تحليلات - مصر

الدوافع المتبادلة لتطوير العلاقات المصرية – الفيتنامية

طباعة
عكس استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي أخيرا لنظيره الفيتنامي تران داى كوانج، الذي زار القاهرة في الفترة ما بين 25 و28 أغسطس 2018، أهمية توجه السياسة الخارجية المصرية نحو دول جنوب شرق آسيا للاستفادة من تجاربها التنموية، وذلك في مسعى لتنويع خيارات القاهرة في علاقاتها الدولية بين الشرق والغرب، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، منذ تولي الرئيس السيسي للحكم في عام 2014. 
كان السيسي قد زار فيتنام في سبتمبر 2017، في أول زيارة لرئيس مصري لهذا البلد، وعقد اتفاقيات في مجالات الاستثمار والتجارة بين البلدين، وذلك لرفع معدل التبادل التجاري. ولاقت هذه الزيارة ترحيبا كبيرا من الفيتناميين، في ظل الذاكرة الإيجابية التاريخية للقاهرة، كدولة وقفت بجانب فيتنام إبان الحرب الأمريكية في الستينيات، عندما فتحت سفارة لها في هانوي بعد عام واحد من فتح سفارة فيتنام بالقاهرة في 1963.
الدوافع والمصالح:
ويمكن الإشارة إلى مجموعة من الدوافع والمصالح المتبادلة وراء تنمية العلاقات المصرية - الفيتنامية، والتي تفسر مساعي البلدين لتطوير العلاقات بينهما، ومن أبرزها: 
أولا- النموذج الفيتنامي في بناء الدولة: فبعدما عانت فيتنام استعمارا فرنسيا، واحتلالا يابانيا، ثم حربا أمريكية في الستينيات بلغت حد تدمير بنية الدولة، غيرت من سياستها، وعملت بمبدأ "أعداء أقل وأصدقاء أكثر". ومنذ تلك اللحظة، بدأت العديد من الدول تستثمر في فيتنام، ومن بينها الولايات المتحدة. وأسهم هذا التحول في نقل فيتنام من الدول الأكثر فقرا في العالم إلى تجربة تنموية رائدة باعتراف البنك الدولي، حيث بلغت نسبة السكان ممن هم تحت خط الفقر قرابة الـ2.6 % في عام 2016، وتكاد تصل معدلات البطالة إلى 2.6%. بل إن ترتيب فيتنام وصل في تقرير التنافسية الدولية لعام 2017-2018 إلى المرتبة 55 عالميا. ودون شك، فإن التجربة الفيتنامية في بناء الدولة تمثل خبرة دولية يمكن للقاهرة الاستفادة  منها، خاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013، التي كرست توجه بناء الدولة، واستعادة مكانتها إقليميا وعالميا.
ثانيا- الخبرات التنموية في فيتنام: حيث ارتكز التوجه التنموى لفيتنام على عدة محاور، من أبرزها تنويع ملكية الأصول المملوكة للدولة ورفع كفاءة إدارتها، ووضع استراتيجية لتطوير الموارد البشرية بحلول عام 2020، من خلال قاعدة تعليمية خصصت لها 7%من الميزانية العامة. كما توسعت فيتنام في عقد الاتفاقيات التجارية والاستثمارية، وكذا الالتحاق بعضوية المنظمات الدولية والإقليمية، ومنها: "الآسيان"، و"أبيك"، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادى. أضف لذلك اتجاه فيتنام إلى الاتجاه نحو التصنيع ، حيث ارتفعت نسبة إسهام الصناعة من 23 إلى 32 % ما بين عامي 1990 و2011، بخلاف تشجيع الدولة الشباب وصغار المستثمرين، وتقديم التسهيلات التموينية والإجرائية. 
ومن ثم، فإن تعزيز العلاقات المصرية مع فيتنام يسمح للقاهرة بالاستفادة من شراكاتها التجارية والاستثمارية في جنوب شرق أسيا، لاسيما أن القاهرة تسعى للحصول على دعم فيتنام للانضمام لمعاهدة الصداقة والتعاون لرابطة الدول جنوب شرق أسيا  TAC، الأمر الذي يجعل فيتنام جسرا مهما يربط الاقتصاد المصري بجنوب شرق أسيا .
ثالثا- الانفتاح الفيتنامي على إفريقيا: إذ تعكس رغبة فيتنام في تعزيز العلاقة مع القاهرة سعيها للانفتاح الاقتصادي على القارة الإفريقية، لاسيما أن الرئيس الفيتنامي زار كلا من إثيوبيا ومصر كقوتين إقليمتين في القارة. كما تسعى فيتنام إلى الحصول على دعم مصر في للترشح للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، خاصة أن القاهرة لديها مكانة إفريقية وعربية وإسلامية.
رابعا- توسيع التبادل التجاري: إذ اتفق الرئيسان المصري والفيتنامي على زيادة التبادل التجارى بين البلدين ليصل إلى مليار دولار سنويا في المستقبل المنظور، من خلال توسيع التبادل بين الوفود التجارية والاتصال بين الشركات وتبادل المعلومات، واستكشاف فرص تجارية واستثمارية جديدة في مجالات جديدة مثل، صناعة الملابس والجلود والأحذية والهندسة الميكانيكية وإنتاج السلع الاستهلاكية وتجهيز الأغذية وصيد الأسماك. وفي هذا السياق، تشير وزارة التخطيط المصرية إلى أن أهم الصادرات المصرية للسوق الفيتنامية تتمثل في: الكيماويات، والعسل والمنتجات البترولية ,ومنتجات الألبان والرخام. في حين تمثلت أهم الصادرات الفيتنامية للسوق المصرى في: الأسماك والمأكولات البحرية والهواتف المحمولة. ويصل حجم التبادل التجارى بين الدولتين إلى 294,23 مليون دولار في عام 2016، بينما بلغ حجم التبادل التجارى في الفترة من يناير إلى يوليو 2017 نحو 190.25 مليون دولار. وكان الجانبان المصري والفيتنامي قد وقعا اتفاق تعاون في مجال المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم في مجال الاشتراك في المعارض والأسواق الدولية بين الهيئة العامة لشئون المعارض بمصر ومركز المعارض والمؤتمرات بفيتنام .
خامسا- تعزيز التعاون في المجال الزراعي: حيث اتفق الجانبان المصري والفيتنامى على ضرورة تعزيز التعاون في المجال الزراعي، إذ ترحب فيتنام بمقترح مصر توفير المساعدة الفنية اللازمة لتدريب أفراد من فيتنام في مجال إصدار شهادات الحلال لمواد الغذائية, بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجال تبادل المعلومات حول تقييم المطابقة للمنتجات الزراعية، والاستفادة من كيفية زراعة الأرز بمياه أقل .
سادسا- التعاون في مكافحة الإرهاب: حيث تعد قضية مكافحة الإرهاب ذات طابع عالمي، وتمس مصر التي تخوض حربا ضد الإرهاب، ومن ثم تسعى القاهرة إلى الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مكافحة الإرهاب، خاصة أن المنظمات الإرهابية بدأت في دول شرق آسيا. وبالمقابل، فإن التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب، خاصة في سيناء، مثار اهتمام من فيتنام.
سابعا- التعاون في مجال الاصلاح الإدارى: حيث تهتم السياسة المصرية بالاستفادة من تجربة الإصلاح الإداري الذي طبقته فيتنام بين عامي 2001 و2010، حيث ينقسم البرنامج إلى أربعة محاور، أولها: الإصلاح المؤسسي والإصلاحات التشريعية على مستوى الحكومة المركزية والمحليات, ثانيها: إصلاح الهيكل التنظيمي للمؤسسات العامة ورسم هيكل تنظيمي للحكومة، ثالثها: تنمية مهارات موظفي الخدمة العامة لتحسين نوعية الموظف المدنى من حيث المؤهلات العلمية والعملية، رابعا وأخيرا: محور إصلاح المالية العامة، والذي ركزت فيه الدولة على تطبيق مبدأ التحكم الذاتى من خلال تقليل حجم العمالة, وتحسين فعالية العمل, مما أسفر عن ترشيد الانفاق الداخلى لنحو 80% من المؤسسات المركزية.
ثامنا- التعاون في مجال التعليم: حيث قدمت جامعة إف بى تى الفيتنامية مئة منحة مجانية لمصر لطلاب الجامعة لعام 2018 و2019، وذلك للحصول على درجة البكالوريوس في هندسة البرمجيات، وهو أحد المجالات التي يمكن لمصر أن تستفيد فيه من الخبرات الفيتنامية.
تاسعا- التعاون في المجالين الثقافي والسياحي: حيث أدت زيارة الرئيس الفيتنامى للأقصر، فى أثناء زيارته لمصر، إلى فتح مجالات سياحية للمواطنين الفيتناميين، وهو ما قد يسهم في تنشيط السياحة بين البلدين، مما يساعد مصر على اجتذاب سياح من دول جنوب شرق آسيا، خاصة أنه تم عقد اتفاقية تآخ بين محافظتي نينه بينه الفيتنامية والأقصر. ويدعم ذلك المجال السياحي بنظيره الثقافي، حيث التعاون فى مجال تبادل الوفود الفنية في المهرجانات الثقافية المشتركة، إلى جانب تنظيم أيام وأسابيع ثقافية والأعياد والناسبات الأخرى في البلدين .
عاشرا- التعاون في المجال البرلماني: حيث من المتوقع أن يلبي الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، دعوة الرئيس الفيتنامى له لزيارة هانوي في الفترة المقبلة، وذلك لتأكيد أهمية تطوير العلاقات البرلمانية بين البلدين، من خلال تبادل زيارات الوفود البرلمانية. 
كل هذه الدوافع والمصالح المتبادلة بين مصر وفيتنام تشير إلى أهمية التوجه المصري شرقا باتجاه دول جنوب شرق آسيا، لاسيما أن الجانبين يملكان ميزات نسبية يمكن أن تدعم علاقاتهما مستقبلا، بما يتوافق مع سعي مصر لتنويع العلاقات الاقتصادية الدولية، وتعزيز مكانتها كدولة محورية في الشرق الأوسط وإفريقيا. 
 
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. هايدي وجيه

    د. هايدي وجيه

    دكتوراه في الإعلام السياسي