تحليلات - مصر

رئاسة مصر للإتحاد الإفريقي.. إستعادة الدور والمكانة في 2019

طباعة
يأتي ترؤس مصر للاتحاد الإفريقي بدورتة الحالية 2019 كإنجاز جديد للرئيس عبدالفتاح السيسي وللدبلوماسية المصرية، وتتويج للجهود السابقة نحو إرساء عدد من المبادرات لدعم التعاون المصري - الإفريقي وتعزيزه على المستوى الثنائي، وذلك فى إطار إعادة إنتاج العلاقات المصرية - الإفريقية، خاصة مع دول حوض النيل، والذى تمت ترجمته فى الجولة الخارجية بـ "الولاية الأولى للرئيس" لشرق ووسط وغرب إفريقيا، ليُعمق التحدي بالولاية الثانية نحو استعادة الدور والمكانة المصرية بإفريقيا، وفرص نجاح الرهان على تحدى ملئ بالمساحات الأمنية والسياسية والاقتصادية برئاسة مصر للاتحاد الإفريقي 2019.
تحركات مصرية:  
اتسمت الأجندة السياسية للرئيس عبدالفتاح السيسى بأولوية التحرك نحو إعادة التموضع المصرى بالقارة الإفريقية، وذلك لتمهيد الطريق نحو استكمال متطلبات استعادة "الدور والمكانة"، وهو ما تمت ترجمته فى عدد من التحركات المصرية، تمثلت فى:  
- تحركات سياسية : ارتكزت بدورها على الأبعاد الدبلوماسية، والتى استهدفت تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر والدول الإفريقية كافة، خاصة دول حوض النيل ومنطقة القرن الإفريقي وهو ما انعكس على خريطة الزيارات الرسمية وغير الرسمية لدول القارة، فضلا عن المشاركات الحاسمة فى مختلف فاعليات المنظمات الإقليمية الإفريقية، والدفع بتفعيل عملية المراجعة الذاتية الطوعية للـ "الحوكمة الجيدة"، والتي تشرف عليها آلية التقييم الذاتي التابعة للاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى استضافة العديد من الفعاليات الإفريقية، مثل "خلوة مجلس السلم والأمن الإفريقي" بالقاهرة، وخروج نتائجها على النحو الذي يعكس أهمية تفعيل بنية السلم والأمن الإفريقية، وتعزيز الدبلوماسية الوقائية، ونظم الإنذار المبكر.
 وكذلك استضافة مصر لمقر مركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات AUC-PCRD، وعقد ورشة عمل تحت عنوان "تفعيل سياسة الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات في منطقة الساحل: تحديد الخطوات المستقبلية"، وربط هذه الأنشطة بعملية المراجعة الشاملة لهيكل الأمم المتحدة لبناء السلام المقررة في ٢٠٢٠.
- تحركات اقتصادية:  حيث استهدفت بدورها التعاون البيني المشترك بالمجالات التجارية والاقتصادية، وقد انعكس ذلك بوضوح على نشاط المكاتب التجارية المصرية فى تعزيز فرص التبادل التجارى مع الدول الإفريقية، وتشجيع رجال الأعمال والقطاع الخاص على الاستفادة من الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة فى إفريقيا، بالإضافة إلى توقيع الاتفاقية المنشئة لـ "منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية" في القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي في مارس 2018، وإقامة منتدى الاستثمار في إفريقيا فى ديسمبر 2018.
أيضا، شاركت مصر بفاعلية فى قمة الإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد الإفريقي في نوفمبر 2018، وقمة الكوميسا العشرين فى يوليو 2018 في لوساكا، وقمة منتدى التعاون الصين – إفريقيا فى سبتمبر 2018 في بكين، والاجتماع الوزارى لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا "التيكاد" فى أكتوبر 2018، واستضافة كل من المؤتمر السابع لوزراء التجارة الأفارقة بالقاهرة، والمعرض الأول للتجارة البينية الإفريقية فى ديسمبر 2018.
- تحركات تنموية: وذلك بإطلاق عدد من برامج التعاون على المستويين الثنائي والإقليمي في مجالات الصحة، والتجارة، والاستثمار، والطيران، والثقافة، فضلا عن دعم عدد من المبادرات المصرية ذات الانعكاسات التنموية، والتى يأتى فى مقدمتها "المبادرة المصرية - الإفريقية للطاقة المتجددة، والمبادرة المصرية - الإفريقية للتكيف مع المناخ"، بالإضافة إلى المشاركة المصرية بإنشاء السد التنزاني "ستيجلر جورج" لتعزيز أجندات التنمية بدول حوض نهر النيل، وذلك فى إطار المساعي المصرية لاستعادة "الدور والمكانة" في إفريقيا. 
لم تتوقف التحركات التنموية عند السعى نحو إعادة هيكلة البنية التحتية الإفريقية فحسب، بل اتجهت القاهرة لتفعيل أدوات"القوة الناعمة"، والارتكاز على المحور الثقافى فى تقليل الفجوات بين مساحات الهوية الإفريقية، وذلك بإقامة معسكرات تثقيفية للقيادات الشبابية المصرية والإفريقية تستهدف الوصول إلى تصورات توافقية حول كيفية تفعيل الأهداف المشتركة بين أجندة إفريقيا 2063 ورؤية مصر 2030 .
- تحركات أمنية: انعكس ذلك على التنسيقات القارية المشتركة فى مجال مكافحة الإرهاب، وما انتهت إليه مصر من إنشاء المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لدول الساحل والصحراء. 
كذلك، تم دعم مصفوفة الارتباط الأمنى "أفرابيا" بين القرن الإفريقي، وشرق إفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، انطلاقا من القاهرة لموازنة المعادلة الأمنية بالبحر الأحمر، وهو ما تمت ترجمته بالرؤية الأمنية المصرية، والمتمثلة فى الاستثمار فى الهياكل التنموية للدول المتشاطئة عليه. ففي مصر، تم ازدواج المجرى الملاحي لقناة السويس، وإطلاق مشروع محور قناة السويس. وفي السعودية، الإعلان عن مشروع "نيوم"، بالإضافة لخطة الاستثمار المستقبلى فى الموانئ اليمينة عقب استقرار الدولة. 
- تحركات اجتماعية وثقافية:  وذلك بتنظيم عدد من القوافل الطبية للدول الإفريقية، فضلا عن دعم القدرات البشرية من خلال مضاعفة الدورات والبرامج التدريبية، وكذا المنح الدراسية التي تمنح للطلبة الأفارقة للدراسة في الجامعات المصرية، وإعداد سلسلة فعاليات ثقافية إفريقية عبر أجندة شهرية تؤصل وترسخ الهوية الإفريقية لمصر، من خلال استضافة مهرجانات للسينما الإفريقية، وإضفاء الطابع الإفريقي على الفعاليات الثقافية التي تنظمها مصر. 
فى هذا السياق، تم التوجيه للإعداد لاستضافة مصر لملتقى الشباب العربي - الإفريقي بمدينة أسوان خلال عام 2019، بالتوازى مع استكمال المساعى المصرية لاستضافة "معمل الأمم المتحدة الأفريقى لرعاية الإبداع التكنولوجي"، لتعزيز قدرات الباحثين والعاملين بالمجالات التكنولوجية من مختلف أنحاء القارة الإفريقية على صياغة حلول تكنولوجية مبتكرة تسهم فى مواجهة التحديات العالمية، وتنفيذاً لأهداف الأمم المتحدة التنموية 2030 والأجندة الإفريقية للتنمية 2063، وهو ما تمت ترجمته بإعلان وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن مبادرة "إفريقيا لإبداع الألعاب والتطبيقات الرقمية" لتأهيل وتنمية قدرات 10 آلاف شاب مصري وإفريقي، وتحفيز تأسيس 100 شركة مصرية وإفريقية ناشئة في هذا المجال.
تحديات الرهان:  
الحديث عن الرهان المصرى حول إستعادة "الدور والمكانة"، إنطلاقا من رئاستها للاتحاد الإفريقي فى دورته 2019، يتشابك معه العديد من التحديات، والتى قد تُعرقل تنفيذ "الرؤية المصرية" نحو مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والتنموية، حيث يتمثل أهمها فى: 
- تحدى التقاطع مع تفاعلات القوى الدولية ومصالحها:  لعل ذلك ما اتضح فى التقاطع المصرى مع التصورات الدولية لطبيعة إدارة الملفات الإفريقية. فعلى سبيل المثال، التقاطع مع التصور الفرنسي في مواجهة التهديدات الأمنية في الساحل والصحراء، حيث ظهر التحالف بين بعض دول الساحل والصحراء، مثل مالي، والنيجر، وموريتانيا، وبوركينا فاسو، وتشاد كبديل عن منظومة الدفاع المشترك التي تبنتها مصر في اجتماع شرم الشيخ لوزراء الدفاع الأفارقة في مارس من عام 2016.
- تحدى غياب دول الشمال الإفريقي: حيث تصدر المشهد الإفريقي زعماء جدد من دول الجنوب والشرق الإفريقي، مقابل دول الشمال (مصر، وليبيا، وتونس)، وعلى رأسهم الرئيس الرواندى بول كاجامى الذى أُسند له في 25 يوليو 2016 ملف إصلاح مفوضية الاتحاد الإفريقي وتحقيق الاستقلالية المالية، ورئيس الوزراء الإثيوبى، آبى أحمد، الذي ركز على إعادة إنتاج العلاقات مع الدول الإفريقية. وما سجلة من نقلة نوعية بملف "النزاعات الإفريقية" عقب إنهاء النزاع مع إريتريا، فضلا عن إحداث التقارب مع كل من الصومال وجيبوتي والسودان. وتوقيع اتفاقية تعاون شاملة بين قادة إثيوبيا، والصومال، وإريتريا في سبتمبر 2018. وهو ما يدفع نحو إعادة النظر فى موازين القوة واحتكار التأثير في القرار الإفريقي من بين الأقاليم الإفريقية المختلفة، ومن ثم فقد أصبح يتعين على مصر أن تفرض مكانتها الخاصة للقيام بدور مؤثر في العديد من القضايا الإفريقية.
- تحدى الطموحات الإفريقية: حيث تنامى فى الفترة الماضية طموحات مختلفة لبعض الدول الإفريقية نحو السعى لإقامة "تحالفات إقليمية"، مثل: الطموح الإثيوبي في خلق تفاعل إقليمي مع إريتريا، والصومال، وجيبوتي من ناحية، ومع شرق إفريقيا في حوض النيل من ناحية أخرى، وهو ما يُعد بدورة تحديا آخر أمام مصر يستوجب رؤى جادّة للتعامل مع هذا التوجه الجديد بالمشهد الإفريقي.
- تحدٍ مادى: تمثل ذلك فى واقع الموازنة العامة المصرية وما تعكسه من محدودية للقدرات التمويلية لمعظم الحقائب الوزارية في مصر لتنفيذ المشاريع الإنمائية أو تقديم الهبات، وهو ما ظهر بشكل واضح فى عدم نجاح "لجنة إفريقيا" التى شكلها رئيس الوزراء الأسبق، إبراهيم محلب، في أبريل 2015.
مسارات مستقبلية :  
انطلاقاً من النقلة النوعية التى حظيت بها مصر فى الفترة الأخيرة على مستوى الدوائر الإفريقية، وما انتهت إليه بفوزها برئاسة الاتحاد الإفريقي لعام 2019، كثانى دولة فى إقليم الشمال الإفريقي بعد الجمهورية الليبية، التى تولت رئاسة الاتحاد عام 2009، مما يدفع بالعديد من السياسات والاستراتيجيات التنسيقية والتوافقية من الجانب المصرى، تستهدف بدورها الملفات السياسية الأمنية والاقتصادية، التنموية والاجتماعية والثقافية، وهو ما يستوجب التحرك وفقا لثلاثة مسارات، تتمثل فى التالى:  
- المسار السياسى الأمنى: فبالإضافة إلى إنجاح بناء شبكة سياسية من الحلفاء الأفارقة لدعم الأجندة المصرية بالاتحاد الإفريقي وما تفرضه تحديات أجندة الاتحاد 2036، والدفع بجهود بناء السلام فى مرحلة ما بعد النزاعات، وهو ما تمثل فيما تقدمت به مصر من مبادرة لإنشاء "مركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية" فى مرحلة ما بعد النزاعات، وتعزيز الجهد المشترك بين الأمن السيبرانى ودعم استقرار الأمن والسلم فى إفريقيا، فضلا عن إنجاز تحدى استقلالية التمويل الذاتى للاتحاد الإفريقي، فعلي القاهرة السعى نحو تفعيل المبادرات المرتبطة بتطوير واستقلالية القدرات العسكرية للاتحاد الإفريقي، بالإضافة لتطوير مجالات عمل الاتحاد لتسمح بالتدخل الفعال في الصراعات الإفريقية المسلحة التى تُشكل تهديدا لهيكل "الدولة الوطنية الإفريقية"، كالتدريبات العسكرية المشتركة التى توليها مصر أهمية كبرى فى إطار المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب لدول الساحل والصحراء، وكذلك بحث سُبل تفعيل لواء "شمال القارة" العسكري، بالإضافة لتطوير الألوية العسكرية الثلاثة الأخرى بالقارة، والتي تعاني من مشكلات هيكلية تتعلق بنظام العمل وآلياته، بالإضافة للمشكلات المتعلقة بالقدرات العسكرية والتسليحية، وكذلك الاهتمام بدعم المبادرات لتأسيس نظم للـ "الأمن الجماعى" فى القرن الإفريقى، مثل مبادرة الرمح الذهبى، ومبادرة عموم الساحل فى الشمال الإفريقي. 
- المسار الاقتصادى التنموي:  انطلاقاً من أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 حول ربط دول إفريقيا من خلال بنية تحتية ذات مستوى عالمي، يأتى تحدى الأجندة المصرية لإنجاز التنسيق المؤسسى الإفريقي لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية في قطاعات النقل والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى الإسراع فى إنشاء "منطقة التجارة الحرة القارية"، وصولا لمضاعفة التجارة الإفريقية البينية بحلول عام 2022، حيث تمتلك القاهرة "فرصة" العمل خلال فترة رئاستها للاتحاد على ربط مشروعات البنية التحتية المصرية، خاصة تلك التى في غرب البلاد بخريطة البنية التحتية الإفريقية في مجال الطرق، بما يسمح بالاندماج القاري، ويدعم التبادل التجاري، بالإضافة إلى التنسيق نحو إعادة إحياء طريق "دارو- تمبكتو".  
- المسار الاجتماعى الثقافى:  وذلك بتفعيل مصر لأدواتها من "القوة الناعمة"، من خلال اتخاذ "الهوية الإفريقية" مدخلاً اجتماعياً وثقافياً، انطلاقا من دعم الشباب كمحرك للـ "النهضة الإفريقية"، واتساقاً مع مبادئ  أجندة الاتحاد 2063 والرؤية المصرية 2030، وهو ما تم اختباره من خلال منتدى شباب العالم 2018، وكذلك تحركات المؤسسات الحكومية، والتى كان آخرها "مدرسة إفريقيا الصيفية 2063" التى تبنتها وزارة الشباب والرياضة فى إطار برنامج "الوعى الإفريقي". 
فى الأخير، وفى ظل اختلاف خريطة التوازنات الإقليمية بالقارة وعمق تأثيرها فى المشهد الإفريقي، نجد أنه لا توجد دولة تتمتع بالسيطرة على إفريقيا أو تملك وحدها الانفراد بالقرار الإفريقي، نظرا لتعدد القوى الدولية المانحة بالداخل، وتباين أجنداتها بالإقليم، ومن ثم، يتحتم على مصر فى أثناء رئاستها للاتحاد الإفريقى بدورته الحالية، ولإنجاز أجندتها الخاصة، التركيز على سياسات التعاون والتوافق، من أجل  التوصل إلى حلول أولية لتحقيق الاستقلال المالى والتمويل الذاتى للاتحاد، وما يعكسi ذلك على وحدة القرارات الجماعية نحو مختلف القضايا المثارة داخل الاتحاد الإفريقي، إتساقا مع مبادئ أجندة الاتحاد 2063، وبدون تعزيز أو تغليب مصالح ورؤى فاعل إقليمى عن غيره.
 
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. إيمان زهران

    د. إيمان زهران

    متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي