تحليلات - وطن عربي

"المشرق الجديد".. آفاق الشراكة من أجل التنمية

طباعة

اجتمع وزراء خارجية (مصر، والعراق، والأردن) اجتماعًا تحضيريًا في 29 مارس 2021 ببغداد من أجل التعاون في مجالات مختلفة -الاقتصادي، والسياسي، والأمني- بين الدول الثلاث، حيث التركيز على الجانب الاقتصادي ذي البعد السياسي في إطار العمل على التكامل بينهما، وذلك في إطار "مشروع المشرق الجديد" الذي أعاد طرحه رئيس الوزراء العراقي (مصطفى الكاظمي)، والذي عُقد أول قمة له في مارس 2019 بالقاهرة، وربما تلحق دول عربية أخري بهذا المشروع فيما بعد. ويُعد مشروع المشرق الجديد تحالفًا يرتكز على الشراكة الاستراتيجية المتكاملة، والتنسيق الاقتصادي لجذب المشاريع الاستثمارية، والعمل على زيادة التبادل التجاري، وإعادة إعمار العراق، بالإضافة إلى حرية تدفق رءوس الأموال والتكنولوجيا.

سيبدأ مشروع "المشرق الجديد" بمد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق، وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن، ومن ثم إلى نويبع بمصر، وهو ما يفتح أسواقًا جديدة للطاقة بالمنطقة، وتغير الخارطة الخاصة بهذا المجال،حيث سيخلق ممرًا بديلًا لنقل النفط والغاز من الشام والخليج إلى أوروبا بدلًا من مضيق هرمز الاستراتيجي. وينص المشروع على قيام مصر والأردن باستيراد النفط مقابل 16 دولارا لسعر البرميل الواحد، وبالفعل قام العراق بمد الأردن بالنفط بسعر أقل من سعر السوق العالمي. وفي المقابل، إمداد العراق بالكهرباء، حيث إن الربط الكهربائي بين الأردن ومصر من جهة وصولًا للعراق من الجهة الأخرى سيعمل على مد العراق بـ 360 جيجاوات من التيار الكهربائي الذي  يعاني العراق من شح شديد فيه على عكس الأردن ومصر، كما أن مصر ستستفيد من عملية تكرير جزء من النفط العراقي الذي سيتم على أراضيها، من خلال مشروع بناء مصافي للنفط، بالإضافة إلى تجديد المصافي القائمة، والاستفادة من إمكانيات الأردن في مجال النقل، نظرًا لامتلاكها قدرات ضخمة في هذا المجال.

ويمثل مشروع المشرق الجديد فرصة نوعية للدول الثلاث، فمن المتوقع له أن يسهم في تعزيز الدور الإقليمي للدول الثلاث مرتكزًا على عناصر القوة لديها وتوظيفها بشكل يحقق الاستفادة لجميع الأطراف، فمصر تمتلك خبرات في مجالات مختلفة، بالإضافة إلى موقعها على البحرين المتوسط والأحمر، وامتلاكها لكتلة بشرية كبيرة، والعراق يمتلك موارد نفطية هائلة، والأردن لديه موقع استراتيجي مميز يتوسط آسيا، وأوروبا، وأفريقيا، بالإضافة إلى بعض المزايا الاقتصاديةالجيدة، وبالتالي يُعد المشروع خطوة مهمة نحو التكامل في الموارد والطاقات العربية، وهو ما يعد بتغيير المعادلات والأوزان في صراعات المنطقة، وسيساعد على حدوث هذه المعادلات وجود استراتيجيات سياسية، واقتصادية، وأمنية طويلة، وبالتالي لن تصبح العلاقة بين هذه الدول في إطار التبادل تجاري والاستثمارات فقط، بل ستكون هناك علاقات استراتيجية قوية، قادرة على مواجهة تحديات المنطقة، وأخطار تمدد القوى الإقليمية الأخرى غير العربية، التي تستغل حالة الوهن والضعف في الإقليم العربي بهدف خلق واقع جديد في المنطقة.

بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الثلاث، وفقًا للبنك الدولي، 570 مليار دولار، ووصل حجم التبادل التجاري إلى ما يزيد على 650,1مليار دولار بين مصر والعراق، ويأتي العراقفي المركز الخامس والعشرين بين الدول المستثمرة فى مصر، وبلغحجم الاستثمارات العراقية فى مصر نحو 490 مليون دولار من خلال 3329 شركة صغيرة ومتوسطة. ووفقًا لما تمتلكه الدولتان من إمكانات، يُعد حجم الاستثمار الحالي بينهما ضئيلا، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين الأردن ومصر 3,858 مليون دولار، وتجاوزت استثمارات الأردن في مصر المليار دولار من خلال 1945 شركة تعمل فى قطاعات الصناعة والخدمات والتمويل، ويأتي الأردنفي المركز الثالث والعشرين بين الدول المستثمرة فى مصر، وبلغت الاستثمارات المصرية في الأردن ما يقرب من مليار دولار من خلال 500 شركة عاملة فيها، كما تشترك مصر والأردن فى اتفاقيتين للتجارة الحرة، وهما "أغادير والجافتا"، والتى يصل حجم تداولها إلى 185,1 مليار دولار سنويًا. وتتمثل الصادرات المصرية للأردن في الغاز، ومنتجات زراعية مصرية، كالأرز، والبطاطس، أما على مستوى واردات مصر من الأردن فتقتصر على المنتجات الزراعية، مثل زيت الزيتون.

وفي إطار مشروع "المشرق الجديد"، ستعمل الدول الثلاث على زيادة حجم التبادل التجارى، وهو ما سيسهم في زيادة الإنتاج، وزيادة حجم النمو الاقصادى، وتوفير المزيد من فرص العمل، ذلك أن العمل على إزالة كافة العقبات بين موانئ مصر والأردن يُسهل نقل المنتجات المصرية إلى الأردن ومنها إلى العراق، والعكس صحيح. كما أن العمل على تطوير شركة "الجسر العربي"، المملوكة للدول الثلاث، سيقود إلى فتح أسواق جديدة، وتقديم خدمات، وزيادة التعاون في مجالات البترول والغاز، بما في ذلك إنشاء شركات مشتركة للصناعات الكيماوية، وهو ما يؤدي إلى تعظيم مصادر الدخل وزيادة موارد هذه الدول، فهذه الشركة تُعد بوابة تجارية للربط بين الدول العربية في إفريقيا، والدول العربية في آسيا، وهو ما يعمل على تعزيز التجارة والتكامل بين هذه الدول.

وبالنسبة إلى تطبيق البروتوكول الموقع لتسيير خط نقل بري بين الدول الثلاث، يبدأ من القاهرة، مرورًا بعمان، وصولًا إلى بغداد والعكس مقابل تذكرة للراكب يبلغ سعرها 130 دولارا، سيسهم في سهولة انتقال الطلاب من أجل التبادل العلمي، وانتقال العمالة بين البلاد، وبالتالي انتقال الخبرات وتبادلها، وتحديدًا فيما يتعلق بإعادة إعمار العراق، التي ستحتاج إلى الخبرات المصرية في مجالات مختلفة مثل البناء والتشييد والبنية التحتية، والمشروعات التي تتعلق بالتنمية الزراعية والأمن الغذائي، بالإضافة إلى مجالي الكهرباء، والطاقة،وهما أساسيان لتشجيع الاستثمارات والصناعات.

ومن المتوقع أن تجني دول "المشرق الجديد" مكاسب اقتصادية وسياسية جراء هذا التعاون، وفي حالة العراق، سيكون هناك تعاون اقتصادي كبير، وتنشأ مدن صناعية مشتركة، كما أن المنتجات العراقية ستجد لها أسواقًا في الأردن ومصر،وهو ما يحد من ارتفاع معدلات التضخم، والفقر، والبطالةالتي شهدت مؤخرًا ارتفاعًا كبيرًا، وهو ما انعكس على حياة المواطنين بشكل سلبي، كما أن هذا المشروع سيكون عاملًا مهمًا في استعادة العراق للدولة بمفهومها الحديث، وأن يعود العراق ليصبح فاعلًا في قضايا المنطقة ومستقبلها السياسي والاقتصادي، وبالنسبة للأردن، الذي يقع في منطقة وسطى بين مصر والعراق، وهو ما جعل من موقعه يمثل أهمية جيوسياسية، وبالتالي من الضروري في هذا المشروع الاستراتيجي أن يمر بالأردن، وهو ما يجعله مركزًا لوجيستيًا إقليميًا لتبادل النفط والكهرباء والبضائع.

أما المكاسب التي ستحصل عليها مصر، فتتمثل في مجموعة من المكاسب في إطار تطلعها إلى تفعيل أطر التعاون في مجالات التنمية وتطوير المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وهو ما يحقق التمكين الاقتصادي للمرأة والشباب. أما على المستوى التجاري؛ فالميزان التجاري من المؤشرات الاقتصادية المهمة، وهو أحد مدخلات الناتج المحلي للدول، والعلاقة بين مصر والأردن والعراق علاقة قوية متوازنة، فمصر ستقوم بتصدير الكهرباء إلى العراق بعد أن حققت فائضًا في إنتاجها بأكثر من 27 ألف جيجاوات نتيجة لمشروعات إنتاج الكهرباء خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى مجموعة من السلع الأخرى المتنوعة، وهو ما سيعود على الاقتصاد المصري بفائدة كبيرة، ومنها ارتفاع حصيلة النقد الأجنبي، كما يعزز المشروع بوجه عام مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، وهناك مكاسب سياسية، وأمنية ستحققها مصر أيضًا من خلال هذا المشروع في إطار محاربتها للإرهاب كإغلاق المنافذ التي يتتسلل منها العناصر الإرهابية إلى مصر والعمل على منعها من الدخول.

وبالرغم أنه من المتوقع وجود تحديات أساسية صادرة عن دول متنافسة إقليميًا أمام هذا المشروع، إلا أن ضرورة المشروع وما سينتج عنه من نتائج اقتصادية وسياسية يحتم على الدول الثلاث العمل على تحييد هذه العوائق المتوقعة من خلال استراتيجيه بعيدة المدى، ويمكن تحقيقها على أرض الواقع.

طباعة

    تعريف الكاتب

    سمر عادل

    سمر عادل

    باحثة في الاقتصاد السياسي