من المجلة - تقارير

هل أصبح العالم أكثر أمنا؟:| مستقبل القاعدة بعد بن لادن

طباعة

أحدث مقتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة في باكستان، علي يد القوات الأمريكية دويا هائلا في جميع أنحاء العالم، حيث تم القضاء علي بن لادن بعد مطاردة استمرت سنوات طويلة، سخرت فيها الولايات المتحدة الأمريكية قوتها الاستخباراتية والعسكرية لهدف القضاء علي زعيم تنظيم القاعدة الذي وجه ضربة قوية للولايات الأمريكية، المتمثلة في هجمات 11 سبتمبر الشهيرة، التي هزت العالم أجمع، وليس الولايات المتحدة الأمريكية فقط.

وقد أثار الإعلان عن مقتل بن لادن تساؤلات متعددة حول كيفية وصول القوات الأمريكية إليه، وعن دور لباكستان في عملية الاغتيال، وكذلك عن احتمالية وجود خيانة في صفوف القاعدة. إلا أن التساؤل الأهم يتعلق بوضع تنظيم القاعدة بعد مقتل بن لادن، بما في ذلك احتمالات توجيه ضربات انتقامية من قبل القاعدة، ثأرا لمقتل زعيمها، وهوية المرشح لخلافة بن لادن في قيادة القاعدة.

أولا- القاعدة قبل مقتل بن لادن :

مثل الإعلان عن "الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين" سنة 1998 بداية الظهور الفعلي والإعلامي للتنظيم الذي عرف إعلاميا وأمنيا باسم (القاعدة). وتشكلت الجبهة من تيارات جهادية من مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، وهي تنظيم الجهاد المصري، وجمعية علماء باكستان، وحركة الأنصار الباكستانية، وحركة الجهاد في بنجلاديش. وقد حددت الجبهة هدفها في قتال الأمريكيين والصليبيين واليهود في أي مكان من العالم(1)، الأمر الذي جعل تنظيم القاعدة تنظيما عالميا وعابرا للقارات، لأنه تكون من تيارات جهادية في مناطق مختلفة من العالم، إضافة إلي أن التنظيم أعلن أنه يستهدف اليهود والصليبيين والأمريكيين في كل مكان من العالم، مما جعله أخطر تنظيم علي مستوي العالم.

وتوافر للتنظيم خبرة كبيرة في العمل العسكري، نظرا لوجود عدد كبير من الأفغان العرب في صفوف التنظيم الذين كانوا يملكون خبرات قتالية وتنظيمية كبيرة اكتسبوها من الحرب الأفغانية. وفي سعيه إلي تدريب أفراده علي عمليات القتل والاغتيال والاختطاف، وكذلك العمل الاستخباراتي، استعان التنظيم ببعض الخبرات الأجنبية العالية، حيث نجح في استقطاب بعض ضباط الجيش السوفيتي بعد تسريحهم من الجيش، وذلك عن طريق أعضاء التنظيم من الجمهوريات الإسلامية السوفيتية سابقا. وكان التنظيم يدفع لهؤلاء الخبراء مبالغ طائلة من أجل تدريب الأفراد علي عمليات الاستخبارات والاغتيال، إضافة إلي عمليات الصاعقة والعمليات العسكرية التي تحتاج إلي تقنيات عالية. وكانت عملية التدريب تتم داخل معسكرات القاعدة، حيث كان التنظيم يتولي نقل الضباط وإعادتهم مرة أخري بعد أداء مهمتهم(2).

ومن خلال المقومات السابقة، بالإضافة إلي توافر إدارة مؤسسية ناجحة وموارد كبيرة، استطاع التنظيم القيام بعدد من العمليات الكبيرة والقوية في مناطق مختلفة من العالم، منها -علي سبيل المثال- تفجير السفارة الأمريكية في كل من نيروبي ودار السلام في أغسطس سنة 1998، وكذلك استهداف المدمرة الأمريكية "كول" في مرفأ عدن في اليمن سنة 2000، كما تم استهداف كنيس يهودي في جزيرة جربا التونسية سنة 2002.

ولكن تبقي هجمات سبتمبر 2001 هي العملية الأقوي التي قام بها التنظيم، والتي هزت الولايات المتحدة الأمريكية بقوة ومعها العالم أجمع، عندما قام بعض أعضاء التنظيم بخطف 4 طائرات ركاب مدنية واستخدامها في تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبني البنتاجون في واشنطن، وأسفر عن مقتل وفقدان 3 آلاف شخص. واستطاع التنظيم بعد هذه العملية القيام ببعض العمليات المتفرقة، ولكن ليس بقوة هجمات 11 سبتمبر، وجاء بعدها الرد الأمريكي قاسيا، فبدأ بإسقاط نظام طالبان الذي كان يحمي ويؤوي أعضاء القاعدة، ثم مطاردة أعضاء القاعدة في كل مكان في العالم، خاصة في أفغانستان وباكستان، إضافة إلي أخذ العديد من الإجراءات الأمنية والسياسية والإعلامية والاقتصادية ضد تنظيم القاعدة. لذلك، يمكن القول إن التنظيم قبل مقتل أسامة بن لادن قد مر بثلاث مراحل:

(أ) مرحلة التأسيس :

وهي المرحلة الأولي في حياة التنظيم، حيث تم التحالف بين بعض التيارات الجهادية وتكوين جبهة موحدة من أجل مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في أماكن متفرقة في العالم، مخالفين في ذلك مبدأ "العدو القريب أولي بالقتال من العدو البعيد"، فأصبح المبدأ الجديد المعمول به هو أن قتال العدو البعيد، المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين وإسرائيل، أولي بالقتال من العدو القريب، وهو الحكومات في الدول الإسلامية.

كما شهدت تلك المرحلة بناء الهيكل التنظيمي للقاعدة، حيث تم تحديد الأمير ومجلس الشوري ونائب الأمير، وكذلك تحديد اللجان التي يقوم عليها التنظيم، مثل اللجنة العسكرية، واللجنة المالية، ولجنة الشريعة، وكذلك لجنة الفتوي، ولجنة الإعلام. وبعد ذلك، تم الإعلان عن التنظيم في منتصف فبراير سنة 8991.

(ب) مرحلة النشاط والتنفيذ :

قام التنظيم خلالها بتنفيذ العمليات التي أنشئ التنظيم من أجلها، وهي العمليات التي  كانت تستهدف في مجملها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وإسرائيل تحت مسمي "قتال اليهود والصليبيين"، والذي جعل من تنظيم القاعدة شبكة عابرة للحدود. وتأسس التنظيم من عدة تنظيمات من مناطق مختلفة من العالم ساعدت تنظيم القاعدة في أن يكون صاحب أذرع طويلة قادرة علي توجيه الضربات في مناطق مختلفة من العالم ما بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، إضافة إلي العملية الشهيرة داخل أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، وهي هجمات 11سبتمبر.

وتعتبر هذه فترة الازدهار والنشاط بالنسبة لتنظيم القاعدة، وهي أيضا الفترة التي شهدت وجود تنظيمات تفرعت عن تنظيم القاعدة، وجماعات أعلنت ولاءها وتبعيتها له في أكثر من منطقة جغرافية من العالم، وبعضها كان يتلقي التعليمات علي الأرجح مباشرة من القيادة المركزية للقاعدة، وبعضها الآخر كان يتحرك بقدر أكبر من الاستقلالية. ومن أبرز المواقع الجغرافية التي شهدت تنظيمات متفرعة عن القاعدة: العراق، والسعودية، واليمن، والمغرب العربي، والقرن الإفريقي، وجنوب شرقي آسيا(3).

(ج) مرحلة الهروب والاختباء :

وهي المرحلة التي أعقبت هجمات سبتمبر بعد الرد الأمريكي القوي، الذي تمثل بداية في إسقاط النظام القائم في أفغانستان وهو نظام طالبان، ثم مطاردة فلول القاعدة وقيادتها في أفغانستان وباكستان وكل دول العالم بمساعدة العديد من دول العالم، حيث إنه في هذه الفترة، كان كل ما يستطيع أن يفعله قادة القاعدة وأفرادها هو النجاة بأنفسهم من القتل أو الاعتقال. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، لم يكن للتنظيم أن يفعل أكثر من ذلك، وهو الحفاظ علي البقية الباقية من أفراده، ورغم ذلك سقط العديد من قادة القاعدة في قبضة الولايات المتحدة، مثل أبي زبيدة الفلسطيني، وكذلك رمزي بن الشيبة اليمني الأصل، وعبد السلام الحيلة وغيرهم،  بالإضافة إلي قتل بعض القادة الآخرين.

هذا بجانب التضييق الشديد علي القاعدة وأفرادها اقتصاديا وعسكريا وأمنيا، في ظل الملاحقة القوية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي سخرت كل ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة في تتبع قيادات القاعدة وأفرادها، إضافة إلي المساعدة الاستخباراتية الكبيرة من العديد من دول العالم.

كل هذه العوامل السابقة جعلت تنظيم القاعدة في حالة كمون شديد، بعد أن أصيب معظم أجزائه بالشلل أو بالبتر.

ثانيا- بن لادن من قيادة تنظيمية إلي روحية :

لم يكن يدري أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، عندما ذهب إلي أفغانستان عام 1979 وهو أحد الشباب المسلمين العاديين الذين ذهبوا للجهاد في أفغانستان لنصرة الإسلام، أنه سوف يصبح أخطر رجل في العالم بعد 22 عاما، وأن أكبر قوة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية سوف تحشد كل قوتها من أجل القضاء عليه.

فأسامة بن لادن عندما ذهب إلي أفغانستان في بداية رحلته لم يكن يتمتع بأي مميزات قيادية معينة أو كاريزما خاصة، بل إنه ذهب إلي هناك كمن يستطلع الأمور ويقيم المواقف، ثم بدأ في الانخراط في صفوف المجاهدين العرب تحت قيادة الشيخ عبدالله عزام، حيث شارك في المعارك في الخطوط الأمامية، وتعرض لإصابة مباشرة في بعض المعارك، ثم بدأ يلعب دورا مهما في خدمة الجهاد الإفغاني عن طريق حشد الشباب المسلم من جميع دول العالم للجهاد في أفغانستان، وكذلك إنشاء معسكر الأنصار لتدريب الشباب علي القتال.

وقد ذاع صيت بن لادن في هذه الفترة، نظرا لخدماته في الجهاد، سواء عن طريق المشاركة الشخصية في القتال، أو الإسهام في الجهاد بالمال، والإنفاق علي المتطوعين والمجاهدين بسخاء، وكذلك تسهيل نقل العديد من المتطوعين والإنفاق عليهم وتدريبهم في المعسكرات التي أقامها لهذا الغرض، وتوفير الدعم المالي الكبير للمجاهدين الأفغان، سواء من ماله الخاص أو عن طريق التبرعات التي كان يجمعها من أثرياء الخليج. ثم انتهي الجهاد الأفغاني وانتصر المجاهدون الأفغان، الذين سرعان ما تصارعوا علي الحكم، ثم ظهرت حركة طالبان، واستولت علي الحكم في البلاد، وسيطرت علي معظم الأراضي الأفغانية، الأمر الذي وفر لأسامة بن لادن ومعه العديد من الأفغان العرب مأوي آمنا.  وخلال هذه الفترة، أعلن بن لادن عن عدائه السافر للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، الأمر الذي جعله في هذه الفترة أشبه بسبارتكوس العالم الإسلامي في نظر جهاديي العالم لثورته ضد الظلم والطغيان الأمريكي الغربي.

إذن، تحول أسامة بن لادن في فترة ما بعد الجهاد الأفغاني، أثناء حكم حركة طالبان، من جهادي بارز إلي ثائر علي الظلم الأمريكي. ثم أعقب ذلك الإعلان عن قيام الجبهة العالمية لجهاد اليهود والصليبيين، وقيام التنظيم بالعديد من العمليات المختلفة في مناطق مختلفة من العالم، خاصة هجمات سبتمبر ليصبح بن لادن الأب الروحي لكل التيارات الجهادية في العالم، وكذلك الملهم للعديد من التنظيمات الجهادية المتناثرة في العالم في صراعها ضد الأنظمة الموجودة في بلدانها، حيث أصبحت تستلهم فكر القاعدة، وتعد بن لادن القائد الروحي لها.

ولكن بشكل عام، فإن أسامة بن لادن في هذه الفترة كان هو القائد التنظيمي والروحي للقاعدة، وكان الرجل القادر علي أخذ القرارات الصعبة دون وجود معارضة قوية وحقيقية داخل صفوف التنظيم. حتي المعارضة التي كانت تواجه بن لادن لم تكن تستطيع أن تغير القرارات المهمة أو حتي ترشدها، لدرجة أن الذين عارضوا بن لادن في عمليات سبتمبر وحاولوا منعه من القيام بهذه العملية لم يستطيعوا أن يثنوه  عن هذا الأمر، رغم اقتناعهم بالعواقب الوخيمة لهذه العملية، مثل أبي حفص الموريتاني، المسئول الشرعي في القاعدة، الذي لم يستطع أن يفعل شيئا لمنع هذا الأمر سوي تقديم استقالته(4). وكذلك اعترض بعض القيادات الأخري علي هذه العملية، ولكن لم يكن هناك من يستطيع أن يواجه بن لادن، نظرا لموقعه علي رأس التنظيم، فضلا عن الكاريزما التي يتمتع بها، رغم وجود شخصيات تنظيمية في القاعدة تفوق في القدرة التنظيمية والحركية بن لادن، مثل أيمن الظواهري، إلا أن الظواهري لم يكن يمتلك كاريزما بن لادن، الذي كان يجمع عليه الجميع في تولي قيادة التنظيم.

ثالثا- اغتيال بن لادن :

فاجأت الولايات المتحدة الأمريكية العالم، عندما أعلن الرئيس الأمريكي شخصيا عن قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في عملية نفذتها قوات أمريكية خاصة في منطقة أبوت آباد الباكستانية يوم 1 مايو 2011، بعد مطاردة استمرت لسنوات عديدة، الأمر الذي أثار عددا من التساؤلات عن بعض الأدوار في هذه العملية، منها:

(أ) الدور الباكستاني :

لقد تم مقتل بن لادن في منطقة أبوت آباد الباكستانية، وهي منطقة شبه عسكرية، مما أثار تساؤلات قوية حول حقيقة عدم معرفة أجهزة الاستخبارات الباكستانية بوجود بن لادن في هذه المنطقة التي من السهل معرفة كل من يقطن فيها.

وفي الوقت ذاته، تردد أخيرا أن الرئيس الباكستاني السابق كان قد وقع اتفاقا سريا مع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عام 2001، يسمح لواشنطن بشن غارة من جانب واحد لاستهداف بن لادن أو أي من قيادات القاعدة(5)، وذلك في ظل اتفاق أمني وثيق ومتواصل بين واشنطن وإسلام آباد، مما أوجد احتملا قويا بأن باكستان أرشدت الأمريكيين إلي موقع بن لادن، بعد أن رأت أن الأمر يمكن أن ينكشف.

ويبدو أن باكستان كانت تلعب لعبة مزدوجة، حيث كانت تعلم بمكان بن لادن، وتغض الطرف عن ذلك، ولم تخبر الولايات المتحدة بذلك لرغبتها في استمرار الدعم الأمريكي لها، في ظل الحرب الأمريكية علي تنظيم القاعدة وبن لادن، حيث كانت الولايات المتحدة تحتاج لدعم باكستان لها  في هذه الحرب. وربما يؤيد هذا التوجه وجود شكوك لدي واشنطن بأن هناك قطاعات في بعض الأجهزة الأمنية الباكستانية كانت تعلم مكان بن لادن، بل وتؤويه وتقدم له الدعم، وأن الأمريكيين قد وصلوا إلي بن لادن عن طريق آخر، هو اختراق القاعدة نفسها دون علم باكستان، الأمر الذي يفتح مجالا للتكهن باحتمال وجود عملاء داخل التنظيم، وأن التنظيم مخترق أمنيا.

(ب) اختراق التنظيم :

كان قادة القاعدة يأخذون أقصي درجات الحيطة والحذر، لدرجة أن عنصر القاعدة بعد لقائه مع أي شخص قيادي لا يستعمل التليفون المحمول إلا بعد نحو 120كم من المكان الذي تم فيه اللقاء، وغير ذلك من احتياطات أمنية، مثل عدم التجمع في مكان واحد، والتحدث بالإنجليزية وبطلاقة، لأن من يتحدث الإنجليزية يعتبر من سكان باكستان . ولكن رغم ذلك، يبدو أن القاعدة كانت مخترقة، وهذا الأمر ليس مستحيلا، لأن القاعدة مثلها مثل أي تنظيم قابل للاختراق، خاصة في ظل الوجود الاستخباراتي الأمريكي الكثيف في أفغانستان وباكستان للبحث عن بن لادن ورفاقه.

وقد تعرض التنظيم بالفعل للاختراق من قبل، مما أدي إلي مقتل بعض قادته، منهم -علي سبيل المثال- مدحت مرسي (أبو خباب) وهو مصري الجنسية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية ترصد مكافأة قدرها 5 ملايين دولار من أجل القبض عليه، وقد تم اغتياله عن طريق صاروخ أطلق من طائرة بدون طيار سقط عليه مباشرة في البيت الذي يقيم فيه، وعرف بعد ذلك أن الصاروخ أصابه وهو في سريره بدقة كاملة، وذلك بسبب أنه كان يرتدي سترة أهداها إليه عميل باكستاني، وكان بالسترة شريحة إلكترونية تولت توجيه الصاروخ ليسقط علي الرجل مباشرة(6).

الشاهد من هذه الحادثة أن العميل الباكستاني الذي كان علي صلة بأحد أهم قادة القاعدة كان يعمل مع الاستخبارات الأمريكية. ويؤكد هذا أن القاعدة مخترقة، وأن عملية الاختراق ليست مستبعدة في اغتيال بن لادن. لذا، يمكن القول إن اغتيال بن لادن إما أن يكون قد تم عن طريق مساعدة الاستخبارات الباكستانية، أو عن طريق تمكن الولايات المتحدة من اختراق القاعدة، كما حدث في حالات سابقة.

رابعا- تأثير مقتل بن لادن في القاعدة :

لاشك في أن تنظيم القاعدة سوف يتأثر بمقتل زعيمه أسامة بن لادن، ولكن هذا التاثير لن يكون قويا بدرجة كبيرة، لأن التنظيم منذ الاجتياح الأمريكي لأفغانستان وسقوط نظام طالبان قد أصبح ضعيفا لدرجة كبيرة بسبب الضربات القوية التي تلقاها علي يد الأمريكيين، والتي أدت إلي مقتل العديد من القادة والقبض علي آخرين، والبقية الباقية من التنظيم كل ما تستطيع فعله هو النجاة بأنفسهم من قبضة الأمريكيين.

فضلا عن أن التنظيم قد تلقي ضربات فكرية قوية من قبل التيارات الجهادية التي قامت بمراجعات فكرية، مثل الجماعة الإسلامية المصرية، وتنظيم الجهاد المصري، وعلي رأسه سيد إمام الشريف، المنظر الأول للجهاديين في المشرق العربي، وكذلك مراجعات الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا، وغيرها من المراجعات التي تمت في المنطقة، والتي مثلت بداية النهاية للفكر الجهادي في المنطقة العربية والعالم. أضف إلي ذلك أن نجاح الثورات العربية السلمية في بعض البلدان، مثل تونس ومصر، أثبت فشل المشروع الجهادي الذي تتبناه القاعدة وتريد تصديره إلي كل دول العالم.

الأمر الذي جعل تنظيم القاعدة يزداد ضعفا علي ضعف، حيث أصبحت صورة تنظيم القاعدة غير جيدة علي الإطلاق بعد المراجعات الفكرية والثورات السلمية العربية، في الوقت الذي كان فيه التنظيم يعاني أصلا الضعف الشديد بسبب الضربات التي تلقاها بعد أحداث 11 سبتمبر.

ومن المعروف أن اسم تنظيم القاعدة قد ارتبط بقوة باسم مؤسسه وزعيمه الراحل أسامة بن لادن، بما فرض تساؤلا مهما بعد اغتياله عن مستقبل القاعدة بعد فقد قائدها وملهمها وزعيمها الروحي، والذي فرض علي القاعدة بعض التحديات منها:

(أ) كفاءة التنظيم بعد بن لادن:

يجب تأكيد أن تنظيم القاعدة المنتشر في عدد من دول العالم ليس تنظيما واحدا، وإنما هناك ثلاث صور أو ثلاثة أشكال للقاعدة هي:

- القاعدة الأم، وهي التنظيم الأصلي الذي يقوده بن لادن، والذي أسس تحت مسمي "الجبهة الإسلامية العالمية  لجهاد اليهود والصليبيين".

- فروع القاعدة، وهي التي صدر أمر بإنشائها بأمر مباشر من أسامة بن لادن، والمثال الوحيد لها هو "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب". حيث يعد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب امتدادا فكريا وأيديولوجيا لتنظيم القاعدة المركزي الموجود في أفغانستان بزعامة أسامة بن لادن، وبالتالي فهو يتبني الاستراتيجية والأهداف نفسها التي تتمثل في ضرب الأهداف والمصالح الأجنبية والأمريكية، ولكنه لا يتلقي الأوامر من بن لادن(7).

- الصورة الثالثة للقاعدة هي نماذج القاعدة، وهي تلك التيارات المنتشرة في عدد من الدول الإسلامية، وتنتهج نهج القاعدة، وتعد أسامة بن لادن زعيما روحيا لها، ولكنها لم تنشأ بأمر منه، وليست لها أي علاقة بالقاعدة الأم، وأشهر هذه النماذج "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

وبالتالي، فإن التأثير المباشر لمقتل بن لادن سوف يكون في تنظيم القاعدة الأم، وإن كان هذا التأثير معنويا أكثر منه تنظيميا، لوجود كفاءات  تنظيمية عالية، مثل الظواهري وسيف العدل وغيرهما، وأيضا لأن التنظيم مصاب بالفعل بما يشبه الشلل منذ فترة.

أما بالنسبة لمسألة خلافة بن لادن في قيادة التنظيم، فإن التنظيم أعلن في 18 مايو2011 عن تولي سيف العدل- المصري الجنسية- قيادة التنظيم بصفة مؤقتة. ويبدو أن هذا القرار جاء من أجل ظروف خاصة تمنع تولي الظواهري، أشهر المرشحين والقائد التنظيمي الكبير، أو من أجل الحفاظ علي أمن الظواهري في هذه المرحلة.

(ب) العمليات الانتقامية للقاعدة :

يصعب علي تنظيم القاعدة الأم في الوقت الحالي القيام بعمليات انتقامية كبيرة أو مؤثرة، نظرا للظروف السابقة التي يمر بها التنظيم، لكن العمليات الانتقامية لمقتل بن لادن سوف تأتي علي الأرجح من جهتين هما:

) حركة طالبان، سواء طالبان باكستان أو طالبان أفغانستان التي كان كل منهما حليفا قويا ل- "بن لادن"، حيث تريان أنه رجل قدم الكثير للجهاد الأفغاني، لذا يجب الانتقام لمقتله، خاصة من باكستان التي يرون أن لها يدا في مقتل بن لادن.

) نماذج القاعدة المنتشرة في العديد من دول العالم، والتي كانت تري في بن لادن القائد والزعيم الروحي والملهم لها في صراعها ضد الأنظمة أو ضد العالم الغربي، وكذلك يمكن أن تأتي ضربات انتقامية من فرع القاعدة في جزيرة العرب. أما القاعدة الأم، فإن من الصعوية بمكان أن تقوم بأي عمليات للظروف الصعبة والقاسية التي يمر بها التنظيم.

الهوامش :

(1) دليل الحركات الإسلامية في العالم، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد الأول، الطبعة الثالثة، مارس 2006، ص58.

(2) نقلا عن (أبو جاسر المصري) أحد أعضاء القاعدة البارزين في حوار خاص مع الكاتب.

(3) جريدة المصري اليوم، ملف خاص عن القاعدة، عدد 252715 مايو2011، ص31.

(4) شهادة أسد الله بن عمر عبدالرحمن، موقع الجماعة الإسلامية.   http://www.egyig.com

(5) جريدة الأهرام، 12 مايو 1102.

(6) حوار مع السيدة (أم خباب) زوجة مدحت مرسي علي موقع الجماعة الإسلامية المصرية أجراه ناجح إبراهيم، رئيس تحرير موقع الجماعة الإسلامية المصرية. http://www.egyig.com

(7) علي الفقي، استراتيجية مواجهة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.. دراسة مقارنة مع الحالة المصرية، في:

القاعدة في جزيرة العرب، كتاب المسبار الشهري، العدد العاشر (دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، أكتوبر 2007) ص232.

طباعة

    تعريف الكاتب

    علي بكر

    علي بكر

    نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة