تحليلات - مصر

دلالات العملية "سيناء" 2018

طباعة
جاء إعلان المتحدث العسكري يوم الجمعة الموافق 9 فبراير بإطلاق القوات المسلحة المصرية عملية عسكرية شاملة ضد الإرهاب في شمال ووسط سيناء تحت إسم "سيناء 2018"، ومناطق بدلتا مصر، والظهير الصحراوي غرب وادي النيل، في إطار "خطة مجابهة شاملة للعناصر الإرهابية والإجرامية"، وما صرح به المتحدث العسكري بأن العملية تأتي "في إطار التكليف الصادر من رئيس الجمهورية للقيادة العامة للقوات المسلحة، ووزارة الداخلية بالمجابهة الشاملة للإرهاب والعمليات الإجرامية الأخرى بالتعاون الوثيق مع كافة مؤسسات الدولة"- كدليل على التزام الدولة المصرية لتعهداتها باستمرار الحرب على الإرهاب إلى أن يتم القضاء عليه نهائيا. ولم يكن الإعلان بمفاجأة، خاصة أنه جاء بناء على تكليف مباشر ومعلن من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن يتم القضاء على الإرهاب خلال ثلاثة أشهر، وهو ما تبعته استجابة مباشرة وسريعة من القوات المسلحة المصرية، أظهرت مدى جديتها في حربها ضد الإرهاب، وأرغمت المعارضين في وسائل الاعلام داخليا وخارجيا على تغطية العملية، بل وأرغمتهم على الاعتراف بجدية الجهود المصرية في محاربة الإرهاب، خاصة أن العملية قد جاءت لتوضح مدى التلاؤم بين القول والفعل لدى الدولة المصرية التي اتخذت الحرب على الإرهاب بوصفها قضيتها الأولى والمصيرية داخليا وخارجيا.
 
أبرز ما يميز العملية "سيناء 2018":
التنسيق: تعد العملية الأولى من نوعها في سيناء من حيث درجة التنسيق الشامل والمنظم والدقيق بين قوات الجيش وقوات الأمن، وشاركت فيها كل من القوات البرية والبحرية والجوية، وتمت بناء على جهود استخباراتية دقيقة وشاملة، وهو ما جعلها العملية الأضخم في تاريخ مواجهة التشكيلات الارهابية، وهو ما مكن القوات المسلحة من النجاح في تدمير العديد من الأهداف الخاصة بالتنظيمات الارهابية.
الشمولية: العملية " سيناء 2018" هي الأكثر شمولية في تاريخ العمليات العسكرية التي تم اطلاقها لمواجهة التنظيمات الارهابية في سيناء. فبالاضافة إلى ما اتسمت به العملية من درجة عالية من التنسيق بين مختلف أجهزة الدولة، فإنها تضمنت مشاركة ضخمة لحجم القوات، بالإضافة إلى اتساع النطاق الجغرافي الذي شاركت في تغطيته مختلف أجهزة الدولة في تنسيق وتكامل أشادت به العديد من المواقع والصحف العالمية، والذي تضمن شمال ووسط سيناء، ومناطق بدلتا مصر والظهير الصحراوى غرب وادى النيل، ولم تقتصر فقط على استهداف العناصر الارهابية وانما تضمنت عملية تطهير وتنشيط شاملة للعناصر الاجرامية الأخرى.
التسليح: استخدمت القوات المسلحة المصرية في العملية أنواعا  مختلفة من الأسلحة، مثل مقاتلات F16، وكذلك مقاتلات الرافال، ومروحيات الأباتشي، ومروحيات الشينوك الناقلة، بالإضافة إلي طائرات النقل التكتيكي "كاسا سي 295 الناقلة"، وطائرات الإنذار المبكر والتحكم المحمول جوا، E2C Hawkeye 2000،  وكذلك زوارق للقوات الخاصة قابلة للنفخ، وشاركت أيضا عربيات الجيب الـTJL، وغيرها. وقد أثارت أنواع الأسلحة المستخدمة في العملية اهتمام الرأي العام العالمي الذي حرص على رصد ومتابعة تفاصيل ما تم استخدامه من أسلحة.
 
دلالات العملية " سيناء 2018":
تضمنت العملية " سيناء 2018" العديد من الدلالات المهمة، والتي يمكن اجمالها فيما يأتي:
الاستباقية: لقد تبنت الدولة في التعامل مع الارهاب المنحى الاستباقي منذ اطلاق عملية حق الشهيد، فاتجهت إلى تنفيذ العديد من العمليات التي هدفت من خلالها إلى القضاء على العناصر الارهابية وضرب أوكارها وكمائنها، متخلية بصورة تامة عن منحى رد الفعل. ولعل العملية سيناء 2018 تعد أضخم العمليات العسكرية الاستباقية التي شهدتها سيناء في السنوات القليلة الماضية، في خطوات جادة للاتجاه نحو تنفيذ الالتزامات التي اتخذتها الدولة على عاتقها بهدف تطهير الدولة المصرية من العناصر الارهابية.
عملية ممتدة: على الرغم من ضخامة وشمولية العملية العسكرية، فإنها عملية ممتدة ولن تنتهي الا بانتهاء الهدف منها، والمتمثل في القضاء على الارهاب. ويمثل نجاح العملية الذي انعكس في القضاء على عدد كبير من العناصر الارهابية وتدمير مخازن العبوات الناسفة، وتدمير العديد من الأهداف التي تستخدمها العناصر التكفيرية في الاختباء، بداية انطلاق نحو الهدف النهائي المتمثل في التطهير الشامل من الارهاب وضبط الحدود، هذا بالإضافة إلى تأكيد المتحدث العسكري ما يستتبع العملية من تكثيف لإجراءات التأمين للأهداف الحيوية والمرافق العامة، وتنظيم الكمائن الثابتة والمتحركة، بالإضافة إلى أعمال التمشيط الدورية.
الارتقاء بتصنيف مصر: لا شك في أن ما تعانيه مصر من طرح دولي يتسم بالتحيز والمبالغة عند تناول الأوضاع الأمنية الداخلية، خاصة قضايا الارهاب، وما تحاول العديد من المؤشرات الدولية ووسائل الاعلام العالمية الايحاء به في التقارير الصحفية ومؤشرات الأمن والارهاب، والتي تغفل بصورة كبيرة ما حدث من تطور، وما حققته قوات الجيش بالتعاون مع قوات الأمن من نجاحات انعكست بصورة واضحة في انحسار النطاق الجغرافي للعمليات الارهابية وتمركزها في مناطق بعينها من شمال سيناء، بالإضافة إلى التراجع الكبير في عدد العمليات الارهابية، والانخفاض الملحوظ في منحى الارهاب. ومن هنا، فقد نجحت العملية التي حازت بتغطية اعلامية واسعة النطاق في وسائل الاعلام الدولية في توصيل رسالة تحوي اتجاه مصر الجاد للقضاء على الارهاب، بالإضافة إلى الرسائل المتعلقة بتماسك الدولة وكيانها القوي، وقدرتها على اتخاذ قرارات عسكرية تتسم بالانسجام والتناغم.
خلق رأي عام عالمي داعم: لقد حظيت العملية بتغطية اعلامية عالمية، حيث وصفتها وسائل الاعلام الغربية بأنها أضخم عملية عسكرية قبل الانتخابات الرئاسية، وهو ما بدا على سبيل المثال في وصف موقع "ستراتفور" الأمريكي للعملية بأنها تأتي في توقيت يتسم بـ " الذكاء السياسي"، وما ذكرته صحيفة " ذا تايمز" البريطانية بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي قام بنشر "أكبر جيش في إفريقيا يحارب الجهاديين في شمال سيناء والدلتا وأطلق أكبر عملية لمكافحة الإرهاب في مصر قبيل أسابيع من إعادة انتخابه"، بالاضافة إلى وصف صحيفة "تليجراف" البريطانية العملية الحالية بـأنها عملية "غير مسبوقة" في تاريخ مواجهات التنظيمات الإرهابية.
دلالة التوقيت: أظهر توقيت تنفيذ العملية دلالة مهمة، هي أن تصاعد الحرب على الارهاب في مصر ليس مقترنا فقط بما تشهده مصر من عمليات إرهابية، فقد اتجهت بعض الأطراف إلى توجيه النقد للتحركات المصرية في الحرب على الارهاب من خلال محاولة ربطها بوقوع عمليات ارهابية، بحيث يتم الايحاء يأن ما يتم من عمليات الهدف منها فقط الرد على هذه الهجمات. إلا أن العملية سيناء 2018 تعد دليلا واضحا وملموسا على أن الحرب على الارهاب ليست قضية وقتية وليست مرهونة بأحداث سياسية بعينها، أو رهنا بتصعيد من جانب العناصر الارهابية. الا أن العملية قد برهنت على أن الدولة المصرية تنظر إلى قضية الحرب على الارهاب بجدية والتزام ومثابرة، وهو ما عكسته شموليتها وانطلاقها في هذا التوقيت، خاصة أنها تأتي قبل أسابيع قليلة من المهلة التي وضعها الرئيس عبد الفتاح السيسي للقضاء على الارهاب في سيناء في خطابه الذي أطلقه في نوفمبر الماضي 
رفض التدخل الخارجي: على الرغم من ضخامة العملية العسكرية وشموليتها وما اقتضته من حجم ضخم للقوات، فإن القوات المسلحة المصرية قد قامت بها دون اللجوء إلى دعم خارجي، فلم تشارك قوات غير مصرية في العملية، حيث رفضت مصر الدعم الأمريكي للمشاركة في العملية، بالإضافة إلى رفض مشاركة الجانب الإسرائيلي، وهو ما يدل على اصرار مصر على خوض معركتها منفردة لإثبات أن قواتها المسلحة قادرة تماما على تنفيذ ما يوكل لها من مهام على الوجه الأكمل، وذلك في تأكيد مباشر على الثواب العسكرية المصرية التي تقوم بصورة رئيسية على رفض التدخل الخارجي.
الدعم الشعبي: حظيت العملية الشاملة بدعم شعبي من كافة أطياف الشعب، والذين احتشدوا لدعم العملية التي تضمنت العديد من رسائل الطمأنة الداخلية والخارجية. وعلى الرغم من تعالي أصوات معارضة تحاول التقليل من حجم العملية، أو اثارة التساؤلات والجدل حولها، فإن قوة وشمولية العملية التي تزامنت مع دعم شعبي واعلامي، داخلي واقليمي ودولي، كانت لها الغلبة في سيادة الطرح الموضوعي لما يتم بذله من جهود جادة في مكافحة الارهاب.
رسالة إقليمية: لم تمر اشارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعلنة، والتي أشار من خلالها إلى أن عناصر وقيادات من تنظيم "داعش" قد تم ارسالهم إلى سيناء، لتشكل موقع تمركز بديلا للتنظيم عقب هزيمته في الموصل والرقة، مرور الكرام. ولعل انطلاق العملية يمثل ردا غير مباشر على ما يتم اطلاقه بين الحين والآخر من تصريحات بما تتضمنه من ايحاءات حول إمكانية خلق نقاط تمركز بديلة لتنظيم "داعش" في سيناء، وملاذ لعناصر التنظيم، ونقطة انطلاق لعملياتها. ولاشك في أن عملية سيناء 2018 تمثل ردا حاسما وفاصلا على هذه التصريحات التي اشتملت على رسائل ضمنية استجابت لها مصر بدقة في التوقيت والتنفيذ.
طباعة

    تعريف الكاتب

    عزة هاشم أحمد

    عزة هاشم أحمد

    باحثة في العلوم السياسية