تحليلات - مصر

عملية الانتخابات الرئاسية 2018 وانعكاسها على حالة التطور الديمقراطي في مصر

طباعة
تعد الانتخابات الرئاسية 2018 هي أول انتخابات رئاسية يقبل عليها المصريون غير مضطرين، حيث لم تشهد مصر انتخابات رئاسية مكتملة الأركان، إلا عقب ثورة يناير 2011. وكانت الانتخابات تعقد دائماً بغرض ملء منصب شاغر، حيث جاءت الانتخابات الرئاسية 2012 بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي بقي في منصبه ثلاين عاماً، وعُقدت الانتخابات الرئاسية 2014، عقب ثورة 30 يونيو 2013 التي أطاحت بمحمد مرسي، ممثل جماعة الإخوان في الحكم، والذي لم يبق في منصبه سوى عام واحد. أما الانتخابات الرئاسية 2018، فقد عقدت للتصويت على منصب مشغول بالفعل برئيس يتمتع بشعبية واسعة، وتم اختياره بإرادة شعبية حرة في انتخابات نزيهة قبل أربع سنوات.   
وقد أسفرت نتيجة الانتخابات الرئاسية 2018 عن فوز الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، من الجولة الأولى، بفترة رئاسية ثانية، بنسبة تصويت 97.08% وفق الإعلان الرسمي للهيئة الوطنية للانتخابات، وبمشاركة كثيفة من المواطنين الذين لهم حق التصويت، وصلت إلى 41.05%، لتعلن بذلك بدء مرحلة جديدة في مراحل تطور النضج السياسي للمواطنين، وكذلك انتهاء المرحلة الانتقالية بين الديكتاتورية والديمقراطية، والتي عانت منها البلاد على مدار سبع سنوات منذ ثورة يناير 2011، شهدت خلالها البلاد العديد من التقلبات السياسية التي كان بعضها عنيفاً لدرجة هددت أمن واستقرار البلاد. 
جرت الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر دستورياً، دون أي تأخير، رغم الظروف المعقدة التي تمر بها مصر على مستوى الحرب مع الإرهاب، فقد أطلقت القوات المسلحة المصرية، مطلع العام الجاري، وبالتوازي مع إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات دعوة الناخبين للتصويت على منصب رئيس الجمهورية في يناير، حملة عسكرية موسعة لحماية الحدود المصرية شمالاً وشرقاً وغرباً، ضد تنظيمات الإرهاب المسلح التي استهدفت مصر ودولا عربية أخرى، في السنوات التي أعقبت ثورات الربيع العربي، تحت عنوان "العملية الشاملة سيناء 2018". 
وكان من الممكن، كما توقع العديد من المراقبين، خصوصاً في الغرب، أن تؤجل مصر إجراء الانتخابات لحين الانتهاء من الحرب على الإرهاب، لكن إصرار القيادة السياسية في مصر على إجراء الانتخابات في موعدها كان بمثابة إيذان باستخدام الديمقراطية كسلاح غير تقليدي لمواجهة الإرهاب. ولعل هذا السلاح الجديد قد شكل تهديداً واضحاً للتنظيمات الإرهابية التي أرادت لمصر أن تدخل في دوامة الفوضى التي وقعت فيها دول عربية مجاورة، مرت مع مصر بنفس ظروف ما بعد الثورات العربية، خصوصاً في ظل غياب القدرة على الاحتواء السياسي للمواطنين الثائرين فيها، والتي حظي بها الشعب المصري عقب ثورة يناير بفضل تماسك قواته المسلحة وانحيازها الدائم لصف الشعب. 
وفيما يلي محاور الدراسة الستة، التي ترصد عملية الانتخابات الرئاسية، مع تفصيل تأثير نزاهة الانتخابات وتنظيمها ونسب المشاركة بها من المؤيدين والمعارضين على حالة التطور الديمقراطي في مصر بشكل عام. 
 
أولاً- الإشراف والتنظيم والإدارة: 
تولت الهيئة الوطنية للانتخابات الدور الرئيسي في إدارة وتنظيم والإشراف على الانتخابات الرئاسية بالكامل، حيث قامت الهيئة بإصدار التشريعات والقرارات المنظمة لعملية الانتخابات في كافة مراحلها، كما قامت بتعيين القضاة المشرفين على اللجان الفرعية، ومراجعة قواعد بيانات الناخبين وتحديثها، وضبط قواعد الدعاية الانتخابية، وتنفيذ عملية فرز الأصوات وحصرها، وأيضاً التواصل مع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المحلية والدولية التي تولت عملية متابعة الانتخابات. 
تعاونت الهيئة الوطنية للانتخابات مع عدد من الجهات ذات الصلة بالدولة المصرية لتيسير أداء مهمتها، حيث تعاونت الهيئة في تأمين اللجان مع القوات المسلحة وقوات الشرطة والقوات الخاصة، كما تعاونت مع وزارة الصحة في توفير الرعاية الصحية والإسعافات الأولية اللازمة للمواطنين أمام لجان الاقتراع، وتعاونت الهيئة مع كل من وزارة الخارجية ووزارة الهجرة والمصريين في الخارج على تنظيم وإدارة عملية تصويت المصريين في الخارج وتوعية المواطنين بكيفية المشاركة والتصويت وأيضاً في التواصل مع البعثات الدبلوماسية العاملة في مصر ودعوتها لمتابعة الانتخابات، كما تعاونت الهيئة الوطنية للانتخابات مع الهيئة العامة للاستعلامات في التعامل مع المراسلين الأجانب، الذين قاموا بالتغطية الصحفية للانتخابات لصالح وسائل الإعلام الغربية.  
 
الهيئة الوطنية للانتخابات: 
يُحسب لمصر أنها واحدة من بين تسع دول فقط على مستوى العالم تطبق نظام الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، بينما يقتصر دور القضاء في غالب دول العالم، بما فيها دول أوروبية طاعنة في الممارسة الديمقراطية، على الفصل في المنازعات التي تنشأ فى أثناء أو نتيجة الممارسة الانتخابية، بينما يتولى البرلمان أو مجلس الوزراء هناك إدارة العملية الانتخابية من خلال موظفين مدنيين تابعين للدولة أو أشخاص مستقلين. 
أما في مصر، فيتولى القضاء الإشراف الكامل على عملية الانتخابات وإدارتها في كل مراحلها وإصدار القوانين المنظمة لها بما يتفق مع أحكام الدستور. وقد بدأ الإشراف القضائي على الانتخابات في عام 2005 فى أثناء الانتخابات الرئاسية، بعد سنوات طويلة من الضغط السياسي والمطالبات الشعبية، في محاولة لضمان نزاهة الانتخابات، نظراً لثقة المواطنين في المؤسسة القضائية بوصفها الأكثر استقلالاً في الدولة المصرية، واستمر الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات في كل الاستحقاقات السياسية التي تبعت ثورة يناير 2011، من خلال لجان مؤقتة يتم تشكيلها لإدارة كل استحقاق على حدة، ثم يتم حلها بعد انتهاء التصويت وإعلان النتيجة. 
تشهد الانتخابات الرئاسية الحالية تطوراً مهماً في عملية الإشراف القضائي على الانتخابات، حيث تشكلت لأول مرة هيئة مستقلة دائمة الانعقاد، مهمتها إدارة كل الاستحقاقات السياسية التي تتطلب مشاركة جماهيرية من المواطنين في عمليات تصويت أو انتخاب، هي الهيئة الوطنية للانتخابات. 
وبالرغم من أن الدستور المصري لعام 2014 ، الذي أوجب إقامة هذه الهيئة في المادة 208، لم ينص على أنها هيئة تابعة للمؤسسة القضائية، بل نص على أنها هيئة مستقلة تماماً، فإنه أوجب أن يتم تشكيل مجلس إدارة الهيئة من عشرة أعضاء يتم ندبهم من الهيئات القضائية دون أي تدخل من السلطة التنفيذية، ويعمل تحت مجلس الإدارة جهاز تنفيذي دائم الانعقاد يتشكل من موظفين مدنيين أو أعضاء منتدبين من القضاء، ينظم القانون طريقة عملهم بما يضمن النزاهة والحيادية. كما أوجبت المادة 210 من الدستور أن "يتم الاقتراع والفرز في الانتخابات والاستفتاءات التي تجرى في السنوات العشر التالية لتاريخ العمل بالدستور - أي حتى 2024 - تحت إشراف كامل من أعضاء الجهات والهيئات القضائية".
تعتبر الانتخابات الرئاسية الحالية هي أول انتخابات تتولى الهيئة الوطنية للانتخابات الإشراف عليها، حيث تشكلت الهيئة بموجب قانون 198 لسنة 2017، والذي نص على استقلالها الكامل مالياً وفنياً وإدارياً، وقد انعكس هذا الاستقلال والاستقرار على التنظيم الفائق لعملية الانتخابات ككل، من حيث طريقة الإعلان عن القرارات المنظمة وسرعة إصدارها وضمان عدم إخلالها بنصوص الدستور في شأن الاستحقاقات الانتخابية والممارسة الديمقراطية بشكل عام، وسهولة التواصل مع المواطنين ووسائل الإعلام، وسرعة الفصل في الطعون عبر مراحل العملية الانتخابية، وكذلك في الأمور الإجرائية الخاصة بتحديد أماكن الاقتراع، وتنظيم طريقة التصويت، وتصميم ومراجعة وتنقيح قواعد بيانات الناخبين، والتي كان يحدث بها قدر من الخلل في الاستحقاقات التصويتية السابقة بسبب عدم انعقاد اللجان المشرفة على الانتخابات بشكل دائم، أو تشكيلها قبل الانتخابات بفترة زمنية قصيرة نسبياً. 
وقد قامت الهيئة الوطنية للانتخابات بتدريب 18808 قضاة و124 ألف أمين لجنة تولوا إدارة والإشراف على لجان الاقتراع المنتشرة في جميع محافظات مصر، حيث تم تدريبهم على قواعد العملية الانتخابية وكيفية التعامل مع المواطنين ومنظمات المجتمع المدني ووكلاء المرشحين، وكذلك قواعد إدارة عملية التصويت وفرز الأصوات، وكيفية التعامل مع أي خروقات محتملة لضمان أعلى درجات النزاهة والشفافية. 
كما قامت الهيئة الوطنية للانتخابات، لأول مرة، بمهمة توعية وتثقيف الناخبين بأهمية المشاركة في التصويت، وبيان حقوقهم وواجباتهم، من خلال عقد ندوات ومؤتمرات عامة للجماهير، وكذلك نشر مواد تثقيفية بالحقوق السياسية وكيفية التصويت في وسائل الإعلام المختلفة. وقد استعانت الهيئة في تحقيق ذلك، وفق ما أجازه لها القانون، بالمجالس القومية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية، ووسائل وأجهزة الإعلام، مما يعكس شكلا جديدا من التعاون الإيجابي بين الأطراف المسئولة عن إثراء وتنمية الممارسة الديمقراطية في مصر. 
أصدرت الهيئة الوطنية للانتخابات قرارات تشريعية مفصلة على مدار عملية الانتخابات، وصل عددها إلى 57 قرارا، تنظم أدق التفاصيل بما في ذلك شروط الترشح، وشروط متابعة منظمات المجتمع المدني، وتنظيم التغطية الإعلامية، وشروط الدعاية والإنفاق المالي، وشروط التصويت خصوصاً للوافدين الراغبين في التصويت في محافظات غير تلك المثبتة في بطاقة الرقم القومي الخاص بهم، وشروط الفرز وإعلان النتائج، وشروط الطعن والتقدم بالشكاوى، وغيرها. 
كما خصصت الهيئة الوطنية للانتخابات لجنة لاستقبال الشكاوى التي ترد إلى الهيئة من المواطنين أو منظمات المجتمع المدني بشكل فوري، وقامت الهيئة بعقد مؤتمرات صحفية طوال أيام الانتخابات للرد مباشرةً على الأسئلة والشائعات التي قد تشتت جمهور الناخبين عن أداء حقهم، وكان لحسن التواصل عظيم الأثر في تشجيع الكثير من المواطنين على المشاركة بإيجابية. وقد عمدت الهيئة إلى حل كل المشكلات التي طرأت على العملية الانتخابية لحظة وقوعها، وبمجرد أن علمت بها من خلال وسائل الإعلام أو منظمات المجتمع المدني أو حتى تلك التي كان ينشرها المواطنون على صفحاتهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أسفر في النهاية عن غياب أي شكاوى أو طعون بسبب أي انتهاكات أو خروقات محتملة قد تشوب حرية ونزاهة الانتخابات أو تؤثر في سير العملية ككل. 
 
حفظ الأمن والنظام: 
تعاونت كل من القوات المسلحة والقوات الخاصة وقوات الشرطة في تأمين اللجان الخاصة بالتصويت، بأعلى درجات المهنية دون أن تؤثر بأي شكل على سهولة ويسر عملية التصويت، ودون أن يشعر المواطنون بأي قيود بسبب الانتشار المكثف للقوات، بل على العكس، كان أفراد التأمين يساعدون كبار السن وذوي الإعاقة على الوصول إلى مقر الاقتراع، وقامت وزارة الداخلية، من خلال قطاع حقوق الإنسان بالوزارة، بتوفير كراسي متحركة لمن يريد استخدامها داخل اللجنة، وتمت مراعاة أن تخصص لجان بالدور الأرضي لذوي الإعاقة للتيسير عليهم، كما كانت قوات المفرقعات تجوب اللجان يومياً قبل بدء مواعيد العمل بها للتأكد من سلامة إجراءات التأمين. 
وبالرغم من الأجواء الاحتفالية التي صاحبت عملية التصويت خارج اللجان في كل محافظات مصر، وتكدس المواطنين في هذه الاحتفالات بعد الإدلاء بأصواتهم، وكذلك المسيرات الطلابية التي قام بها طلاب الجامعات في عدة محافظات لتوعية الناخبين ومساعدتهم في التعرف على لجانهم، لم يؤثر ذلك مطلقاً على حفظ الأمن والنظام، والتزم المواطنون أنفسهم بذلك، حتى إننا لم نشهد أو نسمع عن أي حالة عنف أو شجار أو حتى حالة تحرش واحدة بأي سيدة لا في طوابير المصوتين ولا في التجمعات الاحتفالية المحيطة باللجان، مما يعكس صورة حضارية مشرفة. 
تأتي أهمية هذا الالتزام الكبير بحفظ الأمن والنظام من جانب القوات أو من جانب المواطنين في ظل ما تتعرض له مصر من حرب تقودها الفصائل الإرهابية على تنوعها، فقد قامت حركة حسم التابعة لجماعة الإخوان المسلمين بتنفيذ تفجير في محافظة الإسكندرية قبل موعد التصويت بيومين لإخافة المواطنين وإثنائهم عن المشاركة في الانتخابات. 
كما قام كل من تنظيم القاعدة وتنظيم داعش بإصدار فيديوهات قبل عملية التصويت بأسابيع قليلة، يهددون فيه المصريين بالتفجير والقتل لو أنهم شاركوا في الانتخابات، وقالوا إنهم سيتربصون بالمصريين أمام اللجان، لكن لم يلق المصريون بالاً لهذه التهديدات، بل على العكس، كانت هذه التهديدات محفزاً لهم على المشاركة بدرجة أكبر مما كان يتوقع المراقبون، لا سيما في محافظة شمال سيناء التي تخوض مصر فيها الآن حرباً ضروساً ضد تنظيم داعش في إطار العملية الشاملة للقوات المسلحة. 
 
الوزارات المعنية: 
تعاونت الهيئة الوطنية للانتخابات مع وزارات التضامن والصحة والخارجية والهجرة في بعض المهام الخاصة بتنظيم عمليات التصويت في الخارج والداخل، على النحو التالي:  
- وزارة التضامن: قامت وزارة التضامن بعمل حملات في كافة ربوع مصر من خلال مؤتمرات جماهيرية وأنشطة مجتمعية، وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلية التي تعمل تحت إشراف الوزارة بموجب القانون، لتوعية المواطنين بأهمية المشاركة السياسية، وتعريف الناخبين بحقوقهم وواجباتهم التي تترتب على عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية، كما تعاونت وزارة التضامن مع منظمات المجتمع المدني المحلية على متابعة سير عملية التصويت، ومساعدة الجمعيات والمنظمات الحقوقية في الحصول على الأوراق اللازمة لتقديمها للهيئة الوطنية للانتخابات لإصدار التصاريح الخاصة بالمتابعة والرصد. 
 
- وزارة الصحة: قامت وزارة الصحة بعمل غرفة إدارة أزمات طوال أيام الانتخابات، وتوفير سيارات إسعاف مجهزة وفرق طبية مدربة، وصل عددها إلى 2400 سيارة، انتشرت أمام كافة اللجان الفرعية في جميع أنحاء الجمهورية لتقديم الإسعافات الأولية والتعامل الفوري مع أي مشاكل صحية قد تحدث للمواطنين فى أثناء عملية التصويت، وكذلك تجهيز وتوفير أماكن مناسبة في مستشفيات الإحالة في كل المحافظات. وقد أعلنت وزارة الصحة في ختام عملية التصويت أنها قدمت المساعدة الطبية لإجمالى 301 حالة ما بين ارتفاع في ضغط الدم، وهبوط بالدورة الدموية، ومرضى السكر، وآلام بالقدم والصدر، وقالت الوزارة إن 92 من هذه الحالات تم إسعافها داخل المقر الانتخابى، والباقى تم نقلهم إلى المستشفيات لمناظرتهم والاطمئنان عليهم. كما أعلنت وزارة الصحة عن وفاة ناخبة في أول أيام الانتخابات إثر هبوط حاد فى الدورة الدموية، وتم نقلها إلى أحد المستشفيات الخاصة بحلوان ثم نقلت إلى مستشفى حلوان للتأمين الصحى، وهي حالة الوفاة الوحيدة التي وقعت فى أثناء التصويت. 
 
- وزارة الخارجية: قامت وزارة الخارجية من خلال بعثاتها الدبلوماسية المنتشرة في جميع أنحاء العالم بتنظيم عمليات تصويت المصريين في الخارج في الفترة من 16 إلى 18 مارس، على أعلى مستوى من المهنية والالتزام بالضوابط التي وضعتها الهيئة الوطنية للانتخابات، حيث جرت انتخابات المصريين في الخارج في 139 لجنة فرعية منتشرة في 124 دولة حول العالم. 
 
- وزارة الهجرة والمصريين في الخارج: قامت وزارة الهجرة بعقد غرفة عمليات طوال أيام التصويت لمتابعة سير عملية التصويت والرد على أسئلة المصريين في الدول المختلفة. وجدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تجرى فيها انتخابات المصريين في الخارج في وجود وزارة الهجرة، والتي كان لها دور عظيم في التواصل مع المصريين بالخارج طوال السنوات الماضية وقبل الانتخابات مباشرة لحثهم على المشاركة وتوعيتهم بحقوقهم وتعريفهم بإجراءات التصويت واستصدار الأوراق اللازمة لهم من داخل مصر، مثل بطاقات الرقم القومي، لتمكينهم من التصويت في مقار البعثات الدبلوماسية في البلد الذي يعيشون فيه. 
 
ثانياً- المتابعة المحلية والدولية: 
وجهت الهيئة الوطنية للانتخابات الدعوة إلى كافة منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، والبعثات الدبلوماسية العاملة في مصر، والهيئات الدولية والمفوضيات المعنية بالتحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، للتقدم إليها بطلبات للحصول على تصاريح متابعة الانتخابات الرئاسية، وفق ما ينظمه الدستور والقانون وقرار الهيئة رقم 8 لسنة 2018 في هذا الشأن، وكان شعار الهيئة في ذلك والذي كرره المستشار لاشين إبراهيم رئيس الهيئة مراراً وتكراراً أنه "ليس لدينا ما نخافه لنخفيه"، وكانت شروط قبول المتقدمين للمتابعة كالتالي: 
- بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني المحلية، نظم قرار الهيئة قبول منظمات المجتمع المدني المصرية لمتابعة الانتخابات وفق ثلاثة شروط هي: أن تكون المنظمة ذات سمعة حسنة ومشهوداً لها بالحيدة والنزاهة، وأن تكون للمنظمة سابق خبرة في مجال متابعة الانتخابات، وأن يكون مندوبو المنظمة مقيدين في قاعدة بيانات الناخبين. 
 
- بالنسبة للمنظمات الدولية، نظم قرار الهيئة قبول منظمات المجتمع المدني الدولية لمتابعة الانتخابات وفق ثلاثة شروط هي: أن تكون ذات سمعة دولية حسنة ومشهوداً لها بالحيدة والنزاهة، وأن يكون من ضمن مجالات عمل المنظمة الأصلية متابعة الانتخابات وحقوق الإنسان ودعم الديمقراطية، وأن يكون لها سابق خبرة في مجال متابعة الانتخابات.
 
- بالنسبة للبعثات الدبلوماسية والهيئات الدولية، نظمت المادة 13 من قرار الهيئة الصادر في هذا الشأن بأن للهيئة الحق في دعوة من ترى دعوته من رؤساء وأعضاء الهيئات والمفوضيات الأجنبية المختصة بالانتخابات والسفارات والاتحادات الدولية والإقليمية لمتابعة الانتخابات.
 
وقد قامت الهيئة الوطنية للانتخابات برفض الطلبات المقدمة من 12 منظمة لم تنطبق عليها الشروط، وذلك بقرار رقم 39 لسنة 2018، بينما وافقت على الطلبات المقدمة من 53 منظمة مصرية محلية، و9 منظمات دولية، و6 هيئات عربية وأجنبية، بالإضافة إلى المجالس القومية للمرأة وحقوق الإنسان وذوي الإعاقة. 
كما شارك في المتابعة وفد من مراكز أبحاث أمريكية، والسفارة الأمريكية ممثلة في القائم بأعمال السفير، وغيرها من سفارات البرتغال وفيتنامز وكان الطريف في الأمر أن السفارة الأمريكية وممثلي مراكز الأبحاث الأمريكية، الذين قاموا بالمتابعة وأشادوا بنزاهة الانتخابات والتزام الناخبين وحماسهم، قد تعرضوا لحملات هجوم شرسة من كتاب أمريكيين في صحف أمريكية منها الواشنطن بوست، التي خصصت المقال الافتتاحي بها في ثاني أيام الانتخابات لمهاجمة السفير الأمريكي لأنه أشاد بالمصريين وبالانتخابات، في تربص واضح من جانب هؤلاء الكتاب لتصوير الأمور على غير حقيقتها وادعاء فشل الانتخابات رغم نزاهتها وتنظيمها. 
جدير بالذكر أنه غاب عن المشهد هذه المرة أهم ثلاث منظمات دولية كانت مهتمة بمتابعة كافة الاستحقاقات الانتخابية في مصر، منذ ثورة يناير عام 2011، وهي مركز كارتر، ومركز الديمقراطية الدولية التابع لهيئة المعونة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي.
 
نتائج رصد ومتابعة المجتمع المدني:
أشاد جميع المتابعين المحليين والدوليين بالتفاعل السريع للهيئة الوطنية للانتخابات مع أسئلة وشكاوى المواطنين، وبالجو السلمي الذي جرت فيه الانتخابات، وبدرجة النزاهة والشفافية العالية التي جرت فيها عملية التصويت، وكذلك بحماس المصريين واحتفالهم بإنجاح هذا الاستحقاق، وشهدوا جميعاً بأن متابعيهم لم يتعرضوا لأي مضايقات من رؤساء اللجان أو من جمهور الناخبين فى أثناء المتابعة، وأنهم قاموا بعملهم بحرية كاملة ودون أي محاولة للتأثير عليهم. 
اقتصرت شكاوى منظمات المجتمع المدني المتابعة للانتخابات على خمس مسائل، نوضحها فيما يلي مصحوبة برد الهيئة الوطنية للانتخابات على كل منها:
1. ظهور ثلاث حالات في استراليا والعراق وفرنسا لمواطنين مصريين ذهبوا للتصويت ولم يجدوا أنفسهم مسجلين في قواعد الناخبين، وقد وعدت الهيئة الوطنية بمراجعة أسمائهم في قواعد بيانات الناخبين لتمكينهم من ممارسة التصويت في الاستحقاقات القادمة.
 
2. عدم تمكن بعض المصريين المهاجرين إلى دول أخرى من استخدام بطاقة الرقم القومي الخاصة بهم في التصويت لأنه لا يوجد بها عنوان انتخابي، بمعنى أنه مكتوب ببطاقاتهم أنهم مقيمون بالخارج، وبالتالي لم تتمكن الهيئة من تسجيلهم في قواعد بيانات الناخبين، لأن شرط التقييد أن يكون للناخب عنوان داخل جمهورية مصر العربية، وقد ردت الهيئة الوطنية على ذلك بأن الأمر يتطلب إصلاحا تشريعيا في القانون المنظم لإدراج المواطنين بقواعد بيانات الناخبين، وتعهدت اللجنة بأن تعمل مع البرلمان خلال الفترة القادمة على إيجاد التشريع المناسب لحل هذه الشكوى، وتمكين المواطنين المهاجرين من التصويت في الاستحقاقات القادمة.
 
3. بُعد مقار اللجان عن مقر سكنى بعض الناخبين في ست حالات فقط على مستوى الجمهورية، وقد ردت الهيئة الوطنية للانتخابات على هذه الشكوى بأن التوسع في زيادة عدد اللجان وإعادة توزيع الناخبين عليها كان هو السبب. 
 
4. وكانت الشكوى الرابعة بخصوص الوافدين، وهم المواطنون الذين يعيشون في محافظات غير تلك المثبتة في العنوان الموجود على بطاقة الرقم القومي الخاصة بهم، حيث اعترض البعض على إلزام الوافدين باتخاذ إجراءات إضافية لتسجيل رغبتهم في التصويت في محافظة غير محافظتهم لدى مكاتب الشهر العقاري أو المحاكم الابتدائية، لكن الهيئة أصرت على الإبقاء على هذا الإجراء تخوفاً من لجوء بعض الناخبين من التصويت مرتين في لجنة مغتربين ثم في لجنته الأصلية، وهو ما قد يفتح الباب للتلاعب. وفي المقابل، سهلت الهيئة هذه الإجراءات على المواطنين بحيث جعلتها مجانية، ووسعت عدد دوائر المحاكم الابتدائية التي يستطيع المواطنون الوافدون التسجيل فيها، كما أوفدت الهيئة عددا من القضاة للوافدين العاملين في المشروعات القومية العملاقة في مقار عملهم لتمكينهم من التصويت. 
 
5. تأخر فتح بعض اللجان في اليوم الأول والثاني من الانتخابات في ثلاث لجان فقط على مستوى الجمهورية ولم يزد وقت التأخر عن نصف ساعة فقط بسبب تأخر وصول القضاة المشرفين. ولكن في المقابل، قامت الهيئة الوطنية بإلغاء ساعة الراحة الخاصة بالقضاة والمشرفين في ثاني وثالث أيام الانتخابات على مستوى الجمهورية لتمكين أكبر عدد من المواطنين من التصويت. وفي اليوم الأخير أصدرت الهيئة قرارا بمد ساعات التصويت إلى ساعة إضافية بسبب الإقبال الكثيف من المواطنين. 
 
ثالثاً- وسائل الإعلام المحلية والدولية: 
نظمت الهيئة الوطنية للانتخابات شروط وقواعد التغطية الإعلامية المحلية والدولية للانتخابات الرئاسية في قرارها رقم 9 لسنة 2018، حيث أتاحت لجميع وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية والرقمية والإعلاميين الدوليين المعتمدين القيام بالتغطية الإعلامية لكافة إجراءات الانتخابات بما في ذلك مراحل الاقتراع والفرز، بشرط الالتزام بتحقيق المساواة بين المرشحين في استخدام الوسائل الإعلامية لأغراض الدعاية الانتخابية، وعدم القيام باستطلاعات رأي دون موافقة الجهات المختصة بالدولة ومنها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وعدم إذاعة نتائج أو مؤشرات تستبق التصريحات الرسمية التي تقدمها الهيئة الوطنية لعدم إحداث بلبلة لدى الرأي العام، كما ألزمت الهيئة وسائل الإعلام بالصمت عن نشر أي مواد دعائية لأي مرشح في موعد الصمت الانتخابي الذي يسبق التصويت بيومين. 
 
