النقد الدولي قرضا لأفغانستان يقدر بـ370 مليون دولار لإنقاذ الاقتصاد، بيد أن ذلك ربما لا يتحقق حاليا، مما سيؤدي لكساد الاقتصاد الرسمي للدولة.في المقابل، تتمتع حركة طالبان بوفرة مالية وتتراوح إيراداتها من جمع الأموال بين 300 مليون دولار إلى 1.6 مليار دولار من خلال التحويلات الخارجية ونشاطها الإجرامي، مثل إنتاج الأفيون وتهريب المخدرات والابتزاز والخطف والحصول على فدية، وهو ما يعرف بالاقتصاد الأسود غير الرسمي.

- تراجع اجتماعي: عٌرف عن "طالبان" فرض قيود مشددة متعددة على الحريات العامة وحرية الرأى والتعبير وحقوق المرأة والطفل ومنع مختلف أنواع الفنون، مما أثار المخاوف من عودة هذه القيود وضياع المكتسبات التي حققت خلال العقدين الماضيين. وقد سعت "طالبان" سريعا لتهدئة ذلك عبر التأكيد أنها "ستحمي حقوق المرأة شريطة ارتدائها الحجاب كما ستحمي حريات وسائل الإعلام والدبلوماسيين". بيد أن الممارسات الفعلية لها حتى الآن لا تنذر بذلك، مما أدى لتصاعد حركة الهجرة وارتفاع عدد اللاجئين الأفغان بالخارج، لاسيما من المتعلمين، مما يعرف "بنزيف العقول"، وهو أمر سيسفر عنه تراجع مجتمعي في شتى المجالات. في المقابل، هناك قبول مجتمعي نسبي في الداخل الأفغاني بعودة الحركة، فلم تواجه عناصرها خلال دخولها لمراكز المدن وسيطرتها عليها أي مقاومة شعبية تذكر، رغبة من الشعب في التخلص من الحكومة الحالية، التي فشلت كغيرها منذ 2001 في إحداث أي تقدم اقتصادي أو اجتماعي وثقافي بالمجتمع خلال العقدين الماضيين.

- تدهور أمني: من المنتظر أن تشهد أفغانستان تدهورا أمنيا وليس حربا أهلية، حيث إن القوات الحكومية الأفغانية قد تخلت عن مواقعها وانسحبت، وقوات حركة طالبان قليلة العدد ضعيفة التسليح لن تتمكن من بسط سيطرتها وتامين كافة الولايات. في المقابل، هناك جماعات وتنظيمات إرهابية أخرى ستتنافس مع طالبان على الحكم، فضلا عن دور القبائل والميليشيات المسلحة التابعة لها.

التداعيات الإقليمية والدولية:

- إعادة تعويم الإسلام السياسي: ربما يكون أحد أهداف الانسحاب الأمريكي بهذا التوقيت هو إعادة تعويم جماعات الإسلام السياسي بشقيها السياسي (الإخوان المسلمين) والعسكري (داعش والتنظيمات الإرهابية) ومنحهم مقرا جديدا للحكم في أفغانستان، حيث يعد الانسحاب "أكسير الحياة" لكافة التنظيمات بالشرق الأوسط التي خسرت معظم معاقلها في الدول العربية وكان آخرها في تونس، ولذا من المتوقع أن تستقطب أفغانستان هذه الجماعات كلها، لاسيما في ظل العلاقات الأيديولوجية بين طالبان وبينهم. حيث ستصبح كابول قبلة لقيادات جماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابية، كما ستستقبل عناصر التنظيمات الإرهابية من إدلب السورية تحديدًا وليبيا ودول شمال إفريقيا. وهذا لا يعني أن معدلات العمليات الإرهابية ستقل في الدول العربية، بل ربما ترتفع بعد فترة من إعادة الترتيب والتنظيم بين تلك الجماعات الإرهابية، كما أنها ليست على توافق تام فهناك خلافات فكرية بينهم، ونشبت العديد من المواجهات العسكرية بين طالبان وتنظيم "ولاية خراسان" ممثل "داعش" بأفغانستان.

- تنافس إقليمي لبسط النفوذ: يتميز موقع أفغانستان الجغرافي بأهمية استراتيجية، حيث إنه يتوسط القوى الكبرى بقارة آسيا (روسيا، والصين، والهند). وهذه ستسعى لبسط نفوذها هناك لملء الفراغ السياسي والأمني عقب الانسحاب الأمريكي. كما أن دول آسيا الوسطى (تركمانستان، وكازاخستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان) تتخوف من انتقال تداعيات الفوضى في أفغانستان إليها، هذا فضلا عن أدوار لقوى إقليمية منتظرة في أفغانستان بعد سيطرة طالبان، وكافة هذه القوى ستتنافس فيما بينها لتحقيق مصالحها في أفغانستان الجديدة.

- توتر بين أفغانستان وباكستان: كثيرا ما اتسمت العلاقات بين إسلام آباد وكابول بالفتور وربما التوتر، حيث تتهم أفغانستان باكستان بدعم حركة طالبان، بينما تتهم إسلام آباد الحكومة الأفغانية بالسماح لجماعات مسلحة باستخدام أراضيها في شن هجمات داخل باكستان. وحال سقطت أفغانستان في حالة من الفوضى الأمنية، فان باكستان ستتأثر أمنياً، مما سيؤدي لاستمرار التوتر في العلاقات بين الدولتين.

- تعزيز الدور الصيني: طرحت الصين رؤيتها لقيادة العالم من خلال  مشروع "الحزام والطريق"، وقد وثقت بكين علاقاتها بطالبان واستضافت وفدا منهم وأبرمت عدة اتفاقيات مع الحكومة السابقة، مما يضمن لها دورا اقتصاديا في المرحلة المقبلة. حيث تسعى بكين لربط أفغانستان بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وهو مشروع اقتصادي ضخم يضم عددا من مشاريع البنى التحتية بقيمة 62 مليار دولار، ويهدف لإنشاء طريق بري يربط بين مدينة كاشغر في الصين وميناء كوادر الباكستاني، ويعد جزء من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.ومن بين المشاريع التي تعتزم بكين تنفيذها تشييد طريق رئيسي استراتيجي بين أفغانستان ومدينة بيشاور شمال غربي باكستان، لربط الدول الثلاث بعضها بعضا، فضلا عن مشاريع أخرى لإعادة إعمار أفغانستان عبر قروض طويلة الأمد. ولا يقتصر الأمر على الوضع الاقتصادي، بل إن بكين تهدف لتدشين محور يضم أفغانستان وباكستان لمواجهة الهند وواشنطن في وسط وجنوب آسيا.

- تكثيف الوجود العسكري الروسي: برر بعض المراقبين بواشنطن الانسحاب العسكري من أفغانستان بأنه تكتيك لتوريط موسكو وبكين في الشأن الأفغاني وإشغالهم بعيدا عن منافسة واشنطن في جنوب شرق آسيا. بيد أن هذا التحليل ربما يجانبه الصواب, حيث إن روسيا عمدت على تكثيف وجودها العسكري بوسط آسيا منذ الإعلان عن الانسحاب الأمريكي. فقد نفذت موسكو يوم 4 أغسطس الحالي تدريبات عسكرية مشتركة مع أوزبكستان وطاجيكستان قرب الحدود الأفغانية. كما نفذت مناورات ضخمة مع الصين. وسياسيا، فقد عززت علاقاتها مع طالبان، وأكدت الأخيرة الحفاظ على البعثة الدبلوماسية الروسية، ورفضت موسكو إجلائها كغيرها من البعثات، مما يؤكد أنها حصلت على ضمانات من "طالبان"بالحفاظ عليها، حتى وإن لم تعترف موسكو رسميًا بالحركة كسلطة شرعية في أفغانستان، نظرا لموقف موسكو السياسي الرافض لأي جماعة أو حركة لها أساس ديني، أيديولوجي، فإن ذلك لن يؤثر سلبا علي العلاقات بينهم الذي وصفته الحركة بالجيدة جدا. بل إنه من المنتظر تكثيف الوجود الروسي في المرحلة المقبلة بكابول سياسيا وعسكريا.

- إعادة "الفوضى الخلاقة": لعل المتابع لمشاهد سقوط كابول يتذكر نفس المشاهد لسقوط بغداد عقب الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وقد تكررت المشاهد نفسها خلال العقد الماضي في عدة دول عقب انهيار السلطة الحاكمة. وربما يؤدي هذا لإعادة طرح نظرية "الفوضى الخلاقة" التي تبنتها الإدارة الأمريكية الجمهورية للرئيس الأسبق (جورج بوش الابن 2001 إلى 2008) والديمقراطية للرئيس الأسبق (باراك أوباما 2009 إلى 2016) ثم ربما يتبناها الرئيس "بايدن" حاليا، وهي تقضي بإسقاط الحكم الحالي وترك المكونات السياسية لكل دولة تحكم نفسها أو تتنافس فيما بينها لتنتج حكم أفضل، وهو نفس تعليق "بايدن" على الوضع بأفغانستان، حيث قال: "على الشعب أن يدير الدولة ويحكم نفسه"، وهو يعلم تماما أن الشعب غير قادر على ذلك، وأن حركة "طالبان" الإسلامية المصنفة إرهابية بواشنطن هي من ستحكم. ورغم فشل نظرية "الفوضى الخلاقة" إلا أن الإدارة الحالية ربما تعيد استخدامها عبر آليات وتكتيكات جديدة في أفغانستان ودول عربية أخرى مازالت تعاني من عدم الاستقرار مثل (ليبيا، وسوريا، ولبنان، وتونس).

- نظام دولي متعدد الأقطاب: يوحي انسحاب واشنطن من أفغانستان بعد 20 عاما بهذا الشكل غير المخطط، والذي تزامن مع انسحابها من العراق بعد تهديدات الفصائل الشيعية باستهدافها، وسبقه تخليها عن عدد من حلفائها بالشرق الأوسط، فضلا عن إحجام واشنطن عن القيام بدورها كقوة عظمى بتراجع سياسي أمريكي واضح، مقابل تصاعد النفوذ الروسي سياسيًا وعسكريًا والنفوذ الصيني اقتصاديًا وسياسيًا. وحال نجحت جهود موسكو وبكين في إرساء الاستقرار بأفغانستان وإدارة الدولة بعد الانسحاب الأمريكي بأقل الخسائر، مما يعزز نفوذهم بوسط آسيا، ربما يؤدي ذلك على المدى الطويل لنظام دولي جديد متعدد الأقطاب تتقاسم فيه واشنطن وموسكو وبكين قيادة العالم.

مما سبق، نستنتج أن أبعاد القرار الأمريكي بالانسحاب العسكري من أفغانستان والذي كانت أولى وأهم تداعياته هو سيطرة "طالبان" على البلاد مازالت آخذة في التشكل، وهذا الصراع الأفغاني الجديد سيكون أكثر خطورة من سابقه، لأنه سيؤدي لتورط عدد أكبر من الفاعلين الإقليميين والدوليين الساعيين لتحقيق مصالحهم وتوسيع نفوذهم علي حساب انهيار الدولة الأفغانية التي تعاني منذ 4 عقود من حروب طاحنة علي أرضها ليست لها فيها مصالح تذكر، وسيكون له العديد من الانعكاسات على إقليم وسط آسيا والشرق الأوسط.

 

 

 


 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. منى سليمان

    د. منى سليمان

    باحثة فى العلوم السياسية.