تحليلات - قضايا عالمية

وسائل التواصل الاجتماعي كفاعل مؤثر.. تساؤلات واجبة التفكيك (2)

طباعة

تحدثنا في التحليل السابق عن من يحكم العالم هل القادة والدول العظمى، أم وسائل التواصل الاجتماعي بشبكتها العنكبوتية، أم توجد قوى ثالثة لا نعلم عنها شيء هي من تدير مجلس إدارة الكوكب، ولم تكن تساؤلاتنا مفرغة من التاريخ والمنطقية، بل شواهد ومحطات نراها جميعا بشكل يومي في النشرات الإخبارية وصراع البورصة والشراهة الاستهلاكية، فالاقتصادات العالمية هي الهدف والمحرك الأساسي لحكام العالم، إلى ان يثبت العكس.

مشروع مراقبة الجماهير 1937:

كانت عشرينات القرن الماضي مليئة بصراع فلسفلى محموم بين مدراس علم النفس المختلفة وعلى رأسهم المدرسة السلوكية تحت شعار "إن البشر مصممون كي يُبرمجوا"، كان هدف تلك المدرسة السلوكية الى جانب أبحاث السوق، هو التحكم فى رغبات البشر وشراهتهم الاستهلاكية، وقياس مدى استجابتهم، حتى إنهم في ثلاثينيات نفس القرن مولت مؤسسة "روكفيلار" دراسات مسحية في البحث الاجتماعي عرفت باسم دراسات "ميديلياتون" وكشفت تلك الدراسات الطريقة التي يدير بها الناس شئونهم اليومية.

وأصبحت الظواهر السيكولوجية قابلة للقياس الكمي في تحدى واضح للتحيز السلوكي، فالقياس كان قائم على اجابات واضحة بدون شرح مثل نعم أو لا مثل ما يحدث حالياً على منصات التواصل الاجتماعي ما بين معجب وغير معجب like-dislike)) ومن هنا بدأت محاولات توجيه السلوك نحو المزيد من الشراهة والمزيد من التبعية والمزيد من البيانات والمعلومات حول رغبات البشرية وتنقيح لمحاولة التسويق الحديثة التي كان يأمل بها "جون برودس واطسون" و"جيرمى بنتام" و"إدوارد بيرنيز" وآخرون.

كانت هذه التجارب ليست هدف في حد ذاتها، ولكنها وسيلة للوصول للهدف الأسمى وهو التحكم والتوجيه، فنرى بعد ذلك العديد من محاولات تقويض السلوك وتوجيهه بتشريع قوانين مختلفة تطبق بغير حيادية فقط شرعت للتحكم، مثل العديد من قوانين حقوق الانسان والصحافة وخلافه، شرعت من أجل حماية تلك القياسات السلوكية ومن أجل التحكم في الاقليم المرغوب السيطرة عليه.

صراع الألفية:

وبالرغم من جميع الاحتياطات التي اتخذها النظام الإيراني في وقف المد الثوري على منصات التواصل الاجتماعي بإغلاقه لموقعي فيسبوك وتويتر عام 2018، فإن تطبيق "تليجرام" كان مستمرا في عمله متحديا حصار الملالي الإلكتروني في سبيل قمع الثورة الناشئة. وحسبما ذكرت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن هناك عدة عوامل تتعلق بإمكانيات تطبيق "تليجرام" أهلته ليكون راعيا رسميا للانتفاضة الإيرانية، وجعلته طريقة التواصل الأولى بين المتظاهرين؛ لكونه أقل وسائل التواصل الاجتماعي خضوعا لسيطرة الحكومات، وهو ما جعله منصة رئيسية للمحتجين الإيرانيين على فساد النظام الإيراني وسياساته التي أدت إلى إفقار الشعب، بحسب شعارات ثورة الفقراء في إيران.

واتهم مؤسس "تليجرام"، بافيل دوروف، السلطات الإيرانية بمنع وصول المحتجين والنشطاء إلى التطبيق الذي يستخدم على نطاق واسع لنقل وقائع المظاهرات الحاشدة في غالبية المدن الإيرانية للتنديد بنظام حكم ولاية الفقيه، وسياساته، ولكن بعد فترة وجيزة أفاد مسئولي تيلجرام حجبهم لبعض الرسائل التي تحض على العنف.

ونفس المؤسس "بافيل دوروف" PAVEL DUROVأعلن عن حجب مئات المنشورات تضمنت دعوات للعنف في الولايات المتحدة مطلع الشهر الجاري، وقال "دوروف" على حسابه الرسمي إن فريق مراقبي "تلجرام" بدأ في أوائل يناير بالحصول على مزيد من الرسائل حول النشاط الاجتماعي في الولايات المتحدة، وخلص الفريق إلى حجب مئات الحسابات والدعوات المروجة للعنف، فلماذا يمتعض لحجب التطبيق في إيران ويحجب هو بنفسه التطبيق فى أمريكا؟ لمصلحة من؟.

وبالأمس القريب في 2020 نقرأ خبر سريع أن مؤسس تليجرام كان على خلاف مع السلطات الروسية حول قضايا خصوصية المستخدم، حيث طالبته وكالة مراقبة الاتصالات "روسكومنادزور" بتسليم معلومات معينة، مع العلم أن مؤسس التليجرام روسي الجنسية ولكنه ينتمي لأهدافه، حتى ان وسائل الإعلام الروسية وصفت خطوة السلطات بأنها استسلام. فقد كان "دوروف" على خلاف مع السلطات الروسية حول قضايا خصوصية المستخدم، حيث طالبته "روسكومنادزور" بتسليم معلومات معينة لإدراجها في قائمة حكومية لموزعي المعلومات.

ونرى خلافات صينية حول جوجل وتقويض رغباته فى الاستحواذ على البيانات والعقول والغرائز،فالصين ترى أن جوجل تروج  للقيم والأفكار والثقافة الأمريكية"، علاوة على اتهام  الصين لشركة جوغل "بتسييس القضايا التجارية" ونرى الأزمة الأسترالية الجوجولية الحالية ونرى مقدار من الأزمات الا بأس بها حول فيسبوك وتوتير بخصوص سرية البيانات وتداولها تجارياً ولكن لم يكن أكثر المنجمين تفاؤلاً  ينجم أن تبدأ تلك الجمهوريات الإلكترونية  فى تضيق الخناق على رؤساء دول، بل وتزداد الطين بلة فى تقويض حسابات دونالد ترامب رئيس مجلس إدارة الكوكب نفسه.

ولكن غير مسموح لحكومة ما أن تغلق حسابات أو تمنع الإنترنت عن مواطنيها طالما رؤساء جمهوريات تلك المنصات غير موافقين فنرى الآن أزمة انقلاب ميانمار تتصدر لها جمهورية تويتر بكل فجاجة وقال متحدث باسم منصة التراسل العملاقة إن هذه الخطوة "تقوض النقاش العام وحق الناس في إسماع أصواتهم"، بحسب ما نقلت "فرانس برس". وأضاف: "سنواصل الدعوة إلى إنهاء عمليات الحظر المدمرة التي تقودها الحكومة".

ومؤخراً، نرى أن "جوجل" ووقّعت اتفاق إطار مع الاتحاد الصحفي الفرنسي لدفع مبالغ مالية للصحف الفرنسية مقابل استخدام محتوياتها، عملاً بالقانون الأوروبي حول ما اصطُلح على تسميته "الحقوق المجاورة".  فالصراع انتقل من صراع "دولة –دولة "أو "شركة – شركة " الى صراع "دولة – شركات" فى قطبية لم يشهدا الكوكب من قبل فى تحدى مريب.

فلصالح من تتحدى تلك المنصات، هل لحكومة ما، أم لصالح الشعب، ولصالح من تتحدى شعب؟ ولصالح من تتحدي رئيس منتخب أمام رئيس محتمل؟، تساؤلات تفتح لنا مجالات للتخيل والبحث فلم تكن الخطة وليدة الصدفة، بل مخطط لها منذ عقود وأكثر، صراع للسيطرة على مصادر المعلومات والبيانات والعقول والغرائز صراع للسيطرة على إدارة أهم كوكب فى المجموعة الشمسية كلها حتى سباق الفضاء الذى ملأ صداه الأذان كان لصالح السيطرة على المعلومات والبيانات وإعادة توزيعها سواء بالبيع أو المساومة.

هل الصراع معرفي فقط أم يحمل في طياته استعراضا للقوة والسيطرة؟ وهل تستحق المعرفة كل هذا الصراع، كما حدثنا "آلفين توفلر" وتحديدا حديثة حول "المعرفة المُسلعة" وهي التي تضخمت فيها المعرفة وتطورت وسائل نقل المعرفة وتخزينها والحصول عليها، والأهم أنها دخلت كسلعة رئيسية في بناء اقتصاديات الدول وترسيخ مكانتها ونفوذها، مما يجعلنا نتوقع ازدهار أكبر للمعرفة قد يخرج عن السيطرة كما أن أخلاقيات المعرفة مهددة بالضعف والانهيار ومن الراجح أن يؤدى ذلك الى تسطح متزايد فى المعرفة وانخفاض جودة المعرفة وفاعليتها جراء التنافس عليها كسلعة رائجة."

فلصالح من كل هذا؟

.

طباعة

    تعريف الكاتب

    نور الشيخ

    نور الشيخ

    خبير في بحوث السياسات والمفاهيم الأمنية