وألزمت الهيئة وسائل الإعلام الأجنبية بالالتزام بمجموعة قواعد فى أثناء تغطية العملية الانتخابية كالتالي: 
1. عدم خلط الرأي بالخبر وعدم خلط الخبر بالإعلان. 
2. مراعاة الدقة في نقل المعلومات وعدم تجهيل مصادرها. 
3. استعمال عناوين معبرة عن المتن. 
4. عدم نشر صور بعيدة الصلة عن موضوع التغطية. 
5. عدم الخلط بين المسميات أو التعميم غير الجائز أو اقتطاع جمل من الأقوال بالمخالفة لمتن هذه الأقوال. 
6. عدم سؤال الناخب عن المرشح الذي سينتخبه أو انتخبه. 
7. عدم إجراء أي استطلاع رأي أمام لجان الانتخابات أو في نطاق جمعية الانتخاب. 
8. عدم الانتقاص من حق كل طرف في الرد أو التعليق على ما يتعرض له من هجوم أو مدح. 
9. عدم نشر إعلانات مجانية أو بمقابل للمرشح بعد الميعاد المحدد قانوناً للدعاية. 
10. عدم استخدام الشعارات الدينية لتأييد أو رفض المرشح. 
11. عدم توجيه أسئلة إيحائية ذات تحيز واضح. 
 
وسائل الإعلام الأجنبية: 
تولت الهيئة العامة للاستعلامات تنظيم عمل المراسلين الأجانب المعتمدين من جانبها، ويبلغ عددهم 680 مراسلا، منهم 540 مقيماً و140 زائراً، وقد قامت الهيئة بتيسير عملهم في مصر لمتابعة الانتخابات، حيث قامت أولاً بتسلم أسمائهم إلى الهيئة الوطنية للانتخابات لاعتمادهم للقيام بالمتابعة وإعطاء التصاريح اللازمة لهم، فضلاً عن إصدار ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، توجيهاته لمدير عام المركز الصحفي للمراسلين الأجانب بإقامة غرفة عمليات عالمية بنادى المراسلين بشارع طلعت حرب، لتقديم كافة التسهيلات الإعلامية للصحفيين الأجانب المقيمين والزائرين لتغطية الانتخابات الرئاسية.
كما تصدت الهيئة العامة للاستعلامات لمحاولات تشويه الانتخابات في بعض وسائل الإعلام الأجنبية والتي ادعت غياب النزاهة والشفافية عن الانتخابات حتى قبل أن تبدأ، وتواصلت الهيئة العامة للاستعلامات بشكل مستمر مع وسائل الإعلام الأجنبية في كل العالم لتصحيح ما نشره بعضهم من أخبار مغلوطة، حتى إن الهيئة العامة للاستعلامات أجبرت وكالة رويترز على سحب مقال لها نشر في اليوم الأخير من التصويت، كان به ادعاءات كاذبة عن حشد الناخبين بالأموال والطعام على عكس الحقيقة ودون الاستناد إلى أي دليل، وقالت وكالة رويترز بعد سحب المقال إن ما نشر به من أخبار كاذبة لا يتفق مع معايير المهنية التي تتبعها الوكالة. 
 
وسائل الإعلام المحلية:
أما وسائل الإعلام المحلية، فقد التزمت في غالبها بالقواعد والشروط التي وضعتها الهيئة الوطنية للانتخابات، ولم يحدث أن قامت أي منها بأي إجراءات مخلة، باستثناء صحيفة المصري اليوم التي نشرت عنواناً على صفحتها الرئيسية في اليوم التالي لانتهاء عملية التصويت، يوحي بأنه تم حشد الناخبين بوسائل غير مشروعة للمشاركة في الانتخابات على عكس الحقيقة وبما يفتح الباب للتشكيك في نزاهة الانتخابات التي شهد جميع المراقبين بنزاهتها. 
ترتب على ذلك أن قام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمعاقبة الصحيفة بغرامة 150 ألف جنيه، وقرر إحالة رئيس تحرير الجريدة ومحرر خبر "حشد المواطنين للانتخابات الرئاسية" للتحقيق بمعرفة نقابة الصحفيين، كما أحالت معد فيديو تم بثه على الموقع الإلكترونى لها بعنوان "تعرف على اختيار المرشح الرئاسى موسى مصطفى موسى فى أثناء تصويته خلف الستار" أيضا إلى نقابة الصحفيين للتحقيق معهم.
كما قرر المجلس الأعلى إلزام صحيفة المصري اليوم بنشر اعتذار للهيئة الوطنية للانتخابات فى نفس المكان والمساحة التى نشر فيها خبر الصحيفة عن حشد الدولة المواطنين فى انتخابات الرئاسة، وهذا ما قامت به الصحيفة بالفعل. 
وجاء في نص الاعتذار: "التزامًا بقرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وبناء على الشكوى المقدمة من السيد رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات بشأن ما نشر في "المصري اليوم"، يوم الخميس الموافق 29 مارس، الذي يتعلق بالانتخابات الرئاسية، وكذا ما قام الموقع الإلكتروني ببثه، والذي تناول إدلاء المرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى بصوته تحت عنوان: "تعرف على اختيار المرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى"، فإن الصحيفة تقدم اعتذارا للهيئة الوطنية للانتخابات عما ورد في الصحيفة والموقع الإلكتروني، وتؤكد الجريدة احترامها للهيئة الوطنية للانتخابات، وللمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام".
 
الإعلام غير التقليدي: 
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي، بوصفها أشهر منصات الإعلام غير التقليدي، دوراً كبيراً في تغطية الانتخابات، حيث كان المواطنون هم أنفسهم أبطال الخبر وناقليه، سواء الناخبون داخل مصر أو المصريون المصوتون في الخارج، حيث لجأ أغلبهم إلى تصوير أنفسهم فى أثناء التصويت، أو فى أثناء الوقوف في طوابير الانتخابات، وتصوير المظاهر الاحتفالية التي جرت خارج مقار اللجان الانتخابية، وإرسال صورهم عبر حساباتهم الخاصة على الفيسبوك، كما كان بعضهم يعلق على درجة نزاهة وشفافية الانتخابات ومدى الالتزام بالإجراءات داخل اللجان، بما يعكس درجة كبيرة من النضج السياسي لدى المواطن بحيث لم يعد دوره فقط الإدلاء بصوته أو التعبير عن رأيه، بل كان أيضاً رقيباً على هذا الصوت. 
كما نشط المواطنون بكثافة، خصوصاً من الشباب، على وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل تطوعي في الرد باللغتين العربية والإنجليزية على المشككين في نزاهة الانتخابات أو جدواها، وحكي تجاربهم الخاصة في التصويت والتعبير عن سعادتهم بممارسة حقهم الديمقراطي، خصوصاً أن بعض هؤلاء الشباب كان يصوت لأول مرة في حياته بعد أن بلغ السن القانونية للتصويت. 
 
رابعاً- المترشحون والواقع السياسي: 
فتحت الهيئة الوطنية للانتخابات باب التقدم بأوراق الترشح من يوم 20 يناير وحتى يوم 29 يناير، بموجب قرار الهيئة رقم 3 لسنة 2018، والذي حددت فيه الأوراق المطلوبة من الراغبين في الترشح للمنافسة على منصب رئيس الجمهورية والنماذج التي يجب عليهم استيفاؤها. 
وكان أهم هذه الشروط، وفقاً لنصوص الدستور في هذا الشأن، هو أن يكون راغب الترشح مصري الجنسية من أبوين مصريين، ولا يحمل هو أو زوجته جنسية أي دولة أخرى، وأن يكون راغب الترشح يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية وليس عليه أي حظر قانوني من ممارسة هذه الحقوق، مثل الحكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف، وأن يقوم بعمل فحص طبي بدني وذهني لدى الإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة، لإثبات أهليته البدنية والذهنية لتولي المنصب، وأن يتقدم الراغب في الترشح بما يفيد التأييد الشعبي له لخوض الانتخابات، إما بالحصول على عشرين تزكية من أعضاء مجلس النواب على الأقل، أو الحصول كحد أدنى على 25 ألف توكيل مسجل لدى الشهر العقاري من مواطنين عاديين، بواقع ألف توكيل على الأقل من كل محافظة من محافظات الجمهورية.
ورغم توارد العديد من الأسماء المحتملة للترشح في وسائل الإعلام فى أثناء الأشهر السابقة لفتح باب الترشح رسمياً، فلم يتمكن من الوفاء بشروط الترشح إلا كل من عبد الفتاح السيسي، الرئيس الحالي للبلاد، وموسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد.
 
المرشحان والمنافسة السياسية: 
لم تكن المنافسة السياسية هي العنصر الأبرز أو الأهم في هذه الانتخابات الرئاسية، حيث جرت الانتخابات بين المرشح عبد الفتاح السيسي، وهو الرئيس الحالي للبلاد، ويتمتع بتأييد شعبي واسع، ولديه برنامج واضح قائم على استكمال النجاحات المشهودة التي حققها في الفترة الرئاسية الأولى، خصوصاً في ملفات التنمية والمشروعات القومية، في مقابل المرشح موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، والذي لم يسمع عنه أغلب المواطنين قبل الانتخابات الرئاسية، ولم يكن له أو لحزبه أي حضور سياسي مؤثر في الشارع المصري، ولم يقدم برنامجاً انتخابياً يعتد به. 
ادعى بعض المراقبين، خصوصاً في الغرب، أن غياب المنافسة الحادة بين المترشحين للانتخابات الرئاسية من شأنه أن يضر بنزاهة الانتخابات، بل شكك بعضهم في جدوى إجراء انتخابات من الأساس، اعتماداً على نظرية الديمقراطية التمثيلية، والتي تحصر الممارسة الديمقراطية للمواطن على علاقته بصندوق الانتخابات، وفي مغالطة صريحة لمبادئ الديمقراطية الليبرالية التي تسعى مصر لإرسائها كقاعدة أساسية في العلاقة بين الدولة والمواطن، والتي تقوم بالأساس على إعطاء المواطن كامل الحق في الاختيار كجزء أصيل من حقوقه وحرياته التي يكفلها الدستور، والتي تكون فيها المشاركة الإيجابية والكثيفة من المواطنين في تقرير مصير بلادهم، بغض النظر عن عدد المتنافسين أو خلفياتهم، هي المعيار الأساسي. فالديمقراطية هي حكم الشعب، والمواطن هو العنصر الأهم في عملية صناعة القرار، وهذا ما تحقق بالفعل عبر انتخابات حرة ونزيهة شارك فيها أكثر من 24 مليون مواطن.   
 
تخبط سياسي قبل فتح باب الترشح: 
شهد الشارع السياسي حالة من اللغط والتخبط، دار أغلبها على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل فتح باب الترشح رسمياً، حيث تردد في الشارع السياسي الكثير من الأسماء لشخصيات سياسية بارزة يتمتعون بشهرة أوسع من موسى مصطفى موسى، لكن لم يتمكن أي منهم من الوفاء بمتطلبات الترشح، وبعضهم اختار أن ينسحب قبل حتى أن يتقدم بأوراق ترشحه رغم ما افتعلوه من حالة صخب إعلامي واسعة تمهيداً لإعلان ترشحهم، ادعوا خلالها أنهم يمتلكون شعبية واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أنهم لم يستطيعوا جمع الحد الأدنى من توقيعات المواطنين على أرض الواقع كشرط أساسي للترشح وفق القانون والدستور.  
من أمثال هؤلاء كان المحامي خالد علي، الذي عمل أغلب حياته كناشط حقوقي في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو ينتمي لتيار اليسار العجوز المتهالك في مصر، وبرز اسمه كسياسي بعد ثورة يناير 2011 ضمن حملات قادها اليسار لترشيحه في انتخابات الرئاسة لعام 2012، لكنه خسر من الجولة الأولى بسبب قلة الداعمين له، والذين اقتصروا فقط على بعض أصدقائه داخل التيار اليساري الضعيف جداً الآن. وبالرغم من الصخب الكبير الذي أحدثته حملة خالد علي على صفحات التواصل الاجتماعي قبل فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، لم يستطيعوا على أرض الواقع جمع الحد الأدنى من التوكيلات، الذي يقدر بخمسة وعشرين ألف توكيل، من مواطنين عاديين لتأهيله للتقدم بأوراق ترشحه وفق قانون الهيئة الوطنية للانتخابات، ووفق قواعد الدستور، لهذا قرر خالد علي عدم التقدم للمنافسة وأعلن ذلك في مؤتمر صحفي، وحاول أن يبرر موقفه بإيحاءات خاطئة تماماً عن أنه وحملته تعرضوا لتضييق، وهو ما نفته الهيئة الوطنية للانتخابات وكافة الجهات المسئولة في الدولة. 
بالتوازي مع ذلك، خرج عدد من العسكريين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً لإعلان رغبتهم في الترشح، منهم الفريق أحمد شفيق الذي خدم كرئيس وزراء في أواخر عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ثم نافس على الانتخابات الرئاسية ضد محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين في 2012 وحصل على نسبة تصويت تتجاوز 49% آنذاك، لكن الطريقة التي عرض بها شفيق رغبته في الترشح كانت سبباً في إثارة موجة غضب واسعة ضده من المصريين. 
حيث قام شفيق بتسجيل فيديو ونشره على موقع يوتيوب، ثم تم تداوله على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قال فيه إنه يتعرض للتضييق في مقر إقامته داخل دولة الإمارات، وإن السلطات منعته من السفر إلى مصر للترشح للانتخابات الرئاسية، وهو ما نفته دولة الإمارات تماماً، وسمحت له بمغادرة البلاد دون أي قيود، بعد أن أقام فيها – معززاً مكرماً – هو وأسرته لفترة تزيد على الخمس سنوات، منذ أن غادر مصر عقب خسارته في الانتخابات الرئاسية 2012. وبالرغم من كل ذلك الصخب الإعلامي، وبعد أن وصل الفريق أحمد شفيق إلى القاهرة، أعلن أنه أمعن التفكير في الأمر وقرر بكامل إرادته أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية لأنه ليس مؤهلاً للمنافسة في الوقت الراهن. 
 
كان من ضمن المرشحين العسكريين أيضاً الفريق سامي عنان، رئيس الأركان السابق في عهد مبارك، وأحد أبرز الوجوه التي قادت المجلس العسكري الذي حكم مصر لفترة وجيزة عقب ثورة يناير، وقد أعلن عنان رغبته في الترشح من خلال فيديو على اليوتيوب أيضاً، تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحظي الفيديو بنسب مشاركة كبيرة من اللجان الإلكترونية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين على تويتر وفيسبوك، لكن هذا الإعلان أوقع الفريق عنان في مشكلة كبيرة مع المؤسسة التي ينتمي إليها وهي القوات المسلحة، حيث إنه كضابط لا يحق له – وفقاً للدستور أو قانون القوات المسلحة – أن يشارك في الاستحقاقات الانتخابية لا كمرشح ولا كناخب، واستوجبت هذه المخالفة التحفظ عليه من جانب القوات المسلحة ومحاكمته، وهذا ما تم بالفعل، وترتب عليه عدم تمكن الفريق عنان من الترشح، لانتفاء هذا الحق عنه بقوة الدستور والقانون. 
 
دعوات المقاطعة: 
بعد هدوء موجة الترشيحات المحتملة على وسائل التواصل الاجتماعي، خرجت نخب المعارضة السياسية ذات التأثير الضعيف على الشارع بفيديوهات جديدة، ودعوات على صفحات فيسبوك وتويتر تدعو لمقاطعة الانتخابات، مدعومة بادعاء أن النتيجة محسومة وأنه لا يوجد مرشح منافس مناسب، وحمّلت هذه الدعوات مسئولية عدم وجود مرشح مناسب ومؤهل على الدولة نفسها وعلى الرئيس السيسي شخصياً، متجاهلة تماماً حقيقة أن توفير منافس سياسي مناسب هو مسئولية الأحزاب السياسية التي يزيد عددها على مئة حزب مسجل داخل مصر وليس مسئولية الدولة، لكن ليس لهذه الأحزاب أي تواجد حقيقي، وليس لأغلبها أي تمثيل يذكر في البرلمان أو دوائر صناعة القرار الأخرى، ويقتصر دورهم المعارض فقط على نقد سياسات الدولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 
تزامن مع هذه الدعوات أن عقدت بعض رموز المعارضة مؤتمرا صحفيا بعنوان "مؤتمر القوى المدنية لمقاطعة الانتخابات"، كان المتحدث الرئيسي فيه هو حمدين صباحي، رئيس حزب الكرامة، الذي خاض الانتخابات الرئاسية في 2014 ضد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وحصل بالكاد على نسبة تصويت 3.1% من إجمالي الأصوات الصحيحة، وكان المؤتمر أشبه بمحاولة لإنقاذ ماء الوجه لما يصفون أنفسهم بالقوى المدنية المعارضة، بعد فشلهم في توفير منافس مناسب للترشح في الانتخابات الرئاسية الحالية. 
والغريب أنه شارك في هذا المؤتمر أيضاً بعض الوجوه الحقوقية المعروفة، في خلط مشين بين العمل الحقوقي والسياسي، وهو أمر ممنوع قانوناً ومحرم بحكم أخلاقيات العمل الحقوقي أيضاً، وكان من هؤلاء جورج إسحق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وترتب على مشاركته في مؤتمر المقاطعة أن جمد المجلس القومي لحقوق الإنسان عضويته، خصوصاً أن المجلس نفسه كان يقود حملات شعبية لدعوة المواطنين للمشاركة في الانتخابات وممارسة حقهم الدستوري في اختيار الرئيس، كما أن المجلس أيضاً قام بمتابعة ورصد الانتخابات في الداخل، ولم يكن ذلك ممكناً مع قيام أحد أعضائه بنشاط سياسي يدعو فيه لمقاطعة الانتخابات ذاتها. 
 
التنظيمات الإرهابية والتكفيرية: 
لم تقتصر دعوات المقاطعة على نخب المعارضة اليسارية في مصر فقط، ولكن أيضاً قامت بعض التنظيمات الإرهابية بعمل فيديوهات ونشرتها هي الأخرى على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، تتوعد فيها المصريين بالقتل والتفجير في حالة مشاركتهم في الانتخابات، فقد أصدر تنظيم داعش ثلاثة فيديوهات في الشهر السابق للانتخابات الرئاسية، وصف فيها الدولة المصرية بدولة الكفر، وهدد بتفجير طوابير الناخبين المشاركين في انتخابات الرئاسة، بينما نشر تنظيم القاعدة فيديو يتحدث فيه زعيم التنظيم أيمن الظواهري للمصريين ويحرضهم على عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية لأن في ذلك كفرا بمبدأ الحاكمية، ودعا الشباب "للانقلاب على السيسي" دفاعاً عن الله. 
في الوقت نفسه، نشطت اللجان الإلكترونية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً تويتر وفيسبوك ذات الشهرة الكبيرة في مصر، في حملات تحريض واسعة تستهدف الشباب بوجه خاص لإثنائهم عن المشاركة في الانتخابات بحجة أنها محسومة مسبقاً، ودعت الناس إلى الثورة على السيسي. وعندما يئست لجان الإخوان من إحداث أي تأثير يذكر، قامت بعمل انتخابات موازية على فيسبوك، والطريف أن انتخاباتهم الموازية أسفرت هي الأخرى عن فوز السيسي. 
وقبل بدء التصويت بيومين، قامت حركة حسم التابعة لجماعة الإخوان المسلمين بتنفيذ تفجير في محافظة الإسكندرية أسفر عن مقتل شخص وإصابة أربعة آخرين، لكن لم يثبط هذا الحادث من عزيمة المصريين. بل على العكس نزل العشرات إلى مكان الحادث بعدها مباشرةً وقاموا بعمل مسيرات رددوا فيها إصرارهم على المشاركة في الانتخابات رغم أنف الإرهاب. 
كما كان لافتاً غياب جماعة الإخوان المسلمين عن عمل أي مظاهرات، كعادتهم، بالتوازي مع الانتخابات، فلم يظهر الإخوان في فاعليات احتجاجية إلا فى أثناء تصويت المصريين بالخارج في كل من لندن ونيويورك، حيث اجتمع نحو خمسة عشر شخصاً في ثاني يوم لتصويت المصريين في الخارج في مظاهرة هزيلة في لندن، كانت تقودها مها عزام، الأستاذة الجامعية في كامبريدج المعروفة بتأيدها لجماعة الإخوان منذ يونيو 2013. بينما في نيويورك، لم يحضر إلى المظاهرة التي دعت لها جماعة الإخوان في ثاني أيام تصويت المصريين بالخارج، سوى ثلاثة أشخاص، بينما غاب الإخوان تماماً عن عمل أي فعاليات احتجاجية موازية للانتخابات بالداخل، رغم الدعوات المتكررة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قيادات الإخوان الهاربين لقواعدهم داخل مصر، لعمل مظاهرات في الشوارع. 
وهذا يعكس ضعفا شديدا في القدرات التنظيمية لجماعة الإخوان، ربما يكون السبب فيها هو غياب التمويل القطري والتركي عن الجماعة في داخل وخارج مصر، حيث إن تركيا منشغلة تماماً بالحرب في سوريا الآن، والتي تكرس لها كل مواردها المادية، بينما تعاني قطر أزمة اقتصادية بسبب المقاطعة الدبلوماسية لها من جانب دول الرباعي العربي والمستمرة منذ عام تقريباً. 
من ناحية أخرى، كان لحزب النور السلفي موقف مخالف لجماعات الإسلام السياسي، إذ أعلن حزب النور عن تأييده للانتخابات، على عكس عقيدة السلفيين أنفسهم، والذين انتقد بعضهم الحزب لاتخاذ خطوة كهذه. ودعا قيادات الحزب، أعضاء الحزب وقواعد السلفيين في مصر للمشاركة في الانتخابات، وشارك قيادات الحزب وأسرهم في الانتخابات بالفعل والتقطوا صوراً لأنفسهم فى أثناء التصويت، خصوصاً في محافظة الاسكندرية التي يقع فيها أكبر عدد من القواعد الشعبية المؤيدة للسلفيين.   
 
معارضة وهمية:  
الطريف في الأمر أن كل هذا الحراك السياسي الذي سبق فتح باب الترشح للانتخابات، أو حتى الذي جرى بعد أن بدأت الانتخابات بالفعل وقبل يوم التصويت، اقتصر فقط على العالم الافتراضي على مواقع الانترنت، والتي لم تعبر بأي حال عن واقع الشارع المصري ولم يكن لها أي تأثير يذكر عليه. ولعل لجوء الأحزاب السياسية المعارضة، والجماعات الإسلامية السياسية، وكذلك الجماعات الإرهابية، لمنصات التواصل الاجتماعي دون النزول إلى أرض الواقع، هو أكبر مؤشر على ضعفها وعدم قدرتها على إحداث أي فارق في الواقع السياسي في مصر، وأنها لا تتجاوز كونها كيانات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي. 
 
خامساً- الدعاية والحملات الانتخابية: 
حددت الهيئة الوطنية للانتخابات في قرارها رقم 15 لسنة 2018 بدء الدعاية الانتخابية في يوم 24 فبراير، مع الالتزام بالصمت الانتخابي يومي 14 و 15 مارس السابقين لتصويت المصريين بالخارج، ويومي 24 و 25 مارس السابقين لتصويت المصريين بالداخل. وأتاح قرار الهيئة للمرشحين عمل حملات انتخابية والقيام بكل أنشطة الدعاية المتعارف عليها عبر وسائل الإعلام ولافتات الشوارع وتوزيع المنشورات وعقد الندوات والمؤتمرات، بما لا يخل بحركة الحياة الطبيعية في البلاد بشكل عام، وبشرط التزام المرشح بصرف مبلغ لا يتجاوز 20 مليون جنيه بحد أقصى على أنشطة الدعاية، تتم مراقبة إنفاقها عبر حساب خاص بالحملة الانتخابية في أحد البنوك الوطنية. 
وحددت الهيئة الوطنية للانتخابات عددا من المحاذير، وفقاً للدستور، الواجب على المرشحين وحملاتهم الانتخابية الالتزام بها طوال فترة الدعاية، وأقرت الهيئة بتعيين لجنة في كل محافظة لرصد أي مخالفات تخص الدعاية وإبلاغ الهيئة بها لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإزالة المخالفة فور وقوعها. وكانت هذه المحاذير كالتالي: 
1. عدم التعرض لحرمة الحياة الخاصة لأي من المرشحين. 
2. عدم تهديد الوحدة الوطنية أو استخدام الشعارات الدينية أو التي تدعو للتمييز بين المواطنين. 
3. عدم استخدام العنف أو التهديد باستخدامه
4. عدم تقديم هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع أو الوعد بتقديمها، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة. 
5. عدم استخدام المباني والمنشآت ووسائل النقل المملوكة للدولة أو لشركات القطاع العام أو لقطاع الأعمال العام ودور الجمعيات والمؤسسات الأهلية في الدعاية الانتخابية بأي شكل من الأشكال.
6. عدم استخدام المصالح الحكومية والمرافق العامة ودور العبادة والمدارس والجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم العامة والخاصة ومقار الجمعيات والمؤسسات الأهلية في الدعاية الانتخابية. 
7. عدم إنفاق المال العام وأموال شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام والجمعيات والمؤسسات الأهلية في أغراض الدعاية الانتخابية. 
8. عدم الكتابة بأي وسيلة على جدران المباني الحكومية أو الخاصة. 
9. عدم استغلال شاغلي المناصب السياسية وشاغلي وظائف الإدارة العليا في الدولة لمناصبهم، أو الاشتراك بأية صورة من الصور في الدعاية الانتخابية بقصد التأثير الإيجابي أو السلبي على نتيجة الانتخابات أو على نحو يخل بتكافؤ الفرص بين المترشحين. 
 
وقد التزم المرشحان عبد الفتاح السيسي وموسى مصطفى موسى وحملتاهما الانتخابيتان تماماً بهذه الشروط، ولم يتم رصد أي مخالفات قام بها أي من المرشحين طوال فترة الدعاية، لا من جانب منظمات المجتمع المدني التي قامت بمتابعة سير العملية، ولا حتى من جانب اللجان القضائية التي عينتها الهيئة الوطنية للانتخابات لمراقبة مخالفات الدعاية في كل محافظة.  
كان من الملاحظ أن الحملتين تعمدتا التقشف الشديد في النفقات على الدعاية، ولم تظهر للحملتين الكثير من اللافتات أو المنشورات في الشوارع، وكانت أغلب اللافتات المنتشرة في شوارع المحافظات هي لافتات تبرع المواطنون العاديون بعملها، وكلها كانت تبدو في أغلبها وكأنها وسائل دعاية للمواطن الذي نشر الإعلان أو عائلته أو شركته، أكثر منها لافتة لدعم المرشح. 
بينما اقتصر النشاط المباشر للحملتين على عمل أنشطة رياضية وزيارات للمواطنين في المحافظات المختلفة لتشجيعهم على المشاركة في الانتخابات وتأييد مرشحهم، ووقفات في الشوارع واجتماعات محدودة بالمواطنين، كما نشطت الحملتان بشكل ملحوظ على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان أغلب أعضاء الحملتين من الشباب. 
كما راعت وسائل الإعلام المصرية، على اختلاف أنواعها وتوجهاتها، إتاحة الفرصة لكلا المرشحين للظهور عليها، إلا أن ظهور المرشح موسى مصطفى موسى كان أكبر وأكثر انتشاراً وتكراراً، على عكس المرشح عبد الفتاح السيسي الذي اقتصر ظهوره في فترة الدعاية على فيلم واحد مدته ساعة عبارة عن حوار مفتوح مع المواطنين، وتحدث فيه عن نفسه وأفكاره وعائلته ورؤيته لمستقبل مصر.  
 
سادساً- الناخبون ونسب المشاركة:
جرت عملية فرز أصوات الناخبين بمعرفة القضاة المشرفين في اللجان الفرعية مباشرةً بعد غلق باب التصويت في اليوم الثالث من انتخابات المصريين بالداخل، تحت أعين وسائل الإعلام ومندوبي المرشحين ومتابعي منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، إذ لم يتم نقل الصناديق إلى اللجان العامة كما كان يحدث من قبل، بل قامت كل لجنة فرعية بفرز الأصوات وإبلاغ اللجنة العامة بها، ومن ثم قامت اللجنة العامة بإبلاغ الهيئة الوطنية للانتخابات بإحصائيات الفرز أول بأول، وهذا ما ضمن أعلى درجات الشفافية في عملية الفرز، وضمن كذلك عدم التلاعب بمحتوى الصناديق بأي صورة. 
بعد انتهاء فرز الأصوات على مستوى اللجان العامة، تسلمت الهيئة الوطنية للانتخابات أوراق الاقتراع بموجب محاضر رسمية، واستغرقت الهيئة خمسة أيام في عملية حصر الأصوات الإجمالية، ومراجعة الفرز، وفتحت خلال تلك الأيام الباب للمرشحين أو وكلائهم ومنظمات المجتمع المدني للتقدم بأي طعون إما على عملية الفرز أو نسبة التصويت في كل محافظة، ولم تتلق الهيئة أي طعون بهذا الشأن. 
وفي اليوم الخامس بعد انتهاء الفرز، يوم 2 أبريل، أعلنت الهئية الوطنية للانتخابات رسمياً في مؤتمر صحفي، بناء على قرار الهيئة رقم 57 لسنة 2018، النتائج النهائية للانتخابات، وانتهاء الانتخابات ككل، إذ لم تتطلب النتائج إجراء أي إعادة، بسبب الفوز الكاسح للمرشح عبد الفتاح السيسي بفترة رئاسية ثانية بنسبة تصويت 97.08% من إجمالي الأصوات الصحيحة من الجولة الأولى.
 
نسبة المشاركة الإجمالية:      
قامت الهيئة الوطنية للانتخابات بدعوة 59 مليونا و78 ألفا و 138 مواطنا للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وهم إجمالي من لهم حق التصويت من المصريين في الداخل والخارج، وفق قواعد بيانات الناخبين التي أعدتها الهيئة قبل بدء الانتخابات بشهرين تقريباً، بعد مجهود كبير من التنقيح والمراجعة لقواعد البيانات السابقة. 
وقد انعكس استقرار الهيئة الوطنية للانتخابات، من حيث كونها هيئة مستقلة ومتخصصة ودائمة الانعقاد، على دقة قواعد بيانات الناخبين بشكل كبير، حيث لم نر هذه المرة مشاكل مماثلة لتلك التي كانت تحدث في الاستحقاقات السابقة بشأن قواعد بيانات الناخبين، مثل بقاء أسماء أشخاص متوفين في قواعد البيانات، أو سقوط أسماء بعض المواطنين، أو عدم إدراج حديثي السن ممن بلغوا 18 عاما في قواعد البيانات، وربما هذه هي المرة الأولى التي تكون بها قواعد بيانات الناخبين على هذا القدر الكبير من الدقة.
وصل عدد إجمالي المشاركين في التصويت داخل وخارج مصر، حسب الإعلان الرسمي للهيئة الوطنية للانتخابات، إلى 24 مليونا و254 ألفا و152 ناخبا، بنسبة 41.05%، وهي تقريباً نفس نسبة من صوتوا في الانتخابات الرئاسية 2014، والتي شارك فيها 24 مليونا و537 ألفا و615 ناخبا، وهي نسبة قريبة جداً من نسبة من شاركوا في ثورة 30 يونيو أيضاً، التي أطاحت بنظام الإخوان المسلمين في عام 2013، والتي يقدر عدد المشاركين فيها بـ 30 مليون مواطن.
تعكس نسبة المشاركة الثابتة تقريباً في الاستحقاقات الانتخابية والأحداث السياسية الكبرى، التي جرت في مصر منذ 2013، أن هناك فئة من المواطنين، كان يطلق عليها "حزب الكنبة" أصبحت أكثر فعالية وإيجابية، حيث كانت هذه هي الفئة الصامتة التي تتجنب المشاركة في أي أنشطة سياسية بعد ثورة يناير 2011. أما الآن، فمن الواضح أن هذه الفئة مقبلة على المشاركة السياسية، وقادرة على إحداث تأثير في موازين الحراك السياسي بشكل عام. 
ويجب الأخذ في الاعتبار كيفية البناء على هذا الحراك الإيجابي في السنوات القادمة، بحيث يتم تفعيل دور هذه الفئة المهمة من المواطنين في أنشطة دائمة تمكنهم من إثراء الحياة السياسية، إما من خلال الأحزاب السياسية التي تحتاج إلى الكثير من التطوير بدورها، أو من خلال عمل حزب جديد يمثل فئة المؤيدين للنظام السياسي الحالي، أو حتى بإشراكهم في أنشطة المجتمع المدني بشقيه الحقوقي والخيري، لمن لا يرغب منهم في الانتماء السياسي لحزب بعينه. 
 
نسب التصويت لكل مرشح:    
حصل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي على نسبة 97.08% وهي تقريباً النسبة نفسها التي حصل عليها في انتخابات 2014، وكانت 96.9%، مع الأخذ في الاعتبار أن من لهم حق التصويت أكثر بستة ملايين مواطن هذه المرة، وأغلبهم من الشباب صغار السن المنضمين حديثاً لقواعد بيانات الناخبين، مما يعكس أن شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي لم تتقلص مثلما ادعى بعض المراقبين خلال السنوات الماضية، والذين أرجعوا السبب فيها لقرارات الإصلاح الاقتصادي التي أعلنتها القيادة السياسية في نوفمبر 2016، وبما يعكس أيضاً درجة كبيرة من الثقة بين الشعب والرئيس، جعلت الشعب يتفهم ويتحمل تبعات عملية الإصلاح الاقتصادي بدرجة كبيرة من الوعي والمسئولية، على عكس ما كان الحال مع رؤساء سابقين، وهذا بدوره يعكس شكلا جديدا للعلاقة بين الدولة والمواطن قائمة على المسئولية المشتركة، وهو أمر لم يكن معهوداً في مصر التي لطالما كانت تلعب فيها الدولة دور "رب البيت" طوال الوقت، وكان المواطن مجرد متلق أو متفرج. 
بينما حصل المرشح المنافس موسى مصطفى موسى على نسبة 2.92% من إجمالي الناخبين، بواقع 656 ألفا و534 صوتا، وهو رقم كبير، مع الأخذ في الاعتبار أن موسى أو حزبه لم يكن معروفاً لدى المواطنين قبل ترشحه في الانتخابات، كما أنه لم يقدم برنامجا انتخابيا، وربما سعى المصوتون له للإعراب عن عدم تخوفهم من تغيير الوجوه في الإدارة السياسية بشكل عام، وهو ما ينفي الادعاء بأن اختيار الرئيس السيسي لفترة رئاسية ثانية هو مسألة اضطرار، وليس مسألة اختيار حر قائم على وعي ونضج سياسي لدى غالبية الشعب.
 
الأصوات الباطلة: 
أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات، وفق قراراها رقم 57 لسنة 2018، أن نسبة الأصوات الباطلة في الانتخابات الرئاسية الحالية بلغت 7.27%، وهي نسبة أكبر من النسبة الثابتة للأصوات الباطلة في كل الاستحقاقات التصويتية السابقة التي شهدتها مصر منذ ثورة يناير 2011، والتي كانت تقف عند 4% تقل أو تزيد بـ 0.1% من استحقاق لآخر. ولا تعني هذه النسبة المرتفعة للأصوات الباطلة بالضرورة رفض المبطلين لعملية الانتخابات نفسها، حيث ظهر من أوراق الاقتراع التي صورتها بعض وسائل الإعلام، فى أثناء عملية الفرز، أن غالبية الأوراق التي تم إبطالها كان بسبب أخطاء ارتكبها الناخب في الورقة نفسها، بأن كتب كلمات مثلاً بدلاً من أن يشير أمام المرشح الذي يريده. والطريف أن أغلبها كانت كلمات حب وتأييد للرئيس السيسي. لكن في المقابل أيضاً، هذا لا ينفي أن جزءا من الأصوات الباطلة أو الأصوات التي منحها الناخبون لموسى مصطفى موسى هي أصوات تمثل شريحة من المعارضين سياسياً. 
يترتب على ذلك ضرورة النظر في كيفية احتواء شريحة المعارضة السياسية، التي اختارت أن تعبر عن نفسها عبر التصويت كقناة شرعية لتقرير المصير والتعبير عن الرأي، وليس عن طريق أعمال احتجاجية كما جرت العادة في السنوات التالية لثورة يناير 2011، بحيث يبدو أن هذه الشريحة أيضاً أصبحت أكثر نضجاً ولديها رغبة في أن تكون جزءا من الحراك السياسي الإيجابي في البلاد السنوات القادمة. ولكي يتم احتواء هذه الشريحة، يتطلب الأمر وجود أحزاب سياسية معارضة تقوم على أرضية وطنية، قادرة على المنافسة الشريفة التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن أولاً وأخيراً، وهذا ما تفتقده مصر بشدة في الأحزاب المعارضة الموجودة على الساحة السياسية حالياً، والتي يزيد عددها على المئة حزب، لكن أغلبها أحزاب على ورق، تتمحور حول شخص رئيس الحزب، وليس لها أي تأثير يذكر في الشارع. 
يكفل الدستور وقوانين الدولة المصرية للمعارضة السياسية العمل بحرية عبر القنوات الشرعية، لكن قوى المعارضة عليها مسئولية كبيرة في إعادة تنظيم نفسها، وتجديد الدماء في شرايينها، من خلال ضم عناصر شابة فاعلة وقادرة على التطوير الإيجابي داخل الأحزاب وفي المشهد السياسي بشكل عام، وهذه مسألة قد تستغرق بضع سنوات، وتتطلب رعاية خاصة من الدولة والقيادة السياسية، بحيث لا تقع المعارضة في فخ الاستقطاب الذي وقعت فيه قبل ثورة يناير 2011 وأدت لحالة التشرذم والضعف التي تعاني منها الأحزاب السياسية حتى يومنا هذا. 
 
الكتل التصويتية في المحافظات: 
أظهرت الكتل التصويتية في المحافظات مفاجآت تعكس تغيرا واضحا في طريقة تناول المواطنين للمشهد السياسي في مصر بشكل عام، وتدل أيضاً على تشكل بؤر جديدة للحراك السياسي في مصر تمت بلورتها في خضم الأحداث السياسية التي جرت في السنوات القليلة الماضية. 
فقد جاءت أعلى نسب مشاركة من محافظات الأطراف: الوادي الجديد وشمال سيناء وجنوب سيناء، على عكس ما كان عليه الوضع في الاستحقاقات السابقة التي كان إقبال الناخبين الأكبر فيها يتم في العاصمة القاهرة ومحافظات الدلتا شمالاً وشمال الصعيد جنوباً، بالرغم من أن هذه المحافظات تتعرض لاضطرابات كبيرة بسبب انتشار الإرهاب بها، مثلما هو الحال في شمال سيناء، أو قربها من بؤر إرهابية حدودية مثلما هو الحال بالنسبة للوادي الجديد.
كما شكلت محافظتة الفيوم كممثل عن محافظات الصعيد، والشرقية كممثل عن محافظات الدلتا، مفاجأة أخرى من حيث نسبة المشاركة التي تجاوزت 40%، وأيضاً من حيث نسبة المصوتين للرئيس السيسي، حيث كانتا هاتان المحافظتان هما الأعلى في نسبة التصويت للرئيس السيسي، رغم كونهما في السابق هما المحافظتين الأعلى دعماً وتصويتاً لجماعة الإخوان المسلمين في انتخابات 2012. 
ولهذا دلالتان، أولاهما أن المواطنين في هذه المحافظات كانوا من المخدوعين في الخطاب الديني لجماعة الإخوان في 2012، ولم يكونوا كتل دعم سياسي أصيلة للجماعة كما ادعت قيادات الإخوان طوال الوقت، وأنهم أصبحوا أكثر وعياً ونضجاً سياسياً وربما أكثر برجماتية الآن، وهذا أمر صحي يبشر بتغيير الطريقة التي يتعاطى بها المواطنون مع السياسة. أما الدلالة الثانية، فهي أن الرئيس السيسي استطاع كسب قطاعات جديدة من المؤيدين له ولسياساته ممن كانوا يتخذون موقفاً معارضاً بناء على دوافع عاطفية ودينية، وترتب على ذلك بناء علاقة جديدة من الثقة معهم، بفعل الإنجازات التنموية التي نجحت الدولة في تحقيقها خلال الفترة الأولى للرئيس السيسي. 
 
الخصائص الديموجرافية للناخبين: 
سجلت المرأة نسبة مشاركة عالية، وفق الملاحظات التي رصدناها من خلال المتابعة، كعادتها في كافة الأحداث السياسية الكبرى والاستحقاقات التصويتية التي شاركت فيها بكثافة منذ ثورة يناير 2011، فهي الأكثر شعوراً بالمسئولية بحكم طبيعة المجتمع المصري، الذي يعتمد فيه جزء كبير من هوية المرأة على سلامة أسرتها، وكأنها بهذه المشاركة الكثيفة تحمي أسرتها الأصغر ووطنها بوصفه الأسرة الأكبر. 
لكن لا يمكننا الجزم بأن هناك تقدما لفئة ديموجرافية معينة عن فئة أخرى من حيث نسبة المشاركة، حيث رصدنا مشاركة كبيرة من كل الفئات والأعمار، فقد كان هناك نسب مشاركة كبيرة من الرجال، خصوصاً الفئة العمرية الأكبر من 50 عاما، كما كانت هناك نسب لافتة من الشباب في المرحلة العمرية بين 18 و 25 سنة، وهي الفئة التي كانت صاحبة الإقبال الأضعف في الاستحقاقات التصويتية السابقة رغم كبر حجمها بالنسبة لعدد السكان في مصر، إذ تقدر نسبة الشباب في مصر تحت 30 سنة بنسبة 37% من إجمالي السكان. لكن في الانتخابات الحالية، رأينا إقبالا كثيفا من هذه الفئة، مما يعكس تكون حالة من الثقة لديها في صندوق الانتخابات كوسيلة للتعبير عن الرأي والتأثير في صناعة القرار السياسي.   
كما كانت نسبة المشاركة، حسب نتائج الفرز في الدوائر، أكبر في المناطق الشعبية داخل القاهرة، والمناطق الريفية في محافظات الأقاليم عنها في الحضر. فعلى سبيل المثال، سجلت دائرة الساحل في شبرا النسبة الأعلى ضمن دوائر القاهرة بنسبة مشاركة 85%، ولهذه الدائرة طبيعة خاصة، حيث إن نسبة المواطنين المسيحيين بها مرتفعة وكذلك الأمر في دوائر حي شبرا بشكل عام، وهو ما قد نعتبره مؤشراً على المشاركة الكثيفة من جانب المواطنين المسيحيين في الانتخابات الرئاسية الحالية، مثلما كان الحال في الاستحقاقات التصويتية السابقة، فقد كانت النسب الأعلى من المصوتين للرئيس السيسي في انتخابات 2014 من المرأة والمسيحيين. 
 
خاتمة وتوصيات: 
لم تكن مصادفة أن تخرج تنظيمات داعش والقاعدة وجماعة الإخوان المسلمين بفيديوهات وإصدارات إعلامية متنوعة، بالتوازي مع إجراء الانتخابات الرئاسية، تحرض فيها المصريين على عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية بادعاء أن مصر "دولة كافرة" وأن الانتخابات الرئاسية "شرك بالله" لأنها تنافي تفسيرهم لمبدأ "الحاكمية" في الشريعة الإسلامية، بل وتتوعد الناخبين بالتفجير والقتل في داخل لجان الاقتراع. كما دعا أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في أحد هذه الفيديوهات إلى الثورة على نظام السيسي، ووصمه أيضاً بالكفر، وقامت حركة حسم التابعة لجماعة الإخوان المسلمين بتنفيذ تفجير محدود في محافظة الإسكندرية قبل فتح باب التصويت في الداخل بيومين لترهيب المواطنين، الذين نزلوا إلى مكان التفجير بالعشرات في مظاهرات يعلنون فيها إصرارهم على المشاركة.  
كانت إرادة المصريين أكبر وعزمهم أشد، ورأينا أن شارك المصريون بنسبة غير متوقعة، رغم غياب حدة المنافسة على المنصب نفسه، نظراً لعدم توافر مرشح ذى شعبية كبيرة أمام الرئيس السيسي، وأعلن المصريون بهذه المشاركة الكثيفة صفحة جديدة من صفحات أمجادهم في الانتصار على الإرهاب والحفاظ على أمن وسلامة الوطن، والمضي قدماً في مراحل التطور الديمقراطي، وبدء حالة من الحراك السياسي المتعقل عبر القنوات الشرعية التي يكفلها الدستور وبما لا يخل بالنظام العام في الدولة.
وقد كان من أروع المشاهد التي جسدت هذا الحراك السياسي الجديد، الذي يعكس درجة غير مسبوقة من النضج السياسي لدى الموطنين، الجموع الغفيرة من طلاب الجامعات الذين خرجوا في مسيرات في كل محافظات مصر للمشاركة في الانتخابات ومساعدة الناخبين الآخرين، وكذلك الشكل الحضاري لمسيرات عمال المحلة في اليوم الأخير من التصويت، بعد انتهائهم من العمل، متجهين إلى صناديق الاقتراع بالآلاف، حيث لم يسبق أن شهدت مصر مثل هذه التجمعات الضخمة بين الطلاب والعمال تحديداً، إلا في فاعليات احتجاجية وإضرابات ومظاهرات.  
ويتطلب هذا الحراك السياسي المتعقل من جانب الشعب أن توازيه أنشطة من جانب القيادة السياسية والأحزاب الفاعلة لاحتوائه، وتفعيل دور المواطنين، الذين أصبحوا أكثر إيجابية، في الحياة السياسية بشكل دائم، وليس فقط في أوقات الانتخابات والتصويت، حيث يجب أولاً معالجة الأمراض المزمنة التي تعاني منها الأحزاب القديمة في مصر، ومنها غياب التواجد الشبابي في هذه الأحزاب، وتمحورها حول شخص رئيس الحزب، وغياب تأثيرها في الشارع وتأثرها به. 
كما يجب على القيادة السياسية أن تستمر في برامج تفريخ كوادر سياسية شابة جديدة، مثل البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الذي حقق نجاحاً باهرا رغم انطلاقه قبل عامين فقط، وكذلك تفعيل الهيئة الوطنية لتأهيل الشباب التي وعد بها الرئيس السيسي لتخريج كوادر سياسية شابة قادرة على تولي قيادة المناصب العليا في الحكومة. 
إن التحدي القادم لقطار الديمقراطية المصري، الذي أنطلق بقوة وثبات مع اكتمال الانتخابات الرئاسية الحالية، هو في مواجهة الانتخابات الرئاسية القادمة 2022، والتي من المفترض أن تنتهي فيها الفترة الثانية للرئيس السيسي، وبالتالي سيتوجب على المصريين – وفق الدستور – اختيار شخص جديد للاضطلاع بمهمة إدارة البلاد، في أول تداول سلمي للسلطة ستشهده مصر على طول تاريخها، وهذا يتطلب الاستعداد من الآن من خلال إعادة تشكيل المشهد السياسي في مصر ككل، وإتاحة الفرصة للكوادر المتميزة للظهور وإثبات نفسها، وربما تكون الانتخابات البرلمانية القادمة 2020 هي أول اختبار حقيقي للقوى السياسية في مصر بشأن قدرتها على خوض هذا التحدي. 
طباعة

    تعريف الكاتب

    داليا زيادة

    داليا زيادة

    مدير المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة