تحليلات - عالم عربى

لماذا التحرك السعودي- الإماراتي لتفعيل قوة الساحل الأفريقي؟

طباعة
يثير التحرك السعودي – الإماراتي لتفعيل قوة الساحل الأفريقي (جي5)- المشكَّلة من جيوش خمس دول (موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، تشاد، النيجر)- تساؤلات لدى المراقبين حول دوافعها في التوقيت الراهن، خاصة أن البلدين الخليجيين تعهدا خلال قمة باريس الأخيرة (13 ديسمبر 2017) بالإسهام في تمويل هذه القوة بـ130 مليون يورو (100 مليون من الرياض، و30 مليون من أبو ظبي). 
يعنى ذلك أن مساهمة السعودية والإمارات معا (152 مليون دولار تقريبا)، تشكل أكثر من ربع التمويل المبدئي المخصص لقوة الساحل الأفريقي، والمقدر مبدئيا بـ500 مليون دولار لإطلاق عملياتها في منتصف 2018، فضلا عن أنها تتجاوز ما قدمته قوى غربية أخرى أكثر نفوذا وتغلغلا بالمنطقة، مثل: الاتحاد الأوروبي (50 مليون يورو)، والولايات المتحدة ( 60 مليون دولار)، وفرنسا ( 8 ملايين يورو).
إلا أن نظرة أكثر اتساعا لطبيعة مصالح وتحالفات كل من السعودية والإمارات في منطقة الساحل الأفريقي، وأفريقيا عموما تفسر مساعي البلدين للاستجابة السريعة للدفع الدولي، وخاصة الفرنسي بتسريع قوة "جي 5"، والتي تستهدف مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بالمنطقة. فقد نالت تلك القوة دعما من مجلس الأمن إثر قراره، في وقت لاحق من الشهر الجاري، والذي يجيز لقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي" مينوسما" بتقديم دعم لوجستي لقوة الساحل. 
تأخذ أهداف التحرك السعودي – الإماراتي في الساحل الأفريقي ثلاثة أنماط من الدوافع المتشابكة مع بعضها بعضا، وتتشارك فيها الدولتان، بحكم ما بينهما من تحالف إقليمي، سواء في منطقة الخليج أو خارجها. أولها، يخص الترابط بين قضية مكافحة الإرهاب، وتأمين المصالح الأمنية والاقتصادية لكل من السعودية والإمارات بالمنطقة، وثانيها، يتجه أكثر نحو مواجهة القوى الإقليمية المناوئة والنافذة بالمنطقة، خاصة إيران وقطر، وثالثها، يتجه بالمقابل إلى بناء تأثيرات داعمة للتحالفات الدولية والإقليمية ذات الأهداف المنسجمة مع السياسة الخارجية للبلدين الخليجيين بالمنطقة، خاصة فرنسا، والمغرب، ومصر.
 
تغير خليجي نوعي
للوهلة الأولى، تتصدر مكافحة الإرهاب دوافع السعودية والإمارات من دعم قوة الساحل، لكن البلدين لا يطرحان دورهما في هذا الشأن، على أنهما ممولين رئيسيين لتلك القوة، مثلما طلب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، خلال لقائهما الشهر الماضي في الرياض.
بل إن التحرك السعودي- الإماراتي أخذ هذه المرة خطوة نوعية مضافة لمكافحة الإرهاب تتجلى بالأساس في الشراكة العملياتية لتفعيل قوة الساحل على الأرض، ويبرز ذلك الأمر في تصريح عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي – لقناة فرانس 24 قبل أيام- بأن التحالف الإسلامي العسكري الذي تقوده الرياض، والمشكل من 41 دولة عربية وإسلامية سيقدم الدعم اللوجيستي والتدريبي لقوة الساحل الأفريقي، وأن اجتماعا سيعقد في الرياض لتنسيق ذلك الدعم.
يشي ذلك التحرك المزدوج ماليا ولوجستيا بأن الإدراك الخليجي لمكافحة التهديد الإرهابي بات يأخذ نمطا من الاستراتيجيات الاستباقية الهجومية في المناطق البعيدة، وليس فقط الدفاعية القريبة (سواء تلك التي تقتصر على حدود الدولة، أو حتى دول الجوار الخليجي الإقليمي المباشر، وغير المباشر في الشرق الأوسط)، خاصة أن الإرهاب صار بالأساس أكثر تشابكا وتنقلا بين المناطق الجغرافية المختلفة، بما جعل ما يحدث من إرهاب في شمال مالي، أو بوركينا فاسو، أو النيجر يؤثر ويتأثر بما يجري من مكافحة داعش في العراق وسوريا، أو حتى ملاحقة الذئاب الإرهابية المنفردة، والتي انتشرت عملياتها في دول أوروبية مؤخرا ، مثل، فرنسا وألمانيا.
يصب هذا التغير في الإدراك الخليجي لاستراتيجية مكافحة الإرهاب في إعادة إنتاج الصور الذهنية، خاصة للرياض، حيث يبرزها كقوة إقليمية تدعم الاستقرار في الساحل الأفريقي، بما يخفف من وطأة الروايات الغربية التي تتهمها بتوفير التغذية الفكرية للمتطرفين، والأهم، من ذلك تجفيف حواضن وملاذات التنظيمات الإرهابية، ومنع انتقال مقاتلي التنظيمات المتشددة التي تواجه انحسارا في الشرق الأوسط إلى أفريقيا جنوب الصحراء.  
فمع تقزم تهديد داعش في سوريا والعراق، تصاعدت التحذيرات الدولية من مغبة انتقال مقاتليه إلى جغرافيات هشة أخرى أكثر قابلية لتصاعد حدة الظاهرة الإرهابية، خاصة في منطقة الساحل الأفريقي، كونها تضم دولا تعاني إشكالات سياسية واقتصادية وأمنية في ضبط حدودها، وتعج بتنظيمات متطرفة عابرة للحدود، مثل: المرابطون، والقاعدة في بلاد المغرب العربي، وأنصار الدين، وكتائب تحرير ماسينا، وجماعة أنصار الإسلام، وتنظيم داعش الصحراء الكبرى.
ولعل دول في المنطقة، مثل مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر قد شهدت تصاعدا في الهجمات الإرهابية خلال العامين الأخيرين، بما بدا معه أن التدخلات العسكرية الفرنسية، سواء في شمال مالي في عام 2013، أو عملية "برخان" في عام 2014 لم تجفف منابع الإرهاب بالمنطقة، والذي عاد للتمدد وإطلاق ضرباته ليطول مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة، عندما قتل أربعة من جنودها في النيجر، ومثلهم من جيش هذا البلد في أكتوبر الماضي. 
ويشكل تصاعد التهديد الإرهابي في الساحل الأفريقي أحد مداخل عدم الاستقرار الذي ينال بالأساس من الاستثمارات السعودية والإماراتية المتنامية داخل أفريقيا ككل، حيث باتت الأخيرة جزءا أساسيا من استراتيجية البلدين الخليجيين لتنويع القطاعات الاقتصادية غير النفطية لديهما، خاصة في مجالات التعدين، والموانيء والزراعة. أضف لذلك، الأمن الغذائي الذي يمثل أهمية قصوى للنفوذ الاقتصادي الخليجي في أفريقيا، ولعل ذلك ما يفسر أن السعودية والإمارات تتصدران قائمة الدول الشرق أوسطية التي تشتري أراضى زراعية في الدول الأفريقية، كذلك، فإن كل من مالي والنيجر من ضمن الدول الأفريقية، التي شكلت هدفا أساسيا لمبادرة الملك السعودى الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، للاستثمار الزراعى في الخارج. 
يتعزز ذلك المسعى السعودي- الإماراتي لاستقرار أفريقيا، في ظل ما يشير إليه أحد التقارير الصادرة عن غرفة تجارة وصناعة دبي خلال العام الجاري بأن الإمارات تحتل المرتبة الثانية عالميا في حجم الاستثمارات في القارة الأفريقية بـ 11 مليار دولار خلال عام 2016 ، بينما حلت السعودية في المرتبة الخامسة بـ3.8 مليار دولار، مما يعني أن البلدين الخليجيين لديهما مصالح مباشرة في توفير استقرار سياسي في مناطق القارة السمراء، ومنها الساحل الأفريقي.
 
مواجهة إيران وقطر
تتمدد أهداف التحرك السعودي – الإماراتي بالساحل الأفريقي إلى مواجهة للنفوذ الإيراني في نطاقين جغرافيين مرتبطين أحدهما، يتعلق بمنطقة غرب أفريقيا، والتي يمثل الساحل الأفريقي جزءا أساسيا منها، وثانيهما، الشرق الأوسط، حيث يوفر تحرك البلدين الخليجيين إفريقياً امتلاك أوراق تفاوضية مع قوى دولية، مثل فرنسا والولايات المتحدة، واللتين بدورهما تحوزان أدوات للحد من الدور الإيراني في المنطقتين معا، بخلاف قضايا أخرى مشتركة مع دول الخليج في منطقة الشرق الأوسط.
تنبع أهمية هذا المسعى السعودي-الإماراتي من أن الأدوار الإيرانية تملك أدوات كثيفة في اختراق دول الساحل الأفريقي وغرب القارة ككل، سواء عبر استقطاب وكلاء دينيين للترويج للمذهب الشيعي، أو الاستفادة من الشبكات اللبنانية الاقتصادية المتنفذة في هذه البلدان أو استغلال الموارد الأولية، وفتح أسواق لها، كجزء من منافذ الحركة الإيرانية لمواجهة ضغوط العقوبات الدولية. 
فعلى سبيل المثال، تبرز النيجر –أحد دول الساحل الأفريقي- كنقطة جذب إيرانية بالمنطقة، إذ تسعى طهران إلى توظيف علاقاتها مع هذا البلد للحصول على احتياجاتها من اليورانيوم اللازم لبرنامجها النووى، وهو ما انعكس في التحركات الإيرانية الحثيثة لتوثيق العلاقات الأمنية والاقتصادية بين البلدين، حيث شكلت النيجر محطة أساسية، ضمن الجولة الأفريقية لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في أكتوبر الماضي، والتي شملت أيضا جنوب أفريقيا وأوغندا. 
بموازاة ذلك، يبرز أيضا مواجهة الدور القطرى في الساحل الأفريقي، كأحد أهداف التحرك السعودي– الإماراتي، في سياق مرحلة ما بعد المقاطعة الرباعية العربية للدوحة، والتي استهدفت بالأساس منع تمويل الأخيرة للإرهاب، أو الحد من تدخلاتها في الشئون الداخلية للدول.
تعزز التحركات السعودية – الإماراتية في الساحل الأفريقي هذا الهدف من زاويتين، الأولى: تحجيم تأثيرات قطر في دعم عدم الاستقرار في هذه المنطقة، خاصة أن الدوحة تعرضت من قبل لاتهامات غربية، خاصة فرنسية، بالتورط في تمويل جماعات جهادية في شمال مالي، مثل تنظيم التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا في عام 2012، تحت غطاء المساعدات الإنسانية التي تقدمها جمعية الهلال الأحمر القطري في هذا البلد. 
أما الزاوية الثانية، فتتعلق بسعي السعودية والإمارات لتحصين دول في الساحل الأفريقي من المساعي القطرية لتغيير مواقفها من المقاطعة، لاسيما وأن موريتانيا كانت قد قطعت علاقتها الدبلوماسية مع قطر، فيما أغلقت تشاد سفارة قطر في العاصمة إنجامينا، كما استدعت النيجر سفيرها من قطر. 
وتبرز أهمية ذلك التحصين الخليجي لمواقف دول الساحل الأفريقي، في ضوء امتلاك الدوحة لأوراق ضغط ضد بعض أنظمة دول الساحل. فعلى سبيل المثال، تحتضن الدوحة قيادات من المعارضة التشادية لنظام إدريس ديبي، كما أن لديها علاقات وثيقة مع حزب التجمع للإصلاح والتنمية ( تواصل)، والذي يمثل ذراع الإخوان المسلمين في موريتانيا، وكان ذلك الحزب قد رفض من قبل قطع النظام الموريتاني لعلاقته مع الدوحة دعما للسعودية والإمارات، متهما السلطة في نواكشوط آنذاك إياه بالارتهان لأجندات خارجية.
 
تقارب مع مصر والمغرب
بدوره، يطرح التحرك السعودي- الإماراتي في الساحل الأفريقي إشارة لافتة لتقوية الشراكات الإقليمية للبلدين مع قوى إقليمية عربية أخرى تملك أدوارا متصاعدة، ومرتبطة بمنطقة الساحل الأفريقي، خاصة المغرب ومصر. بينما يثير بالمقابل أيضا فجوة مع الجزائر التي رفضت الانخراط في قوة الساحل الأفريقي، كما برز في زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في وقت لاحق من الشهر الجاري، لاسيما وأن الجزائر تعارض أي تدخلات عسكرية خارجية بالمنطقة، خاصة أن دستورها يمنع خروج الجيش خارج الحدود. 
فبالنسبة للمغرب، يعزز التفعيل السعودي – الإماراتي لقوة الساحل الشراكة المحتملة معها في مكافحة الإرهاب، استنادا إلى عدة شواهد أساسية:
 أولها، أن المغرب يعد أحد الدول في التحالف العسكري الإسلامي، الذي تأسس قبل عامين في الرياض، ومن المقرر أن يشارك ذلك التحالف في الدعم اللوجيستي والتدريبي لقوة الساحل الأفريقي. 
وثانيها، أن للمغرب نفوذ اقتصادي وسياسي وثقافي واسع في دول غرب أفريقيا، ومنها الساحل الأفريقي، وأخذ ذلك النفوذ تصاعدا خلال العام الجاري، سواء إثر عودة الرباط للاتحاد الأفريقي في يناير الماضي، أو الموافقة المبدئية في يونيو الماضي على دخولها إلى جماعة الإيكواس في غرب أفريقيا، والتي تأجل حسم عضويتها النهائية حتى ربيع 2018.
وثالثها، أن المغرب كانت قد أبدت من قبل استعدادها لدعم قوة الساحل الأفريقي في مجال تدريب القوات وأمن الحدود، في سياق الانفتاح النسبي على المبادرات الفرنسية للرئيس ماكرون في الساحل الأفريقي، كجزء من صراعها مع الجزائر على النفوذ في القارة الأفريقية. 
بالمثل، فمن المحتمل أن يصب التحرك السعودي – الإماراتي في دعم وتمديد التحالف الإقليمي مع مصر من الشرق الأوسط إلى أفريقيا. فبخلاف أن القاهرة تعد أحد الأعضاء في التحالف العسكري الإسلامي، فإنها تملك دورا نافذا في مكافحة الإرهاب في ليبيا، والتي تمثل بدورها ساحة خلفية رئيسية لتحركات التنظيمات الإرهابية في الساحل الأفريقي، خاصة في تشاد، والنيجر، ومالي. 
من جانب آخر، فلا يمكن إغفال أن عمليات قوة الساحل الأفريقي تقع ضمن نطاق تجمع دول الساحل والصحراء، والذي أسس مركزا لمكافحة الإرهاب في القاهرة أقره وزراء دفاع التجمع في مارس 2016، وهو ما قد يطرح في المستقبل "تعاونا رباعيا محتملا" في الساحل الأفريقي بين كل من مصر، والسعودية، والإمارات، والمغرب، نظرا لأن القاهرة والرباط عضوان في تجمع دول الساحل والصحراء.
يظل في الأخير أن خريطة الدوافع، والتشابكات المصلحية للتحرك السعودي- الإماراتي لتفعل قوة الساحل الأفريقي تُظهر أن قضية مكافحة الإرهاب صارت مدخلا لإعادة بناء أو تكريس التحالفات الإقليمية والدولية ما بين الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء.مع ذلك، يبقى التساؤل قائما حول ما إذا كان ذلك التفعيل الخليجي لقوة الساحل الأفريقي سيؤتي أكله من عدمه، وهو أمر سيخضع للاختبار في الأشهر القادمة، مع إدراك أن البعد الأمني بات يتطلب بموازاته أبعادا أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية، كي تصبح استراتيجيات مكافحة ظاهرة الإرهاب أكثر شمولا في القارة الأفريقية.
 
طباعة

    تعريف الكاتب

    د. خالد حنفي علي

    د. خالد حنفي علي

    باحث في الشئون الإفريقية