من المجلة - تقارير

بين الجيولوجيا والسياسة:| رؤية فنية لسد الألفية الإثيوبي

طباعة

أعلنت إثيوبيا في فبراير 2011 عن مشروع بناء سد علي النيل الأزرق، يحمل اسم مشروع سد النهضة أو الألفية، لتوليد الطاقة الكهرومائية (بقدرة 5.250 ميجاوات) علي النيل الأزرق بمنطقة بني شنقول جوموز علي بعد نحو 20-40 كيلومترا من حدود إثيوبيا مع السودان، بتكلفة تبلغ نحو 4.8 مليار دولار.

وقد أثارت الخطوة الإثيوبية جدلا واسعا، وتباينت المعلومات المتاحة بشأن السد. فالحقائق العلمية من خلال الدراسات الأمريكية التي أجريت عام 1964 وما تلاها من أبحاث تؤكد أن سعة الخزان تتراوح بين 11.1 و24.3 مليارم3 . إلا أن تصريحات المسئولين الإثيوبيين الأخيرة ذكرت أرقاما أخري حول سعة الخزان، وصلت إلي 62 ثم 67 مليارم3، بيد أنه لا يوجد علميا ما يؤكد تلك البيانات. وكانت الدراسات حول سد النهضة (الألفية) قد بدأت منذ عام 1946 بواسطة مكتب الاستصلاح الأمريكي، في دراسة موسعة حددت 26 موقعا لإنشاء السدود(1)، أهمها أربعة سدود علي النيل الأزرق الرئيسي. وحمل سد الألفية في تلك الدراسة اسم سد بوردر (Border).

وبعد أن أعلنت الحكومة الإثيوبية تدشين المشروع، وإسناده إلي شركة ساليني(Salini)  الإيطالية بالأمر المباشر، وأطلقت عليه مشروع إكس (Project X)، قامت بالفعل بوضع حجر الأساس للمشروع في الثاني من أبريل 2011، وقررت تغيير الاسم إلي سد الألفية الكبير  (Grand Millennium Dam).ثم تغير الاسم للمرة الثالثة في الشهر نفسه ليصبح سد النهضة الإثيوبي الكبير.

الموقع الجغرافي للسد :

معروف أن نهر النيل ينبع من مصدرين رئيسيين هما:

(1) الهضبة الإثيوبية، التي تشارك بنحو 71 مليارم3 عند أسوان (85% من إيراد نهر النيل)، من خلال ثلاثة أنهار رئيسية: النيل الأزرق (أباي) 50 مليارم3، ونهر السوباط (بارو- أكوبو) 11 مليارم3، ونهر عطبرة (تيكيزي) 11م3(2).

(2) هضبة البحيرات الاستوائية التي تشارك بنحو 13 مليارم3 (15% من إيراد نهر النيل) تشمل بحيرات فيكتوريا، وكيوجا، وإدوارد، وجورج، وألبرت.

ويقع سد النهضة (الألفية) في نهاية النيل الأزرق في منطقة بني شنقول جوموز وعلي بعد نحو 20-40كم من الحدود السودانية، خط عرض 11 درجة 6 شمالا، طول 35 درجة 9 شرقا، علي ارتفاع نحو 500-600 متر فوق سطح البحر. ويصل متوسط الأمطار في منطقة السد إلي نحو 800 مم/سنة(3).

الموقع جيولوجيا :

يقع السد في منطقة تغلب عليها الصخور المتحولة لحقبة ماقبل الكمبري، والتي تشبه في تكوينها جبال البحر الأحمر الغنية ببعض المعادن والعناصر المهمة، مثل الذهب والبلاتين والحديد والنحاس، بالإضافة إلي محاجر الرخام.

وهناك عوامل جيولوجية وجغرافية كثيرة تتسبب في فشل كثير من المشروعات المائية في دول منابع نهر النيل بصفة عامة وإثيوبيا بصفة خاصة، من بينها:

1- صعوبة التضاريس، حيث الجبال المرتفعة والأودية الضيقة والعميقة، وما يتبعها من صعوبة نقل المياة من مكان إلي آخر في حالة تخزينها.

2- انتشار الصخور البركانية البازلتية، خاصة في إثيوبيا، وهي صخور سهلة التعرية بواسطة الأمطار الغزيرة، وأيضا ضعيفة هندسيا لتحمل إقامة سدود عملاقة.

3- تأثير الصخور البازلتية أيضا في نوعية المياه، خاصة في البحيرات، حيث تزيد من ملوحتها كما هو الحال في البحيرات الإثيوبية التي تقع في منطقة الأخدود في كل من إثيوبيا وكينيا وتنزانيا، والتي تشكل عائقا أيضا في تكوين مياه جوفية.

4- التوزيع غير المتجانس للأمطار، سواء الزمني أو المكاني.

5- زيادة معدلات البخر، التي يصل متوسطها إلي 80% من مياه الأمطار، كما هو الحال في معظم القارة الإفريقية.

6- زيادة التعرية وانجراف التربة، نتيجة انتشار الصخور الضعيفة، والانحدارات الشديدة لسطح الأرض، وغزارة الأمطار في موسم مطر قصير، بالاضافة إلي زيادة معدل إزالة الغابات مع زيادة عدد السكان.

7- يحد حوض النيل في دول المنابع مرتفعات كبيرة تمنع إمكانية نقل مياه النيل إلي الأماكن التي تعاني نقص المياه، خاصة في موسم الجفاف، ويتضح هذا جليا في كل من إثيوبيا وكينيا وتنزانيا.

8- عدم ملاءمة الزراعة المروية لدول الحوض، نظرا لصعوبة التضاريس، وعدم إمكانية نقل المياه سطحيا.

9- وجود الأخدود الإفريقي في جميع دول المنابع، وما يسببه من تشققات وفوالق ضخمة، ونشاط بركاني وزلزالي قد يؤثر في المشروعات المائية خاصة في إثيوبيا.

10- التغيرات المناخية التي قد تسبب جفافا في بعض الأماكن، وأمطارا في أماكن أخري.

الخصائص الفنية لسد الألفية :

الدراسات الحديثة المتعلقة بالسد غير معلنة، وذكرت الحكومة الإثيوبية أنها لن تكشف عن تلك الدراسات إلا بعد توقيع مصر الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل. لكن المعلومات العلمية المتاحة هي من خلال الدراسة الأمريكية التي أوضحت أن ارتفاع السد نحو 84.5م، وسعة تخزينية 11.1 مليارم3، عند مستوي 575م للبحيرة. وقد يزداد ارتفاع السد ليصل إلي 90 مترا بسعة 13.3 مليارم3، عند مستوي 580م للبحيرة. وفي سيناريوهات أخري، تصل سعة التخزين إلي 16.5 مليارم3 عند مستوي 590م للبحيرة، أو 24.3 مليارم3 عند مستوي 600م للبحيرة(4). وطبقا لتصريحات وزير الري الإثيوبي، فإن ارتفاع السد سوف يصل إلي 145 مترا بسعة تخزينية 62 مليارم3، ازدادت إلي 67 مليارم3 في تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي(5)، التي لا توجد أي دراسة علمية منشورة تؤكد تلك التصريحات حتي الآن.

من خلال دراسة نماذج خرائط الارتفاعات، يمكن استنتاج أن طول البحيرة سيصل إلي 100كم بمتوسط عرض 10كم(6)، أي أنها سوف تغرق نحو نصف مليون فدان من الأراضي القابلة للري والتي يصل إجماليها إلي مليوني فدان في حوض النيل الأزرق.

وحدات إنتاج الكهرباء: يحتوي تصميم السد علي 15 وحدة كهربائية، قدرة كل منها 350 ميجاوات، عبارة عن 10 توربينات علي الجانب الأيسر من قناة التصريف، وخمسة توربينات أخري علي الجانب الأيمن، بإجمالي 5225 ميجاوات، مما يجعل سد النهضة في المرتبة الأولي إفريقيا والعاشرة عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء.

التكلفة والتمويل :

تبلغ تكلفة السد نحو 4.8 مليار دولار أمريكي، والتي من المتوقع أن تصل في نهاية المشروع إلي نحو 8 مليارات دولار أمريكي للتغلب علي المشاكل الجيولوجية التي سوف تواجه المشروع، كما هو معتاد في جميع المشروعات الإثيوبية السابقة. وقد أسند هذا السد بالأمر المباشر إلي شركة سالني الإيطالية(7). ويرفض البنك الدولي في السنوات الأخيرة تمويل مشروعات السدود المائية بصفة عامة، نظرا لعدم اقصاديتها في الوقت الحالي، بالإضافة إلي المشكلات السياسية التي تنبثق من جراء هذه المشروعات. كم أنه اتهم الخطة الإثيوبية للتوسع في توليد الطاقة بأنها غير واقعية، واتجهت اهتماماته في قطاع الطاقة إلي التوسيع في نطاق شبكات التوزيع وإصلاح القطاعات الجارية(8). وذكرت الحكومة الإثيوبية أنها تعتزم تمويل المشروع بالكامل، بعد اتهامها مصر بأنها تحرض الدول المانحة علي عدم المشاركة، وبعد أن شحنت الشعب الإثيوبي بأنه مشروع الألفية العظيم، الذي يعد أكبر مشروع مائي يمكن تشييده في إثيوبيا. ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الإثيوبية تعجز منذ عام 2006 عن تكملة سد جيبي3 علي نهر أومو المتجه نحو بحيرة توركانا (كينيا) بسبب عدم توافر المبلغ المطلوب، الذي يصل إلي نحو ملياري دولار أمريكي. والآن، تضع الحكومة الإثيوبية نفسها في مأزق أكبر بإنشاء سد النهضة ليصبح المطلوب توفيره نحو 7 مليارات دولار أمريكي للسدين.

وتبلغ تكلفة التوربينات والمعدات الكهربائية نحو 1.8 مليار دولار أمريكي، يتم تمويلها من قبل البنوك الصينية. وسيتم تمويل بقية التكلفة (3 مليارات دولار) بواسطة الحكومة الإثيوبية(9). وكما هو معلن، فإن الفترة الزمنية المقررة للمشروع هي أربع سنوات. إلا أن هناك مصادر أخري حددت 44 شهرا للانتهاء من إتمام أول مولدين للكهرباء(10). ومن المتوقع أن يستغرق ثلاث سنوات إضافية للانتهاء من بناء السد.

فوائد سد الألفية :

1- الفائدة الكبري لإثيوبيا من سد النهضة هو إنتاج الطاقة الكهرومائية (5250 ميجاوات) التي تعادل ما يقرب من ثلاثة أضعاف الطاقة المستخدمة حاليا.

2- التحكم في الفيضانات التي تصيب السودان، خاصة عند سد الروصيرص.

3- توفير مياه قد يستخدم جزء منها في أغراض الزراعة المروية.

4-  تخزين طمي النيل الأزرق الذي يقدر بنحو 420 مليارم3 سنويا، مما يطيل عمر السدود السوداني والسد العالي.

5- قلة البخر، نتيجة وجود بحيرة السد علي ارتفاع نحو 570 إلي 650 مترا فوق سطح البحر، إذا ما قورن بالبخر في بحيرة السد العالي (160-176م فوق سطح البحر).

6- تخفيف حمل وزن المياه المخزنة عند بحيرة السد العالي، والتي تسبب بعض الزلازل الضعيفة.

أضرار السد :

1- التكلفة العالية التي تقدر ب- 4.8 مليار دولار، والتي من المتوقع أن تصل إلي 8 مليارات دولار.

2- إغراق نحو نصف مليون فدان من الأراضي الزراعية القابلة للري والنادرة في حوض النيل الأزرق في بحيرة السد، وعدم وجود مناطق أخري قريبة قابلة للري.

3- إغراق بعض مناطق التعدين، مثل الذهب والبلاتين والحديد والنحاس، وبعض مناطق المحاجر.

4- تهجير نحو 30 ألف مواطن من منطقة البحيرة.

5- قصر عمر السد، الذي يتراوح بين 25 و 50 عاما، نتيجة الإطماء الشديد (420 ألف متر مكعب سنويا)، وما يتبعه من مشاكل كبيرة لتوربينات توليد الكهرباء، وتناقص في كفاءة السد تدريجيا.

6- زيادة فرص تعرض السد للانهيار، نتيجة العوامل الجيولوجية، وسرعة اندفاع مياه النيل الأزرق، والتي تصل في بعض فترات العام (شهر سبتمبر) إلي ما يزيد علي نصف مليار متر مكعب يوميا، ومن ارتفاع يزيد علي 2000م نحو مستوي 600م عند السد. وإذا حدث ذلك، فإن الضرر الأكبر سوف يلحق بالقري والمدن السودانية، خاصة الخرطوم، التي قد تجرفها المياه بطريقة تشبه السونامي الياباني 2011.

7- زيادة فرصة حدوث زلازل بالمنطقة التي يتكون فيها الخزان، نظرا لوزن المياه التي لم تكن موجودة في المنطقة من قبل في بيئة صخرية متشققة من قبل.

8- التوتر السياسي بين مصر وإثيوبيا بسبب هذا المشروع.

9- فقد مصر والسودان لكمية المياه التي تعادل سعة التخزين الميت لسد النهضة، والتي تتراوح بين 5 و 25 مليارم3 حسب حجم الخران، ولمرة واحدة فقط وفي السنة الأولي لافتتاح السد، نظرا لأن متوسط إيراد النيل الأزرق نحو 50 مليارم3 سنويا.

ونظرا للتحديات الجيولوجية والجغرافية السابقة في دول منابع النيل، فإن أكثر ما يناسبها نمط الزراعة المطرية، ولذلك يجب أن يزداد التعاون بين دول الحوض من أجل تقدم هذه الزراعة والاستفادة القصوي من مياه الأمطار. كما أن المشروعات المائية الكبري لا تناسب دول المنابع، نظرا لتكلفتها العلية للتغلب علي الظروف الجيولوجية، وزيادة نسبة تعرضها للانهيار، نتيجة الفيضانات والتشققات الصخرية والزلازل، وعدم إمكانية نقل المياه وتوزيعها في حالة تخزينها. والحل الأمثل هو التوسع في إقامة سدود صغيرة متعددة الأغراض (كهرباء ومياه شرب وزراعة بسيطة) لكي تخدم أكبر عدد من المدن أو القري التي يستحيل نقل المياه إليها من أماكن أخري.

بالتالي، فإن سد النهضة (الألفية) الإثيوبي المزمع إنشاؤه علي النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية، والذي يقال إنه سوف يخزن 67 مليار متر مكعب، ليس في صالح إثيوبيا للأسباب سابقة الذكر، وأن الهدف من ورائه هو سياسي بالدرجة الأولي، ليجمع رئيس الوزراء الإثيوبي الشعب من حوله، والفوز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية، وشغلهم عن ثورات الإصلاح التي بدأت في الانتشار في بعض الدول الإفريقية والعربية، وعلي رأسها ثورة 25 يناير 2011 المصرية.

الهوامش :
 

1- Waterbury، J.، 2002، The Nile Basin National Determinants of Collective Action، University Press، London، 211p. ) Awulachew، S.B.، McCartney، M.،  Ibrahim، Y.،  and Shiferaw، Y.S.،  2008، Evaluation of water availability and allocation in the Blue Nile Basin، CGIAR Challenge Program on Water and Food 2nd International Forum on Water and Food، Ethiopia، pp. 6-10.

2- د. عباس محمد شراقي، 2010، المشروعات المائية في إثيوبيا وآثارها علي مستقبل مياه النيل، "مؤتمر آفاق التعاون والتكامل بين دول حوض النيل .. الفرص والتحديات"، 25-26 يونيو، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، ص ص151-291.

3- World Bank Agriculture And Rural Development Department، 2006، Ethiopia Managing Water Resources Growth، A World Bank Water Resources Assistance\Strategy for Ethiopia، p91.

4- BCEOM. 1998 Abay River Basin Integrated Development Master Plan Project. Report to Ministry of Water Resources، The Federal Democratic Republic of Ethiopia.

5- Berhane، D.، 2011، Quick facts on the Grand Millennium dam | Ethiopia،  on April 11، 2011،

http://danielberhane.wordpress.com/11/04/2011/quick-facts-on-the-grand-millennium-dam-ethiopia/

6- د. عباس محمد شراقي (2011)، سد النهضة (الألفية) الإثيوبي الكبير وتأثيره في مصر وشمال السودان، مؤتمر " ثورة 25 يناير 2011 ومستقبل علاقات مصر بدول حوض النيل 30-31 مايو 2011، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، تحت الطبع.

7- Ethiopia Launched Grand Millennium Dam Project، the Biggest in Africa". Ethiopian News. 2 April 2011.

8- World Bank، .2006 Implementation Completion Report (# 35573) for Energy II project.

9- "Council of Ministers Approves Regulation Establishing Council on Grand Dam". Ethiopian Government. 16 April 2011.

10- "Meles Launches Millennium Dam Construction on Nile River". New Business Ethiopia. 2 April 2011.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. عباس شراقي

    د. عباس شراقي

    قسم الموراد الطبيعية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة