مقالات رأى

أحمد مهابة الدبلوماسى الذى عشق مصر

طباعة
أحمد مصطفى مهابة من أبناء زاوية البقلى،مركز الشهداء المنوفية، من مواليد 20 أغسطس 1930، أخ أصغر لخمس من الأخوات وأخ ..خريج كلية الحقوق جامعة القاهرة .. شبّ على حب الوطن وترسخ بداخله كل معانى الانتماء من هواء الريف وترابه .. تعلم هناك معنى أن الارض عرض، وأن حب الأسرة وإتقان العمل والضمير والنزاهة والعزة والكرامة هى قيم ومعان لحب الوطن .. وكان هدفه وغايته فى الحياة أن يخدم هذا الوطن بكل وسيلة وعزيمة وحب .. اراد أن يلتحق بالكلية الحربية ليحقق حلمه ولكن لم يقدر الله له ذلك فقد كان لديه عظمة بارزة فى صدره فتم رفضه فى الكشف الطبى .. كان فصيح اللسان .. حلوالكلام .. حافظا للقرآن .. بعد ثورة 52 كانت بعض قيادات الثورة يطوفون القرى والبلاد ليحدثوا الفلاحين عن الثورة وأهدافها وكانت زاوية البقلى مركز الشهداء فى انتظار اليوزباشى انور السادات فى ذلك الوقت ليلتقى بأهلها ووقع الاختيار على دوار عائلة ابى ليلتقى السادات بأهل الزاوية .. ولم يجدوا افضل ولا ابلغ من ابى وليرحب بالزائرين القادمين من القاهرة وعمره لم يتجاوز الـ 17 من عاما .. أبدى السادات اعجابه الشديد ببلاغة ابى وطلب منه أن يرافقه فى ارجاء القرية ليخطب فى الناس ويوضح لهم اهداف الثورة . عندما لم يستطع ابى الالتحاق بالكلية الحربية، التحق بكلية الحقوق وكان طالبا متفوقا، وبعد أن انهى دراسته خدم كظابط احتياط لمدة عامين والتحق بعدها للعمل بمكتب محام لبنانى فى وسط القاهرة .. واراد المحامى اللبنانى ان يعود لبلاده وان يترك لابى مكتبه يديره له فى القاهرة حيث ذاع صيت والدى فى عدد من القضايا .. لكن الله كان له قول آخر . ففى أحد الايام، كان والدى مترجلا فى وسط البلد بعد انتهاء عمله فلفت نظره اعلان لوظائف خالية فى" مصلحة الاستعلامات "والتى سميت فيما بعد الهيئة العامة للاستعلامات، فدفعه الفضول للسؤال عن ماهية مصلحة الاستعلامات، ولكن فى حقيقة الامر لم يكن فضولا بقدر ما كان قدرا وخطا ومستقبلا رسمه الله لوالدى رحمه الله .. فقد تقدم للوظيفة وتم قبوله وبدأ مشواره لتحقيق حلمه "خدمة الوطن "فقد بدأ مديرا لمكتب رئيس المصلحة الدكتور عبدالقادر حاتم ثم تقلد منصب مستشار إعلامى فى عدة دول وأنشأ أكبر وأضخم مركز اعلامى فى الجزائر وعلى مستوى الدول العربية بعد استقلال الجزائر من الاستعمار الفرنسى .. كان هذا المركز بمثابة منارة علم وثقافة وفن، وكان يدعم سياسة التعريب التى كانت تسعى لها الحكومة الجزائرية بعد مرحلة الاستعمار التى حاولت طمس الهوية الجزائرية العربية، أنشأ أبى به مكتبة ضخمة تحتوى على أكثر من 6000 مؤلف من أمهات الكتب فى مختلف التخصصات، مما جعل هذه المكتبة قبلة للباحثين والمثقفين، كما كان يستضيف اشهر الكتاب المصريين والفنانين حيث كانوا يلبون دعوة أبى فور توجيهه الدعوة لهم، كان يحتفى بالفن من خلال العروض السينمائية والمسرحية التى كان الجمهور الجزائرى ينتظرها بشغف واشتياق، وأتذكر أنه عندما عرض والدى فيلم جميلة بوحريد للفنانة العظيمة ماجدة وحضرت بعدها الفنانة ماجدة للمركز للحديث عن فيلمها بحضور المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد، أغلق الشارع الذى به المركز الاعلامى من شدة الاقبال والتزاحم الشديد من الجمهور الجزائرى .. كان هو أول من اكتشف الشيخ الشعراوى رحمه الله عندما كان مبعوثا للازهر فى الجزائر وطلب منه القاء محاضرات دينية وسطية فى المركز الاعلامى، ولفت الشيخ الشعرواى نظر عدد من السفراء العرب وعلى رأسهم السفير السعودى الذى دعاه للمملكة العربية السعودية وأنطلق بعدها الشيخ الشعرواى ليصبح من اكبر وابرز علماء الدين فى العالم العربى بأكمله .. أستطيع أن أقول إن أبى خلق من هذا المركز منافسا شرسا وقويا للمراكز الغربية الاعلامية والثقافية فى الجزائر فى ذلك الوقت .. خدم أبى مصر لمدة 35 عاما بكل الحب والتفانى والاخلاص كان خلالها مستشارا إعلاميا لمصر فى كل من تونس والجزائر وايران والمغرب .. كانت فترة عمله بإيران من أخصب الفترات وأكثرها ازدحاما بزخم الاحداث حيث تنبأ فى مايو 1976 بسقوط الشاة وقيام الجمهورية الاسلامية التى عاش مراحل مخاضها وعاصر أحداثها يوم بيوم وساعة بساعة حتى غادرنا إيران بعد حادث الرهائن الامريكان فى طهران نوفمبر 1979 ولجوء شاه إيران إلى مصر .. كما خدم فى المغرب الشقيق لمدة خمسة أعوام فى فترة كانت العلاقات مقطوعة بين مصر والمغرب بسبب معاهدة السلام، ولم تكتب صحيفة واحدة كلمة تسئ فيها إلى مصر بفضل نشاط أبى وتفاعله ونجاحه فى عرض وجهة نظر مصر بكل موضوعية واحترافية شديدة، كان يحظى باحترام وتقدير وحب رجال الدولة والصحفيين فى المملكة المغرية لدرجة أنه بعد وفاته وتركة للمغرب منذ عشرين عاما نعته الصحف المغربية كأنه أحد أبنائها .. كان ابى قدوة ومثلا لى، كنت شديدة الاعجاب بشخصيته وكاريزميته، كان رجلا مقداما، شجاعا لا يخاف فى قول الحق لومة لائم .. معتزا بمصريته، بقريته، بأصوله الريفيية، وكان يقول لنا دائما من ليس له خير فى وطنه لن يكون له خير فى اهله ولن يبارك له الله فى اى نجاح أو أى خطوة يخطوها فى الحياة .. كان شديد الاعتزاز بأسرته وأهله رئيفا، رحيما بهم، خير عون وسند لكل من يلجأ له، لم يتعال أبدا على أحد من افراد عائلته أو اقاربه، كما كان مرجعية دائمة لهم ومستشارا حكيما ذا رؤية ثاقبة فى مختلف أمور الحياة .. كانوا يلجئون له ليناقش ويحاور شباب الأسرة الذين تم استدراجهم لأفكار متطرفة وكان ينجح باقتدار لإعادتهم لصوابهم مرة أخرى بفكره المستنير وتدينه الوسطى وحكمته التى لم أصادف مثلها فى حياتى . لقد قررت أن أسرد بعضا من ذكرياته أثناء عمله كدبلوماسى لعدة أسباب. أولا: قد تكون تجربته ملهمة للبعض ومرجعية للبعض الاخر.. ثانيا :جزء من رد الجميل له وإمتنانا وعرفانا له بما قدمه لى ولإخوتى من حياة كريمة وتعليم راق، حيث كان يقول لنا دائما لن أترك لكم الكثير من المال، لكنى سأترك لكم ما تستندون إليه فى الحياة من تعليم وثقافة وعزة نفس ..كما أتمنى أن يتقبل الله منى ما سأكتبه كصدقة جارية على روحه الطاهرة .. أفتقد أبى كثيرا فى هذه الحياة، أفتقد حكمته وقوته وشجاعته وصبره ومثابرته ووطنيته النادرة الصادقة المخلصة لوجه الله والوطن .. لكن عزائى أنه ترك لنا سيرة نفتخر بها وإرثا أخلاقيا هو وسام على صدورنا، إخوتى وأنا .. عزيزى القارئ أرجو منك عندما تقرأ هذه الكلمات أن تقرأ الفاتحة لوالدى وتدعو له.
طباعة

    تعريف الكاتب

    معتزة أحمد مهابة

    معتزة أحمد مهابة

    خبيرة إعلامية مصرية